المرصاد نت - متابعات
في محاولة تحليل ما تم الاتفاق والتوقيع عليه في 17 أيلول/ سبتمبر 1978 بين السادات وبيغن بعد 12 يوماً من المفاوضات حيث كانت تحت إشراف كارتر. وحيث توجد مطالب لم يتم الإفصاح عن تفاصيلها وعليه تبقى سرّية حتى اليوم كما أنّها لم تُعرَض على البرلمان المصري.. هي الكارثة التي بدأت في 1978 وصولاً إلى 20 آذار/ مارس 1979، حيث وقّع السادات وبيغن على "اتفاقية السلام" والتي بدأت باعتراف القاهرة بوجود دولة إسرائيل مع انسحابها من سيناء والتأكيد على حق السفن والشحنات الإسرائيلية المرور في كل من قناة السويس وخليج العقبة ومضيق تيران من دون عوائق وهنا كانت بداية الكوارث نحو تعاون عربي-إسرائيلي بدأ من هذه المضائق ليكون الحصاد بعد 40 عاماً ذلك بوصوله لباب المندب.
لقد جاءت "كامب ديفيد" و"اتفاقية السلام" بموجة استياء عربي واسعة رحل فيها السادات قتيلًا، فيما ظّلت سيناء مُقسّمة إلى مناطق أمنية ثلاث بحُكم اتفاقية السلام، تلزم مصر بتسليح مُحدّد ومعروف مسبقاً فيها ولا يجوز رفعه إلا باتفاق الطرفين. فبالأحرف الأشهر في الأبجدية (العربية والعبرية والإنكليزية)، جاءت خريطة سيناء بعد 40 عاماً، بتحديد عدد أفراد الجيش المصري فيها فجاءت بالمنطقة "أ" في غرب سيناء ليسمح فيها بقوات مصرية لا تزيد على 22 ألف مقاتل ومنطقة "ب" في الوسط ليس فيها إلا أربعة آلاف جندي من حرس الحدود بأسلحة خفيفة ثم منطقة "ج" في شرق سيناء على الحدود مع إسرائيل وهذه ليس فيها إلا قوات شرطة فقط، ومنزوعة من قوات الجيش.
نعم قد يكون عقب أحداث "25 كانون الثاني/ يناير" المصرية حدثت حزمة من التفاهمات الأمنية بين القاهرة- تل أبيب على إثرها أدخل المزيد من القوات والمعدّات العسكرية التي لم تكن "كامب ديفيد" تسمح بها. فسبق وأعلنت إسرائيل في 14 آب/ أغسطس 2011، أنها توصّلت لتفاهُمات أمنية مع الجانب المصري بموجبها تم إدخال قوات مسلّحة إلى سيناء، فقد تم السماح بدخول 2000 جندي بالإضافة إلى عتاد من الدبابات ومعدّات ثقيلة إلى شمال سيناء وإن جاءت هذه الخطوة بمثابة اتفاق ثنائي بين البلدين على تخطّي حاجز بنود "كامب ديفيد".
الحقيقة أنه نظراً للمصالح المشتركة وفي الخفاء وبعد عام، في 16 آب/ أغسطس 2012، قام الجيش المصري بإدخال عددٍ كبيرٍ من القوات المصرية إلى سيناء بالتنسيق مع إسرائيل لكن إسرائيل اكتشفت أنه تم إدخال أعداد أخرى ومعدّات عسكرية منها دبابات ومُقاتلات من دون التنسيق معها لكنها رفضت التعليق على هذه المعلومات واكتفت بالقول "إن التنسيق الأمني مع مصر متواصل على أساس "كامب ديفيد". وحفاظاً على ماء الوجه، نقلت "هاآرتس" عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها "إن هناك أماكن في سيناء ممنوع دخول الدبابات إليها لا سيما إذا كان مدى نيران هذه الدبابات يُهدّد أمن إسرائيل".
منذ 2013 بدأ مسلسل اختطاف واغتيال العسكريين المصريين في سيناء، هنا جاء التنسيق المصري- الإسرائيلي مرة أخرى من أجل إدخال عدد من القوات إلى سيناء. ذكر بعدها المُحلّل الإسرائيلي في مجلة "يسرائيل ديفنس" المُتخصّصة في الشؤون العسكرية عامي روحكس دومبا "أن إسرائيل من جانبها سمحت لمصر بإدخال قوات كبيرة من الجيش إلى سيناء بشكلٍ يكفي للسيطرة على الأحداث وعلى الرغم من ذلك فإن حجم القوات المصرية في سيناء غير واضح".
قد يكون وفقاً لرؤية عدد من المُراقبين للأحداث تعتبر إسرائيل أمن الحدود مع مصر مصلحة استراتيجية لأنها تمنع تسلّل الأفارقة وتجّار المخدّرات والرقيق الأبيض. وسبق وعلّقت صحيفة "كلكليست" الإسرائيلية الاقتصادية على الجدوى الاقتصادية للأمن في سيناء والتنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل، بالقول "إن الهدوء على الجبهة الجنوبية يُعتبر بشرى خير للاقتصاد الإسرائيلي واضطلاع مصر بمواجهة الأوضاع في سيناء سيخفّف عن إسرائيل من تكلفة وضع المزيد من القوات على الحدود مع مصر، وما يترتّب عليه، كما أن استقرار الجبهة الجنوبية سيتيح لإسرائيل التركيز على جبهات أخرى مشتعلة مثل الجبهة السورية والجبهة اللبنانية، وجبهة قطاع غزّة".
هكذا انتهى انتصار تشرين الأول/ أكتوبر 1973، بشبه الجزيرة مكتوفة السلاح. وإن كانت المصالح تتحدّث ورغم المخاوف الإسرائيلية السابقة، إلا أن المصلحة الإسرائيلية تحتّم عليها الموافقة على الخطوات نحو التعاون، نظراً للفوائد التي ستعود على الجانب الإسرائيلي أيضاً من وراء القضاء على التنظيمات في سيناء. لذلك قامت ببناء سياج عازل على الحدود مع مصر بطول 227 كيلو متراً، مزوّدة بأحدث أجهزة المراقبة والاستشعار عن بُعد، موصولة بقاعدة لتحليل الصوَر والبيانات التي ترصدها تلك الأجهزة، وبلغت تكلفة هذا الجدار نحو 1.4 مليار دولار. ذلك على اعتبار أن إقامة هذا الجدار من شأنها أن تقلّل إلى حد كبير من استخدام الصواريخ والقذائف المُضادّة للدبابات ضد الدوريات الإسرائيلية ومعدّاتها إذا ما فكّر أي تنظيم من داخل سيناء في استهدافها.
وسط كل ما سبق من تفاهم مصري- إسرائيلي، يرقى لدرجة التعاون المشترك. يبقى السؤال عما سيحدث بعد انتهاء هذا الأحداث في سيناء، فلا تُعرَف له إجابة، فهل ستظلّ القوات المصرية في سيناء تمثل أداة تأمينه في مواجهة إسرائيل في حال إذا فكّر أي شخص بتل أبيب في أية تطلّعات إقليمية؟ على الرغم من كل ما سلف.. تبقى سيناء في الذكرى الـ40 معزولة يرتع فيها إرهاب لا يُعرَف مصدره. وقد باتت أشبه ببيتٍ يسكنه الجان يعبث فيه متى شاء وكيفما شاء. فإلى متى تبقى "كامب ديفيد" تعزل مصر الآسيوية عن مصر الإفريقية أيضاً؟
قراءة : محمد عبد الرحمن عريف - كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
المزيد في هذا القسم:
- إرث الناصر: القومية العربية كمشروع راديكالي المرصاد نت - متابعات «المنطق الإمبريالي الأميركي بسيط: من حق الولايات المتحدة أن تحكم العالم الذي تملكه. وليس بمقدورها التساهل إزاء أي أعمال إجرامية من ...
- موقع امريكي: العالم على حافة الهاوية والسبب هو رجل "مجنون وفاشي" المرصاد نت - متابعات قال موقع وورلد سوشاليست الأمريكي اليوم السبت إن العالم يتجه يوميا إلى حافة الحرب النووية حيث يحتفظ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتيار مست...
- جيبوتي.. تزاحم قوى العالم بحثاً عن النفوذ في "باب المندب" المرصاد نت - متابعات الحرب في إفريقيا حرب الصراع على الموارد والثروات. أما عندما نتكلم عن جيبوتي فهذا الأمر لا يتعلق بها لا من قريب ولا من بعيد فهي لا تملك أس...
- عباس يلوّح بإلغاء الاتفاقات مع حماس وفتح تغلق مكاتبها في غزة ! المرصاد نت - متابعات قررت حركة فتح إغلاق مكاتبها في غزة وذلك بعد إعلان الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس أنه سيتم إلغاء كل شيء بين حماس وفتح طالما لا توجد مصالحة. ...
- "اسرائيل" والشرق الأوسط في الذكرى السبعين المشؤومة المرصاد نت - متابعات تمرّ "إسرائيل" هذه السنة بالذكرى السبعين لتأسيسها وسط شرق أوسط يعجّ بالفوضى والانقسامات والتحالفات الجديدة المخطط لها مسبقاً أو التي ظهرت...
- السودان : ترشيحات وزارة حمدوك تصطدم بجدار «الدولة العميقة» المرصاد نت - مي علي وجد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك نفسه في موقف لا يحسد عليه اذ لم تسلم معظم ترشيحات «قوى الحرية والتغيير» لشغل وزارات حكومته من التشكيك تارة...
- مجلس جامعة الدول العربية: مع فلسطين… وأميركا ! المرصاد نت - متابعات بناءً على طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس انعقد الأحد الماضي مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في دورة غير عادية لمناقشة تطورا...
- غارات للتحالف على مواقع لـ "جبهة النصرة" و"أحرار الشام" في سورية قال المرصد السوري المعارض، اليوم الخميس، إنّ غارات جوية شنّتها قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة تحت عنوان محاربة داعش، استهدفت "جبهة النصرة" في محافظة ...
- تبون يتسلّم مهامّه رسمياً: تعهّد بتقليص صلاحيات الرئيس! المرصاد نت - متابعات دخلت الجزائر، رسمياً، عهد الرئيس الثامن في تاريخها، باشر الرئيس الجديد فوراً صلاحياته، بقبوله استقالة الوزير الأول نور الدين بدوي، في انت...
- عراق 2018: الأميركيون يَخلفون «داعش»؟ المرصاد نت - نور أيوب طوى العراق صفحة 2017، بانتصاره على «داعش» الأمر هنا ليس حدثاً بعينه إنما تحوّلٌ في مسار المشاريع المتصارعة في بلاد الرافدين ...