الجيش العربي السوري يستأنف عملياته بعد سقوط هدنة إدلب في يومها الرابع !

المرصاد نت - متابعات

لم تكمل الهدنة التي دخلت أخيراً حيّز التنفيذ في منطقة «خفض التصعيد» في إدلب ومحيطها يومها الرابع. كما كان متوقعاً سقطت الهدنة بفعل عدم تحقق أيٍّ من الشروط التي أعلنتها دمشق syria Army2019.8.6لضمان استمرارها إضافة إلى غياب أي بوادر إيجابية من قِبَل المجموعات المسلحة وتركيا أيضاً. يجري هذا بينما يزداد الحديث عن عملية عسكرية تركية وشيكة في شرق الفرات تسعى واشنطن إلى تنسيقها مع أنقرة، لضمان أمن المنطقة التي تسيطر عليها حليفتها «قسد».

استأنف الجيش العربي السوري عملياته في ريف حماة الشمالي وريفَي إدلب الجنوبي والغربي بعدما شهدت جبهات المنطقة هدوءاً امتدّ لثلاثة أيام بفعل الهدنة التي توصّل إليها الأطراف تزامناً مع انطلاق اجتماعات «أستانا 13» يوم الجمعة الماضي. وتجدّد القصف بعد وقت قصير من اتهام قيادة الجيش العربي السوري «المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من تركيا» بأنها «رفضت الالتزام بوقف إطلاق النار وقامت بشنّ العديد من الهجمات على المدنيين في المناطق الآمنة المحيطة».

وأعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة في بيان أمس أنها «ستستأنف عملياتها القتالية ضد التنظيمات الإرهابية، بمختلف مسمياتها»، انطلاقاً من «كون الموافقة على وقف إطلاق النار كانت مشروطة بتنفيذ أنقرة التزاماتها بموجب اتفاق سوتشي وعدم تحقق ذلك». وبعد بيان الجيش مباشرة ذكرت وكالة «سانا» الرسمية أن المجموعات المسلحة «استهدفت قاعدة حميميم الجوية بمجموعة من القذائف الصاروخية» ليتبع ذلك بيان لوزارة الدفاع الروسية تؤكد فيه الاستهداف وتنفي تعرض جنودها لأي إصابة مشيرة إلى أن «القذائف سقطت على قرية رويسة عفيف القريبة من القاعدة ما أدى إلى إصابة 4 من أهاليها».

وينصّ اتفاق سوتشي الموقّع في أيلول/ سبتمبر 2018م على إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كلم، تفصل بين مناطق سيطرة الجيش العربي السوري والفصائل المسلحة. كما يقضي بسحب الأخيرة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة منها وانسحاب المجموعات المصنّفة «إرهابية» نهائياً من هناك. ويستند موقف دمشق في استئناف العمليات العسكرية بشكل أساسي إلى عدم وفاء أنقرة ببنود الاتفاق، وتقاعسها عن ممارسة الضغط المطلوب على المسلحين من أجل ذلك. وبعد موافقة الحكومة السورية على الهدنة الأخيرة خرج القائد العام لـ«هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، السبت الماضي ليعلن أن فصيله لن ينسحب من المنطقة المنزوعة السلاح، مؤكداً «(أننا) لن نتموضع لا بناءً على طلب الأصدقاء ولا الأعداء». ومنذ إعلان الجولاني، بدا أن الهدنة معرّضة للسقوط في أي لحظة، وهو ما حدث بالفعل يوم أمس.

وفي أعقاب الإعلان السوري وقف الالتزام بالهدنة نفذ الجيش سلسلة ضربات على مواقع انتشار المجموعات المسلحة في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي. وذكرت وكالة «سانا» أن الاستهداف طال «محور بلدة اللطامنة وقريتي الزكاة والأربعين شمال شرق قريتي تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي» مضيفة أنه «شمل عمق مواقع انتشار التنظيمات الإرهابية في ريف إدلب الجنوبي».

على صعيد مواز أعلنت وزارة الدفاع التركية أمس أن الجولة الثانية من المباحثات مع الجانب الأميركي بخصوص «إقامة منطقة آمنة شمالي سوريا» ستُستأنف اليوم في العاصمة أنقرة وبحسب ما أفادت به الصحف التركية فإن المفاوضات حالياً متعثرة حول عمق «المنطقة الآمنة» إذ تطالب أنقرة بشريط عرضه 30 كلم فيما ينص الاقتراح الأميركي على 15 كلم فقط. كما تريد تركيا أن تسيطر وحدها على هذه المنطقة بينما تريد واشنطن أن تكون شريكة فيها.

وفي هذا الإطار ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أمس أن العرض الأميركي الذي وصفته بـ«الأخير»، يشمل «تنفيذ واشنطن وأنقرة عملية مشتركة لتأمين منطقة حدودية بعرض نحو 140 كلم وعمق 15 كلم، وانسحاب المقاتلين الأكراد من المنطقة وإزالة تحصيناتهم وتسيير دوريات مشتركة في ثلث الأراضي بين نهر الفرات والعراق، قبل تطهير الثلثين المتبقيين لاحقاً». ولاحقاً قال متحدث باسم «البنتاغون» إن «النقاشات ستستمر طوال هذا الأسبوع»، آملاً «التوصل إلى نتيجة ملموسة وقريبة» فيما أشارت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إلى أن «بلادها تواصل بحث موضوع المنطقة الأمنية مع السلطات التركية وتعتبر هذا الحوار الطريقة الوحيدة لضمان الأمن في المنطقة الحدودية».

وفي ذات السياق قال مصدر عسكري تركي إن الجيش يمكن أن يطلق العملية العسكرية في شرق الفرات في حال تعرّض الأراضي التركية لهجوم من الأراضي السورية مرجّحاً أن تنطلق بعد عيد الأضحى وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان هدَّد بأن بلاده ستنفّذ عملية شرقي نهر الفرات في شمال سوريا وأنها أبلغت روسيا والولايات المتحدة بذلك وجددت تركيا على لسان وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو دعوتها الولايات المتحدة كي تكفّ عن دعم الفصائل الكردية في شمال سوريا.tourkiya2019.8.6

في المقابل أكدت وزراة الدفاع الأميركية "البنتاغون" أن أي عمل عسكري أحادي الجانب في شمال شرق سوريا يشكّل مصدر قلق كبير خاصة لاحتمال وجود عناصر أميركية هناك. وأضاف البنتاغون أنه "في الوقت الذي لا تزال فيه القوات الاميركية تشنّ عمليات ضد بقايا داعش فإنّ أي عمل عسكري أحادي يعدّ غير مقبول" كما أعربت الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء اعتزام الجيش التركي القيام بعملية شرقي نهر الفرات ولا سيما أن القوات الاميركية قد تكون في مكان قريب معتبرة أن هذه الأعمال غير مقبولة.

وكانت تركيا أكدت مرات عديدة أنه إذا لم تكن المقترحات الأميركية «مرضية» فستشنّ عملية في سوريا لإقامة «منطقة آمنة بشكل أحادي» وهو ما تتخوّف منه الولايات المتحدة. وبالنظر إلى أن «واشنطن بوست» أشارت في تقريرها إلى أن «الإدارة الكردية في شمال شرق سوريا تستعدّ لحرب ضد تركيا حيث تم حفر كثير من الأنفاق وإقامة مستشفيات ميدانية تحت الأرض وتحويل عشرات المنازل إلى مواقع محصنة» فإن مسار المحادثات الجارية راهناً في أنقرة سيكون حاسماً في رسم الصورة المستقبلية لشرق الفرات.

المنطقة الآمنة التركية: ما هدفها؟
مع استمرار الخلاف والحوار التركي - الأميركي حول موضوع أس-400 لم يكن الأمر محرجاً للطرفين حتى يتّفقا على فكرة المنطقة الآمنة، حتى لو اختلفا على الأمتار. فالجيش التركي يستعد لاجتياح شرقي الفرات والتوغل بعمق 30-35 كلم فيما يقول الجانب الأميركي "يكفيكم 15 كلم" وكأن إبعاد المسلحين الكرد جنوباً سينهي المشكلة التي يسميها الأتراك خطر الاٍرهاب .

ومن دون أن يخطر على بال أحد أن المساومة الأميركية – التركية، وبالتالي الاتفاق المحتمل على المنطقة الآمنة سوف يكون على حساب الدولة السورية، وسبب مشكلتها في المنطقة هم الكرد وكما كانوا في عفرين ليثبتوا بذلك عدم وفائهم لدمشق!

فقد أضاء الرئيس بوتين في كانون الثاني/ يناير 2018 الضوء الأخضر للجيش التركي ليجتاح عفرين التي لم يسلمها الكرد آنذاك للجيش السوري. وأضاء بوتين الضوء الأخضر قبل ذلك في آب/ أغسطس 2016 أي في الذكرى الـ 500 لمعركة مرج دابق فدخلت القوات التركية جرابلس ومنها إلى الباب ثم أعزاز، إذ يسيطر الجيش التركي الآن ومعه نحو 50 ألفاً من مسلحي الفصائل المختلفة على نحو 350 كلم من الشريط الحدودي السوري مع تركيا وهي "منطقة آمنة" عملياً.

وسيخلق التوغل التركي شرقيّ الفرات وهذه المرة بضوء أخضر أميركيّ، وضعاً جديداً بوجود القوات التركية داخل الأراضي السورية ولتمتد "المنطقة الآمنة" على طول الحدود المشتركة من القامشلي حتى عفرين وتقع إدلب إلى جوارها.فقد اعترف بوتين وترامب لتركيا بحقّ محاربة الاٍرهاب في البداية ضد داعش وبعدها الكرد، فيما يعترض الجميع بما فيهم تركيا على أي عمل عسكري سوري في إدلب، التي يوجد فيها أكثر من 20 ألفاً من مسلحي النصرة وهم إرهابيون وفق التصنيف الدولي، وإدلب حالها حال كل المناطق غربيّ الفرات وشرقيّه فهي أرض سورية.

ومن دون أن يحالف الحظ الرئيس بوتين في التأثير على إردوغان إن كان في موضوع إدلب أو غربيّ الفرات عموماً وذلك بسبب العلاقة العضوية المتشابكة بين إردوغان وكل الفصائل الإسلامية في سوريا التي كان وما زال إردوغان هو اللاعب الأساسي فيها بسبب توجهاته الدينية التي أراد من خلالها أن يحيي ذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية مع الربيع العربي.

ويفسر ذلك الدعم التركيّ لكل الفصائل المسلحة ومنها التركمانية واعتراض أنقرة على أي عمل عسكري ضدهم في أي مكان كان غربيّ الفرات، ما دام إردوغان يقول إنه "حامي حمى المسلمين والإسلاميين ضد الظالم والمظلومين". ولعب الغرب دوره في هذه الحماسة عندما سعى لتسويق تجربة العدالة والتنمية "الاسلامية العلمانية الديمقراطية" التي لم يبق منها أي شيء سوى التناقضات ومنها حديث الرئيس رجب طيب إردوغان المتكرر عما يسمّى خارطة الميثاق الوطني لعام 1920 وكانت تضم الشمال السوري الذي يتحدث البعض عن رغبة إردوغان في ضمّه لتركيا كما ضمّ أتاتورك هاتاي (إسكندرون) عام 1938 وسيطر أجويت على شمال قبرص عام 1974.

ومن دون أن يكون واضحاً كيف ومتى ومن سيجبر الرئيس إردوغان على إخراج قواته من الشمال السوري غربيّ الفرات وشرقيّه بعد توغّل الجيش التركي في المنطقة، مع استمرار وجود المرتزقة والقوات الفرنسية والبريطانية في المنطقة التي سيعملُ الجميع فيها من أجل ترسيخ فكرة التقسيم بدعم الميليشيات الكردية الماركسية اللينينية التي لا تؤمن إلا بترامب، وأمام أنظار العسكر الأتراك في المنطقة الآمنة وليس مُهماً عمقها.

ويبقى الحل غربيّ الفرات مؤجّلاً بسبب حسابات الرئيس بوتين الخاصة بمكاسبه في تركيا على حساب سوريا التي بات واضحاً أن أزمتها ستبقى في مهب رياح أستانا وسوتشي وجنيف ما دام مفتاح الأزمة بيد أنقرة وبرضى موسكو وواشنطن. وتقول الثانية إنها مع الرئيس الأسد والثالثة تراهن على بقائه ولكن بشكل ضعيف من دون أن يزعج (الأسد) ومعه إيران وحزب الله الحليف الأهم وهي إسرائيل والكل معها.

اللهم إلا إذا فاجأ الجميع وأثبت أنه وريث "الاتحاد السوفياتي العظيم" وهو ما يحتاج إلى معجزة يتمناها الكثيرون والأهم أولئك الذين قاوموا وصمدوا فحققوا انتصارات عظيمة على كل الأعداء وعلى كل من كان صديقاً فغدر!

 

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية