المرصاد نت - متابعات
توصلت أطراف القتال في طرابلس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية أممية بعد أيام من اشتباكات دموية لم تحسم لمصلحة أي من الأطراف فيما ثبتت الدول المعنية قواعد اشتباك جديدة، تاركة الاتفاق السياسي في موت سريري
ثمة تساؤلات عدة تفرضها اشتباكات طرابلس المندلعة بعد هدوء استمر أكثر من ثلاث سنوات. العودة إلى المربع الأول في العاصمة الليبية بالاحتكام إلى السلاح ونقل الصراع إلى غربي البلاد بعد استفحاله في شرقها يفرضان البحث عن المتضرر من الاتجاه الذي تشتهيه سفن الاتفاق السياسي بين جناحي رئيس حكومة «الوفاق الوطني» فائز السراج، والمشير خليفة حفتر في العاصمة الفرنسية الذي جدد الآمال بتشكل بداية جديدة لتنفيذ ما سبق أن اتُّفق عليه مراراً من قبيل إجراء انتخابات عامة في البلاد والتصويت على دستور جديد.
السؤال عن المستفيد من إعلان الموت السريري للاتفاق السياسي أحاله وزير الداخلية الإيطالية ماتيو سالفيني أمس على فرنسا بالقول: «اسألوا باريس» معبراً عن مخاوف بلاده التي «تكمن في أن أحداً ما لدواعٍ اقتصادية يعرّض استقرار شمال إفريقيا وبالتالي أوروبا للخطر». لكن مراقبين يرون أن لب الصراع في الشرق والغرب والجنوب الليبي هو على التحكم في موارد الدولة تحت شعار «محاربة الإرهاب» أو «حماية الدولة» أو حتى «الاتفاق السياسي» وذلك على نطاق جهوي أو شامل أو داخل المدينة نفسها.
هنا ترى روما أن باريس تستغل الفوضى الليبية والفراغ السياسي الانتقالي الحالي للاستحواذ على ثروات الطاقة في المستعمرة الإيطالية السابقة. لكنها تؤكد لها أن الظروف في طرابلس لم تحسم بعد لأيٍّ من الطرفين. وما خروج إيطاليا عن الصمت المترافق مع بدء مساعي التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين المتقاتلين في العاصمة برعاية من الأمم المتحدة إلا تأكيد لذلك. وحتى أمس انتهت المساعي الأممية بتوفير مخرج طوارئ للمهاجمين في العاصمة الليبية وقدمت اعترافاً رسمياً بهم واضعةً «أسس مسار جديد» يمثل استمراراً للحرب بطرق أخرى أهمها ترسيخ السلاح كـ«أداة سياسية».
ومع التوصل إلى اتفاق لوقف النار أصبحت أطراف الصراع في طرابلس في «مأزق خطابي». من جهة، جلست حكومة السراج مع من وصفتهم في بياناتها على امتداد الأسبوع الماضي بـ«الخارجين عن القانون» وتوعدتهم بالمحاسبة والتتبع. ومن جهة ثانية جلس «اللواء السابع» أيضاً مع الميليشيات الحكومية، التي رأى أنها «دواعش الأموال العامة»، وبنى سردية هجومه على تخليص الناس منها.
وفي حال نجاح الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، ونائبته القوية ستيفاني وليامز (القائمة بأعمال السفارة الأميركية سابقاً)، في تأمين اجتماعات تفاوضية أخرى، من دون أن ينهار الاتفاق، ستتوضح الأهداف الحقيقية للهجوم على العاصمة وسينهار خطاب الحكومة المندد به، خصوصاً أن كلام سلامة، عقب توقيع الاتفاق، يستشف منه أن اجتماع أمس لن يكون الأخير، وذلك في قوله إن الاجتماع «لا يهدف إلى حل كل المشكلات الأمنية للمدينة، ولكن للبدء في وضع الإطار الملائم للحل». ورغم أن الاتفاق يمهد لاستعادة الهدوء في طرابلس، فإن تأثيراته لن تكون هينة.
فعندما أطلق «اللواء السابع مشاة»، المنتمي إلى مدينة ترهونة (جنوب العاصمة) هجومه، كان يعوّل على عامل المفاجأة للسيطرة على المدينة في أقصر وقت ممكن، وتركيز نفسه كقوة جاءت لتخليص الأهالي من بطش الميليشيات الطرابلسية.
لم يتحقق هدف «اللواء» كما أراد إذ إنه خسر في مرحلة أولى اعتراف «الوفاق الوطني» به فيما أثبتت المجموعات المرابطة داخل المدينة قدرتها على المقاومة، من دون وجود آلية تنسيق بينها، كما دخلت تشكيلات مسلحة من طرابلس والزنتان في السباق، وتمركزت في الأطراف الشرقية والغربية للعاصمة. كذلك، لا أحد يستطيع الحسم في قدرة «اللواء السابع» على الاستمرار في القتال وتأمين خطوط إمداد لحرب طويلة لكن قبوله مقترح بعثة الأمم المتحدة لعقد اجتماع تفاوضي ترجح فرضية أنه لم يكن يملك خياراً آخر.
في ضوء ذلك لا يصب السناريو الأكثر ترجيحاً في اتجاه ما توعّد به السراج من تطبيق للترتيبات الأمنية الواردة في اتفاق الصخيرات السياسي عام 2015، التي تقضي بإخراج السلاح الثقيل من المناطق السكنية ودمج الميليشيات في أجهزة وزارتي الدفاع والداخلية كلياً بل سيصبّ في اتجاه عقد المزيد من الصفقات وإعادة إنتاج الوضع القائم على النحو الذي حصل عند قدوم «الوفاق» إلى طرابلس حين اعتمدت على شراء ولاءات المجموعات المسلحة بتقديم مخصصات مالية تحت تسميات مختلفة وتوفير غطاء سياسي لأنشطتها.
وهذه المرة لن يختلف الأمر كثيراً فأقصى ما يستطيع «اللواء السابع» تحقيقه الآن، بعد انهيار طموحه في الهيمنة الكاملة ميدانياً، أن ينال جزءاً من كعكة الأموال العامة. ففي الأعوام الماضية، لم يُحاسب أحد حتى في أقصى حالات الخروج عن القانون، بل تحصّل كثيرون على فوائد من وراء أنشطتهم المُجرَّمة، ومن أحدث الأمثلة على ذلك دمج ميليشيات تهريب بشر ونفط في مدينتي صبراطة والزاوية الساحليتين (غرب البلاد) ضمن الأجهزة الرسمية للحكومة، بدعم دولي من إيطاليا خاصة، من أجل وقف تدفق المهاجرين.
قد يُخلّص اتفاق أمس الطرابلسيين الذين مات منهم أكثر من 60 وجرح أكثر من 150 من مزيد من الدمار والدماء، لكنه لن يكون في ظل استمرار الوضع القائم أكثر من فسحة أمل قد تطول أو تقصر، وفق إرادة الميليشيات المسلحة وأجنداتها. ويبقى الوضع في ليبيا الدولة الغنية بالموارد النفطية، شديد التعقيد فالبلد مقسم إلى شطرين سياسياً وعسكرياً، وتكمن ضمن ذلك الانقسام نزاعات وضغائن قبلية ومناطقية وإثنية يتطلب حلها أكثر من مجرد اتفاق تهدئة مؤقت أو حتى عقد انتخابات متسرعة على نحو ما اتُّفق عليه في قمة «باريس 2» نهاية أيار/ مايو الماضي.
المزيد في هذا القسم:
- أوروبا «تلاحق» الوهابية: لإسلام بلا تأثير «أجنبي» المرصاد نت - متابعات يعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرح خطة لإعادة هيكلة المؤسسات التمثيلية للمسلمين في بلاده بعيداً من «تأثير الدول العربية»...
- مقتل إسرائيليَين في عملية إطلاق نار في الضفة المرصاد نت - متابعات أعلن جيش العدو الإسرائيلي أن رجلاً وامرأة إسرائيليَين قتلا في عملية إطلاق نار قام بها فلسطيني فيما أصيبت امرأة أخرى اليوم في منطقة صناعية...
- «التايمز»: إنفاق المليارات على «لوبيات الضغط» لن يُنجي بن سلمان! المرصاد نت - متابعات السعوديون لا يمكنهم الخروج من أزمتهم عبر ضخ المال على «اللوبيات» وشركات العلاقات العامة هذا ما أكدته مجلة «التايمز&raqu...
- الانتخابات الأوروبية: مناهضو التجربة الوحدوية يعزّزون مواقعهم ! المرصاد نت - متابعات تقدم اليمين المتطرّف برئاسة مارين لوبن أمس على حزب الرئيس إيمانويل ماكرون في فرنسا في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في نتيجة ترتدي رمزي...
- البحرين : أطفال معتقلون بـ"الحوض الجاف" يتعرضون للتنكيل المرصاد نت - متابعات اكد أطفال معتقلون في سجن الحوض الجاف بالبحرين في بيان من داخل السجن إنهم يتعرضون للتنكيل من قبل الأجهزة الأمنية المشرفة على السجن، داع...
- وسط «انشغال العالم»... النظام البحريني يمعن في القمع المرصاد نت - متابعات يبدو أن العام الجديد لن يحمل للبحرينيين أفضل مما أتى به العام الماضي والذي شهد «تدهوراً كبيراً في وضع حقوق الإنسان بسبب تراجع الضغط...
- واشنطن تستعجل الناتو العربي وروسيا ترفض : لا مصلحة للمنطقة فيه ! المرصاد نت - متابعات في مسعى لتخفيف أعباء «الحماية» الأميركية لدول الخليج وتحويل بوصلة الصراع من إسرائيل إلى إيران تستعجل إدارة ترامب تشكيل ما بات...
- وزير الخارجية الألماني الاسبق شتاينماير رئيساً لبلاده المرصاد نت - متابعات اعلنت الجمعية البرلمانية الألمانية امس الأحد انتخاب وزير الخارجية السابق فرانك فالتر شتاينماير من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يمثل يس...
- الجيش السوري يطوق عدرا البلد بنسبة 80% ويسيطر على مناطق بحي جوبر الدمشقي سيطر الجيش السوري على تلة الصوان شرق مدينة عدرا البلد بريف دمشق، وتقدم بعمق كيلومتر ونصف داخل سوق الغنم الواقع غرب المدينة، وسط اشتباكات عنيفة مع جبهة النصرة وم...
- واشنطن وموسكو ومركزيّة الشرق الأوسط! المرصاد نت - متابعات كثيرون شكَّكوا بأن واشنطن لن تُقدِم على الانسحاب من سوريا، انطلاقاً من نظريةٍ ثابتةٍ تتمثّل بأهمية الشرق الأوسط ومركزيّته السياسية والعسك...