المرصاد نت - متابعات
هناك فئات واسعة من المعتقلين لم يشملهم اتفاق ستوكهولم - متعثر التنفيذ أصلاً - ولا يردون في اي لوائح ولا يتفاوض بشأنهم أي طرف على رأسهم مواطنون معتقلون ولا يتبعون أي جهة ثم المعتقلون لدى جماعتهم نفسها لخطأ ارتكبوه..
لم يشهد ملف إطلاق الأسرى والمعتقلين من الطرفين أي تقدم يذكر وذلك منذ اتفاق حكومة هادي والحوثيون على معالجته في كانون الاول/ ديسمبر 2018م ولم يمثل أولوية موازية لملف الحُديدة مثلاً الذي تضمنه اتفاق استوكهولم ذاته. فما زال قرابة 16 ألف أسير ومعتقل من الجانبين بين جدران المعتقلات سيئة الصيت. وهناك الكثير من الصعوبات أمام تحول الاتفاق إلى حقائق على الأرض. كما أن هناك آلاف المعتقلين اليمنيين الذين يصعب تضمينهم أي صفقة تبادل معتقلين، كما تبين التفاصيل..
قد يكون من الغريب أن ينخرط الطرفان في نقاش حول أسرى الحرب فهذا يحدث عادة بعد انتهاء الحروب وليس أثناءها. لكن القضية الإنسانية الأهم هي قضية المعتقلين من المدنيين على خلفية الصراع وقد تحولوا إلى مجرد أرقام وأسماء في قوائم الطرفين لدرجة أنه يتم تقديم نقاش آلية تبادل جثامين القتلى على نقاش آلية تبادل الأحياء كما أن هناك الكثير من العراقيل التي قد تعيق استعادتهم حريتهم في المدى المنظور.
نصّ اتفاق استوكهولم بشأن تبادل الأسرى والمعتقلين على "إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفياً والمخفيين قسرياً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية على ذمة الأحداث لدى جميع الأطراف من دون أي استثناءات أو شروط وذلك بهدف حل القضية بشكل كامل ونهائي". لكن جهود الأمم المتحدة اقتصرت على ترتيب لقاءات بين ممثلين عن الحكومة والحوثيين في العاصمة الأردنية عمّان لم تتوصل لأي خطوة عملية.
على الرغم من تنفيذ عدة عمليات تبادل أسرى بين فصائل أقرب لحكومة هادي (من دون أن تكون تابعة لها رسمياً ك"المقاومة الجنوبية") وجماعة الحوثيون آخرها جرى في أيار/ مايو الماضي أطلقت فيه الفصائل الجنوبية سراح 33 أسيراً من مقاتلي الحوثيين مقابل إفراج الحوثيين عن سجين من الحراك الجنوبي مسجون على ذمة قضية قتل منذ 12 عاماً وعملية أخرى جرى فيها تبادل قرابة 66 أسيراً بين الحوثيين وقوات مناهضة لهم في الساحل الغربي دون تدخل من الأمم المتحدة إلا أن تلك العمليات لا يمكن أن تحل القضية الأكثر تعقيداً وشمولاً من هذه المبادلات. فقد شملت قوائم تبادل الأسرى المقدمة من حكومة هادي 8576 اسماً وتضمنت قوائم الحوثيين 7487 اسماً وهي أرقام مرتفعة ولكل اسم فيها ملابسات خاصة في كثير من الأحيان.
حتى لو تم التوصل لاتفاق مكتوب كما جرى في استوكهولم فإن العراقيل المتوقعة أمام تنفيذه كثيرة ومفاوضات عمان حول تفاصيل تنفيذ اتفاق استوكهولم مثال على ذلك. لكن الأكثر أهمية هو وجود فئات من المعتقلين لم يشملهم ذلك الاتفاق. هاكم الامثلة:
- فلو كان المواطن اليمني مستقلاً لا يتبع الشرعية ولا الحوثيين وتم اعتقاله من قبل أي منهما في منطقة سيطرته فمن سيضعه في قائمة التفاوض الخاصة به؟
- ولو كان موالياً للحوثيين وارتكب خطأ ما ضد أحد قيادات الحوثيين في منطقة تحت سيطرتهم فقام باعتقاله فمن سيتفاوض للإفراج عنه؟ ويصح الامر نفسه على معتقل موالٍ لـ"الشرعية" ومعتقل لديها أو معتقل جنوبي لدى الحراك، فمن سيتفاوض للإفراج عنه؟
أي طرف فاعل على الأرض في اليمن يمتلك سجونه الخاصة لمعاقبة من يتمرد على سلطته. كان لشيوخ القبائل والقادة العسكريين سجون خاصة لا تشرف عليها الدولة ولا تصلها المنظمات ولا يسودها قانون وفي مرحلة الصراع الراهن أصبح لكل جماعة تمتلك تشكيلات مسلحة سجونها الخاصة أيضاً...
إن الحالات الواقعة تحت هذا التصنيف كثيرة جداً ولكن لا إحصائيات تخصها يمكن الاسترشاد بها إلا أنه لا يمكن التغاضي عنها أو تجاوزها كملف حقوقي وإنساني.
ولكي يصبح أياً كان طرفاً فاعلاً على الأرض في اليمن فمن الأبجديات الضرورية أن يمتلك سجونه الخاصة لمعاقبة من يتمرد على سلطته. كان لشيوخ القبائل والقادة العسكريين سجون خاصة لا تشرف عليها الدولة ولا تصلها المنظمات ولا يسودها قانون وفي مرحلة الصراع الراهن أصبح لكل جماعة تمتلك تشكيلات مسلحة سجونها الخاصة أيضاً وكل مواطن ضحية محتملة طالما لم يكن موالياً لها بشكل مطلق.
عانى الحوثيون من الاعتقالات والتعذيب لسنوات لكن فتح سجون خاصة بهم كان أولوية للجماعة منذ توسعها المسلح وسيطرتها على مناطق خاصة بها في "صعدة" ومحيطها وحتى بعد سيطرتها على السلطة بحكم الأمر الواقع بعد أيلول/ سبتمبر 2014م لم تكتف بالسجون الرسمية واعتقلت الكثير من المدنيين في سجون غير رسمية. وعلى نفس منوال الحوثيين سار الحراك الجنوبي بعد أن تحول إلى قوة في عدن ومحافظات أخرى فاعتقلوا وعذبوا كثيرين حسب تقارير دولية.
السلفيون وحزب الإصلاح لم يعانوا من الاعتقالات فيما سبق فقد كانوا حلفاء تقليديين للسلطات اليمنية لكن وبعد مشاركتهم في الصراع وتشكيل كيانات مسلحة تابعة لهم اعتقلوا من يعارضهم أيضاً وفتحوا سجونهم الخاصة وكانت تعز المسرح الأبرز لذلك.
وكان فتح السجون أولوية خاصة لتنظيم القاعدة بعد سيطرتها على المكلا في نيسان / إبريل 2015م وكان أبرز ضحاياها ضباط وجنود الأمن الذين تعقبوا عناصر التنظيم سابقاً.
"التحالف السعودي" بدوره سواء كان تحت مظلة محلية أو بدونها، افتتح سجونه الخاصة في مناطق سيطرته، واعتقل وعذب من حلفائه قبل خصومه. فمن سيفاوض من أجل كل هؤلاء؟
هناك لبس كبير في التعامل بين المعتقل والأسير فإذا كان من الممكن مبادلة أسير حرب بمعتقل مدني فما الذي يمنع أي طرف في الصراع من اعتقال مدنيين موالين لخصمه ومبادلتهم بأسرى حرب من عناصره وكيف يمكن للمبعوث الأممي والمنظمات الدولية وضع حل حقيقي لهذا اللبس؟
إن التعامل مع ملف الأسرى والمعتقلين شائك ومعقد فاليمن عبر عقود شهدت صراعات متوالية وانقلابات متعددة ولا زال ضحايا تلك الصراعات من "المختفين قسرياً" مجهولي المصير حتى اليوم. وقبل سنوات وخلال موجة الحديث عن العدالة الانتقالية بعد انتفاضة 2011 قام الفنان اليمني مراد سبيع بقيادة حملة "الجدران تتذكر وجوههم" رسم فيها مئات الوجوه لمختفين قسرياً منذ عقود لكن مشروع قانون العدالة الانتقالية لم يُقر من البرلمان وتمت عرقلته حتى اليوم.
في الشمال تمّ الانقلاب على أول وثاني رئيس للجمهورية بعد الثورة (عبدالله السلال، وعبد الرحمن الإرياني) وجرى اغتيال الرئيسين الثالث والرابع (إبراهيم الحمدي، وأحمد الغشمي) وشهدت "حروب الجمهورية" خلال الستينات الفائتة و"حروب الجبهة" خلال السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي ولا زال ضحايا تلك الصراعات دون إنصاف حتى اليوم كما لا زال كثير من الجناة دون عقاب.
تمّ إفشال مشروع قانون العدالة الانتقالية لأن كل القوى التي تصدرت المشهد كانت لها سوابق انتهاكات مارستها عندما كانت في موقع السلطة أو ضمن حلفاء السلطة وكل الضحايا الذين لا زالوا على قيد الحياة يعرفون الجناة..
في الجنوب وقع الانقلاب على أول رئيس بعد الاستقلال (قحطان الشعبي) ووضع رهن الإقامة الجبرية وجرت ملاحقة وتصفية أنصاره وإعدام ثاني رئيس بعد الاستقلال (سالم ربيع علي) وأيضاً ملاحقة وتصفية أنصاره وإقصاء ثالث رئيس (عبدالفتاح إسماعيل) ثم قتله بظروف غامضة في أحداث كانون الثاني/ يناير، وطرد خلفه (علي ناصر محمد) بعد هزيمته في تلك الأحداث إياها.
بعد الوحدة أيضاً امتدت صراعات كل شطر في صراعات الدولة الموحدة، وظهرت صراعات جديدة خاضتها القوى نفسها بمسميات وأشكال وتحالفات مختلفة وعند الحديث عن العدالة الانتقالية بعد 2011م تمّ إفشال مشروع قانون العدالة الانتقالية لأن كل القوى التي تصدرت المشهد كانت لها سوابق انتهاكات مارستها عندما كانت في موقع السلطة أو ضمن حلفائها وكل الضحايا الذين لا زالوا على قيد الحياة يعرفون الجناة، ويعجزون عن أخذ حقوقهم منهم أو الحصول على التعويضات المناسبة وجبر ما لحق بهم من أضرار.
مَثّل الصراع الراهن ذروة ما عاشه اليمنيون من انتهاكات وصراعات مقارنة بما سبقه فقد شمل الصراع جغرافية أوسع وقوى أكثر وضحايا أشد وثارات أعمق. وكما أنه صراع حمل معه ثارات الماضي وخصوماته فقد بذر للمستقبل ثاراته وخصوماته الجديدة.
وأما أعداد المعتقلين فترتفع كل يوم لدى جميع الأطراف وإن بأعداد متفاوتة والرقم اليوم لم يعد هو الرقم المقدم في كانون الاول/ ديسمبر 2018م كما أن كل طرف يستخدم المعتقلين التابعين له كورقة مساومة سياسية وليس كقضية إنسانية وحقوقية وأغلب المنظمات التي تتابع قضايا المعتقلين تميل لأحد أطراف الصراع ضمنياً أو بشكل مباشر والأكثر استقلالية وموضوعية منها، على ندرتها تعاني من تضييق الطرف الذي تقع في إطار سيطرته وهي في مرمى اتهامات الطرف الآخر... ولا تظهر بوادر لحلول فيما وقائع البشاعات اللاحقة بالأسرى والمعتقلين مهولة.
قراءة : توفيق الجند
المزيد في هذا القسم:
- السعودية تستدعي محافظ حضرموت بعد أيام على منعه للحكومة من تصدير النفط المرصاد-متابعات استدعت المملكة العربية السعودية، محافظ محافظة حضرموت اليمنية، بعد أيام على منعه للحكومة اليمنية من تصدير النفط عبر ميناء "الضبة" بالم...
- غريفيث وسط حقل الألغام اليمني... هل يصلح ما أفسده ولد الشيخ؟ المرصاد نت - لقمان عبدالله اختتم المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن مارتن غريفيث أمس جولته الأولى في المنطقة بزيارة ثانية للعاصمة السعودية الرياض التقى خلالها ال...
- رصد خروقات العدوان السعودي الامريكي ومرتزقتهم لوقف اطلاق النار متابعات : استمر طيران العدوان السعودي الأمريكي ومرتزقته على الأرض اليوم الثلاثاء خرق وقف إطلاق النار لليوم الثاني على التوالي. ففي صنعاء واصل طيران الع...
- الأمم المتحدة تُروج لأزمة غذاء في اليمن و تتجاهل العدوان والحصار والإحتلال! المرصاد - متابعات على الرغم من التصريحات المتواصلة للأمم المتحدة حول الأوضاع الإنسانية في اليمن، والتأكيد المستمر بأن البلد يُعاني من أسوأ أزمة إنسانية ع...
- أفول الحرب على اليمن ولو بعد حين ! المرصاد نت - متابعات ضربات جوية منذ 25 آذار/ مارس 2015، جاءت تحت مُسمَّى (عملية عاصفة الحزم). من قِبَل تحالف سعودي وفي العام الرابع للحرب تصرِّح المملكة بأنها...
- تقريريكشف مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها من تنامي القدرات العسكرية للبحرية اليمنية المرصاد نت - أحمد عبدالرحمن نشرت صحيفة “ديفينس ون” الأمريكية تقرير بعنوان: (الولايات المتحدة تعزز تواجدها في البحر الأحمر) ويتضمن التقرير تحركا...
- الجارديان: لندن تستطيع إيقاف الحرب في اليمن لكنها لا تريد! المرصاد نت - متابعات أنتقد كاتب بريطاني الدور الذي تلعبه بلاده في حرب اليمن قائلاً إن زعمها أنها ليست طرفاً في الحرب أمر مخادع بشكل سافر وأشار ديفيد ويرنج في ...
- المنظمات الدولية ودورها السلبي في اليمن المرصاد نت - متابعات أشار ميثاق الأمم المتحدة في المادة 57 إلى إمكانية إنشاء وكالات متخصصة بمقتضى اتفاق بين الدول. إنها منظمات دولية متخصصة تعمل تحت إشراف الم...
- المساعدات الفاسدة... «عزاء» اليمنيين في رمضان! المرصاد نت - رشيد الحداد في وقت يعجز فيه اليمنيون عن تأمين متطلبات شهر رمضان بفعل تراجع قدرتهم الشرائية، والارتفاع المتواصل في الأسعار تأتي المساعدات الفاسدة ...
- فعالية تضامنية مع مرضى اضطراب التوحد تحت عنوان ( لست وحيداً ) برعاية المغشي دشنت حكومة أطفال اليمن اليوم بأمانة العاصمة المهرجان الأول للأطفال المصابين باضطراب التوحد والذي اقيم بالتعاون مع مدينة ألعاب حديقة السبعين تحت شعار ” لست وحيدا...