المرصاد نت - متابعات
شكّلت مبادرة السلام العربيّة تحوّلاً مفصلياً في الصراع العربي الإسرائيلي. فقد قوّضت المبادرة التي قدّمها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز خلال قمّة بيروت في العام 2002 نتائج قمّة الخرطوم عام 1967 المعروفة بقمّة اللاءات الثلاث ” لا للسلام لا للتفاوض ولا للإعتراف بإسرائيل”.
وقد رفع داعموا المبادرة التي طُرحت في خضم الحديث عن حل سياسيّ للأزمة القائمة منذ العام 1948 ولاحقاً ما تمخّض عنها من رباعية دولية أو وساطة أمريكية شعار الحل السياسي وعدم إمكانيّة التوصّل إلى حل عسكريّ، كما أثبتت التجربة منذ العام 1967.
ورغم أن نتائج الخيار العسكري قد أثبت جدواه في لبنان، إلا أن حتى أولئك الذي كانت لديهم حسن نيّة تجاه فلسطين اعتبروا أنه لا يمكن إسقاط التجربة اللبنانية على نظيرتها الفلسطينية. الضربة الأولى لهذه المبادرة التي طرحت خلال الانتفاضة الفلسطينة كانت اسرائيلية فقد فرض شارون القبضة الحديدة على فلسطين. لم تلقى مبادرة السلام العربية أذان إسرائيلية صاغية، بل إنها شكّلت أول اعتراف عربي بالوجود بإسرائيلي الأمر الذي دفع بالكيان الإسرائيلي للتقدّم خطوة إضافيّة نحو الامام عبر المزيد من الاستيطان والجرائم. اليوم وبعد 17 عام من تاريخهاً فشلت مبادرة السلام العربية التي كانت بحق خطوة إلى الخلف فشلت في الحد من الجرائم الإسرائيلية والاستيطان، فضلاً عن الاعتداء على المقدّسات الإسلامية والفلسطينية في فلسطين.
لاحقاً، وبعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض غاب الحديث عن هذه المبادرة، وعلت الأصوات التي تتحدّث عن صفقة القرن التي يعدّها صهر الرئيس الأمريكي اليهودي كوشنير. لم يكتفي ترامب بصفقة القرن التي تحرم الفلسطينيين حتى من تلك المستوطنات التي أقيمت في العام 2018 وليس 1967 فحسب بل عمد إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتلّل. ورغم الردود العربية المندّدة بخطوة ترامب إلّا انها غير كافية بل لا بدّ من تحرّك عربي واسع يبدأ بسحب المبادرة العربية للسلام كورقة ضغط على ترامب، ويمرّ عبر قطع كافّة العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، ولا ينتهي بدعم حركات المقاومة على الصعيد السياسي ولعل قمّة تونس اليوم هي الأنسب للبدء بهذا الخيار.
قد يتساءل البعض عن جدوى سحب هذه المبادرة اليوم. ورغم عدم إيماننا بالحل السياسي مع الكيان الإسرائيلي، ولكن عندما يرفع الطرف المقابل سقف مطالبه لا بدّ من تعزيز الأوراق التفاوضية التي تملكها. أي من خلال هذه الخطوة ستضع ترامب بشكل تلقائي، وقبل انتهاء ولايته، في خانة الرؤوساء الأمريكيين الذي لم يفشلوا فحسب في “إرساء السلام” بل عمدوا إلى تأجيج الأوضاع وتعقيدها هذا الأمر يعني الكثير لترامب فاذا كان جاداً “بالسلام” الذي يتحدّث عنه فليتراجع عن قرارته وهذا ما لن يحصل أبداً. إن سحب المبادرة العربية تعني العودة إلى نقطة الصفر وبالتالي يمكن من خلال هذه النقطة رسم مسار آخر للمسارالمعتمد من قبل الجامعة العربية خلال السنوات الـ17 الماضية.
رغم أن كثيرين قد وجدوا في قرار ترامب تجاه الجولان مقدّمة لصفقة القرن، إلا أنه في الحقيقة يمثّل رصاصة “الرحمة” على صفقة القرن، فمثل هذه القرارت لم تترك هامشاً للمناورة أمام أولئك المعولين على هذه الصفقة، وهذا إن دلّ على شيئ إنما يدل على الفوقيّة والتكبّر الذي يتعاطى بهما ترامب مع “أصدقاءه العرب”.
إن كافّة قرارات ترامب العدائية كانت منحازة بالكامل للجانب الإسرائيلي ولعل قطع المساعدات عن الفلسطينيين دليل إضافي لأولئك الذي قد يعتقدون بحلول أمريكية للصراع العربي الإسرائيلي، لكن هذه القرارات ورغم سوداويتها قد أثبتت للجميع جملة من الأمور. أولاً قد أثبت ترامب أن المقاومة هي الخيار الوحيد لاستعادة الأراضي المحتلّة. كذلك، لم يعد هناك بريق أمل بعد قرارت ترامب في التعويل على المفاوضات لاستعادة الأراضي المحتلّة، فما أخذ بالقوّة لا يستردّ إلى بالقوّة، ولعل تجربة عشرات السنين من التفاوض مع الكيان الإسرائيلي خير دليل على ذلك. ماذا حصدت الأنظمة المطبّعة مع الكيان الإسرائيلي؟ في المقابل، كيف كانت النتائج بالنسبة للبنان بعد العام 2000، تحرير الجنوب اللبناني؟
بالأمس القدس اليوم الجولان وغداً المياه اللبنانية في المتوسط والآتي أعظم. إن قرارات ترامب ورغم أنها تشكّل أكبر تهديد للسيادة العربية منذ العام 1967 إلا أنها فرصة في الوقت عينه لاتخاذ مواقف “عروبية” تجاه القضية الفلسطينية وسحب المبادرة العربية، فترامب “لم يترك للسلم مطرح”. ما نتطلّع إليه في قمّة تونس ورغم أننا نراه بعيدا،ً هو سحب مبادرة قمّة بيروت 2002 والعودة إلى قمّة الخرطوم 1967. المبادرة العربية للسلام ولدت ميّته وكما نقول، “إكرام الميّت دفنه”.
المزيد في هذا القسم:
- ألمانيا تنقسم بشأن اللجوء ... 68,5 مليون نازح حول العالم المرصاد نت - متابعات أثار وصول أكثر من مليون طالب لجوء في عامي 2015 و2016 إلى ألمانيا صدمة سياسية لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن إذ ساهمت في صعود اليمين المتط...
- ليبيا : جرعة دعم روسية لحفتر والانقسام الدولي يطيل المعركة! المرصاد نت - متابعات يتظهّر أكثر فأكثر الانقسام الإقليمي والدولي حيال العملية التي أطلقها خليفة حفتر ضد طرابلس. انقسام من شأنه إطالة أمد المعركة التي يبدو واض...
- صفقة القرن: ما كان للعرب صار لإسرائيل واميركا! المرصاد نت - متابعات هل قُضي الأمر وقررت الامبريالية الاميركية ومعها الكيان الصهيوني أن التغيير ممنوع في هذه الارض العربية، خصوصاً اذا كان يستهدف التخلص من ال...
- مصر: حملة أمنية واسعة على الإخوان وتمديدٌ لقانون الطوارئ المرصاد نت - متابعات وسّعت وزارة الداخلية المصرية من حركة ملاحقة أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» الذين تم تصنيفهم قضائياً وحكومياً كعناصر إرهابيين ...
- فضيحة مُدوِّية: كيف تستعين الأنظمة الخليجية بالموساد لتأمين استمراريتها؟ المرصاد نت - متابعات خرجت فضيحة جديدة ما تزال ارتداداتها أولية لتتحدث عن التعاون الإستخباراتي والتنسيق الأمني بين الكيان الإسرائيلي والدول الخليجية حيث تخط...
- في سياق التطبيع العلني :أبواب الخليج مُشرّعة للإسرائيليين! المرصاد نت - بيروت حمود بات من الواضح أنه لولا الاندفاع والحماسة اللذان تبديهما دول الخليج لتظهير التطبيع مع تل أبيب لما تجرأ الإسرائيليون على تخيّل أنهم قد ي...
- ليبيا : حفتر يزيد اندفاعه نحو طرابلس... بتحفيز أميركي! المرصاد نت - متابعات أعلنت القوات الليبية بقيادة خليفة حفتر تحرّك كتائب عسكرية للمشاركة في عملية "طوفان الكرامة" غرب البلاد. وأوضحت أن "مجموعة من المقاتلين تش...
- الأردن «الحائر» في سوريا... طوق النجاة في المعابر؟ المرصاد نت - متابعات لعلّ انسحاب «جيش العشائر» من مواقع له شرق السويداء باتجاه الأردن، يظهر بشكل أوضح دعم عمان للتهدئة في الجنوب السوري. ويعمل ...
- بدء عمليات بناء الجدار الحدودي: مصر تكمل الطوق حول غزة! المرصاد نت - متابعات بعد تحضيرات استمرّت لأكثر من ستة أشهر، باشرت مصر تنفيذ المرحلة الأولى من عملية بناء جدارها الجديد على حدود قطاع غزة الجنوبية، في وقت وصلت...
- السعودية ممتعضة من فارق «الخوّة» الأميركية: فلتَدْفع قطر المرصاد نت - متابعات على الرغم من الاجتهاد الكبير الذي يُسجّل للدوحة في مجال السعي لكسب رضى إدارة دونالد ترامب إلا أن الرياض تبدو ممتعضة من فارق الفاتورة المط...