مستجدات الأحداث

No More Articles

السعودية : ثلاث سنوات على «رؤية 2030» جباية... بلا إنجازات!

المرصاد نت - متابعات

ثلاث سنوات تبدو كافية بالنسبة إلى السعوديين لتقييم «رؤية 2030» الاقتصادية التي ولّدت تحولات غير مكتملة باتجاه دولة «جبائية» لا تزال تتكئ بثقلها حتى الآن على كاهل المواطن وحده 18 1 1فيما تبدو برامج الرؤية الداخلية والخارجية متعثرة وذلك قبل عام واحد من موعد قياس أداء الأجهزة الحكومية في إطار «برنامج التحول الوطني 2020»..

قبل ثلاث سنوات من اليوم أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رؤيته الاقتصادية للتحول من اقتصاد ريعي تعيش المملكة في كنفه على الأقلّ منذ الطفرة النفطية في سبعينيات القرن الماضي إلى اقتصاد متنوع في عام 2030م تمهيداً لمرحلة ما بعد النفط من خلال زيادة الاستثمار وتعزيز الإنتاجية. لكن إنتاج المملكة المحلي الفعلي إذا استُثني منه إنتاج النفط الذي يستحوذ على 60 بالمئة منه، يُعدّ غير قابل للاستدامة وفق ما يخلص إليه الاستشاري الخبير في الاقتصاد السعودي والوكيل السابق لوزارة المالية والاقتصاد عبد العزيز الدخيل في كتابه الأخير «أزمة مالية في طور التكوين» الصادر عام 2016. يعني ذلك أن تخفيف الاعتماد على النفط وفق رؤية ابن سلمان يجب أن يكون مصحوباً بإصلاحات عميقة في الاقتصاد الذي اعتمد لعقود على إعادة توزيع الريع بدلاً من إنتاجه.

تبدو «رؤية 2030» أشبه بدائرة حلزونية يقبع المواطن السعودي في وسطها. تدور وتدور لتحطّ أخيراً على عاتقه في دولة باتت تعتمد «الجباية» لتنويع مصادر دخلها، من دون أن توفر بيئة اقتصادية تحمي الشركات والمستثمرين والعمال وأرباب العمل. منذ ثلاث سنوات، تراوح رؤية «رجل الإصلاحات» في دوامة لم تعد خافية على الاقتصاديين، تبدأ من التعثر في تأمين مصادر التمويل، سواء ببيع 5 بالمئة من شركة «أرامكو» أو استقطاب مستثمرين أجانب أو عوائد استثمارات في شركات ومصارف عالمية، مروراً بتداعيات الإجراءات التقشفية القاسية، كرفع الدعم عن الوقود والكهرباء والخصخصة وفرض الضرائب وإلغاء الحوافز، وليس انتهاءً بارتفاع الدَّين العام ونفاد الاحتياط المالي للبلاد.

بالنظر إلى أهداف «الرؤية» ونتائجها اليوم، يبدو جلياً اقترابها من حافة الانهيار. فبدلاً من تقليل نسبة البطالة وجعلها تصل إلى 7 بالمئة، تفيد آخر الإحصاءات الرسمية بأنها وصلت إلى 12.7 بالمئة (كما في السودان) علماً بأن الأرقام الرسمية لا تعكس الصورة الحقيقية تماماً. هذا المعطى يشير إلى فشل مشاريع عدة في إطار «الرؤية»، منها مشروع «السعودة». إذ تشير آخر الأرقام إلى أن الطاقة الاستيعابية للتوظيف في المملكة تبلغ 12.5 مليون وظيفة في مختلف المهن لا يشغل السعوديون منها سوى 3.1 ملايين، بينما يستحوذ الأجانب على البقية على رغم وجود أكثر من 6000 سعودي عاطل من العمل مِمَّن يحملون شهادات عليا وقد يضاف إليهم أكثر من سبعة ملايين طالب وطالبة حالياً في الجامعات إن لم تنجح المملكة في «توطين» الوظائف سريعاً.
ومع أن نسبة البطالة تبدو قابلة للانخفاض إلا أنها في سرعة ارتفاعها غير مألوفة في ثاني أغنى دولة في العالم، خصوصاً أنها تترافق مع أزمات عدة، كارتفاع نسبة الفقر إلى 12.3% (عام 2017)م فيما تحتل المملكة المرتبة الثامنة في قائمة الدول الـ10 الأكثر احتضاناً للمليارديرات.

والجدير ذكره هنا أن نسبة الفقر هذه سبقت إجراءات رفع الدعم عن الطاقة (الوقود والكهرباء)، وانخفاض معدلات الرواتب (التي باتت بحسب «المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية» 3 آلاف ريال كمتوسط دخل)، ما يعني أنها قد تكون أكبر بكثير. كذلك، بينما بات 6.9 ملايين مواطن بلا حسابات بنكية تراجع معدل الادخار إلى 2.4 بالمئة بحسب مؤسسة «ساما»، وهو رقم يعتبر منخفضاً جداً مقارنة بالحد الأدنى العالمي البالغ 10 بالمئة.

ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض الرواتب في ظلّ رفع الدعم عن الوقود والكهرباء وفرض ضريبة القيمة المضافة، عوامل أدت إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطن السعودي من جهة، وارتفاع تكاليف الإنتاج لدى الشركات وبالتالي ارتفاع الأسعار من جهة ثانية. وبحسب الأرقام الرسمية، زادت فاتورة الكهرباء بنسبة 250 بالمئة، وسعر البنزين بنسبة 130 بالمئة، وكلفة الاتصالات بنسبة 50 بالمئة، وراوحت زيادة سعر مختلف السلع الاستهلاكية بين 10 و30 بالمئة.

وعلى رغم أن المملكة أكبر مصدّر للنفط في العالم، إلا أنها ليست ضمن قائمة أرخص 10 دول، إذ تسبقها فنزويلا والسودان وإيران والكويت وغيرها... ومن المعلوم أن ارتفاع أسعار المحروقات المحلية يهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، لكن ذلك يؤثر بتكاليف الأعمال، وبالتالي يسبب زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية، خصوصاً أن الشركات السعودية، التي تصنع بمعظمها موادّ استهلاكية، بدأت تواجه خسائر بالملايين بحسب الأرقام التي ترد في صحيفة «الاقتصادية» شبه الرسمية كشركات «نادك» و«سوليدرتي تكافل» و«المملكة القابضة» و«الأسماك» و«التعاونية» و«ولاء للتأمين» و«العربية للأنابيب» و«سايكو» و«المراعي»، وغيرها الكثير. والأخيرة واجهت حملة تدعو إلى مقاطعتها في وسائل التواصل الاجتماعي في يوليو/ تموز من العام الماضي بعد إعلانها ارتفاع أسعار الألبان في مثال بيّن على تداعيات السياسات الاقتصادية على الشركات والمستهلكين على حد سواء.

ولم ينحصر تراجع القدرة الشرائية في مجال المواد الاستهلاكية بل ضرب قطاعات كبرى كالإسكان والسيارات. إذ يشهد سوق العقارات حالة ركود فيما يتوقع متخصصون استمرار هبوط أسعار المنتجات العقارية بسبب ارتفاع المعروض مقابل تدني الطلب علماً أن عدد المالكين للمساكن يبلغ 37 بالمئة فقط من السكان وعدد المستأجرين 44 بالمئة. والأخيرون لا يجدون خياراً غير الاقتراض من «الصندوق العقاري» الذي يفرض فوائد عالية جداً على المقترضين.

في خضمّ ذلك لم تتخذ الحكومة سوى إجراء واحد لحماية المواطن المستهلك هو «حساب المواطن» الذي من شأنه تقديم رزمة مساعدات للمتضررين من ارتفاع أسعار الوقود وضرائب القيمة المضافة الجديدة لمدة عام واحد (تنتهي في كانون الثاني/ يناير المقبل). إلا أن ذلك لم يكن كافياً لسدّ الفارق بين الأسعار السابقة والحالية وانتشال المواطنين من دوامة الديون، التي لا تزال مستمرة في الاتساع؛ إذ ارتفعت ـــ وفق «بلومبرغ» ـــ القروض الاستهلاكية الشخصية خلال 2018م لتصل إلى أعلى مستوى في عامين ونصف عام. رغم هذا بدأ محمد بن سلمان يلمّح إلى وقف المساعدات أو تعديل خططها، وهو ما ذكره في مقابلة مع «بلومبيرغ» في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي حين أشار إلى أن «لدينا الآن كثيراً من النقاشات حول ما إذا كان يجب علينا أن نستمر بحساب المواطن أو أنه يجب علينا أن نعتمد على التعويض».

على خط موازٍ في ظل تعثر رؤية ابن سلمان، وانعدام مناخ الأعمال والاستثمار بدأت موجة هروب جماعي للمستثمرين والأثرياء من السعودية، على رغم الإجراءات الطمأنة التي اتخذتها السلطات في أعقاب حملة الـ«الريتز كارلتون» في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. ووفقاً لأحدث تقرير عن الاستثمار العالمي صادر عن «أونكتاد» (نُشر في 7 حزيران/ يونيو الماضي)، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ العام الماضي 1.4 مليار دولار فقط، مقارنة بـ 7.5 مليارات دولار في العام السابق.

وترجع زيادة هروب الاستثمارات، أيضاً إلى حرب اليمن وقضية اغتيال جمال خاشقجي اللتين أضرّتا بأسهم الشركات العاملة في السعودية بمجرد توعد أعضاء الكونغرس بمعاقبة الرياض، ما دفع مستثمرين إضافيين إلى الانسحاب من أجل الحفاظ على سمعتهم في السوق.

هروب المستثمرين دفع السعودية إلى إدخال صندوقها السيادي، للمرة الأولى، في دوامة الاقتراض، وذلك في أيلول/ سبتمبر الماضي، عندما جُمع قرض دولي بقيمة 11 مليار دولار. استدانة عزّز الدافعَ إليها أيضاً تعثّرُ المصدر الرئيس لتمويل «الرؤية» وهو بيع نسبة 5 بالمئة من «أرامكو» بسبب سوء تقدير السعر الحقيقي للشركة التي يدعي السعوديون أن قيمتها الإجمالية تبلغ تريليونَي دولار بينما هي في أعلى تقدير تبلغ 1.2 ترليون. والحل الذي يسعى بن سلمان لتحقيقه اليوم رفع قيمة «أرامكو» من خلال شراء الأخيرة الحصة المسيطرة (70%) من الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» علماً أن كلتا الشركتين ملك للدولة وبذلك يكون عملياً (في حال حصول البيع) قد باع نسبة من الشركتين معاً.

«إصلاحات» ابن سلمان بعيون غربية: تقدّم وهمي

حتى بداية العام الحالي كانت غالبية وسائل الإعلام الغربية المختصّة بالشأن الاقتصادي تظهر نظرة متشائمة إزاء الإصلاحات الاقتصادية السعودية ضمن ما يُسمى «رؤية 2030» ولا سيما حين يتعلّق الأمر بالانطباع العام الذي تتركه لدى المستثمرين وخصوصاً الأجانب منهم. العناوين التي نُشرت عن الموضوع كثيرة، إلا أن أبرزها ما جاء في مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية في نهاية العام الماضي بالتوازي مع ما نُشر في وكالة «بلومبرغ» الأميركية في الفترة ذاتها من تحذير من «الرؤية غير الواضحة» للإصلاحات السعودية، وتأثيرها على الاستثمار الخارجي.

المجلة البريطانية أكدت أن هذه الإصلاحات «لا تجذب المستثمرين». وإذ أشارت إلى أرقام تعكس ارتفاع سوق الأسهم السعودية، إلا أنها لفتت إلى أن «التقدم يبدو وهمياً». العبارة التي توضح ما تعنيه المجلة كافية للاستدلال على المخاطرة التي بدأ بها ولي العهد محمد بن سلمان عام 2016م فضلاً عن الخطوات الكبيرة التي خطاها والتي يتّضح مع الوقت أنها تؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد السعودي، بشكل عام. «بالنظر إلى الأرقام الأخيرة، تبدو نتائج إصلاحات محمد بن سلمان مخيّبة للآمال» قالت «ذي إيكونومست». وانطلقت من وقائع عدة تؤكد هذه النظرية، لافتة إلى سوق الأسهم مثلاً، التي «تبدو بحالة جيدة». ولكن ما يقف وراء هذه الجودة «الدعم السري من قِبَل الحكومة عبر تقديم طلبات شراء ضخمة لمواجهة عمليات البيع، التي تبعت الأزمات السياسية الأخيرة»، وهي في ذلك تستند إلى تقرير نُشر في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن الموضوع.

وفق المجلة البريطانية فإن «أرقام الناتج المحلي الإجمالي مضلِّلة بشكل كبير». ذلك أن «الاقتصاد يبقى معتمداً على النفط»، الأمر الذي يخالف الهدف الأساسي للرؤية الاقتصادية لابن سلمان. وبحسب «ذي إيكونوميست»، فإن ابن سلمان «يسعى لأن ينظر المستثمرون الأجانب إلى السعودية على أنها رهان آمن»، ولكن «سياساته المتقلّبة، من حبس السعوديين الأغنياء في عام 2017م إلى الخلاف الدبلوماسي الذي لا طائل منه مع كندا وألمانيا، تخيفهم». وفي هذا الإطار تستند المجلة البريطانية إلى الأرقام لتبرّر تقييمها إذ تشير إلى أن «الاستثمار الأجنبي المباشر انخفض إلى 1.4 مليار دولار (0.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2017م من 7.5 مليارات دولار في العام الذي سبق». هذا فضلاً عن أن «السعوديين الأغنياء يحاولون نقل أموالهم إلى الخارج إذ نُقل حوالى 80 مليار دولار عام 2017».

لا تنتهي مآخذ المجلة عند هذا الحد فهي تنتقل إلى المشاريع الضخمة الموجّهة من الدولة والتي يروّج لها ابن سلمان مثل مدينة «نيوم» على الساحل الشمالي الغربي. وتوضح أن ما بُني ضمن هذا المشروع لا يزال قليلاً جداً. كذلك تتحدّث عن «مدينة الطاقة» «سبارك» التي بدأ العمل بها في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر الماضي والتي تبلغ تكلفتها 1.6 مليار دولار، معتبرة أن «مثل هذه الخطط نادراً ما تعمل». لا ينتهي الأمر عند هذا الحد إذ تتطرّق المجلة إلى «حي الملك عبد الله المالي» وهو مشروع تكلفته 10 مليارات دولار في الرياض لا يزال «مكوّناً من المباني أكثر من المصارف».

وبالانتقال إلى مبيعات التجزئة تلفت المجلة إلى أنها «بطيئة» موضحة أن «عدد وظائف التجزئة انخفض بمقدار 177 ألفاً منذ عام 2017، مُعرقلاً جهود الحكومة الرامية إلى خلق فرص عمل للسعوديين عبر منع الأجانب من العمل في العديد من وظائف البيع». وفق المجلة فإن «السعوديين لا يحلّون مكان الأجانب» وذلك لأسباب عدة؛ منها أنها لا يهوون الأعمال اليدوية مثلاً، وأيضاً لأن «كلفتهم أعلى من كلفة العامل الأجنبي».

من جهتها، ترى «بلومبرغ» أن الإنفاق المفرط في ميزانية العام الحالي يهدد بإخافة المستثمرين وتقول إن «الموازنة التوسعية الجديدة للمملكة تشير إلى أن الحكومة تفتقر إلى التصميم والانضباط لفصل البلاد عن اعتمادها على النفط، وتقليص المساعدات الحكومية، وتطوير قطاع خاص قابل للحياة». وفي السياق، تشير الوكالة الأميركية إلى أن «موازنة عام 2019 تطلب حوالى 300 مليار دولار للإنفاق وهي أكبر النفقات في تاريخ المملكة، رغم انخفاض أسعار النفط والإنتاج». كذلك، تلفت إلى أن «من المتوقع أن يبلغ العجز 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي».

أما عما يجري تطبيقه فعلاً، فتذكر «بلومبرغ» أن الحكومة تقوم بما ينافي أسس «إصلاحاتها الاقتصادية» ومنها «تمديد منحها السنوية للمواطنين عاماً آخر، ضمن نوع من التبذير سعت الرؤية إلى إلغائه». تعتبر الوكالة أن هذا الأمر «سيعمّق الشكوك بين المستثمرين المحليين والأجانب» مشددة في الوقت ذاته على أن «هناك بعض الخطوات التي يمكن أن تطمئن المستثمرين في شأن الرؤية الاقتصادية ومنها التخلي عن الخطط الضخمة المتعلقة بإنفاق 500 مليار دولار لبناء مدينة جديدة على الساحل الشمالي الغربي وتسريع خصخصة 14 شركة تملكها الدولة، فضلاً عن إنهاء المنح الحكومية بعد عام 2019».

قراءة : علي جواد الأمين - الأخبار

المزيد في هذا القسم:

No More Articles