المرصاد نت
ما زال النزوح الداخلي في اليمن عموماً حالة استاتيكية تفتقر إلى ديناميات الظاهرة ومفاعيل تدويل الألم وإدراجه تحت مبادئ القانون الدولي الإنساني وبرامج الرعاية والحماية المعنية.
أخيراً انتصبت مئات الكرفانات البيضاء وبيوت من القش والطين على مساحة شاسعة من الرمل الغابر في منطقة الجفينة في مدينة مأرب وسط اليمن. إنه أول مخيم للنازحين المدينة التي يعيش فيها قرابة مليون نازح وهو المخيم الأكبر مقارنة بسائر مخيمات النزوح في عموم اليمن.
يشهد هذا المخيم الذي انشئ بشكل عشوائي وطارئ على نقطة تحول هامة في بنية النزوح الداخلي في البلاد. فبعد ثلاث سنوات من تدفق آلاف النازحين إلى مأرب ينتقل النزوح من إطاره الفردي إلى ما يشكل حالياً مجموعة حراك بشري تتموضع على جغرافيا واحدة. لكن غياب المفاعيل الناظمة لهذه المجموعة يحيل هذا النزوح إلى حالات انسانية مبعثرة وأوضاع شخصية تخص كل نازح على حدة.
تمثل حركة النزوح إلى مأرب - المدينة التي منحتها الحرب حظاً من الاستقرار والأمن النسبي -نموذجاً لقراءة واقع هذه الظاهرة، في ظل غياب الدراسات ومعها المنظمات الإنسانية ومراكز الرصد والتحليل المعنية بهذا الوضع الناجم عن كارثة الحرب. كما لا يمكن قراءة حركة النزوح إلى مأرب خارج السياق التاريخي للظاهرة والمكان. فقد شهدت المدينة التي كانت عاصمة المملكة السبئية القديمة في عصور التاريخ القديم أكبر موجات النزوح الجماعي إثر تهدم سد مأرب والسيل العرم، وتفرقت أيدي سبأ في أنحاء العالم .
وهكذا تعيش مأرب واحدة من مفارقات التاريخ! وعلى الرغم من كل الخصائص فما زال النزوح الداخلي في صيغته الحالية أشبه بالهجرة الريفية إلى المدن، التي ترتبط بفترات السلام والبحث عن فرص العمل والحياة حين تشح الفرص في القرى.
خلفت الحرب الحالية أكثر من ثلاثة ملايين نازح قصد ثلثهم مأرب. وهذا امتياز آخر منحته الحرب لهذه المحافظة التي كانت من أقل المحافظات اليمنية سكاناً ومعدلات نمو سكاني على مستوى البلد.. ومأرب تعني لغوياً "مقصد" غير أنها انتظرت آلاف السنين لتكون اسماً على مسمى.
هذا العدد الهائل من النازحين هو ما أتحفنا به مسؤول حكومي في سردية احصائية إذ نادراً ما تتحدث الحكومة اليمنية عن برامج وآليات لمعالجة كارثة النزوح وربما يعود هذا إلى طبيعة عمل الحكومة التي تعيش في الرياض وليس في الجفينة.
والإحصائية الرسمية الأخيرة واقعية، مع أن أغلب النازحين داخلياً يظلون خارج دائرة الرصد والإحصاء وهذا يعود لعدة عوامل من أبرزها أن للنزوح طابع أسري حيث تستقر الأسرة النازحة في بيت عائلة من أقربائها في المناطق الآمنة. كما أن حركة النزوح الداخلي لا تتم بشكل جماعي، ولم يحدث أن رأى العالم مجموعات نزوح يمينة لفارين من كارثة الحرب وهم يحملون حقائب صغيرة وأطفالاً. ولذلك لم يحدث أيضاً أن شعرت الأمم المتحدة بالقلق تجاه وضع النازحين في اليمن الذي يتسربون فرادى فلا يلفتون الأنظار.
ومن ضمن عوامل الإبقاء على حركة النزوح الداخلي في عداد القضايا الصامتة أو الظواهر الميتة، يأتي العاملان الشعوري والأمني في الصدارة، حيث يفضل بعض النازحين إلى مأرب، وبالأخص من هم من النخب الإعلامية والسياسية، الإنصهار داخل المدينة والتماهي في حياتها الإجتماعية لأسباب تتعلق بالخوف والشعور بالكرامة. وثمة سبب أمني يتمثل في حرص النازحين النخبويين على عدم الظهور في صورة المكان. فمأرب هي "أرض الدواعش" كما يصمها الإعلام الحربي الحوثي، وظهور هؤلاء النازحين في المشهد قد يتسبب بمخاطر أمنية لمن تبقى من علاقاتهم العائلية في مناطق سيطرة الحوثيين.
وعلى الرغم من وجود عشرات المراكز الإعلامية والمنظمات المحلية ومئات الإعلاميين والناشطين الحقوقيين إلا أن النزوح الداخلي في اليمن عموماً ما زال حالة استاتيكية تفتقر إلى ديناميات الظاهرة ومفاعيل تدويل الألم وإدراجه تحت مبادئ القانون الدولي الإنساني وبرامج الرعاية والحماية المعنية.
كتب : عبد الرزاق الحطامي
المزيد في هذا القسم:
- محمية وادي عنة الطبيعية .. ما بين الإهمال الرسمي وعبثية الإنسان! المرصاد نت جاءت المحميات من اجل النظم الاحيائية بعد أن اثبتت التجارب البشرية انكماش الطبيعة وتدهورها امام هذا السبق الحضاري للإنسان فالطبيعة ضرورية للتوازن ال...
- تحقيق يكشف جـرم منظمــة الصحـة العالمية بحـق مرضـى الكلى في اليمـن! المرصاد نت في بلد يشهد أسوأ كارثة إنسانية بوصف العالم.. لم يكن العدوان ولا الحصار هما كل من تسبب بتلك الكارثة .. بعض الأيادي التي مُدت لإغاثة اليمن المنكوب لم...
- مسؤول أممي : القطاع الصحي في اليمن يعاني انهياراً ساهم في تفشي الكوليرا المرصاد نت - متابعات أكد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية المقيم في اليمن جيمي ماكغولدريك أن اليمن يواجه أكبر تفشي لمرض الكوليرا في العالم إضافة إلى أزمة غ...
- عاجل :طفل يصارع الحياة والموت اثر اصابته بطلقة طائشة وامه تصرخ نداء استغاثه من وسط الحالمة خاص المرصاد : الطفل جميل عادل ناجي ذو السادسة من عمره اغتالته رصاصة طائشة حيث كان في ساحة المدرسة واستقرت في جمجمته .. ولا زال الان ي...
- الصحة العالمية تحذر من تزايد خطر وباء الملاريا في اليمن متابعات : حذرت منظمة الصحة العالمية من تزايد خطر الإصابة بالملاريا في اليمن و أعرب المدير الإقليمي للمنظمةالدكتور علاء الدين العلوان عن قلقه البالغ إزاء تزايد...
- الأسعار تتصاعد على أكتاف المواطنين! المرصاد نت ليس العدوان والحصار وانقطاع رواتب الموظفين السببَ الرئيسيَّ لانتشار المجاعة في صفوف المواطنين بل إن التلاعب بأسعار السلع الغذائية الرئيسية عاملٌ آخ...
- 3 مليارات و247 مليون ريال أضرار المعاهد الفنية والصناعية بمحافظة صنعاء متابعات : بلغت الأضرار المادية التي لحقت بالمعاهد الفنية والصناعية الخمسية بمحافظة صنعاءأكثر من 3 مليارات و247 مليون ريال جراء استهداف طيران العدوان السعودي ال...
- الكوليرا تحصد أرواح اليمنيين .. إرتفاع متسارع بالوفيات والعالم يتفرّج المرصاد نت - متابعات قالت منظمة الصحة العالمية أن وباء الكوليرا تسبب في وفاة 923 يمني والاشتباه بـ 124.002حالة في 20 محافظة وأن أكثر من نصف حالات الاشتباه بال...
- 99 حالة وفاة بالحديدة نتيجة انقطاع الكهرباء المرصاد نت - وكالة خبر كشفت إحصائيات عن وفاة 99 شخصاً في شهر مايو/ آيار المنصرم أغلبهم من الأطفال وحديثي الولادة ممن كانوا في الحاضنات في مستشفى الثورة بمح...
- وباء الكوليرا يهدد حياة الألف اليمنيين المرصاد نت - متابعات بالرغم من الإعلانات الغير رسمية عن انخفاض حالات الإصابة بمرض الكوليرا تزايدت المخاوف مؤخرا من تفشي وباء الكوليرا مجددا مع بداية فصل الصيف...