فلسطين لم تَقل كلمتها بعد... لا ثقة بـ«سلطة أوسلو»!

المرصاد نت - متابعات

مرّ اليوم الأول بعد إعلان «صفقة القرن» من دون مواجهات ميدانية كبيرة في فلسطين على رغم خروج عدد من المسيرات في أكثر من منطقة خاصة أن الفصائل ولاسيما حركة «فتح» لم تقدّم Palestine2020.1.29برنامجاً واضحاً للتحركات وإنما اكتفت بإعلانها رفع اليد عن المسيرات. هذا لا يعني كما تظهر التجارب السابقة، أن الغضب الفلسطيني من إعلان الصفقة وتحديداً على الصعيد الشعبي، غير موجود أو أنه تمّ امتصاصه سريعاً، خاصة مع تقديرات إسرائيلية بحدوث عمليات فردية قريباً. فبجانب غياب القيادة الفعلية للغضب، لا يوجد عملياً أيّ تغير فوري في واقع الاحتلال على الأرض، وهو ما يدركه الفلسطينيون جيداً.

مع ذلك خرجت أمس مسيرات في القدس المحتلة والأغوار (شرقي الضفة المحتلة) الأكثر استهدافاً في الخطة الأميركية. وتحديداً في أراضي قرية تياسير في منطقة وادي الأردن في الأغوار الشمالية المحاذية لنهر الأردن، خرج المئات في مسيرة نحو منطقة «البرج» التي يصنفها العدو منطقة عسكرية وهي عرضة للمصادرة والضمّ، فردّ عليهم جنود إسرائيليون بإطلاق قنابل الصوت. ولما حاول فتيان إلقاء الحجارة، منع مسؤولون في التظاهرة ذلك حرصاً على «سلمية التظاهرة» كما أوضحوا للفتيان وهو ما يؤكد ما نشر بشأن توجه السلطة الحقيقي. يتقاطع ذلك مع ما نقله موقع «والا» العبري عن مصادر فلسطينية أكدت أن السلطة أبلغت إسرائيل أمس رسمياً أنها «لن توقف التنسيق الأمني» لكنها قد تقلّصه. أما في القدس، فأغلقت شرطة الاحتلال أبواب المسجد الأقصى بعد اعتقال شابين في باحات المسجد ادعت أنهما كانا يحملان سكاكين، لكنها عملت على فتح البوابات بعد وقت قصير. وفي قطاع غزة أعلن جيش العدو مساء أمس حدوث أول إطلاق لصواريخ غداة إعلان «صفقة القرن» إذ سقط واحد في منطقة «أشكول». ورداً على ذلك شنت الطائرات الحربية غارات على أهداف في القطاع في وقت متأخر مساء أمس. كما أكد جيش العدو استمرار تعزيزاته في الضفة وقرب غزة.

على الصعيد السياسي كان الحدث الأبرز إعلانُ عضو «اللجنة المركزية لفتح» عزام الأحمد أن وفداً من الفصائل سيتوجه قريباً إلى القطاع تمهيداً لتوجه رئيس السلطة محمود عباس إليه. وقال في في حديث أمس لإذاعة «صوت فلسطين» (حكومية)، إن عباس كلفه الاتصال برئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية الذي أبدى ترحيبه بالفكرة، وأبلغ الفصائل بالتحضير المشترك لزيارة الوفد، التي وصفها الأحمد بأنها «ستكون بداية لسلسلة لقاءات لإنهاء الانقسام الفلسطيني» مضيفاً: «وضعت فتح برامج عمل طويلة المدى، أهمها التحرك الشعبي والنزول على الأرض». أما هنية، فقال إن حركته «ستكون في الموقع الصحيح والمكان السليم بهذه اللحظة التاريخية» مضيفاً: «سنخوض غمار المعركة... (أنا) مطمئن رغم كل هذا الصولجان والتحضير الهائل لما يسمى صفقة القرن لأن مصيرها الفشل، طالما هناك شعب موحد وأمة تقف خلفه». كما قال مكتب هنية إنه تلقى اتصالاً أمس من رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، لبحث سبل مواجهة «صفقة القرن».

استعجال إسرائيلي
بينما كان المشهد الفلسطيني على هذه الحال، تسارعت الخطوات الإسرائيلية في تثبيت معطيات الخطة الأميركية سريعاً، إذ دعا وزير الأمن الإسرائيلي، نفتالي بينِت إلى «بسط السيادة الإسرائيلية» على ما يقرب من ثلث مساحة الضفة، قائلاً: «طرق التاريخ باب بيتنا ومنحنا فرصة العمر لتطبيق القانون الإسرائيلي على كل المستوطنات في يهودا والسامرة (الضفة) وغور الأردن وشمال البحر الميت». كما أمر بينِت بـ«تشكيل فريق لتطبيق القانون الإسرائيلي والسيادة» على كل المستوطنات في الضفة، في مسعى متوازٍ أيضاً لاستثمار المشهد في الحصول على دعم الناخبين من أنصار اليمين واليمين المتطرف.

 بالتوازي، قال رئيس تحالف «أزرق أبيض»، بيني غانتس، إنه سيطرح «صفقة القرن» على الكنيست (البرلمان) الأسبوع المقبل للتصديق عليها. جاء ذلك في كلمة أدلى بها أمس خلال مؤتمر لـ«مركز أبحاث الأمن القومي» (INSS) التابع لجامعة تل أبيب، كما نقلت صحيفة «معاريف» العبرية، علماً أنه التقى في واشنطن الإثنين الماضي الرئيس دونالد ترامب. وأعلن غانتس أن الصفقة تعكس المبادئ الأساسية لحزبه، متوجهاً إلى القيادة الفلسطينية بالقول: «قولوا نعم لمرة واحدة». وأضاف: «صفقة القرن حدث تاريخي هو الثاني خلال أسبوع، والأول هو تقديم لائحة اتهام رسمية للمحكمة ضد بنيامين نتنياهو»، ولذلك ربط بين الخطة الأميركية والموقف القضائي المعقد لـ«المتهم نتنياهو». رداً على ذلك، وصف حزب «الليكود»، بقيادة نتنياهو، تصريحات غانتس بـ«النكتة»، وأنه يحاول اللحاق بـ«الإنجازات العظيمة» التي حققها نننياهو بعد ثلاث سنوات من العمل مع واشنطن.

عباس إلى الأمم المتحدة
من جهة أخرى أفاد مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور بأن السلطة تعمل على «مشروع قرار في مجلس الأمن للرد على الخطة الأميركية المزعومة للسلام» وأن «عباس سيقدم إحاطة للمجلس خلال أسبوعين» معبراً عن أمله في أن يصوت المجلس على مشروع القرار خلال وجود عباس. يأتي ذلك في وقت تواصل فيه الدول الخليجية دعمها لخطة ترامب إذ جدّد وزير الخارجية السعودي أمس، فيصل بن فرحان «تشجيع الفلسطينيين على الانخراط في محادثات مباشرة» مضيفاً: «سوف نستمر في دعم الإخوة الفلسطينيين لحصولهم على حقوقهم عن طريق التفاوض... يقف العالم داعماً لأي محاولات لإيجاد حل سلمي». وصدر موقف شبيه من الكويت التي قالت خارجيتها إنها «تقدر عالياً مساعي الولايات المتحدة لحل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع... الذي امتد أكثر من 70 عاماً».

على الطرف المقابل قالت الخارجية السورية إنها «تدين صفقة القرن التي تمثل وصفة للاستسلام لكيان الاحتلال الإسرائيلي الغاصب» وإنها «تجدد وقوفها الثابت مع الكفاح العادل للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المشروعة». كما صدر موقف لافت عن الخارجية العراقية أمس، أعلن أن «العراق يُؤكّد وُقوفه مع إخوانه الفلسطينيّين في دفاعهم عن حقوقهم المشروعة، ومنها: حقُّ العودة، وإقامة دولتهم المُستقلة وعاصمتها القدس الشريف». كذلك قالت باكستان إنها «تدعم حل الدولتين، وتجدد دعوتها لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس». أما روسيا، فأعلنت أنها تواصل دراسة وتحليل «خطة السلام» في وقت أفيد فيه بأن الرئيس فلاديمير بوتين سيلتقي نتنياهو اليوم (الخميس). لكنّ الصين ذهبت أبعد من ذلك بإعلانها «ضرورة احترام القرارات الدولية ذات الصلة». وقال متحدث باسم بكين إنه «ينبغي لدى الحديث عن أي حل للقضية الفلسطينية الاستماع إلى آراء ومقترحات الأطراف الرئيسية خاصة الجانب الفلسطيني».
إلى ذلك، قالت «الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، في تصريح صحافي أمس، إنه لا توجد لديها نية لإنهاء عملها ولا لتسليم مهماتها لأي جهة كانت، وإنها «ستستمر في الوجود». وأضافت «الأونروا» أن مدارسها وعياداتها وخدماتها الحيوية الأخرى مستمرة، وأن «الدعوة لإنهاء عملها قبل معالجة جذور القضية وإحقاق الحقوق يضرب بعرض الحائط آمال ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وهي دعوة باطلة».

تقديرات إسرائيلية متباينة: الصفقة حلم... لكن هل يتحقّق؟

لعلّ من أبرز ما تتّسم به «صفقة القرن» هو تماهيها الكامل مع مزاعم صهيونية عن حقوق تاريخية في الضفة المحتلة، وبذلك يكون طارحها، أي دونالد ترامب، أوّل رئيس للولايات المتحدة يمنح إسرائيل هذا النوع من الاعتراف. في السابق، كان الوقوف إلى جانب المطالب الإسرائيلية يُبرّر، على مستوى الخطاب السياسي، بأنه ترجمة لقرارات دولية، وفي أقصى الأحوال يُربط بما تعرّض له اليهود في أوروبا، فيما كان اليمين الإسرائيلي يعارض حصر منطلق حق إسرائيل في الوجود بما تقدّم، مشدّداً على أن إقامتها أتت ترجمة لحق الشعب اليهودي في استيطان أرض فلسطين، وهو ما أشار إليه ديفيد بن غوريون في بيانه الأول لإعلان «دولة إسرائيل» عام 1948.

نتنياهو تعمّد، خلال كلمته في حفل إعلان الصفقة، الإشارة إلى ما أورده ترامب في هذا المجال، حيث قال: «بسبب الاعتراف التاريخي، ولأنني أؤمن بأن خطة السلام التي قدّمْتَها (أي ترامب) وجدت التوازن الصحيح في الوقت الذي فشلت فيه خطط أخرى، وافقت على إدارة مفاوضات مع الفلسطينيين على قاعدة خطتك للسلام»، عازياً فشل الخطط السابقة إلى أنها «لم تنجح في العثور على التوازن الصحيح بين المصالح الأمنية والقومية لإسرائيل، وبين طموحات الفلسطينيين في تقرير مصيرهم»، مشيراً إلى أن ترامب تحوّل إلى الزعيم الأول في العالم الذي «يعترف بسيادة إسرائيل على أجزاء من الضفة الغربية الحيوية لأمننا والمركزية لتراثنا». كذلك، اعتبر نتنياهو، خلال لقائه ترامب قبيل الحفل، أن أهمّ ما قام به الرئيس الأميركي هو «اعترافه بحقوق اليهود على يهودا والسامرة (يعني الضفة)، القلب النابض لوطنهم التوراتي».

من جهة أخرى ومع أن توقيت الصفقة والطابع الذي اتسمت به يخدمان نتنياهو وترامب في استحقاقاتهما الداخلية، إلا أن حصر النظرة إليها بهذا البعد ينطوي على مخاطر فعلية، فضلاً عن كونه تبسيطاً، خاصة أنها لبّت مطالب إسرائيل التوسعية السياسية والأمنية. في هذا المجال، رأى رئيس تحرير صحيفة «هآرتس»، ألوف بن، أن إسرائيل «لم تدفع سوى ضرائب كلامية لقرار مجلس الأمن 242، الذي كان يشكل الأساس لمعادلة الأرض مقابل السلام»، فضلاً عن معارضتها مئات القرارات الأخرى لهيئات دولية رفضت الاحتلال والاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة لأنها غير قانونية، لكن البيت الأبيض منح للمرة الأولى الشرعية لفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات وغور الأردن. ولفت بن إلى أن «التجديد الأساسي في الخطة الحالية، مقارنة بمقترحات بيل كلينتون وجورج بوش وباراك أوباما، أن البلدة القديمة في القدس ستبقى تحت سيطرة إسرائيل، عبر منح حكم ذاتي للأوقاف والأردن في الحرم القدسي، مقابل صلوات اليهود هناك... عاصمة فلسطين ستكون في أحياء الأطراف، خلف الجدار الفاصل»، مشيراً إلى تجديد آخر «لا يقلّ أهمية، هو شطب المطلب الفلسطيني بعودة لاجئين أو دفع تعويضات كبيرة». لذلك، اعتبر رئيس تحرير «هآرتس» أن نتنياهو حقّق حلمه بعد ساعات معدودة من تقديم لائحة الاتهام ضدّه إلى المحكمة المركزية في القدس، وخلص إلى أن «خطة ترامب لن تحقق بسرعة سلاماً بين إسرائيل والفلسطينيين، والأكثر معقولية أنها ستعبّد الطريق إلى حكومة وحدة بين الليكود وأزرق أبيض اللذين يتفقان حالياً على سياسة الخارجية والأمن، لكن يبقى إيجاد الصيغة والمسار لإزاحة نتنياهو من الطريق».

أما المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، فرأى أن الصفقة أنهت مشروع «حلّ الدولتين»، وأن ما سيتحقق فعلياً هو دولة واحدة ستسيطر على المساحة الممتدة بين البحر (المتوسط) والنهر (نهر الأردن). وقال برنياع إن الصفقة «ليست خطة سلام، بل خطة ضمّ»، لافتاً إلى أن إسرائيل ستنفذ خطوات أحادية الجانب: في المرحلة الأولى ستضمّ الكتل الاستيطانية وغور الأردن، وفي الثانية ستضمّ «المستوطنات المعزولة» والشوارع التي تقود إليها، وفي النهاية سيتشكّل بالضرورة واقع يتمثل في منظومتين قانونيتين لمجموعتين سكانيتين في المنطقة نفسها، أي «دولة أبارتهايد». وأشار إلى أن نتنياهو حصل من واشنطن على ما لم يتحقق سابقاً: اعتراف بسيادة إسرائيل في شرقي القدس حتى الجدار الفاصل، اعتراف بالسيطرة الأمنية على الضفة كلّها، تبادل أراضٍ على أساس غير متساوٍ، إضافة إلى شروط مسبقة لن يكون بإمكان أيّ قيادة فلسطينية الموافقة عليها.

من جهته، اعتبر المحلل السياسي في صحيفة «معاريف» أن الصفقة لمصلحة إسرائيل، لكن مشكلتها أنه «لا يوجد أيّ احتمال واقعي لتحققها على الأرض»، موضحاً أنه «في المرحلة الأولى، ستساعد الصفقة على فرض السيادة على مناطق أخرى، لكن في ما يتعلق بالأمدين المتوسط والبعيد، سيتقرر ذلك لاحقاً». وبالمقارنة مع خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان عام 2009، اعتبر أن خطة ترامب تطبيق له لجهة أن هذه «الدولة» الفلسطينية هي التي سعى إليها رئيس الحكومة. عموماً، أياً كانت التقديرات الإسرائيلية إزاء المرحلة المقبلة، الواضح أن إعلان الصفقة، بالمضمون الذي حملته، شكّل محطة تأسيسية إضافية في سياق حركة الصراع على أرض فلسطين، ستكون لها مفاعيلها على أكثر من مسار إسرائيلي داخلي، وفلسطيني وإقليمي.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية