المرصاد نت - متابعات
أعلنت السعودية أمس موازنتها لعام 2018 بعجز بلغ قرابة 52 مليار دولار ونفقات قياسية وصلت إلى 261 مليار دولار في موازاة إيرادات يتوقع أن تصل إلى 209 مليارات دولار.
وفي حين أكد محمد بن سلمان أن الأولوية لمستوى معيشة المواطن فإن الأرقام تظهر استحواذ القطاع العسكري على أعلى نسبة من الاعتمادات في العام الذي سيشهد تحولاً غير مسبوق نحو الجباية من المواطنين
«المستوى المعيشي للمواطن أم الأولويات» ولي العهد محمد بن سلمان تعليقاً على إعلان موازنة 2018.
«أنا أختم كلامي برسالة شكر. نحن اليوم نعلن أكبر ميزانية في تاريخ المملكة في هذا اليوم الكبير... شكر لكل فرد وضابط في قواتنا المسلحة». وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي محمد التويجري في كلمته أثناء المؤتمر الصحافي أمس لشرح تفاصيل موازنة 2018.
تحية التويجري هذه قد تختصر بشكل غير مقصود خلفية رئيسية ممّا تستبطنه أرقام أمرائه المعقدة وفذلكاتها، في مملكة تكاد تنعدم فيها الشفافية ومأسسة مصادر القرار. ميزانية 2018 التي أعلنها أمس الملك سلمان بن عبد العزيز احتفى بها الإعلام السعودي لسببين: كونها الأضخم في نفقاتها في تاريخ مملكة الرمال ولأنها توقعت تقليصاً في العجز المتواصل منذ 2014.
... فتّش عن «العسكرة»
ما لم يقله ولي العهد محمد بن سلمان أمس قاله ولو بشكل غير مباشر وزيره للاقتصاد في تحيّته للقوات السعودية في مؤتمر تقني حول الموازنة إذ يبدو أن بنية هذه الموازنة الجديدة محكومة بالانفاق العسكري (21%) وهذه التكاليف العسكرية تفسّر الجانب الأكبر للإنفاق القياسي في 2018، إلى جانب تنفيذ مشاريع ابن سلمان «الطموحة». هذا ما لم يصرّح به النظام السعودي لتبرير حجم الانفاق الكبير بل أراد للمواطن أن يحتفي معه بهذه الأرقام «لأنها ستصبّ في مصلحته» مع العلم بأن المؤشرات جميعها، من بينها موازنة 2018، تتضافر لتؤكد سنة قاتمة اقتصادياً قادمة على المواطن السعودي ستدشن فيها المملكة النفطية سياسة «جبائية» قاسية تخلُف عقوداً من السياسات «الريعية»، تفرض من خلالها الضريبة على القيمة المضافة وتطبق قرار رفع الدعم عن الوقود وبعض الخدمات الأساسية، لتدخل البلاد لأول مرة في مرحلة يلمس فيها المواطن بشكل أكبر ومباشر الأضرارَ التي لحقت بالاقتصاد السعودي منذ انهيار أسعار النفط مع ما سيترتب على ذلك من تأثير على القدرة الشرائية للمواطن جراء ارتفاع الأسعار.
ما قاله ابن سلمان عن أولوية المستوى المعيشي للمواطن هو ما تشهد على عكسه تماماً تفاصيل الهندسة الاقتصادية في المملكة. وما حصل أمس هو أن الحكومة السعودية قالت للمواطنين إن الانفاق على القطاعات الخدمية (الإسكان، الصحة، التعليم،...) قد زاد بنسبة قياسية. لكن عملياً تبقى هذه الأرقام في إطار «الوعود»، والمؤكد منها هو السخاء على اعتمادات القطاع العسكري، والالتزام بها بل تجاوزها كما هو المعتاد والأرقام المعتمدة للقطاع العسكري وفق المعلن أمس تتصدر نفقات موازنة 2018 وتستحوذ على حصة الأسد من بين اعتمادات القطاعات الأخرى إذ يتوقع أن يقارب الانفاق العسكري 57 مليار دولار (أكثر من قيمة العجز).
العجز ثابت... وحل الأزمة مؤجّل
«الثقب» الآخر في الموازنة مثّلته الوعود غير الواضحة بعدم فرض ضرائب جديدة والتقليص من السياسة التقشفية. يتأكد ذلك من خلال التذكير بأن الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 5% قد أقرّت في وقت سابق وستدخل حيّز التنفيذ في 2018 ومعها رفع أسعار الوقود. وهي الخطوة الكفيلة بإشعار المواطن أن مستوى معيشته ليس أولوية بالنسبة إلى النظام، أو على الأقل لا يضاهي أولوية حروب ولي العهد وبعد ذلك لا معنى لـ«تمنين» السعودي بعدم إضافة ضرائب. وما يزيد التشكيك في مصداقية الخطاب الرسمي «المتفائل» المرافق للإعلان عن الموازنة هو التخلي عن وعد قطعه بالتخلص من العجز في عام 2020 وتأجيله 3 سنوات. تأجيل يميط اللثام عن أن أزمات السعودية الاقتصادية منذ 2014 لا تزال تراوح مكانها وأن الخطط لتخطّي المشكلات لا تعمل وفق المرسوم لها ما اضطر الرياض إلى ترحيل وعدها بالتخلص من العجز حتى عام 2023.
ومع أن الحكومة حاولت أمس التركيز على توقّع الموازنة تقلص العجز إلا أن لغة الأرقام تفصح عن أن ما يحتفل به النظام ليس سوى مليار دولار فقط هو فارق العجز عن موازنة 2017، فالأخيرة توقعت عجزاً بـ53 مليار دولار فيما موازنة 2018 سجّلت عجزاً يقدر بـ52 مليار دولار.
مستقبل محفوف بالتحديات
إذاً لا شيء تغيّر بل على العكس: مشكلة العجز مؤجلة والإنفاق سيبدأ للمرة الأولى بالاعتماد بهذا الحجم على جيب المواطن مع تطبيق الضريبة على القيمة المضافة. وهذه التبدلات في المملكة النفطية منذ ملازمة العجز الناجم عن انهيار أسعار البترول تؤكد خطورتها القراءةُ ما بين أرقام موازنة 2018، وتؤكد كذلك غياب حل يمكن الركون إليه في المدى المنظور سوى البدائل من النفط التي يعِدُ بها محمد بن سلمان. وبدائل ابن سلمان، هي الأخرى، ما عادت، مع إعلان أمس، صامدة أمام التشكيك، إذ لا شيء يضمن عدم تكرار تجربة الفشل في الالتزام ببرنامج التوازن المالي (التخلص من العجز) ومن ثم تأجيله ثلاث سنوات، وذلك بغض النظر عن النقاش الدائر حول فرص نجاح «رؤية 2030».
وعام 2018 سيشكل الاختبار الأول، الجدّي والمباشر لنسبة لا بأس بها من طموحات وأطروحات القيادة السعودية بشأن التخلي عن النفط كمورد رئيسي. وهي سنة ربما تكون الأصعب إذا ما لوحظ أن بدائل النفط لم تحضر بعد بشكلها الشامل والملموس ولا تزال حبراً على ورق وهو تحدي تحقيق التوازن في مرحلة انتقالية تنطوي على سباق مع الزمن، رهان ابن سلمان فيها على طرح نسبة من «أرامكو» في التداول العام كبديل «مؤقت» في المرحلة الانتقالية حتى النهوض في بناء القطاعات الاقتصادية الأخرى الصناعية والسياحية وغيرهما.
هذه الرؤية المحفوفة بالمخاطر والرهانات المهددة بالتعثر يبدو أنها الوحيدة المطروحة في الرياض، ولا خطط بديلة منها تجاورها. وهو ما يجعل الأسئلة حول المستقبل الاقتصادي للمملكة أكثر جدية وحساسية من أي وقت مضى، خصوصاً في وقت تتحكم فيه السياسات الخارجية في مسار الأمور، وتفرض فيه التحالفات والحروب، على السواء، فاتورتها الباهظة.
قراءة : خليل كوثراني
المزيد في هذا القسم:
- ثورة ابن سلمان: ديناميكيات التفكّك في السعودية المرصاد نت - متابعات ما يقوم به الحاكم الفعلي في المملكة السعودية محمد بن سلمان لا يتطلب جهداً ذهنياً كبيراً؛ فعملية التفتيت الممنهجة لركائز الحكم لا تؤسّس لد...
- مناورات عسكرية في اليونان: الطائرات الإسرائيلية إلى جانب الاماراتية! المرصاد نت - متابعات كشفت وسائل إعلام إسرائيلية بأنَّ إسرائيل ستشارك الى جانب الامارات في مناورة عسكرية في اليونان في الاوَّل من نيسان/ أبريل المقبل.ووفق هذه ...
- أوروبا تطلق ردّها ضد ترامب: رسوم جمركية على منتجات أميركية المرصاد نت - متابعات تتقدم فصول حرب التجارة بين ضفتي الأطلسي إذ بدأ الأوروبيون منتصف ليل أول من أمس تطبيق إجراءاتهم ضد قرارات ترامب «الحمائية» ما ...
- سوريا تستعيد حلب ولا حلّ سوى القضاء على الإرهابيين الرافضين المغادرة المرصاد نت - متابعات مساء أمس كرّت سبحة الانهيارات في صفوف المسلحين في أحياء حلب الشرقية الانهيار الكبير لم يكن وليد ساعته بل نتيجة ضغط نفسي وعسكري كبير يمارس...
- أمريكا: انتكاسة أولى قبل معركة الرئاسة.. ترامب يخسر ولايتين! المرصاد نت - متابعات واجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحزب الجمهوري هزيمة موجعة في انتخابات منتظرة جداً جرت في ولايتين حيث أشارت التوقعات إلى فوز الديموقرا...
- محور المقاومة «يحشد» في فلسطين إعلان النفير العام المرصاد نت - متابعات تقاطعت الرؤية المشتركة لأطراف محور المقاومة في اختبارٍ أوّلي وفعليّ لأداءه بعد سنوات من البرود والركود في ما يخصّ القضية الفلسطينية بعد ا...
- سيناريوهات مستقبل "داعش" بعد هزيمته في العراق وسوريا المرصاد نت - متابعات منذ مطلع العام الجاري بدأ الحديث عن مصير تنظيم "داعش" يتردد كثيراً في وسائل الإعلام من قبل المحللين والمراقبين خصوصاً بعد تمكن القوات الع...
- ميركل وماكرون لجونسون : 30 يوماً لإيجاد حلّ لمسألة الحدود ! المرصاد نت - متابعات فتح اللقاءان اللذان أجراهما رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون، خلال اليومين الماضيين مع كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئي...
- وزير الدفاع الأمريكي ماذا يحمل في جولته الشرق أوسطيّة؟ المرصاد نت - متابعات بدأ وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الملقب بـ"الكلب المجنون" أمس الثلاثاء جولة شرق أوسطية تشمل السعودية وقطر ومصر والکیان الإسرائيلي إضاف...
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر قانون لمقاضاة السعودية المرصاد نت - متابعات وافق مجلس الشيوخ الأمريكي مساء اليوم الثلاثاء على قانون يسمح لأسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمقاضاة النظام السعودية. ويعطي...