المرصاد نت
عندما دخلت الحرب حياتنا في اليمن، أصبحت كلماتنا حرباً، وتفكيرنا حرباً، حتى خلافاتنا صارت حروباً صغيرة.
أما أطفالنا فقد استبدلوا المسدسات الخشبية والمائية والحقيقية مكان الأوراق، وصارت الألعاب النارية ألعابا حربية!
لن تجد شيئًا أو شخصًا حافظ على توازنه في زمن الحرب؛ لأن الحرب إذا دخلت الحياة أفسدتها، قلبت كيانها، جعلتها شيئًا آخر غير ما كانت عليه.
إنها تقويض سريع لكل مكتسبات الإنسان التي صنعها في زمن طويل؛ فهي ليست لعبة، بل مغامرة غير محسوبة العواقب، خصوصًا عند العرب الذين يدخلونها بعنتريات الجاهلية التي لا تزال سابحة في جيناتهم.
على الرغم من أن الحرب، كما يقول المؤرخ الأميركي وليم ديورانت المتوفى عام 1981 في كتابه "دروس التاريخ"، تبقى "أحد ثوابت التاريخ؛ فالحرب أو المنافسة هي أبو كل شيء، وهي الأصل الفعال للأفكار والمخترعات والمؤسسات والدول، أما السلام فهو توازن غير مستقر. وأسباب الحرب هي ذاتها أسباب المنافسة بين الأفراد: نزعة التملك والمشاكسة والغرور". وفي إحصائه الحروب التي وقعت في التاريخ البشري منذ تدوينه لم يجد من 3421 سنة سوى 268 سنة ليس فيها حروب، وأكثر من ثلاثة آلاف سنة كلها حروب؛ يعني قرابة 92% من تاريخ الإنسانية حروب!
على الرغم من هذا، لا أرى في هذه الإحصائيات، بغض النظر عن دقتها، حجة لقيام الحروب، فمنْ ذا يغامر بمستقبل أمة لخوض الحرب؟ أعلم أن المغامرين كثيرين في زمان الجنون الذي نعيشه، لكن تجارب التاريخ تعرض لنا ما آلت إليه الشعوب التي أسلمت زمامها لهؤلاء المغامرين.. لكن منْ يقرأ التاريخ؟
الحرب هي إفلاس البشر في التفاهم معا، والعرب هي أمة الإفلاس في هذا الزمان، فهم في مرتع الحروب منذ حرب البسوس وداحس والغبراء، وحتى حرب اليمن الراهنة، يعني لا جديد، اللهم سوى تطور آلات الصراع وتغير المسميات. ولا يخرجون من حرب إلا ليصنعوا أختها بدس بذورها في كل اتفاق سلام يُصاغ. يقول قائل: هل نسيت أن الغرب متآمر عليهم، فهو من يصنع لهم هذه الحروب؟ طبعًا، الكل متآمر علينا حتى سكان مجرة أندروميدا.
أقول قد تكون المؤامرة موجودة، لكن تضخيمها جدا وكأننا ملائكة أمر غير منطقي. ولا ننسى أن الغرب أناس يبحثون عن مصالحهم، لكن ماذا عنا؟
أغلب شعوب العالم من حولنا خاضت حروبًا، لكن العقلاء منها يتعلمون من هذه الحروب، كيف يصنعون عالَمهم وكيف يجنبون شعوبهم شبح الحرب، ما استطاعوا لذاك سبيلا، لأن أعظم مشكلة في الحرب، أنها تنزع منك حرية الاختيار، ومتى فقدت الشعوب هذه الحرية انساقت مثل السائمة للمحرقة.
يقول الروائي الألماني هيرمان هيسه، الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1946: "وهذه الحرب العالمية البائسة بالذات يجب أن تجعلنا أشد وعيًا بأن الحب أسمى من الكراهية، والفهم أسمى من الغضب، والسلام أسمى من الحرب، وإلا فما جدواها؟".
نعم، السلام أسمى من الحرب.
كتب : عبدالحفيظ العمري
المزيد في هذا القسم:
- تفكيك تحالف ما اسموه "الاشتراملكي "! هناك مخطط واضح ومعمول عليه لايجاد قطيعة بين الاشتراكي وانصار الله واصحاب هذا المشروع يهدفون الى ما يلي - حرمان انصار الله من اي امتداد وطني وصبغهم باللون ا...
- اليمن… إلى أين يتجه مسار المغامرة السعودية!؟ بقلم: هشام الهبيشان المرصاد نت ما زال العالم كله يراقب مسار الحرب السعودية الأميركية الشعواء بغطاء «ناتو العرب» على اليمن هذه الحرب العدوانية التي تعتبر في...
- الرئيس السابق عبده ربه منصور هادي أثبتت القوى التقليدية في اليمن أنها ليست ضليعة في السياسة وكل ما كانت تمارسه طيلة عقودها الماضية كان ضروباً من التجريبات غير الموجهة...
- الخطاب الطائفي والقطيعة مع اليسار بوابة العودة لقوى النفوذ التاريخي! مع فرار اللواء علي محسن الأحمر، وسقوط مقر قيادة الفرقة الأولى مدرع، مساء 21 سبتمبر 2014، على أيدي مقاتلي "أنصار الله" واللجان الشعبية للثورة، متزامنا مع سقوط ال...
- كواليس ما قبل إنطلاق العاصفة ! بقلم :الشيخ عبدالمنان السنبلي المرصاد نت بالرغم من حجم التغطية الإعلامية الضخمة المصاحبة و المساندة لعملية عاصفة الحزم و المتابعة لأنشطتها لحظةً بلحظة منذ إنطلاقها في 26 مارس 2015 و المستخ...
- إلى الشيخ الزنداني......فرصه للتوبه لقد كانت لأفكارك المتطرفه ومن ينهج نهجك المتطرف في التفسيرات الدينية دورا كبيرا في بروز ظاهرة التطرف والإرهاب في اليمن. بالإضافة إلى عوامل أخرى ساعد بها النظام ...
- الخاسر في صنعاء لا تعوضه الرياض . المرصاد نت من يهاجر الى الرياض طلبا لتعويض ما خسره في صنعاء لأ يستعيد في الرياض شيئاً مما خرج لطلبه بل يخسر ما تبقي له من كيان وقرار وفعالية وتاثير .ما خسره ه...
- شهادة لله والتأريخ! المرصاد نت شهادة لله والتأريخ كان لقاء جمعية ابناء ردفان 13 يناير 2006 م ثالث أيام العيد .. كان لقاء مقيل فيه الأستاذ المناضل علي منصر محمد وأعضاء اللجنة المر...
- بكاء التماسيح على إغتيال الحمدي! المرصاد نت بكاء التماسيح على إغتيال الحمدي كتب: أ . عبدالباسط الحبيشي* بينما يتم السعي حثيثاً على قدمٍ وساق لإكمال إغتيال اليمن وتقطيع أوصاله إرباً إرباً وح...
- اليمن: بين الانقلاب والثورة والدورة العصبية! المرصاد نت هل قد سمع أحد او قرأ عن دولة في التاريخ اُسقطت بفعل فاعل او (بانقلاب)؟ الانقلاب اذا نجح يسقط حكومة ولا يسقط دوله . الثورة تسقط نظاما ولا تسقط دولة....