لماذا أضعف التحالف السعودي الأحزاب السياسية وصنع الجماعات المسلحة؟

المرصاد نت - متابعات

بعد دخول ماتسمي ب "عاصفة الحزم" العسكرية عامها الخامس تبدو نتيجتها في المشهد اليمني كالتالي: أضعفت الأحزاب السياسية وهمشتها وعمقت العداوات فيما بينها وفي المقابل صنعتKsa Yemenen2019.5.2 جماعات مسلحة ذات توجهات طائفية ومناطقية وقبلية ووحدتها حول مناهضة السلطة الشرعية والأحزاب والوحدة الوطنية وتمكنت من خلالها من تنفيذ الاغتيالات السياسية التي طالت قيادات في حزب الإصلاح وعلماء ودعاة ينتمون للتيار السلفي المعتدل ووظفتها لحماية مصالحها ونفوذها ولتمنع السلطة الشرعية من العودة للبلاد.

وبهذه النتيجة فإن السعودية وحليفتها دولة الإمارات لم تعيدان اليمن إلى ما قبل ثورة 11 فبراير 2011م في سياق حربهما وتآمرهما على ثورات الربيع العربي والقضاء عليها خشية تأثيرها على العائلات الحاكمة فيهما وإنما أعادتا اليمن عشرات السنين إلى الخلف ولا مبالغة إذا قلنا بأنهما أعادتاه إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م باعتبارهما دعمتا الجماعات المتطرفة في البداية بغرض استخدامها كوسيلة للقضاء على جميع القوى السياسية والعسكرية والقبلية التي كان لها الدور الكبير في ثورة 11 فبراير 2011 م ودعمها وحمايتها لكن الأوضاع خرجت عن السيطرة بخروج الفصائل المسلحة عن الخطة المرسومة لهم.

كانت مثل هذه التطورات قد كشفت جانبا مما تم الاتفاق عليه أثناء اللقاءات السرية التي تمت في السفارة السعودية بصنعاء بين قيادات حوثية والسفير السعودي لدى اليمن لكن ما حدث أن الحوثيين خرجوا عن الخطة المرسومة لهم وأغرتهم تلك الانتصارات الوهمية وتسليم علي صالح عدة معسكرات مع عتادها لهم فضلا عن الدعم الذي كان يأتيهم من إيران مباشرة من خلال 14 رحلة طيران في الأسبوع بين صنعاء وطهران وتأكيد مسؤولين إيرانيين بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد طهران وأن الإمبراطورية الفارسية عادت وعاصمتها بغداد وغير ذلك من الاستفزازات. بقيت السعودية تقف موقف المتفرج ولم تندلع "عاصفة الحزم" إلا بعد أيام قليلة من إجراء الحوثيين مناورة عسكرية بالقرب من حدودها مع اليمن وتصعيدهم الإعلامي ضدها، والتهديد بغزوها والسيطرة عليها خلال أيام معدودة.

وبدعم السعودية للحوثيين في بادئ الأمر ليكونوا إحدى أدوات الثورات المضادة لثورات الربيع العربي فإنها تكون هي وحليفتها دولة الإمارات قد أعادتا اليمن إلى ما قبل ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963م كون الملامح العامة للوضع في البلاد صار يشبه تلك الحقبة فالإمامة تحكم في الشمال (جماعة الحوثيين) والجنوب عادت فيه ملامح الاحتلال البريطاني والمشيخات والسلطنات المناطقية يتمثل ذلك في الاحتلال السعودي والإماراتي للمناطق الحيوية وتشكيل جماعات مسلحة مناطقية تحمل مسميات "أحزمة" و"نخب" بدلا من "مشيخات" و"سلطنات".

كما أن الدسائس التي تزرعها الدولتان بين الأحزاب السياسية تشبه الدسائس التي كان يزرعها الاحتلال البريطاني بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وغيرها من التيارات السياسية والفكرية بعد تصاعد مطالب رحيل الاحتلال واندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963م وهكذا أعادت الدولتان اليمن إلى الوراء عشرات السنين، حيث الإمامة في الشمال والاحتلال والنزعات القبلية والمناطقية في الجنوب والهدف الانتقام ممن أشعلوا ثورة 11 فبراير 2011 والقضاء على الثورة تماما.

لم تكتفِ الدولتان السعودية والإمارات، بإعادة اليمن عشرات السنين إلى الوراء، وبأيدٍ يمنية، في لحظة انقسام وضعف، وإنما فخختا حتى المستقبل من خلال إضعاف السلطة الشرعية وإضعاف وتمزيق الأحزاب السياسية وزرع العداوات فيما بينها وإحلال مكانها جماعات مسلحة ذات نزعات أيديولوجية ومذهبية ومناطقية وقبلية متطرفة جميعها مناهضة للسلطة الشرعية وللوحدة الوطنية ولليمن الاتحادي وتحظى بالدعم اللامحدود بالسلاح والمال من قبل الدولتين وتتمتع كل واحدة منها بالحكم الذاتي في مناطق سيطرتها.

كان أبرز المتضررين من عملية "عاصفة الحزم" هو حزب المؤتمر الشعبي العام ونظام علي صالح الذي تعمل الدولتان اليوم على إعادة ترميمه وترقيعه ليعود إلى السلطة مرة أخرى ففي البداية ورطت الدولتان علي صالح وحزبه بالتحالف مع الحوثيين وتقديم الدعم لهم للقضاء على ثورة 11 فبراير 2011 والقوى السياسية والعسكرية والقبلية المساندة لها ثم دمرتا جميع الألوية العسكرية الموالية له وتركتا ما تبقى منها لينهبها الحوثيون ثم زرعتا الفتنة بينه هو والحوثيين أملا منهما في أن ينتصر عليهم ثم تعيدانه إلى السلطة لكنهما أخطأتا التقدير وتسببتا بقتله وبعد أن تشتت حزبه بعد فقدان كل عوامل قوته بدأتا تعملان على ترميمه وترقيعه لكي يعود إلى السلطة مرة أخرى.

لقد تسببت عملية "عاصفة الحزم" وطبيعة التدخل السعودي الإماراتي في الأزمة اليمنية في انقسام مختلف الأحزاب إلى ثلاثة أجنحة في كل حزب الأول مؤيد للسلطة الشرعية والتحالف العسكري والثاني مؤيد للحوثيين والثالث هو الجناح المحايد أو الصامت باستثناء حزب الإصلاح الذي لم ينقسم وألقى بكل ثقله ليتحالف مع السلطة الشرعية والتحالف العسكري السعودي في الحرب على اليمن .

ومع ذلك لم يسلم الحزب من محاولات إضعافه لدرجة يبدو وكأن تدخل السعودية والإمارات في اليمن الهدف منه القضاء على حزب الإصلاح قبل القضاء على جماعة الحوثيين بدليل أنه يتم الدفع بالحزب ليتصدر الجبهات في الحرب على الحوثيين وإذا حصل تقدم ما في إحدى الجبهات وكان هناك مجرد تشكيك بأنه يوجد في صفوف المتقدمين جنود أو ضباط إصلاحيون أو موالون للإصلاح فإنه يتم قتلهم بواسطة الطائرات الحربية والادعاء بأن ذلك كان عن طريق الخطأ أما القادة الذين بقوا في بيوتهم فإنه يتم اغتيالهم مباشرة أمام منازلهم أو مساجدهم كما حدث في عدن وغيرها.

والنتيجة أن عدد قيادات الإصلاح الذين اغتالتهم دولة الإمارات وأذرعها المسلحة في عدن وغيرها أكثر من قيادات الحوثيين الذين اغتالهم التحالف العسكري السعودي خلال أربع سنوات من الحرب والضربات الموجعة التي تلقاها حزب الإصلاح من التحالف السعودي (الإمارات) أشد إيلاما من الضربات التي تلقاها من الحوثيين فإذا كان الحوثيون قد اعتقلوا بعض قياداته وغيبوهم في السجون فإن دولة الإمارات قتلت عددا كبيرا من قياداته أثناء خروجهم من منازلهم أو مساجدهم وأمام أبنائهم أو تلامذتهم وجلبت مرتزقة من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها لينفذوا الاغتيالات ضد قيادات الحزب ودفعت لهم مبالغ مالية كبيرة مقابل عملهم.

كما أن شيطنة الإعلام السعودي والإماراتي للحزب كانت أسوأ من شيطنة إعلام الحوثيين له ورغم كل الضربات الموجعة للحزب إلا أن النظام السعودي والإماراتي يلجآن إليه كلما اقتضت الحاجة خاصة ما يتعلق في مساعيهما لإعادة ترميم وترقيع حزب علي صالح ونظامه ليعود إلى السلطة وهو ما ظهر في اللقاء المفاجئ في الرياض بين قيادات الحزب ووليي عهد السعودية والإمارات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد بعد قتل الحوثيين لعلي صالح أثناء أحداث ديسمبر 2017 في صنعاء وهو اللقاء الذي تضمن -لأول مرة - من وليي عهد الدولتين طلبا من حزب الإصلاح بأن يتعاون مع عائلة علي صالح وحزب المؤتمر ولحق ذلك لقاء آخر تم في دولة الإمارات وتوج ذلك بظهور قيادات إصلاحية تدعو إلى وحدة الصف الجمهوري والقصد التصالح مع حزب المؤتمر (جناح علي صالح) ثم توج كل ذلك بتقديم حزب الإصلاح تنازلات أعادت رجال علي صالح إلى واجهة السلطة من البنك المركزي إلى البرلمان وغيرهما.

لكن مثل هذه الإجراءت المتأخرة لم تعد تجدي، بسبب ميراث الفشل المتراكم في إدارة الأزمة اليمنية، وكون بعضها تتم بدعم سعودي ومعارضة إماراتية كما أن محاولات ترميم الأحزاب السياسية وسط حقول ألغام ممثلة بجماعات مسلحة وضعف السلطة الشرعية ليست سوى مضيعة للوقت وحراثة في الهواء.

وكان الأجدر هو البدء في تسوية الوضع وتهيئته لعودة الأحزاب السياسية من خلال تفكيك الجماعات المسلحة والقضاء عليها وبسط سيطرة الدولة على كافة الأراضي المحررة غير أن الحاصل هو أن السعودية والإمارات أعادتا اليمن عشرات السنين إلى الوراء ولغمتا الحاضر وفخختا المستقبل الذي سيكون بين كفي عفريت الجماعات المسلحة المناهضة للدولة وتحركها مشاريع مذهبية وطائفية وعنصرية ومناطقية وانفصالية وقبلية وعائلية.

نقلاً عن الموقع بوست

.

المزيد في هذا القسم: