المرصاد نت - رآي اليوم
يَتعرّض الرئيس السوداني عمر البشير هذهِ الأيّام إلى حَملةِ انتقاداتٍ شَرِسةٍ من بَعض الوسائِط الإعلاميّة السعوديّة وَصل بعضها إلى درجةِ “مُعايرته” بنُكرانِ الجميل السعوديّ الذي تَمثّل في القِيام بجُهودٍ كَبيرةٍ لدى الأُمم المتحدة وواشنطن لرَفع العُقوبات المَفروضةِ على السودان.
الحملة هذه تأتي بسبب التقارب الكبير المُتنامي حاليًّا بين الرئيس البشير والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتَوقيع الجانبين أثناء زِيارة الأخير للخَرطوم عِدّة اتفاقيّاتِ تَعاونٍ اقتصاديّ أبرزها مَنح تركيا جزيرة “سواكن” على شواطِئ البحر الأحمر وقُبالة السّواحل السعوديّة لاستثمارِها اقتصاديًّا وتَحويلها إلى نُقطةِ تَجمّع وانطلاقٍ للحُجّاج العَرب والأفارقة لأداء المَناسِك على الأراضي السعوديّة مِثلما كان عليه الحال في الماضي.
السعوديون وحسب ما يَرد من مقالاتٍ في إعلامِهم وعلى وسائط التواصل الاجتماعي التي تُسيطر عليها الحُكومة يرون أن الوجود التركي في جزيرة “سواكن” الذي تُشير أنباء غير مُؤكّدة أنّه قد يَتطوّر إلى وجودٍ عَسكريٍّ على غِرار ما يَحدث حاليًّا في قطر قد يَكون مُوجّهًا للمُشاغبة على بِلادهم وحَليفِهم الإماراتي حيث تُوجد للبَلدين قواعد عَسكريّة في جُزرٍ يَمنيّة وأرتيريّة قَريبة.
لا نَعرف ما هِي الأسباب الحقيقيّة التي جَعلت الرئيس البشير يُدير ظَهره بالكامل للسعوديّة ويَتّجه إلى المِحور التركي القَطري أي أن ينقل البُندقيّة من كَتِف إلى آخر بسُرعةٍ قِياسيّة، ولكن ما يُمكن استخلاصه، من خِلال قراءة ما بَين السّطور، أن الرئيس السوداني أُصيب بخَيبة أمل لعَدم إيفاء حَليفه السعودي الجديد بالعَديد من الوعود بالدّعم الاقتصادي، لإخراج بِلاده من أزماتِها ووَجد نفسه غَريبًا وغير مَوثوق فيها في المُعسكر الأمريكي، ولهذا قَرّر الانتقال إلى المُعسكر التركي الروسي تمامًا مِثلما فَعل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، عندما لم يتجاوب مع نصائح ولا نَقول أوامر سُعوديّة بعدم الذهاب إلى قِمّة التعاون الإسلامي في إسطنبول ونَسجَ علاقةً قَويّةً مع الرئيس أردوغان ترتكز على مُعارضة القرار الأمريكي بتَهويد مدينة القُدس المُحتلّة، ونَقل السّفارة الأمريكيّة إليها وهذا مَوضوعٌ آخر.
الرئيس البشير بات في الفترةِ الأخيرة أكثر تأثّرًا بالمدرسةِ “البرغماتيّة” الأردوغانيّة حسب وَصفه لها أي نَسج التّحالفات حسب مَصالح بلاده وليس وِفق قَناعاتٍ أُخرى مِثلما كان عليه الحال في الماضي أي مع بِدء تَولّي ثورة الإنقاذ الحُكم ويُمكن القَول أيضًا أنّه شَعر بالكثير من “الغُربة” عندما انتقل من المُعسكر الروسي التركي الإيراني إلى المُعسكر الأمريكي السعودي وقَرّر تصحيح هذا “الخَطأ” في الأيّام والأشهر القليلة الماضية بالعَودة إلى حاضِنته الطبيعيّة الأدفأ مِثلما قال مَسؤولٌ سودانيٌّ قَريب من البَشير .
من يُتابع خِطاب الرئيس البشير الذي ألقاه أمس الأحد بمُناسبة الذّكرى الـ62 لاستقال بِلاده يَلمس تجسيدًا لهذهِ الحقيقة حيث أشاد بالاتفاق الشّامل على تعاونٍ استراتيجيٍّ مع كُل من روسيا وتركيا ونَدّد بالحِصار الأمريكي المَفروض على بِلاده مُنذ عشرين عامًا “الأمر الذي يُهيء فُرصةً واسِعةً لاستغلال مَوارد السودان في أحداثِ تنمية من خلال مَشروعاتٍ مُحدّدة، تَقود الاقتصاد نَحو مدارِج النّمو المُتسارِع”.
عندما نقول أن الرئيس البشير بات يسير على خُطى المَدرسة “الأردوغانيّة” وأصبح تِلميذًا نَجيبًا فيها وهو لا يُنكر انتماءاته العقائديّة “الإخوانيّة” على أيِّ حال نُشير إلى تَأكيده على أن القوّات السودانيّة مُستمرّة في اليمن حتى استعادة الشرعيّة وهو ما فَعله الرئيس أردوغان عندما أوفد رئيس وزرائه بن علي يلدريم إلى السعوديّة حامِلاً رسالة طمأنة ورغبة في التّعاون والتنسيق، بينما كان يَزور في الوَقت نفسه السودان لتوقيع اتفاقاتٍ استراتيجيّة في جزيرة “سواكن” فَسّرها السّعوديون على أنّها مُوجّهة ضِدهم والتّنسيق السعودي التركي الذي سَعى إليه يلدريم تَبخّر بعد تَوقيع اتفاق “سواكن” والوجود السوداني في اليمن سيُصبح غير مَرغوب فيه سُعوديًّا وإماراتيًّا على غِرار الوجود العَسكري القَطري وقد تُطالب الدولتان البشير بسَحب قوّاته لأنّها لم تَعد مُرحّبًا فيها.
السعوديون يجب أن يُدركوا أن للدّول مَصالح يَعملون على تطويرها، وتقاربهم معها لا يَعني أنّهم أصبحوا تابعين لها ويَخضعون لإملاءاتِها فالرئيس البشير قَدّم لهم خدماتٍ كبيرة عندما أغلق المدارس الإيرانيّة في بِلاده وطَرد السفير الإيراني أثناء اقتحام المُتظاهرين الإيرانيين لسفارتِها في طهران وحَرقِها.
الأهم من ذلك أن الرئيس السوداني أرسل أكثر من عشرة آلاف جُندي للقِتال تحت قِيادة السعوديّة في اليمن وتتردّد أنباء بأن ما يَقرُب من الألف سوداني قُتلوا في جَبهات القِتال ومن بَينهم عناصر من القوّات الخاصّة السودانيّة وإذا كان هُناك “خلل ما” دفع الرئيس البشير للانتقال إلى المُعسكر القَطري التركي فإنّ هُناك احتمالات كبيرة بأنّ بَعض المَواقِف السعوديّة مَسؤولةٌ عنه أيضًا الأمر الذي يَتطلّب مُصارحةً ومُراجعة، ونَقد ذاتي.
المُشكلة الأكبر التي سَتُواجه الرئيس البشير في العام الجديد ليست مع السعوديّة وَحدها وإنّما أيضًا مع مِصر التي سَترى في هذا التغلغل الاقتصاديّ والعسكريّ التركيّ في ساحتِها الجنوبيّة تهديدًا استراتيجيًّا لها، ومُحاولةً لتَقويض مصالِحها، وفَتح جَبهات استنزاف ضِدها تَحكم العلاقة القَويّة التي تَربِط بين الرئيس أردوغان وحركة الإخوان المُسلمين وتَجسّد ذلك بِرَفعه إشارة رابعة في الخرطوم، وفي قصر قرطاج في تونس، تَحدّيًا وتَأكيدًا والأهم من ذلك أن تصاعد العَداء المِصري السّوداني على أرضيّة جزيرة “سواكن” بعد مثلث حلايب قد يُؤدّي إلى تَقاربٍ سودانيٍّ أكبر مع أثيوبيا التي تبني “سَد النّهضة””الذي سيُحوّل مِياه النيل الأزرق ممّا سيَؤثّر سَلبًا على حِصص مِصر من مِياه النّيل التي تَصل إلى 56 مليار مِتر مُكعّب سَنويًّا وربّما جَفاف ملايين الهكتارات الزراعيّة.
الرئيس أردوغان ضَرب ضَربته العَربيّة الأفريقيّة وجَذب السودان إلى مُعسكَره مِثلما فَعل مع دُول أُخرى في الجِوار المِصري مثل تشاد والصّومال وربّما تونس أيضًا ولا نَستبعد أن يكون تَحرّكه القادم في اليمن فالبَحر الأحمر يُوشِك أن يَتحوّل إلى بُحيرة تُركيّة فلا أحد يَستطيع أن يَتنبّأ بخَطوات أردوغان المُقبلة بينما ليس من الصّعب التنبؤ بسياسات ومَواقِف خُصومه الجامدة الخامِلة والمَعروفة مُسبقًا فالرئيس التركي يَجتهد ويَتحرّك بَينما أبواب الاجتهاد السياسيّ مُغلقة لدى الآخرين وهُنا يَكمُن الفارِق.
بقاء القوّات السودانيّة في اليمن أو سَحبِها سيكون أحد المُؤشّرات في هذا الصّدد وهُناك كَثيرون يُرجّحون الاحتمال الأخير ونَحن لسنا بَعيدين عَنهم.
المزيد في هذا القسم:
- مجلس الأمن يطوي صفحة القرار 2216: وصول الفريق الأممي إلى الحديدة ! المرصاد نت - متابعات وصل اليوم السبت 22 ديسمبر/كانون أول 2018 إلى مطار عدن الدولي الميجور جنرال باتريك كامارت رئيس لجنة التنسيق و المراقبة الأممية وغادر كامار...
- انقسام عملاء الرياض يتوسّع ... مواجهات بين الإصلاح وموالي لهادي المرصاد نت - رشيد الحداد شهدت الأيام الماضية مواجهات مسلحة بين مقاتلين من «الإصلاح»، ومؤيدي محافظ تعز الذي عيّنه هادي في فصل جديد من فصول الانقسام ...
- عن زيارة سلمان وصالح لموسكو .. ومؤشرات تغير خارطة التحالفات بين العدوان وأدواته! المرصاد نت - متابعات زار ملك السعودية روسيا وتم الترويج لأخبار عن استجدائه لبوتين التوسط بما يضمن الخروج الآمن لدولته من ورطته في اليمن زيارة وفد روسي تحت ...
- معدل التفاؤل يتراجع لدى ولد الشيخ ويكشف عن مقترح لتشكيل هيئة لإنقاذ الاقتصاد المرصاد نت - الكويت اعترف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن ووسيط المشاورات اليمنية في الكويت إسماعيل ولد الشيخ بأن أزمة الثقة ماتزال قائمة بين طر...
- رمال الجوف تبتلع أحلام الغزاة وتعايد اليمنيين بانتصار كبير المرصاد نت - إبراهيم الوادعي كما تبتلع أمواج البحر الأحمر في الساحل الغربي لليمن أحلام الغزاة بالسيطرة على الشريط الساحلي الغربي لليمن ومينائه الرئيسي على البح...
- "خرف" الملك ينتقل للنظام .. السعودية تقامر بالدّين المرصاد نت - متابعات تتوالى ردود الأفعال السعودية واليمنية على الضربة النوعيّة للجيش اليمني والتي استهدفت مطار الملك عبدالعزيز بجدة ففي حين حاولت السعودة م...
- الحرب الاقتصادية على اليمن وإثارة الجدل المرصاد نت - طالب الحسني تبدو الورقة الاقتصادية والضغط باتجاه إثارة الجدل آخر الأرواق التي يعمل عليها العدوان السعودي الامريكي بعد أن استهدف البنية التح...
- السودان يبدأ سحب قواته وبن سلمان كان ينوي توطينهم بالشريط الحدودي المرصاد نت - متابعات كشفت مصادر صحفية سودانية عن سحب القوات السودانية لواءً كاملاً من القوات المشاركة في معارك التحالف الذي تقوده السعودية ضد اليمن بعد خلافات...
- البشير يستغل المأزق السعودي الإماراتي لرفع سعر جنوده "المرتزقة" المرصاد نت - متابعات من قتل من الجنود السودانيين في الأشهر الماضية قضى دون ان يتسلم راتبه لأشهر عدة ولم تحصل عائلته على تعويض او ترى جثته التي إما دفنت في الس...
- غريفيث في صنعاء بعد تسلمه رد حكومة هادي على خطته المرصاد نت - متابعات وصل المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى العاصمة صنعاء ظهر اليوم الأربعاء 25 يوليو/تموز 2018. ووصل غريفيث على متن طائرة تابعة للأمم المتحدة ه...