المرصاد نت - إبراهيم الأمين
ليس بالأمر السهل توجيه الشكر الى عدو على أفعاله المجرمة. لكن في حالة الولايات المتحدة الاميركية، يبدو من الواجب شكر قيادتها على إعفائنا من بذل جهد كبير
وتمضية وقت طويل في محاولة إقناع الأقربين قبل الأبعدين بأن أميركا مثل الشيطان لا تتغير إنها الدولة التي تعيش على موت الآخرين.
قرار دونالد ترامب بشنّ العدوان على سوريا كان أمراً مريحاً. لقد عانى العالم أياماً عصيبة من الانتظار حاول خلالها الرئيس المجنون أن يظهر صورة مختلفة عن أسلافه. لكن المشكلة ليست في سلوكه. إنها المؤسسة. إنها مصدر القرار الذي لا يقف عند حسابات رئيس أو حزب أو فريق. إنها غرفة النقاش والتباين حول أي نوع من القتل يراد تنفيذه بحق من لا ينتظم في الصف. وكل تباين يبرز، ولو لبعض الوقت لا يعدو كونه مساحة إضافية يحتاج إليها صاحب القرار، كي يختار الوسيلة التي تناسبه للقيام بالفعل نفسه: القتل!
ترامب ليس باراك أوباما بل هو أقرب الى جورج بوش. إنه جنون العظمة الذي يحتاج الى دماء كثيرة، لإثبات الذات بين أهله وبين نظرائه وعند شعوب يعتقد أنه الرجل الذي اختاره الله ليحكمها.
عقلانية باراك أوباما لم تكن هي العنصر المحدد لسياسات أميركا الخارجية. أوباما لم يبادر، فقط حيث لا يمكنه المبادرة. في صيف عام 2013، كان أهل القرار في أميركا يبحثون في عدوان هدفه إطاحة الرئيس بشار الاسد. وهو هدف لم يكن ممكناً تحقيقه بغير طريقة. لكن حسابات بسيطة، جعلت أهل القرار الاميركي، قبل أوباما، يدركون أن المهمة صعبة التحقق.
صحيحة هي الأنباء عن أن ترامب كان أسير حسابات جعلته يغطي المغامرة الاميركية الجديدة في منطقتنا. تبدو حساباته الشخصية متصلة بكسب رضى النخبة الامنية والعسكرية والاعلامية في أميركا نفسها، وفي العالم الابيض أيضاً. اقتنع بأن هؤلاء يقبلون به مجنوناً، شرط أن يقتصر جنونه على أفعال تطابق ما فعله في سوريا أمس. لكن ترامب، وجد نفسه مضطراً، مباشرة بعد تنفيذ العدوان، الى تذكير فريقه الضيق، قبل أهل القرار، بأنه نفّذ ما طلب منه ضمن حدود ضيقة. لكن صراخه سيُسمع فقط داخل أميركا. أما كرة النار التي ألقى بها في بلادنا، فلن تُسحب، كأن شيئاً لم يحصل.
اليوم تفيد جردة سريعة لعشر سنوات من الحصاد الاميركي في منطقتنا، لتلمس حجم المغامرة وحجم النتائج:
فشل مشروع احتلال العراق وتعثر مشروع التغيير في أفغانستان وسقط مشروع إسقاط الحكم في سوريا ولم تنجح كل المساعي في استعادة النفوذ في لبنان. وكل جنون الحلفاء في إسرائيل والجزيرة العربية لم يفد في تعديل المشهد. حتى الاتفاق النووي مع إيران لم يكن له أي تأثير على الملفات الشائكة. وسنوات عشر من إطلاق أيدي العملاء والأزلام لم تنفع في شيء، ما جعل أهل القرار في أميركا يعودون الى الحقيقة المرة: علينا أن نقوم بالأمر بأنفسنا!
ما جرى فتح شهية الاعداء المنتشرين من حولنا على التفكير في أمور كثيرة. في الاردن وإسرائيل وتركيا ودول الجزيرة العربية، يرقص الحاكمون فرحاً بوصلة الجنون. لكن هؤلاء يعرفون أن تورط أميركا المباشر يعطيها الحق الحصري في تحديد هامش المناورة أمام العملاء الذين سيجهدون في محاولة إقناع أميركا بتطابق الأهداف والوسائل. وهذا، بحدّ ذاته، ما سيعزز لدى محورنا الاقتناع بأن المواجهة التي انطلقت شاملة، ها هي تعود اليوم شاملة، لا تحتمل المناورات المطاطة، ولا تحتمل المزيد من الخداع. لقد أراحنا ترامب من مسلسل الاكاذيب المستمر من قبل الأتراك والأردنيين ودول الخليج العربي. كذلك سهّل علينا وضع إسرائيل أمام خيارات الضرورة.
ترامب، ربما، أرادها ضربة محصورة، ومعروفة الإطار والحدود، ويريد من روسيا أن تتفهم حرجه، وأن تغضّ الطرف، وتبلع الضربة، ولا بأس في أن تعود الامور الى ما كانت عليه قبل العدوان. لكن هل هذا ما سيحصل؟
بالتأكيد لا. وبالجزم ان أراد البعض.
ما حصل، فتح صفحة جديدة في الصراع العالمي القائم فوق بلادنا. وما فعلته أميركا سيجلب رداً واضحاً من روسيا وإيران وسوريا وقوى المحور كافة. وهو ردّ، مهما كان ثمنه، سيبقى أقل كلفة من أي صمت. وهو ردّ لا يجب الذهاب بعيداً في تخيله. إنه الرد الذي يعطّل كل مفاعيل الضربة على صعيد المواجهة الدائرة في سوريا، أو في ما يخصّ الإقليم من حولها. وربما، سيترحم الاميركيون وكل حلفائهم على ما شهدوه في المواجهات السابقة مع المجانين في سوريا والعراق. أما التورط في تدحرج على الساحة السورية، فهذا يقودنا الى اليوم المنشود، يوم تقع المواجهة الشاملة التي لا مفر منها، لتحقيق أي تغيير حقيقي في عالم المجرم الابيض!
المزيد في هذا القسم:
- ماذا يفعل أبناء زايد بالإمارات : أمراء يتجاوزون حدود قاماتهم"1" المرصاد نت - إبراهيم الأمين السؤال اليوم حول دور الإمارات الإقليمي هو في الحقيقة سؤال يعود إلى نحو عشر سنوات على الأقل يوم بدا الرجل القوي في الإمارة محمد بن ز...
- الديمقراطيات الغربية قد تنتخب ديكتاتوريات تدمر العالم المرصاد نت - متابعات يتذكر العالم صدور عددٍ من الكُتب والأبحاث والدراسات ونشرها في مطلع التسعينيات من القرن الـ20 لكُتاب ومنظرين غربيين ليبراليين روجت بزهو مُ...
- «انهض واقتل أوّلاً»: تاريخ من الإرهاب الإسرائيلي ضد العرب"1" المرصاد نت - متابعات ليست قراءة كتاب «انهض واقتل أوّلاً: التاريخ السرّي للاغتيالات الاستهدافيّة لإسرائيل» لرونن برغمان Rise and Kill First by Ron...
- بان كي مون يقوم بزيارة قصيرة الى غزة وصل الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى قطاع غزة الثلاثاء عبر معبر بيت حانون (ايريز) في زيارة قصيرة ستستمر لعدة ساعات. وانطلق موكب الامين العام في منطقة ...
- الحرب على المستقبل العربي: ستنجح الجزائر والسودان في اسقاط الطغيان! المرصاد نت - متابعات أخطر ما يواجه الانسان العربي هو يأسه من احتمالات التغيير في مركز القرار. فخلال السنوات العشر الأخيرة انبثق ضوء في آخر النفق عبر الانتفاض...
- واشنطن تراهن على حلفائها وتفاهمات سوتشي تحت اختبارالانسحاب الأميركي المرصاد نت - متابعات تعقد اليوم الخميس القمة الإيرانية الروسية التركية في سوتشي لبحث القضية السورية ويتصدر أجندتها الوضع في إدلب وتداعيات قرار الانسحاب الأمير...
- الداخلية الكويتية تتوعد المغردين والمعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي المرصاد نت - متابعات أعلنت وزار الداخلية الكويتية الاثنين 4 يوليو/تموز عن إطلاق حملة واسعة لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي ولتحديد ومعاقبة كل من يسيء لـ&rdquo...
- لبنان يعتبر الخروقات الإسرائيلية اعتداءً ويقدم شكوى لمجلس الأمن ! المرصاد نت - متابعات قرر المجلس الأعلى للدفاع اللبناني تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي في الخروقات الإسرائيلية على الخط الأزرق جنوب لبنان معتبراً أن "ما يقوم به...
- الولايات المتحدة تبيع أسلحة للسعودية مجددا وترامب كذب على الناخبين المرصاد نت - متابعات أكثر الكذب هو ذلك الذي يسبق الانتخابات وأثناءها وما بعدها هذا ما قاله أوتو فون بيسمارك، رجل الدولة والسياسي البروسي والمستشار الألماني ال...
- الغارديان تكشف عن مدينة الدواعش والجواسيس والنخاسة ؟! المرصاد نت - متابعات نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا يصف حال مدينة غازي عنتاب التركية الحدودية مع سوريا والتي أضحت تجمع الـ”دواع...