المرصاد نت - إبراهيم بنوت
بالكاد لوّحت الحكومة السودانية بعصا سحب قواتها المشاركة ضمن تحالف العدوان السعودي على اليمن حتى ضجت الخرطوم بحركة ديبلوماسية خليجية متسارعة بدأها السفير السعودي واختتمها وفد إماراتي كان قد وصل إلى العاصمة السودانية على جناح السرعة. تحركات تشير المعلومات إلى أنها أطفأت محركات انسحاب ميليشيات «الجنجويد» وقواتها من مستنقع اليمن
بعد ثلاث سنوات من القتال العنيف على جبهة ميدي شمال اليمن فشلت قوات تحالف العدوان السعودي بحسم المعركة ضد القوات اليمنية المشتركة ولم تستطيع الوصول إلى مركز المدينة الذي يبعد عن الحدود السعودية قرابة ثلاثة كيلومترات وكلفتها فاتورة بشرية ضخمة مئات القتلى والجرحى نالت القوات السودانية النصيب الأكبر منها. كان هذا قبل أن تُلوّح الخرطوم بنيتها سحب قواتها المنضوية في إطار تحالف العدوان.
التهديد الذي أطلقته وزارة الدفاع بنية الخرطوم إعادة تقويم مشاركة قواتها في الحرب على اليمن جاء بعد جملة تطورات شهدتها الساحة السودانية في الداخل شغلت منها الأزمة الاقتصادية الحيِّز الأكبر. وفيما استفحلت أزمة فقدان الوقود بسبب شحّ النقد الأجنبي وتراجع سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار لم تبادر السعودية والإمارات إلى مدّ يد العون لحكومة الرئيس عمر البشير، التي على الأثر باتت تتحين قيام تحركات شعبية يجري الإعداد لها على قدم وساق وهي تحركات استمات البشير في إخماد سابقاتها. أضف إلى ذلك تصاعد الأصوات الرسمية والشعبية المطالبة بسحب القوات من اليمن، نظراً للخسائر الكبيرة التي تُمنى بها في حرب وصفتها كتلة «التغيير» البرلمانية بأنها حرب «لا ناقة للسودان فيها ولا جمل».
مصادر مقربة من دوائر صنع القرار أكدت أن الخرطوم «لن تقدم على سحب قواتها المقاتلة من اليمن» واضعة ما أعلنته وزارة الدفاع في خانة «المناورة السياسية التي لم تتأخر وتأتي أُكُلها». وتمثل ذلك بمسارعة السفير السعودي في الخرطوم علي بن حسن جعفر الأحد الماضي إلى إعلان قرب توقيع بلاده لمذكرات تفاهم مع السودان في المجالات العسكرية والاقتصادية تبع ذلك وصول وفد إماراتي إلى الخرطوم في اليوم ذاته أجرى لقاءات في وزارتي الخارجية والدفاع.
وفيما خرج وزير النفط السوداني عبد الرحمن عثمان الاثنين لتأكيد التوصل إلى اتفاق مع السعودية لمدّ بلاده باحتياجاتها النفطية لمدة خمس سنوات كان وكيل وزارة الخارجية عبد الغني النعيم يصرح للصحافيين قائلاً: إن الوفد الإماراتي بحث «انسياب التعاملات المصرفية بين البلدين وحجم الاستثمارات الإماراتية في السودان في المجالات المختلفة والعمل على زيادتها والدفع بها إلى الأمام».
المصادر لفتت إلى أن حكومة البشير بتهديدها سحب قواتها إنما رمت «كرة النار الداخلية» في أحضان دول تحالف العدوان وبخاصة السعودية والإمارات «فهي تعلم أن الدولتين لن تستطيعا الاستغناء عن جهود القوات السودانية خاصة أن سحبها يعني قصم ظهر تحالف العدوان فهي رأس حربة القوات البرية التي يرمي بها البشير في محرقة اليمن بحسب ما تقتضيه مصلحة النظام».
نائبة الأمين العام لـ«قيادة الثورة السودانية» (أثق) فاطمة غزالي أوضحت أن حكومة البشير باتت «محاصرة شعبياً بعدما أثبتت فشلها في كافة النواحي الاقتصادية السياسية والأمنية»، لافتة إلى أن «الأرضية الشعبية داخل البلاد اقتربت من الانفجار وهناك مساعٍ جادة لتنظيم تظاهرات تصبّ في هذا السياق».
غزالي لفتت إلى أن ارتفاع أعداد قتلى القوات السودانية وضع الشارع في حالة غضب شديدة وفيما وضعت الأعداد التي تعلنها الخرطوم عن قتلاها في اليمن في خانة تخفيف المصيبة أعربت عن اعتقادها بأن أعداد القتلى «تجاوزت حاجز الألف جندي من أصل نحو 8220 جندي مشارك في الحرب اليمنية بحسب ما تظهره التقارير».
غزالي لم تستبعد المعلومات عن وجود «حالات تمرد» في صفوف القوات السودانية اعتراضاً على ارتفاع أعداد القتلى وفيما لفتت إلى أن الأمر لا ينسحب على فصيل يتبع إحدى القبائل السودانية التي قررت مواصلة القتال وترفض الانسحاب بذريعة «الدفاع عن الحرمين الشريفين» أوضحت أن «القوات المشاركة في الحرب ليست من ضمن الجيش النظامي للسودان بل هي من الميليشيات وقوات الجنجويد والأخيرة لطالما لجأ إليها البشير ووظفها في الداخل، وقد عرف عنها ارتكابها الجرائم بحق المواطنين وممارستها مختلف صنوف القتل».
وعن فرضية وضع القوة الصاروخية اليمنية العاصمة السودانية في مرمى الاستهداف الباليستي أسوة بالمعادلة التي أرسيت مع السعودية باستهداف الرياض أكدت غزالي أن قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي «لن يتخذ قراراً كهذا فهو يعلم حقيقة الموقف الشعبي للسودانيين ورغبتهم في وضع حد لهذه الحرب التي لم يوافقوا على دخولها منذ البداية».
هذه المعطيات تتقاطع مع ما ذكره الكاتب السياسي والديبلوماسي السابق عبد الرحيم عمر أحمد أكد فيه أن الرئيس عمر البشير «لن يسحب قواته من اليمن على الرغم من تحرك مجوعة من البرلمانيين لوقف المحرقة التي تتعرض لها القوات السودانية في تلك البلاد» خاصة أن الرئيس السوداني «لم يعرض مشاركة قواته في التحالف منذ البدء على البرلمان لأخذ موافقته، بل حصل الأمر بقرار رئاسي منفرد».
أحمد أكد أن حكومة البشير كانت تنتظر من دول «التحالف بعض التقدير على إسهاماتها في حسم الكثير من المعارك في اليمن، وبذلها الغالي من الدماء، لكنها تفاجأت بأنها لم تستحصل على أي مساعدات» على الرغم من الوعود التي أغدقت عليها. وعلل «مناورة الخرطوم» بأنها جاءت بعدما شعرت حكومة البشير بالغبن الشديد، فـ«فيما تتلقى مصر الأموال من السعودية والإمارات وتُزوَّدها بنحو 700 ألف طن شهرياً من النفط الخليجي، وهي لم ترسل أي جندي للقتال في صفوف التحالف، نرى أن السودان لم يتلقّ أي مساعدات، بل هو يعاني من أزمة اقتصادية». وعن استمرار حالة الاختناق الداخلية نظراً لفقدان الوقود، أكد أن السودان «لم يتلقّ أي شحنات نفطية من السعودية أو الإمارات تعينه على التخفيف من النقص الحاد في هذه المادة، برغم مرور قرابة ثلاثة أيام من تاريخ إعلان التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن مع الرياض»، مع العلم أن وصول باخرة نفط من إحدى دول «التحالف» إلى السودان لا تستغرق سوى بضع ساعات.
وعطفاً على ما تقدم، يجزم الديبلوماسي السابق بأن «الحكومة السودانية لن تتأخر عن العمل لإعادة علاقاتها مع طهران إن لم تفِ السعودية والإمارات بتعهداتهما تجاهها» وتؤكد معلوماته أن «الخرطوم غير معنية بتصعيد الموقف ضد إيران هذا أمر لن يحدث كذلك فإن الخرطوم لن تشارك في أي تحالف عسكري قد يُشكَّل لمواجهة إيران» خاصة أن الوضع آخذ بالتوتر أكثر فأكثر بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني.
المزيد في هذا القسم:
- عملية تبادل جديدة للأسرى بالجوف بعيدا عن مشاورات الكويت المرصاد نت - متابعات أجريت اليوم الأحد عملية تبادل جديدة للأسرى بين الجيش اليمني واللجان الشعبية من جهة وبعض المجموعات المسلحة في محافظة الجوف من جهة ثانية....
- هل سيعجل قتل صالح بعمل عسكري مباشر لأمريكا في الحرب التي دبروها؟ المرصاد نت - متابعات لا يغرنك الموقف الأخير الذي ظهر به ترامب مطالباً برفع الحصار السعودي عن اليمن فقد فتح رحيل علي عبد الله صالح عين المحافظين لتدخل أمريكي م...
- فضيحة من العيار الثقيل.. نجلا وزيري خارجية وإعلام هادي يمثلان اليمن في مؤتمر الدول الأقل ... المرصاد نت - متابعات في سابقة هي الأولى من نوعها وفضيحة من العيار الثقيل لأعضاء حكومة فنادق الرياض - مثل اليمن في مؤتمر الدول الأقل نموا نجلا الوزيرين قبا...
- كيف أثر التوتر في الخليج على التدخل السعودي الإماراتي في اليمن؟ المرصاد نت - متابعات ألقى التوتر في مياه الخليج بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بظلاله على الأزمة اليمنية وطبيعة تدخل التحالف السعودي الإماراتي فيها وبد...
- داعش يستهدف مدرسة للمجندين... وبن سلمان يحشد من باكستان المرصاد نت - علي جاحز بالتوازي مع محاولاتها المستمرة في حشد المقاتلين اليمنيين نيابةً عن جيشها وبعد أن كان السودان قد أعلن استعداده لرفد المملكة بجنود لحماية ...
- حريق يلتهم احد مخيمات ساحة التغيير .. شب حريق بعد ظهر اليوم في احدى مخيمات شباب الثورة المستقلين بساحة التغيير بالعاصمة صنعاء دون ان تحدث اصابات في الارواح بينما اتلفت محتويات المخيم واحترقت بكامل...
- الهدنة تنتهي اليوم: 7 أهداف ميدانية تريدها الرياض لقبول التفاوض المرصاد نت - علي جاحز رغم إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري مطلع الأسبوع الماضي من مسقط أن وقفاً شاملاً للنار سيبدأ في السابع عشر من الشهر الجاري أصرّ تحا...
- مسلحو الحراك يهاجمون موقعاً عسكرياً في لحج وقوات الجيش تسيطر على الموقف لحج 2اندلعت اشتباكات بين وحدات الجيش، ومسلحين يتبعون ما يعرف بـ”الحراك الجنوبي” الذين يحاصرون أحد المواقع العسكرية “الملاح” بمحافظة لحج قبل أن تتوقف الرابعة وال...
- جريفيث يستأنف مباحثاته مع الأطراف اليمنية نهاية الأسبوع الجاري ! المرصاد نت - متابعات ذكرت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث سيستأنف مباحثاته مع الأطراف المتحاربة نهاية الأسبوع الجاري...
- الإمارات تتخلى عن المجلس الجنوبي وتعيد حلفاء حرب صيف 94 إلى الواجهة . المرصاد نت - متابعات يتكشف الدور الإماراتي في اليمن يوماً بعد اخر وتتغير ادوار أبو ظبي في الشمال والجنوب وفق مصالح أولاد زايد ومطامعهم الإستعمارية . هذه ال...