عودة التصعيد إلى إدلب: اعتراض بالنار على تسويف أنقرة !

المرصاد نت - متابعات

لم يكن المشهد في إدلب ومحيطها أمس متساوقاً مع أجواء الأشهر التي تلت توقيع «اتفاق سوتشي» الروسي ـــ التركي ولا مع الرغبات التركية المعلنة في آخر اجتماعات «أستانا» Idliab2018.8.16بتعزيز «وقف إطلاق النار» وتمتينه. إذ عاد نشاطُ سلاحي الجو السوري والروسي إلى أجواء منطقة «خفض التصعيد» واستهدفا منذ ساعات الفجر عدداً كبيراً من المواقع في كل من حماة وإدلب وأطراف ريف اللاذقية الشمالي الشرقي.

وللمرة الأولى منذ أشهر أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن طائراتها استهدفت «مستودع أسلحة» يتبع «هيئة تحرير الشام» في إدلب وذلك «بالتنسيق مع الجانب التركي»، موضحة أن «معلومات مؤكدة من عدة قنوات كشفت أن الموقع المستهدف يضم عدداً كبيراً من الطائرات المسيّرة التي كان يخطط لاستخدامها في هجمات على قاعدة حميميم الجوية».

وبينما طاول القصف الجوي مواقع داخل مدينة إدلب، كان أبرز الأهداف وفق معلومات الأوساط المعارضة السجن المركزي التابع لـ«هيئة تحرير الشام» غربي المدينة. ووفق ما نقلته وسائل إعلام معارضة سبّب القصف هرب عدد كبير من المعتقلين لدى «تحرير الشام» فيما انتشرت تسجيلات وصور لهؤلاء الفارين خلال مغادرتهم محيط السجن. وأثار هرب هؤلاء المكشوف عبر الطرقات الرئيسية تساؤلات عن غياب حواجز يمكنها توقيفهم مجدداً بينما تداولت أوساط معارضة تكهنات واتهامات لزعيم «تحرير الشام» أبو محمد الجولاني بالتواطؤ لتهريبهم، قبل أن يخرج بيان عن «الهيئة» يتهم الجانب الروسي بمحاولة تصفية «السجناء» بعدما ثبت تورطهم في التفجيرات التي ضربت إدلب «عبر تنسيقهم مع قاعدة حميميم».

اللافت في البيان تأكيده أن هذا التصعيد «لن يمرّ من دون ثمن» وتوعّده بإطلاق مرحلة جديدة من «سلسلة عمليات ويشفِ صدور قوم مؤمنين» وسيفتح هذا الوعيد إن نُفّذ احتمالات انزلاق التصعيد إلى مواجهة واسعة في عدد من خطوط التماس ولا سيما تلك التي شهدت توتراً كبيراً خلال الأسابيع القليلة الماضية. ولن يمرّ أي تحرك من «تحرير الشام» دون ردّ واسع سوري ـــ روسي خاصة أن أكثر من مهلة مُنحت سابقاً لأنقرة لتنفيذ ما يترتب عليها من التزامات وفق «اتفاق سوتشي» ولكنها استنكفت عن ذلك.

وتشير المعلومات المتوافرة من الجانب الروسي إلى أن موسكو «لن تصبر» على هذا «التسويف» التركي. إذ نقلت مصادر حضرت الجلسة المغلقة لـ«منتدى فالداي» الذي عقد الشهر الماضي مقاربة موسكو تلك عبر حديث نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين الذي قال في الجلسة إن بلاده «تعبت من الأتراك»، ولن تتردد في التحرك لـ«تصفية الجماعات الإرهابية... كما فعلت سابقاً في مناطق أخرى عبر قتل آلاف الإرهابيين». ولدى سؤاله عن إمكانية «المصالحة» مع تلك التنظيمات وقبول إدخالها في نسيج التشكيلات العسكرية السورية، قال إن «هؤلاء مجرمون لا يمكن العمل معهم».

جاء الموقف الروسي الحادّ بالتوازي مع ردّ الجيش السوري على انتهاكات التهدئة في المنطقة «المنزوعة السلاح» ليعزز الضغط على الجانب التركي الذي حاول كسب الوقت مجدداً خلال الفترة الماضية عبر إجراءات عدة. إذ عادت أنقرة لتحريك ملف تل رفعت والمناطق التي تجاورها و«ضرورة التخلص من الإرهابيين فيها» وهو ملف سبق أن حرّكته لعقد صفقة مع الجانب الروسي طرفها الآخر كان جسر الشغور والمناطق المجاورة لها المُهمة لتأمين الساحل السوري وقاعدة حميميم بوجه خاص. واستفادت تركيا أيضاً من مفاوضات «المنطقة الآمنة» مع الجانب الأميركي لتأجيل النقاش في إنفاذ «اتفاق سوتشي».

كذلك يعكس صمت موسكو حيال إعلان الجانب التركي تسيير دوريات منسّقة مع الجانب الروسي على حدود المنطقة «المنزوعة السلاح» عدم رضى عن إخراج الخطوة التركية ولا سيما أن أنقرة حاولت تصويرها كخرقٍ من شأنه وقف التصعيد و«منع استهداف منطقة خفض التصعيد». ويتقاطع هذا الجو المتوتر مع تأكيدات روسية قالها فومين خلال جلسة «منتدى فالداي» وفق ما نقلت مصادر عن أن روسيا لن تقبل منح أنقرة أكثر ما يؤمنه لها «اتفاق أضنة» الموقَّع مع الجانب السوري وهو أدنى من الطموحات التركية الحالمة بـ«منطقة آمنة» تكمّل ما احتلّته في ريف حلب الشمالي.

طريق عمّان ـــ دمشق «الاقتصادي»... مغلَق بأمر أميركي!


مجاهرة أميركية من قلب عمّان بحرب اقتصادية على دمشق انطلقت منذ «مؤتمر البرلمانيين العرب» بداية هذا الشهر خاصة مع الحضور اللافت للوفد السوري ما يؤكد أن الانفتاح على دمشق يبقى تحت رقابة أميركية حثيثة من إدارة دونالد ترامب أولاً وممثلي الكونغرس بشقَّيه ثانياً ..Jordanin2019.3.14 syr

و قطعت رئاسة مجلس النواب الأردني الطريق على النائب عبد الكريم الدغمي بعد انتقاده الملحق التجاري الأميركي لدى عمّان على خلفية اللقاء الذي جمع الأخير بممثلين عن قطاع الصناعة والتجارة وما صدر عنه من «توجيهات» بقصر التبادل التجاري والمساهمات في الإعمار على العراق فقط. أما التعامل مع سوريا كما يرى الأميركيون فيعني خرقاً لقانون أصدرته حكومتهم يجرّم من يتعاملون مع دمشق ويعاقبهم بتجميد أرصدتهم وودائعهم في البنوك فضلاً عن التضييقات القانونية والملاحقات الشخصية وهو ما رأى فيه النائب الأردني «بلطجة وزعرنة» واصفاً آنذاك المسؤول الأميركي بـ«الأزعر والتافه والوغد».

صحيح أن الجدل مرّ سريعاً لكن أوساطاً صحافية محلية أشارت إلى أن لقاءات السفارة الأميركية تكررت مع جهات اقتصادية أردنية أخيراً ومنها ما جرى في «غرفة صناعة عمان» و«نادي الملك حسين» وأخرى في منزل وزير الخارجية أيمن الصفدي وكلها شهدت «تحذيرات أميركية» من التعامل مع السوريين. مع ذلك تبعت تحركاتٌ نيابية مداخلةَ الدغمي إذ وقّع 20 نائباً عريضة يستهجنون فيها «التدخل الصارخ في التجارة الأردنية».

يقول النائب خالد رمضان إن موقف واشنطن واضح ولا يحاول المسؤولون الأميركيون إخفاءه وما جرى خلال تلك اللقاءات مجرد تذكير بأن دمشق تحت الحصار الاقتصادي. وأضاف رمضان: «ما لم تأخذه واشنطن بالحرب ستأخذه بالضغوطات» مشيراً إلى أن التعاملات البنكية تشترط الموافقة على التزام الأفراد والشركات مقاطعة قائمة من الدول والمنظمات، منها سوريا وفنزويلا أخيراً.

ويقلب هذا المستجد ما بدا من تفاؤل شعبي ورسمي رافق افتتاح معبر «جابر – نصيب» في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ولا سيما أن الأوضاع الاقتصادية في المملكة متأزمة أكثر بسبب حلول الاستحقاقات المالية وارتفاع المديونية وتراجع الدول المانحة عن وعودها، ولذلك لم يكن غريباً بدء وفود أردنية تحركات باتجاه دمشق ومنها وفد تجاري برئاسة النائب السابق لـ«رئيس غرفة تجارة الأردن» غسان خرفان الذي استنكر أيضاً تصريحات الملحق التجاري الأميركي وقال إنها تتناقض مع السيادة الأردنية ومع اتفاقات التجارة العالمية لافتاً إلى أن لا أحد مِمَّن حضر اللقاء مع المسؤول المذكور تقدّم بشكوى حتى اللحظة.

طريق عمّان ــــ دمشق المفتوحة رسمياً بحذر وبطء يأمل الرابضون على طرفَيها انفتاحاً أكبر وعودة العلاقات إلى سابق عهدها فضلاً عن تطلّعات أردنية إلى مرحلة إعادة الإعمار بل كانت شخصيات في القطاع الخاص الأردني قد شدّت الرحال شمالاً لاستطلاع الوضع ومحاولة ترتيب تفاهمات مبدئية مع السوريين.

في هذا السياق يقول نقيب مقاولي الإنشاءات الأردنية أحمد اليعقوب إنه لا علم لديه بتهديدات السفارة بل يوجد «تفاؤل كبير لدى قطاع الإنشاءات في المساهمة في الإعمار من باب المصالح الوطنية المشتركة والخالصة». ويتساءل: «الأردن عانى ما عاناه من الأزمة فما المطلوب منه الآن؟». وبخصوص الملاحقات الأميركية قال اليعقوب: «القطاعات الأردنية غير كبيرة، ولا تملك فروعاً في الولايات المتحدة فعن أي ملاحقة يتحدثون... معوّقات التعامل مع دمشق تتعلق بترتيبات وتعديلات قوانين يسعى الجانبان الأردني والسوري لتجاوزها».

أما عضو «نقابة المهندسين الأردنيين» ساهر السلوادي فقال إن الضغوط الأميركية لن تكون مباشرة على الأفراد وأصحاب الشركات المتوسطة والصغيرة بل ستطاول الدولة. وأضاف السلوادي: «إذا فرض حظر اقتصادي على سوريا فذلك يعيد إلى الأذهان عهد الحصار الأميركي على العراق في التسعينيات وكيف توجهت قوافل شعبية لكسر هذا الحصار وهذا أمر غير بعيد تنفيذه».

يشار إلى أنه منذ بداية العام الجاري، تسعى إدارة دونالد ترامب ومعها الكونغرس بغرفتَيه (النواب والشيوخ) إلى إحكام القبضة الاقتصادية على سوريا والدول الداعمة لها (إيران وروسيا) والتحكم بمنافذ إعادة الإعمار. ويلاحَظ أيضاً أن وثائق الكونغرس التي تتحدث عن تشريعات ومشاريع قوانين مثل مشروع «قيصر» (يفرض عقوبات إضافية على سوريا)، ارتبطت في المناقشات بمواضيع أخرى هي: تعزيز الدعم الأميركي لإسرائيل في مجال الدفاع والتسليح وتوسيع التعاون في مجالات الدفاع مع الأردن وفرض عقوبات إضافية ذات صلة بالصراع في سوريا ومقاطعة الجهات التي تقاطع إسرائيل.

يعقّب الأمين العام لـ«حزب الوحدة الشعبية» الأردني المعارض سعيد ذياب بالقول إن «تصريحات الملحق التجاري تعبر عن رؤية أميركية شمولية للمنطقة وتربط حلفاء واشنطن بإحكام بها» قائلاً: «لو نُفّذت تهديدات الملحق التجاري فإن الخاسر هو الطرف الأردني لأن سوريا لن تتضرّر وهي في حالة اقتصاد حرب من فقدان تعاملاتها القليلة حالياً مع الأردن» منبّهاً في الوقت نفسه إلى أن «العنصر الحاسم هو التحركات السياسية والشعبية لرفض إملاءات السفارة».

لكن المراقبين لا يزالون متشائمين، ويرون أن واشنطن لن تسمح بأي تقارب يعطي الشارع الأردني والدولة فرصة تتنفّس من خلالها لأن ذلك كفيل بخلق معطيات جديدة لعمّان وهو أمر غير مسموح به إلى حين انقضاء الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة وما سيتبعها من خطوات أميركية («صفقة القرن») لا يشعر الأردن الرسمي وهو الحليف الأمين بالارتياح حيالها.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية