المرصاد نت - متابعات
في بداية تموز/ يوليو الماضي نشرت وكالات الأنباء، ومواقع التواصل الاجتماعي أخباراً عن اعتزام الإمارات سحب جزء من قواتها التي تقاتل في اليمن. إلا أن المصادر الرسمية الإمارتية سعت فيما بعد للتخفيف من تداعيات الحدث، بالتأكيد على أن الأمر لا يعدو أن يكون "إعادة انتشار للقوات"، وأنها ما زالت ملتزمة بدورها في التحالف السعودي – الإماراتي، ولن تترك فراغاً في اليمن.
على الرغم من مرور عدة أسابيع على تلك الأخبار فما زال من غير الممكن التحقق من مدى جدية القرار الإماراتي، سواء أكان يتعلق بانسحاب كامل لقواتها، أو كان إعادة انتشار لجزء منها. بالمقابل هناك مبررات معقولة للتشكيك في جدية القرار. فهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها الإمارات "انتهاء حرب اليمن". فقبل ثلاث سنوات، صدرت تصريحات مماثلة عن مختلف مستويات المسؤولين الإماراتيين تعلن "انتهاء الحرب بالنسبة لهم". بل إن وكالات الأنباء تناقلت تصريحات لولي عهد أبو ظبي (في 16/6/2016) - وهو الحاكم الفعلي لبلاده، والمسؤول الأول عن قواتها المسلحة - يعلن فيها أن "الحرب عملياً انتهت لجنودنا". وأن بلاده ترصد "الترتيبات السياسية، ودورنا الأساسي حالياً تمكين اليمنيين في المناطق المحررة".
كان إعلان انتهاء الحرب في 2016 جزءاً نافعاً من جهود الإمارات لتحسين مغانم مشاركتها في الحرب اليمنية. فعلى الرغم من تلك التصريحات الرسمية، فإن العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات الإماراتية مباشرة، أو عبر مختلف التشكيلات التابعة لها في اليمن لم تتوقف مذاك. أما ما توقف من العمليات العسكرية، فكان ذلك الجزء الاستعراضي منها، أي الذي شارك فيه أولاد الشيوخ، والأمراء وقامت أجهزة الإعلام الرسمية، ووسائل التواصل الاجتماعي ببثه تخليداً لمغامراتهم هناك.
كان الواجب إعلان وقف الحرب في اليمن بعد انقضاء الأسبوع الأول من بدئها. فحينذاك أي بعد أسبوع من انطلاق "عاصفة الحزم" في 26 آذار/ مارس 2015، كان من الواضح أنها لن تحقق أياً من الأهداف المرجوة منها لكلٍ من الشريكين السعودي والإماراتي. فعشية إعلان حرب اليمن، لم تكن لدى الإمارات، ولا لدى السعودية القدرات الاستراتيجية - بما فيها القدرات العسكرية والسياسية - التي تؤهلهما للانتصار على الحوثيين. ناهيك عن تغيير موازين القوى في الخليج العربي، أو في منطقة الشرق الأوسط عموماً. لا يكفي الطموح، خصوصاً إذا كان لا يستند إلى تقييم واقعي للإمكانيات والقدرات، بل إن الطموح قد يتسبب في كوارث كالتي شهدناها طيلة السنوات الأربع الماضية، وكالتي سنشهدها في حال استمرت الحرب.
ولم يتغير الحال بعد أكثر من أربع سنوات ونصف السنة من تدمير اليمن، وهدر طاقات وثروات بلدان المنطقة. فلم يتمكن التحالف السعودي الإماراتي من هزيمة الحوثيين، بل لم يستطع حتى تأمين إعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته من الرياض إلى عدن أو غيرها من المدن الواقعة تحت السيطرة الإسمية للتحالف بينما هي تحت سيطرة واحدة من عشرات الميليشيات التي جندتها الإمارات ودربتها لاستخدامها حين اقتسام غنائم حرب اليمن.
أدى الغموض الذي ما زال يحيط بقرار الإمارات الأخير إلى بروز تكهنات متباينة تتراوح بين الإدانة والترحيب. فمن جهة لا يستبعد محللٌ يمني أن يكون قرار الانسحاب نتيجة "تفاهمات إيرانية - إماراتية، بحيث تحكم جماعة الحوثي بعض المناطق الشمالية، وتحكم ميليشيات "المجلس الانتقالي" التابعة لأبو ظبي بعض المناطق الجنوبية والشرقية". فالإمارات، حسب هذا المحلل، تنفذ أجندات دول غربية ربما قد أوعزت لها "بالانسحاب التدريجي من اليمن من أجل توريط السعودية في الملف اليمني أكثر مما هو حاصل الآن تمهيدًا لإسقاط السعودية وتقسيمها"(1).
يتكرر هذا التفسير على الرغم من غرابته في عددٍ من تعليقات المحللين اليمنيين التي تشير أيضاً إلى أن سحب القوات الإماراتية من خطوط المواجهة يأتي في وقت تعاظمت فيه الهجمات على الحدود السعودية وداخلها. لا يمكن الاستخفاف بوجهتي النظر المشار إليهما. إلا أنهما لا تكفيان لتفسير توقيت إعلان قرار الإمارات سحب قواتها من اليمن. كما لا تكفيان لتفسير طابع المفاجأة فيه، وبدون التشاور مع الشريك السعودي في قيادة الحرب.
تحولت هجمات الحوثيين بالمقذوفات الصاروخية وبالطائرات المسيّرة من ضرب جيزان وأبها وغيرها من المناطق السعودية القريبة من الحدود إلى استهداف متكرر لمناطق في العمق السعودي. وفي السنتين الأخيرتين نجح الحوثيون في استخدام المقذوفات الصاروخية لضرب مواقع استراتيجية بما فيها محطات ضخ النفط والغاز. وفي بداية 2018م نجح الحوثيون في توجيه صاروخ باليستي ضرب مطار الملك خالد في الرياض التي تبعد أكثر من ألف كيلومتر عن صنعاء.
تمكّن الحوثيون بفضل استخدامهم الفعال لتلك المقذوفات الصاروخية والطائرات المسيّرة من نقل المعركة من اليمن والمناطق الحدودية إلى المدن السعودية. كما استطاعوا في الوقت نفسه إيصال رسالة ضمنية تقول بأن أبو ظبي وغيرها من مدن الإمارات لن تكون في مأمنٍ ما دامت الحرب مستمرة. خاصة وأن طبيعة المدن والمناطق السكنية الحديثة في الإمارات تجعلها أكثر هشاشة وأقل أماناً في حال صارت هدفاً عسكرياً. وهذا بالفعل ما أراد توصيله إعلان الحوثيين عن استهدافهم مطار أبو ظبي بطائرة مفخخة في 27 تموز/ يوليو من العام الماضي.
نفى الإماراتيون الخبر فأعاد الحوثيون تأكيده. والرسالة وصلت بوضوح إلى قادة الإمارات وربما تكون قد أسهمت في تعجيل قرارها بسحب قواتها، أو "إعادة انتشارها".
تلعب الإمارات في اليمن أدواراً متعددة ومثيرة للجدل وتدخلت الإمارات عسكرياً ضمن التحالف السعودي بحجة إعادة الحكومة الشرعية وهذا كلفها العشرات من جنودها في عمليات نوعية بالصواريخ ضربت معسكرات في محافظة مأرب الشمالية لكنها انسحبت مؤخراً منها واكتفت بتواجدها في الجنوب.
الموقف الإماراتي يميل لتقسيم اليمن ولو على شكل فيدرالية من إقليمين مع انشغال حقيقي بالجنوب. فالإمارات استضافت عدة اجتماعات للقيادات الجنوبية ويقيم فيها القيادي الجنوبي الأهم وأول نائب رئيس دولة يمنية موحدة وهو علي سالم البيض. وتشن الإمارات حملات واسعة ضد حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن) وتربطه بداعش والقاعدة. وهذا الحزب موجود بكثافة في الجنوب وهو مدمج في العملية السياسية التي بدأت من مؤتمر الحوار وبالتالي فالإصرار على إقصاءه في بيئة مسلّحة وفوضوية كتلك القائمة باليمن بينما وبالمقابل تدعم الجماعات السلفية.
كما أنّ الإمارات عارضت بقوة حسم معركة تعز المحاصرة بسبب مخاوفها من الوجود الإخواني في مقاومة مدينة تعز حيث دعمت هناك الجماعة السلفية بزعامة أبي العباس في قتال الإخوان في تعز. إذاً أولويات الإمارات في التدخل باليمن لا يتصدرها قتال الحوثي بل جماعة الإخوان بدرجة أساسية. وفي اتجاه معاكس آخر حاولت الإمارات دعم شق حزب المؤتمر الشعبي العام لكي يصبح غير تابع لصنعاء للاستفادة من إمكانات الحزب لمواجهة حزب الإصلاح والحوثي.
كما لعبت الإمارات دوراً حيوياً في تعميق الانقسام بين اليمنيين وأخطر ما تورطت به الإمارات في اليمن حتى الآن هو قرار المجلس الانتقالي بترحيل من لا يمتلكون بطاقة هوية من عدن وهذا يعني رضاها (أو ربما إشارة منها) بشن حملة طرد وترحيل استهدفت حاملي البطاقات الصادرة من محافظات شمالية. بالطبع طرد مواطنين يمنيين من عاصمة اليمن المؤقتة لا يمكن تبريره بعدم وجود بطاقة هوية على فرض مصداقية الإدّعاء الذي لا يستند على أي قانون ولا يمكن اعتباره إجراءً أمنياً. وواقع الحال يقول إنه إجراء عنصري خالص ضد الشماليين . تلعب الإمارات أدواراً تفكيكية في اليمن: ليس فقط على المستوى السياسي بل الاجتماعي. البلد لم يكن دوماً موحداً سياسياً لكنه متداخل اجتماعياً فمثلاً نصف سكان عدن تعود أًصولهم للشمال.
المزيد في هذا القسم:
- هل مازال هناك أشخاص يعولون على الشرعية ويؤيدون التحالف ؟ المرصاد نت - شبيب منصور ونحن قاب قوسين او ادني من اقفال العام الثالث على هذا العدوان الارعن الغاشم الذي لامبرر له ولامسوغ قانوني او انساني ينطلق منه مازلت اسئل...
- إيجارات بالسعودي والدولار.. حينما يتحول السكن إلى جرح غائر ينهك اليمنيين المرصاد-متابعات تشهد الإيجارات في اليمن خلال الفترة الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق جراء عدم توفر الشقق، وازدحام السكان النازحين نحو المناطق الآمنة بسبب الحرب ...
- من بوابة الحديدة: محاولات بريطانية لإعادة استعمار اليمن! المرصاد نت - متابعات تسلّمت بريطانيا مؤخَّــراً الملف اليمني في مجلس الأمن لتظهرَ نفسَها كـ “وسيط دولي للسلام” تغطيةً على دورها المباشر والواضح في...
- أكثر من نصف المراكز الصحية خارج الخدمة بسبب العدوان المرصاد نت - متابعات لم تؤثّر التغييرات الميدانية والتجاذبات ومن ثم المصالحات السياسية التي شهدها اليمن في الأسابيع القليلة الماضية على الواقع الإنساني الصعب ...
- التطورات الأخيرة كشفت هشاشة خارطة التحالفات السياسية والعسكرية لـ”الشرعية”! المرصاد نت - متابعات بات جلياً ذلك الاعوجاج الذي يعتري صف “الشرعية” في ظل حرب طاحنة يكابدها أبناء البلد منذ أربع سنوات بين القوات الموالية لها من ...
- بيع الصمــت الدولي .. بغواية المال السياسي !! المرصاد نت - سبأ أغـوى المال السعودي المنظمات الدولية, فغضت الطـرف عن جرائم العدوان السعودي -الأمريكي في اليمن وأراق صمتهـا ماء وجه الضمير العالمي الذي تجاهل ا...
- قصف قيادة حرس الحدود في ظهران وتجمعات في جيزان المرصاد نت - متابعات واصلت قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية عملياتها الميدانية في جبهات ما وراء الحدود مع السعودية حيث أفادت المعلومات باستهداف قيادة حرس الح...
- "المهرة" تعود لواجهة حلقة الصراعات في اليمن المرصاد نت - متابعات تشهد محافظة المهرة في أقصى شرق البلاد حراكا شعبيا متناميا منذ نحو أسبوعين رفضا لسياسات الهيمنة السعودية والإماراتية على أهم المرافق الحيو...
- 30 نوفمبر ثمرة كفاح وتضحيات الاحــرار! المرصاد نت - متابعات لقد كانت عدن ولا زالت محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحرين العربي والأحمر ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، ...
- حكومة هادي ترفض مقترح «التبادل الجزئي» ! المرصاد نت - متابعات تنتهي اليوم الاجتماعات المنعقدة في عمّان بخصوص ملف تبادل الأسرى من دون أن يرشح عنها حتى مساء أمس ما من شأنه تحويل التفاؤل الأممي إلى خطوا...