المرصاد نت - متابعات
كما هي حال القمم العربية السابقة حافظت القمة الثلاثون على طابعها الباهت مُصدّرةً مواقف مكررة ومعتادة عن القضية الفلسطينية ومتوقعة في شأن الجولان. وفيما بدت الانقسامات في شأن القضايا الإقليمية حاضرة بوضوح ظهر الموقف السعودي لافتاً في العودة إلى أساسيات قمة بيروت الأمر الذي يرتبط بحسابات عدة؛ على رأسها العلاقة المضطربة بين الرياض وواشنطن.
لم تخرج الدول العربية بجديد من القمة الثلاثين في العاصمة التونسية أمس سوى إعلان عزمها على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي ضد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بـ«سيادة» الاحتلال على هضبة الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967م وآخر من محكمة العدل الدولية «بعدم شرعية الاعتراف الأميركي وبطلانه» كما قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في البيان الختامي للقمة التي جددت فيها الدول العربية مواقف تقليدية في شأن القضية الفلسطينية، كانت قد أعلنتها الأسبوع الماضي عقب القرار الأميركي الموقع في الـ 25 من الشهر الماضي.
بدت القمة بذلك كأنها «قمة الجولان» على غرار «قمة القدس» السابقة في مدينة الظهران السعودية كما أطلق عليها الملك سلمان العام الماضي بعد أربعة أشهر على قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال في كانون الأول/ ديسمبر 2017.
لكن الموقف العربي في شأن الجولان بدا أكثر وضوحاً مما هو عليه في شأن القدس. وهو تفاوت تتصدّر مشهديته السعودية التي يبدو أن حسابات كثيرة تدفعها إلى رفض القرار الأميركي بخصوص الجولان بوضوح هذه المرة. إذ إن تعثر مشروع «صفقة القرن» ومحاولات تركيا المتواصلة تظهير نفسها في صورة الحريص على القضية الفلسطينية و«الحقوق الإسلامية» تثير هواجس لدى المملكة من أن تغدو في عزلة عربية تسمح لمنافسيها الإقليميين بالاستحواذ على ساحة الصراع العربي ــــ الإسرائيلي. وقد بدا ذلك «التحول» لأول مرة في الـ 19 من الشهر الماضي على لسان السفير السعودي في عمّان خالد بن فيصل بن تركي الذي قال إن بلاده تدعم «الوصاية الهاشمية» على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.
وفي ظلّ الواقع الذي فرضته الدول العربية والأوروبية برفض القرار الأميركي في شأن الجولان تجد السعودية أن أفضل موقف يمكن اتخاذه هو التمسك بـ«مبادرة السلام العربية»، التي تنص في بندها الأول على مطلب «الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري». مردّ ذلك خشية الرياض من تداعيات المواجهة المحتدمة بين إدارة دونالد ترامب والكونغرس الذي يطالب بمعاقبة السعودية على جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وجرائم الحرب في اليمن وتصحيح العلاقة مع المملكة وضبطها. وعلى رغم أن مشاريع الكونغرس لا تمثل خطراً مباشراً على الرياض؛ كون الرئيس يتسلح بـ«الفيتو» إلا أن خطرها يكمن في الانتخابات الرئاسية المرتقبة بعد أقلّ من عامين (في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020). وهو استحقاق يبدو أن السعودية بدأت تتحسّب له باتخاذ مواقف أكثر حذراً.
تخشى الرياض أيضاً من كون القرار الأميركي يؤسس لقرارات أخرى محتملة وصفها رئيس «مركز نماء للاستشارات الاستراتيجية» فارس البريزات بـ«الخطيرة على القضية الفلسطينية». فهو لم يستبعد أن تقوم إسرائيل ــــ بمباركة أميركية ــــ بضمّ «مناطق من الضفة الغربية أو غور الأردن بالطريقة نفسها التي ضمّت بها القدس والجولان» وهو ما كشف عنه كتاب «كوشنر وشركاؤه: الطمع والطموح والفساد» للإعلامية الأميركية فيكي وارد الأسبوع الماضي بالإشارة إلى أن «صفقة القرن» التي أعدّها كوشنر تتضمن تنازلات من الأردن عن قسم من أراضيه لـ«الدولة الفلسطينية العتيدة» على أن يتلقى بدوره أرضاً سعودية بديلة لتمكين الاحتلال من الاحتفاظ بمساحة كبيرة من أراضي الضفة وضمّها إلى سيادته.
ويأتي الموقف السعودي ومعه العربي الأخير في وقت بدا فيه أن القرار الأميركي في شأن الجولان اعتمد على خروج هذه المنطقة من اهتمامات العرب. إذ كانت السعودية عبر إعلامها الرسمي تروّج لزعمها أن «الهضبة محتلة بموافقة سوريا»! هذا ما كرره أخيراً الصحافيان المقربان من دوائر الحكم عبد الرحمن الراشد ومحمد آل الشيخ. وفي حين اعتبر الأول أن سوريا لا ترغب في استعادة الهضبة لأن «لها أثماناً أغلى سياسياً» معدداً منها أنها «احتلت لبنان لعشرين عاماً» عنون الثاني مقالته بـ:«ضم الجولان لإسرائيل يسعى إليه بشار والعدو الفارسي» معتبراً القرار «انتصاراً تاريخياً لإسرائيل» وأن سوريا لم تكن تريد تحرير الهضبة على اعتبار أن «مقاومة المحتل ستبقى ورقة تبرر بقاء حكم العسكر في سوريا».
وبالعودة إلى القمة وفيما غابت عنها قضايا حساسة كالأزمة في الجزائر والسودان والأزمة الخليجية حضرت أزمتا اليمن وليبيا بشكل خجول. لكن الملك سلمان لم يفوت المناسبة لمهاجمة إيران وحيداً بين القادة العرب إلى جانب موقف مماثل من أبو الغيط تحدث فيه عن أن «التدخلات من (جانب) جيراننا في الإقليم وخاصة من إيران وتركيا فاقمت من تعقد الأزمات» الأمر الذي دفع بأمير قطر تميم بن حمد إلى الخروج من القاعة.
الحلم العربي في قمة تونس..نوما هنيئا يا زعماء العرب!
وبرغم الدعوات العامة لتقوية العمل العربي المشترك والعمل على إنهاء الأزمات أشّرت كلمات القادة العرب خلال القمة العربية أمس الأحد على خلافات كبيرة بشأن أهم الملفات المطروحة على الساحة بسورية وليبيا واليمن وفلسطين وغيرها وبدت قراءات الزعماء العرب لهذه الملفات مختلفة في كثير منها وتعتمد على أجندات متناقضة.
فالأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، شدّد في كلمته في افتتاح القمة على حاجة الدول العربية اليوم لمفهوم جامع لوحدة الأمن القومي العربي والاستقواء به لمقاومة الجماعات الإرهابية، وكل ما يهدد الدول معتبراً أن "القضية العربية واحدة من مسقط إلى مراكش (عاصمة المغرب الرباط) وأن التدخلات في الإقليم فاقمت من تعقد الأزمات العربية واستعصاء إيجاد الحل لها وخلقت مشكلات أخرى".
وأكد على رفض الجامعة لما وصفها بـ"أطماع تركيا وإيران وتدخلاتهما في بعض الدول العربية بما تحمله من مخططات" قائلاً "بعبارة واحدة نقول إن أزمة الدول العربية ستزول لأنها أزمة مؤقتة لكن التعدي على التكامل الإقليمي للدول العربية ووحدتها الترابية أمر مرفوض عربياً" وهو موقف التقت معه السعودية ومصر وإن لم تذكر بالاسم إيران.
وبرغم أن الملف الفلسطيني كان العنوان الأبرز في هذه القمة مثلما كان الشأن في كل القمم السابقة إلا أن المصالحة الوطنية التي تظل أحد أبرز ركائزه لم تلق اهتماماً من الزعماء العرب وذهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى التأكيد على "حرصه على توفير نصف ميزانية دولة فلسطين تقريباً لأهلنا في غزة". وقال: "بذلنا كل جهد ممكن لإنجاح الجهود العربية والدولية رغم موقف حماس التي تعطل المصالحة، مثمناً جهود مصر في هذا المجال".
ودعا إلى "إدانة الممارسات القمعية التي تقوم بها حركة حماس وحذرها من التطاول على جماهير شعبنا التي انتفضت في غزة مطالبة بإنهاء الانقلاب والعيش الكريم" دون الإشارة إلى ما تتعرض له غزة المحاصرة من قصف يومي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ومعاناة تتواصل منذ سنوات بسبب الحصار.
وتحصن الزعماء العرب كالعادة بالقرارات الأممية ورفض فرض الأمر الواقع مؤكدين "على أهمية السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط كخيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام العربية التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت في العام 2002م ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي التي ما تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية لمعالجة جميع قضايا الوضع النهائي وفي مقدمتها قضية اللاجئين التي توفر الأمن والقبول والسلام لإسرائيل مع جميع الدول العربية، ونؤكد على التزامنا بالمبادرة وعلى تمسكنا بجميع بنودها".
ولم يتساءل الزعماء عن الأسباب التي عطلت تنفيذ هذه المبادرة منذ 17 سنة وإذا ما كانت الأحداث قد تجاوزتها بالخصوص منذ صعود الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى السلطة ومحادثاته وربما اتفاقاته مع بعض العواصم العربية على ما يُعرف بـ"صفقة القرن".
وباستثناء ملف الجولان المحتل الذي أجمع القادة العرب على أنه أرض عربية محتلة والتأكيد على أن القضية الفلسطينية تبقى القضية المركزية التي لا استقرار في المنطقة وفي العالم دونها لم يتوافق العرب فيما يبدو على الملفات السياسية الحارقة، لعلم الجميع بتناقض مصالحهم ورؤاهم حولها.
ووجهت عشرات الجمعيات المجتمعة في قمة المجتمع المدني الموازية رسالة إلى القمة العربية تطالب فيها بإصلاح جامعة الدول العربية وتطويرها من منظور حقوق الإنسان، لأن كل الانتهاكات لهذه الحقوق، الفردية والجماعية هي نتيجة مباشرة لاستبداد الأنظمة.
ورغم الجمود الذي ضرب القمة العربية في المواقف والخطابات والمخرجات ورغم التجاهل العربي الواسع لها من حيث انعقادها وتأثيرها أصلا؛ فإنها لم تخل من مواقف وطرائف رافقتها في مختلف فقراتها التي لم تطل بما ينسب الليل العربي الطويل.
فبعض القادة أخذتهم سنة النوم أثناء الكلمات الافتتاحية والتقط بعض المصورين لقطات لبعض القادة وهم يغطون في سبات عميق فربما شجعتهم المقاعد الوثيرة وبعض الخطابات المكررة على الاستغراق في النوم.
ونشرت المواقع صورا تظهر كل من الرئيس التونسي الباجي قايد السبسى حيث غط في نوم عميق، أيضا أثارت صورة لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية فائز السراج، والتي بدا فيها نائما خلال افتتاح الجلسة الأولى من القمة العربية الثلاثين والمنعقدة في تونس، جدلا واسعا بين رواد السوشيال ميديا.
أيضا خطف وزير خارجية جزر القمر محمد الأمين صيف، كاميرات وسائل الإعلام في القمة بسبب ظهوره نائما إلى جوار أمير قطر، خلال الكلمات الافتتاحية.
والواقع أن عادة "نوم القادة" ليست جديدة أو خاصة بقمة تونس؛ ففي غالبية القمم العربية يلتقط المصورون صورا لافتة لهم وهم يستفيدون من إغفاءة سريعة أو يغطون في نوم عميق.
ورغم حماس بعض القادة العرب لتطبيع الأوضاع مع الحكومة السورية، فإن سوريا الأسد بقيت بمثابة الغائب الحاضر في قمة تونس حيث حضر العلم السوري وغاب الرئيس وبقي الكرسي شاغرا. ويتقدم العرب شيئا فشيئا نحو إعادة العلاقة مع حكومة الرئيس الأسد وارتفع النقاش بشأن عودة الأسد لحضور قمم العرب مرة أخرى.
ووصل الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قبل انعقاد القمة بيومين إلى تونس ولكنه غادرها قبل اختتام جلستها الافتتاحية. مغردون تساءلوا ماذا لو أجّل قدومه يوما وأخر مغادرته يوماً واحداً ليحضر أعمال القمة كلها؟ كما غادر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني القمة العربية قبل إلقاء كلمته في قصر المؤتمرات وتوجه إلى المطار. وبحسب راديو "موزاييك" التونسي فإن "الأمير تميم غادر القمة فور انتهاء كلمة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والأمين العام لجامعة الدول العربية" دون المزيد من التفاصيل.
وافتتحت القمة بآيات من القرآن الكريم تذكر بنعمة الأخوة وتحث عليها؛ ولكن أحد أهم الملفات العربية التي تثير الآن شرخا واسعا بين الإخوة الأشقاء غابت عن مباحثات القادة العرب وهو ملف الأزمة الخليجية التي تسببت في انقسام شديد وتقطيع للأواصر والأرحام.
لا جديد في القمة حيث تعقد بينما لا تخرج قرارات عملية من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي. ولم يبق من منظمة أوبك السابقة الا نعشا ويستمر انعدام الأمن والعنف والاضطرابات في فلسطين واليمن وليبيا وسوريا وتعاني بعض الدول العربية مثل السودان والجزائر من أزمات اقتصادية عميقة.
ورغم هذه الحقائق المريرة لا يمكن ان نتوقع من مثل هذه القمم التي ليست الا جعجعة بلا طحين الا إصدار البيانات فقط في ظل الخلافات العميقة
المزيد في هذا القسم:
- النفط يواصل الهبوط: ضغوط ترامب تؤلم الرياض ! المرصاد نت - متابعات واصل إنتاج السعودية القياسي في ظل زيادة المخزونات الأميركية الضغط على أسعار النفط التي تراجعت أمس إلى نحو 60 دولاراً فيما يترقب المتعاملو...
- البشير يخيّر المحتجين: انتظار الانتخابات أو القمع ! المرصاد نت - متابعات وسط انتظام دعوات «تجمع المهنيين السودانيين» لا سيما في العاصمة الخرطوم، يسعى الرئيس عمر البشير إلى مواجهة الاحتجاجات الأخطر عل...
- انتفاضة القدس مستمرة: «الجبّارين» في الأقصى المرصاد نت - الأخبار استيقظت مدينة القدس المحتلة أمس على تنفيذ ثلاثة شبان من أم الفحم في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ عملية فدائية ضد شرطة العدو داخل حرم المسجد ا...
- في إطارقضية سعدالجبري..محكمةواشنطن تصدر أمراستدعاء قضائي بحق ابن سلمان المرصاد-متابعات أصدرت محكمة واشنطن أمر استدعاء قضائي بحق ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”. أفادت بذلك قناة “الجزيرة” واوضحت ان امر الاستدعاء القضا...
- الجيش يواصل قصف معاقل داعش في اليرموك والحجر الأسود جنوب دمشق المرصاد نت - متابعات واصل الجيش العربي السوري عمليته العسكرية في الحجر الأسود ومخيم اليرموك جنوب مدينة دمشق وتشهد الجبهات قصفاً مدفعياً وصاروخياً دقيقاً يستهد...
- جولة تفاوض جديدة حول أنظمة التقاعد في فرنسا ! المرصاد نت - متابعات التقت الحكومة الفرنسية اليوم الثلاثاء النقابات وأصحاب العمل في جولة جديدة من المفاوضات توازياً مع دخول الاحتجاج حول أنظمة التقاعد يومه ال...
- الاموال السعودية في مهب الرياح الترامبية نحو تنفيذ المشاريع الصهيونية المرصاد نت -خاص في كل مرة تريد أمريكا تنفيذ مخطط معين في منطقة الشرق الاوسط فأنها تعتمد بشكل رئيس على النظام السعودي والانظمة الخليجية لتمويل تنفيذ مخططها الت...
- عام سقوط «داعش»: تحولات عسكريّة كبرى... و«ستاتيكو» سياسي المرصاد نت - صهيب عنجريني شهد العام المنصرم حدثاً مفصليّاً في سوريا هو تقويض الوجود العسكري لتنظيم «داعش» ما أسفر في الوقت نفسه عن ازدياد المساحة ...
- السيد نصرالله: حلفاء النصرة وداعش لن يمثّلوا بعلبك ـ الهرمل المرصاد نت - متابعات على مسافة 10 أيام من موعد انتهاء مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية في وزارة الداخلية بدأت طلائع اللوائح والتحالفات تطل من معظم الدوائر وآخرها...
- تل أبيب وأنقرة: محادثات «سريّة» لإعادة السفراء المرصاد نت - متابعات قبل أربعة أشهر توتّرت العلاقات الإسرائيلية - التركية على خلفية المجزرة التي ارتكبها جيش العدو بحقّ المتظاهرين في «مسيرة العودة&raqu...