مستجدات الأحداث

No More Articles

الحرب النفسية على لبنان: مَن يقوم بها؟ وما الهدف؟

المرصاد نت - متابعات

حاولت إسرائيل وعبر ما زعمت أنه اكتشاف أنفاق لحزب الله مُمتدّة من بلداتٍ جنوبيةٍ لبنانيةٍ ومتوغّلةٍ في أراضي فلسطين المحتلة أن تمارس إرهاباً معنوياً على اللبنانيين عبر تأليب الرأي العام Lobnano2018.12.12العالمي ضد لبنان وضد حزب الله. وقد سعى نتنياهو من خلال استدعائه اليونيفيل للتحقيق في قضية الأنفاق إلى تأكيد صحّة مزاعمه عبر بيان رسمي من قِبَل اليونيفيل بأن هناك فعلاً أنفاقاً في تلك المنطقة من دون أن تحدِّد مَن قام بها.

وكان لافتاً تعامل حزب الله الاحترافي مع القضية حيث استعمل سياسة الغموض البنّاء وقام بتصوير الجنود الإسرائيليين في وضعيات متعدِّدة وتمّ الاستيلاء على أسلحةٍ من الجنود الإسرائيليين المتواجدين على الحدود مع لبنان في أكثر الحروب النفسية احترافاً ودقّة. وتُعتَبر الحرب النفسية من أخطر الحروب التي تُشنّ على عدو وقد تفوق بخطورتها الحرب العسكرية المباشرة؛ وقد اعتبر نابليون بونابرت؛ أن حرب العقول أقوى من حروب الأسلحة إذ إن "هناك قوتان في العالم فقط: العقل والسيف؛ وعلى المدى الطويل؛ العقل دائماً ما ينتصر على السيف".

 تُعرّف الحرب النفسية بأنها ممارسة التأثير النفسي بغرض تقوية وتدعيم الروح المعنوية لشعب الدولة مقابل تحطيم الروح المعنوية لشعب العدو أي أنها المحاولات التي تقوم بها لتجعل عدوّك يفقد الثقة، ويتخلّى عن الأمل ويتملّك منه الخوف؛ حتى تُتاح لك فرصة الفوز بسهولة. وتعرّفها موسوعة المعارف البريطانية بأنها استخدام الدعاية ضد عدو بهدف إضعاف الروح المعنوية لديه وكسر إرادته في القتال أو المقاومة... وتستخدم لتعزيز موقع الحلفاء أو مقاتلي الجهة التي تقوم بها . وعادة ما تترافق الحرب النفسية ضد العدو مع الدعاية السياسية لإظهار تفوّق النفس على الأعداء ويكون أهم أهداف هذه الحرب ما يلي:

  -  إقناع السكان المحليين بدعم العملية العسكرية ضد حكومتهم أو على الأقل عدم إبداء الرغبة في المقاومة إنطلاقاً من فكرة عدم القدرة على المواجهة.
  -  رفع المعنويات وسط صفوف الجيش والمجموعات المحلية العسكرية الصديقة عبر الدعاية السياسية المُكثّفة.
  -  خلق جو عام من النزاع الداخلي وسط صفوف العدو وإحداث فتنة وانقلاب بينهم، وتأليبهم على بعضهم البعض بحيث يسهل اختراقهم.
  -  إضعاف الروح المعنوية لدى العدو وإشعاره بالذلّ والخضوع والإنهيار الإدراكي.

وتقوم الدول من خلال الدعاية السياسية، بتسويق قدرتها على الانتصار على العدو وإمكانية هزيمته بسهولة وهو ما انفكّ الإسرائيليون يقومون به من خلال تهديدهم للبنان وغزّة والدعاية لجيشهم بأنه الجيش الذي لا يُقهَر والذي يستطيع أن يكبّد الآخرين آلاماً وخسائر موجِعة.

في مجال الاستراتيجيات الدعائية يمكن أن نُميّز بين نوعين من الاستراتيجيات: استراتيجية "الحقيقة"  واستراتيجية "الكذبة الكبرى".

استراتيجية "الحقيقة" تعني تقديم المادة الإعلامية للمُستمع أو القارئ بشكلٍ إخباري يُراعى فيه أكبر قدر من الدقّة والموضوعية، مع تمرير بعض الرسائل المُفخّخة ضمن سياق حقيقي وواقعي إلى حدٍ كبير. أما استراتيجية "الكذبة الكبرى" فهي تعني تحريف أو تشويه المادة الإعلامية من أجل التلاعُب بالرأي العام وإغراقه بكمٍّ من الشائعات بحيث يتعذّر عليه تمييز الحقيقة أو معرفة حجم الكذب في الموضوع.

وفي هذا الإطار، يبدو لافتاً تعامل بعض الإعلاميين اللبنانيين والعرب بطريقة التهويل على اللبنانيين وقيام هؤلاء بممارسة حربٍ نفسيةٍ لصالح العدو، مُدّعين "الحرص على لبنان" وتسخيف كل مَن يقول بأن إسرائيل غير قادرة على شنّ الحرب، طالبين من الجمهور "عدم الانجرار وراء أوهام عدم قدرة إسرائيل على شنّ الحرب" وهم - سواءً بحُسن نيّة أو سوء نيّة- يقومون بالتسويق للعدو والمساهمة في حربه النفسية علينا.

إن التسويق الذي يقوم به هؤلاء لإسرائيل والتهويل بحربٍ كُبرى ستشنّها إسرائيل على لبنان وإن الوضع اليوم مختلف عما كان عليه في الأعوام السابقة حيث انخرط العرب في عداء مع إيران وحزب الله، وباتوا في وضعٍ أكثر دعماً لإسرائيل، هو بالضبط جزء من التسويق والحرب النفسية التي تخدم العدو لكن هؤلاء تغاضوا عن حقيقة أن المقاومة اليوم أكثر قوّة من ذي قبل وإسرائيل أكثر وهناً من ذي قبل وأن بيئة العدو الداخلية غير مُجهّزة للحرب وأن ظروف ما بعد حرب سوريا ليست كما قبلها.

عملياً، يحاول هؤلاء استعمال استراتيجيات كان قد استعملها النازيون والبريطانيون في الحرب العالمية الثانية.... لقد استعمل الإعلام النازي هذه الاستراتيجيات بفعالية معتمداً على الفكرة التي عرضها هتلر في كتابه "كفاحي" وهي أن الكذبة الكبرى التي يتم تردادها بشكلٍ مُكثّف ووافٍ، سوف تصدّقها الجماهير، جزئياً إن لم يكن كلياً إذ أن أكثرية الناس يفتقرون إلى سعة الأفق اللازمة لإدراك أن ترداد تصريحات بشكلٍ مُكثّفٍ وعلى لسان أكثر من جهة لا يعني صحّتها....

لكن، مع اللبنانيين وبعد الحروب التي تعرّضوا لها، لم تعد تُجدي هذه الحروب، وسيخرج الإسرائيليون ومَن معهم ومَن وراءهم من حربهم النفسية مع لبنان خاسرين كما في حروبهم العسكرية.

كتب : ليلى نقولا - أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

المزيد في هذا القسم:

No More Articles