المرصاد نت - متابعات
كلّ طفل يُقتل يقتل معه الصدق والبراءة المتبقية في هذا الزمن. هذا ما يحصل. سنصير وحوشاً. أطفال اليمن يقتلون. لا يعرفون الأمان. عيونهم التي تغمض ليلاً سرعان ما تفتح على أصوات القصف والرعب والدمار.
أصوات تؤذي آذانهم وقلوبهم الصغيرة كيف يمكن ألا يُكترث بتلك الكائنات الصغيرة؟ تلك الكائنات البريئة التي تموت يومياً ولا ذنب لها في أي من صراعات الكبار؟ لم يختر أطفال اليمن مكان ولادتهم.
لماذا لا تحرّك مشاهد أطفال اليمن نساء العالم؟ أليست كل النساء أنفسهن أينما كنّ؟ بما ستشعر النساء في الدول التي تقصف اليمن لو قدرّ أن يرين أطفالهن مكان أطفال هذا البلد؟ أظنّ أن الألم سيكون نفسه. أعتقد أنهن سيكنّ كأي أم يمنية تتحرّق عذاباً من قتل ولدها أمامها ومن خسارته إلى الأبد. سيشعرن حتماً بخسارة كيانها وآمالها في الحياة.
الأم اليمنية اليوم تواصل جهدها لتؤمّن لأطفالها كل حاجاتهم وأهمها الأمان، الذي توحي به إليهم متحايلة على خوفها لتبث في قلوبهم الطمأنينة. إلا أنّ صلابتها لا تستمر طويلاً. إذ كلّما اشتدّت يد التدمير والخوف، كلما أدركت أنها لن تستطيع الاستمرار في إيهام أطفالها أن القصف الذي يسمعون أصواته هو مجرّد ألعاب نارية، أو أن أزيز الرصاص هو مجرد شجارات طفيفة ستنتهي. تبذل الأم اليمنية وسعها، وتستمر في المحاولة، لكنّها تفشل في النهاية. فشلها ليس من تقصيرها، بل من عدم قدرتها على احتواء يد القتل وقد بلغت أقصى درجات الجنون. جنون لا يخلّف إلا الخوف والدموع والقلوب المعذبة.
يضيق العالم في هذا المكان. كأنه القبر. تُرمى فيه أجساد حيّة كلّما بهتت وخلصت "جمالياتها" أمام الإعلام. البلد الذي يتقدّمه أطفاله في حرب دمويّة لا شيء فيها سوى عظام بارزة على الكاميرات. عظام أطفال اليمن. بينما يطوي العالم "انتصاراته" ويقلب الأمراء لياليهم على "الحرائر"، تطلعنا الكاميرات وجهاً صغيراً جديداً خائراً وهزيلاً. ينظر بصمت ويراقب. الوجع الذي يمتصّ أي قدرة على الحركة، صوت الصراخ الذي يصرع أذنيه لعُمر قادم، بكاء الأمّهات الذي يهدّم كوناً من أمانٍ أمام عينيه. فحين تخاف الأمّ أمام ولدها، يهبط ذعر العالم إلى قلبه.
الضعيف تكسره الكلمة مثلما يكسر الهواء العود اليابس. لا حيلة للضعفاء غير الحلم. الحلم منج من الموت. يريد الضعفاء أن ترتفع الدنيا وتسقط جنّة مكانها. يزداد توقهم للمعجزات كلّما جالوا بأبصارهم حولهم، قبل أن يربأوا بها عالياً وهم يمسحون الأفق بعيونهم. يدركون ألا مخالب لهم ولا أسنان يهشمون بها الأنياب التي تنهش حياتهم. يزداد شعورهم بالعجز كلما تضخّمت يد التوّحش وتصلبّت أصابعها. لكنهم رغم ذلك أقوياء. قوة الضعفاء في ذبول الحيلة التي تجعل البطش سافراً، تعرّيه كما تكشف الريح العاتية سوأة السيف الصدىء. هذا ما نراه كل يوم في غير بقعة من هذه الدنيا البائسة.
الأطفال أكثر وجوه الضعف سطوعاً. عيونهم المنتفخة بالأسئلة تضرب عميقاً في فطرتنا. ما جدوى الدمار والخراب والموت؟ أية رعشة سعادة تسري في عروق من يشّيد عرشه فوق الجماجم؟ أية غبطة تكلّل رأسه والأرض حوله قفراً، إلا من النار وسحب البكاء الدكناء؟
يسألنا الأطفال ولا نجيب. عجزنا أمامهم أبدي. خيبتنا من تصوّر عالم على هيئة ما نسرد لهم من قصص دافئة. نلقي على مسامعهم ما يساعدهم على النوم. نعاين ابتساماتهم وتصيبنا العدوى بفرح يتلاشى ما إن نفتح جفوننا. حبور يتذرّر أمام عيوننا وهو يحمل في ذرّاته نحيباً من عُمر البشرية. يجب أن نواجه أطفالنا بالحقيقة. تلك التي تشفيهم من السؤال. الحقيقة التي تمسح اللوحة الرومانسية عن سحنة العالم لتظهر خلفها بقايا الدماء والدموع جامدة قاتمة.
نحن وحوش. فلنصرخ بهذا أمام الأطفال من دون ورع أو خجل! لنقل لهم إننا صرنا وحوشاً منذ تلك اللحظة التي تخلّينا فيها عن فطرتنا. منذ نبذنا ضعفنا وسعينا إلى القوة. القوة التي لا تثبت دعائمها إلا بالدم والرعب والإكراه. القوة التي ترهقنا أكثر من الضعف نفسه لأنها تتوسّل الصلابة. تلك الصلابة الأنانية التي تجعلنا لا نتعرّف إلا على أنفسنا، ولا يشتدّ عودها إلا بلامبالاتنا.
لسنا صنّاع أحلام. يجب أن ندرك هذا. نحن بكّاؤون فحسب. بكاؤنا غير بكاء الأطفال. بكاؤنا من ضياع قوتنا كأفراد وجماعات على الإخضاع وشحذاً لها حتى تنقلب الأدوار. بكاؤنا ليس من ضياع أسباب حياة على قدر ما جعلونا نحلم بها منذ صغرنا. لقد بتنا أكثر شدّة على التأقلم مع اليقين بأننا نحن مَن نرسم زوالنا بأيدينا ونسير إلى ذلك كالمجانين. أن الدنيا التي وهبنا إياها الرحيم قبساً من جنّة سماوية حباً بنا، نوغل في تلطيخ وجهها بكل ما أوتينا من كراهية.
كلمّا دمع طفل في هذا الكون، كلّما ارتعش قلبه خوفاً، كلّما نهش الجوع جوفه، كلّما اتّسعت هاوية الطُغاة وصارت أعمق. الأطفال ملح الدنيا. ضعفهم. أسئلتهم. دموعهم. شعلة سماوية عند ناصية الدرب المظلمة. نور في سرداب الأصل. قول فصل بأننا لم نخلق لنصبح ما أمسينا عليه. أننا كنا نحلم. أن بطشنا، موتنا المحتوم.
لا ألوان في حدائق أطفال اليمن. رائحة موت عابقة في الممرات، رمادية الجدران المحيطة وأثواب الأمّهات التي خرجن بها من البيت. لا يعرف الأطفال كيف يستبدل الكون ألوانه الزاهية التي يصنعها في مخيّلته في اللحظات التي تعبر فيها المسكّنات جسده، لا يعرف كيف يصير كوحش يحمل سياط الجوع والمرض طوال الوقت، بلا سبب. هكذا، لأنهم في حرب الكبار، وبهم تلهب نيرانها، وبهم تُخمد أيام قد لا تأتي بينما "يجؤرهم" الموت طوال الوقت.
لا ذخيرة مغرية في جعبة الأطفال الذين يفترشون الطرقات بحثاً عن بقايا أسرّتهم الصغيرة تحت الركام. هي لحظة واحدة، يهبط فيها الصاروخ على غرف شيّدوا فيها أحلامهم المشبعة بأصوات أمّهاتهم في نهاية كل حكاية. لحظة يطلع فيها وعد الأمنيات المؤجلة مع دخان النار التي تنهب أغراضهم الشخصية. وعد جميل تحمله أكفهنّ الساخنة بينما يرفعنها إلى الله، وقبلة يحشرن فيها دعاء صادقاً بين أعينهم.
#أنقذو_أطفال_اليمن
المزيد في هذا القسم:
- المناطق الوسطى تدعوى الشعب مواجه والتصدي للمؤامرات التي تستهدف الوطن في مقدمتها السعودية وجة أبناء المناطق الوسطة دعوة لجميع ابناء الشعب اليمني التصدي للمؤامرات التي تحاك ضد الوطن من قبل أعداء الوطن وعلى رأسهم آل سعود والقوى الأميركية الصهيونية ال...
- المرصاد ينشر تفاصيل جديدة وخطيرة حول الهجوم على السجن المركزي وتهريب السجناء.. ذكر شهود عيان للمرصاد أنهم شاهدوا 8 أطقم عسكرية قدمت الى داخل حوش منزل الأحمر مساء الأمس عقب وقوع الانفجار الثالث للهجوم الذي استهدف السجن المركزي بالقرب من م...
- أين الأمم المتحدة .. من مجازر تحالف العدوان في اليمن؟ المرصاد نت - متابعات عندما تأسست منظمة الأمم المتحدة وما تفرّع عنها من مؤسسات أمنية وإنسانية واقتصادية وما إلى ذلك كانت الفكرة الأساس من ذلك هي حماية المجتمع ...
- الاندبندنت: طفل يمني يفارق الحياة كل عشر دقائق المرصاد نت - متابعات كتبت صحيفة الاندبندنت البريطانية في مقالِ لها يوم الاثنين الماضي بأن طفلا يمنيا يفارق الحياة كل عشر دقائق بسبب سؤ التغذية. ومن ناحية أ...
- احتدام معارك نهم: «الإصلاح» يتصدّر لضرب خصومه! المرصاد نت - رشيد الحداد على رغم وجود توجّه لدى «التحالف» لإحياء التصعيد العسكري في اليمن على الجبهات كافة وهو ما كانت قد بدأت بوادره يوم الجمعة الماضي بهجوم ...
- إتفاقية سرية بين الإمارات و”بلاك ووتر” لجلب المرتزقة الكولمبيين للقتال في اليمن وليبيا المرصاد نت - متابعات استطاع موقع "وطن" الحصول على نص الإتفاقية السرية التي وقعتها دولة الإمارات مع كولومبيا لجلب مئات المرتزقة الكولمبيين للقتال في صفوفها بعد...
- أبو العباس : أميركا وضعته على قوائم الإرهاب والإمارات تمده بالسلاح والعتاد! المرصاد نت - متابعات فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب العام الماضي عقوبات على أمير حرب إسلامي يمني ذي نفوذ يُدعى أبو العباس متهمة إياه بأنََّّه «...
- ضابط في “قوات هادي” يكشف تفاصيل صادمة عن إبادة السعودية لمجندين يمنيين في نجران المرصاد-متابعات كشف أحد ضباط “قوات هادي”، اليوم الخميس، تفاصيل المذبحة التي تعرض لها ضباط ومجندي “اللواء الأول حرب” بأحد المعسكرات السعودية في نجران.وقال علي...
- مجلة التايم الأمريكية: ما يجب معرفته بشأن الأزمة في اليمن وتورط الولايات المتحدة؟ المرصاد نت - متابعات لقد أسفرت الحرب على اليمن منذ 18 شهرا عن مقتل 10.000 شخص وها هي الآن تدفع بالبلد نحو شفير المجاعة ذلك ان 21 مليون يمني- اي 80% من السكان- ...
- الإمارات والجماعات الإرهابية في اليمن.. تحالف وتخادم ومصالح مشتركة (تحليل خاص) المرصاد-متابعات دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة اليمن ضمن التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية منذ العام 2015م بمبرر إعادة الشرعية اليمنية، عقب انقلا...