صفقة القرن بين التخطيط الأميركي والواقع العربي المؤلم!

المرصاد نت - متابعات

كثر الكلام عن صفقة القرن ؟ ما هي هذه الصفقة صفقة لمَن وصفعة لمَن ؟ هل الواقع العربي مؤهّل لقبول هذه الصفقه؟ دلائل اتجاة الإدارة الأميركية نحو ما قيل حول هذه الصفقة ؟ هل يقبل Trumbb2019.5.9الفلسطينيون بها والشعوب العربية ؟

نشرت العديد من الصحف العربية والأجنبية ما قاله جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره إنه سيتمّ الكشف في يونيو المقبل بعد انتهاء شهر رمضان عن خطّة السلام الأميركية المعروفة باسم «صفقة القرن» موضِحاً أنها تتضمّن تقديم تنازلات من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. مشيراً إلى أن الخطة ليست محاولة لفرض الإرادة الأميركية على المنطقة.

وتشمل «صفقة القرن» التي أعدّها كوشنر مع المبعوث الأميركى للشرق الأوسط جيسون جرينبلات وتأجّلت لمدّة 18 شهراً شقّين رئيسيين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي ويتناول الشقّ السياسى قضايا جوهرية مثل وضع القدس، بينما يهدف الشقّ الاقتصادي إلى مساعدة الفلسطينيين على تعزيز اقتصادهم. وتابع كوشنر: «ينصبّ تركيزنا على كيفيّة تحسين حياة الشعب الفلسطيني وما يمكن حلّه حتى تصبح هذه المناطق أكثر جَذْباً للاستثمار ستكون هناك تنازُلات صعبة من الجانبين، وأتمنّى أن ما سيفعلونه عندما يطّلعون على الخطّة هو أن يقولوا: أنظر هناك بعض التنازُلات هنا، ولكن في النهاية هذا إطار قد يسمح لنا بجعل حياتنا أفضل مادياً، وسنرى إذا كانت لدى القيادة في الجانبين الشجاعة للأخذ بزِمام المبادرة ومحاولة المُضيّ قُدُماً".

إذا كان القرن الماضي قرن تأسيس إسرائيل وزرعها في الجسد العربي منذ وعد بلفور 1917 ثم تولّي الإدارة الأميركية الدعم لإسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية. واعتبرت الإدارة الأميركية هذا القرن قرن إسرائيل الكُبرى فمُخطّط تصفية القضية الفلسطينية على حساب الفلسطينيين هو صفعة القرن بالنسبة للفلسطينين والعرب والمسلمين ، وصفقة القرن بالنسبة لإسرائيل وما تُعلِن عنه الإدارة الأميركية مُخطّط له منذ فترة لكن أعلنه ترامب في الفترة التي اقترب فيها اتجاه الإدارة الأميركية نحو التنفيذ.

نقلاً عن موقع "ميديل إيست آي" البريطاني تظهر الملامح الأميركية لخطة السلام الأميركى لِما عُرِف بصفقة القرن نقل الموقع عن مصدر دبلوماسي غربي ومسؤولين فلسطينيين، أن فريقاً أميركياً بصَدَد وضع اللمسات الأخيرة على "الاتفاق النهائي" الذي وضعه الرئيس دونالد ترامب للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل والذي يُعرَف بـ"صفقة القرن". أن الاتفاق سيتضمّن ما يلي: 1- إقامة دولة فلسطينية تشمل حدودها قطاع غزّة والمناطق (أ، وب) وأجزاء من المنطقة (ج) في الضفة الغربية. 2- توفّر الدول المانِحة 10 مليارات دولار لإقامة الدولة وبُنيتها التحتية بما في ذلك مطار وميناء بحري في غزّة ، والإسكان والزراعة والمناطق الصناعية والمدن الجديدة. 3- وضع القدس وقضية عودة اللاجئين سيؤجَّلان إلى مفاوضات لاحقة. 4- مفاوضات حول مُحادثات سلام إقليمية بين إسرائيل والدول العربية بقيادة النظام السعودي. وقال الدبلوماسي للموقع البريطاني إن جاريد كوشنر المستشار الخاص لترامب ورئيس فريقه لعملية السلام زار السعودية أخيراً وأطلع وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان على الخطّة.

الحقيقة الواقع العربي مؤهّل لتقديم العديد من التازلات. توجد دول غير مستقرّة (ليبيا سوريا العراق اليمن) وأخرى تخشي نفوذاً إيرانياً في المنطقة ما يجعلها تدور في الفلك الأميركي حال ضعف عام عربي وقهر للشعوب العربية التي لا تستطيع حتى التعبير عن رأيها. وأخرى تواجه انتفاضات وثورات لم يتّضح بعد ما سوف تؤول إليه. حال من حالات التطبيع العربي مع إسرائيل على المكشوف ظهرت في الآونة الأخيرة . في الوقت الذي سعت فيه الإدارة الأميركية إلى التمهيد للصفقة وإعلان مواقف تؤيّد ما نوت عليه منها نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالجولان السورية ( لم تكن هناك أية ردود عربية تُذكَر ضد الإجراءات الأميركية ) لإسرائيل. إظهار إيران على أنها البُعبُع وعلى دول خليجية طلب الحماية منها وأنه هناك حرب وشيكة بين العرب وإيران .

يبقي العِلم أنه لايمكن فرض تنازُلات من الفلسطينيين سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزّة أو من الفلسطينيين في الخارج ، فمسألة التنازُل عن أراضٍ ومنح أراضٍ أخرى لا يمكن قبولها بأية حال من الفلسطينيين أو من الدول المجاورة لهم ولو قبلتها بعض الحكومات لا تقبلها الشعوب . مسألة ثمّة ضغوط أميركية على الفلسطينيين لن تجعلهم يقبلون بذلك ، فهم شعب الجبّارين كما كان يقول ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني الأسبق . ومن المتوقّع أن إسرائيل لن تتنازل عن أراضٍ احتلتها في 1967 . أيضاً لاتزال الشعوب العربية ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني حتى لو سعى إليه الحكّام العرب وفرضته معاهدات سلام مع إسرائيل (مصر والأردن ). تبقى عدّة أسئلة كثيرة ربما نجد لها إجابات في الشهور القادمة هل الواقع العربي الحالى يسمح بمزيدٍ من التنازُلات بخصوص القضية الفلسطينية ؟ هل تقبل دول عربية التنازُل عن جزءٍ من أرضها لصالح فلسطين ؟ هل تقبل الشعوب العربية خطّة السلام الأميركية بطبعتها الإسرائيلية؟ ومع بدء الإفصاح الأميركي عن صفقة القرن تبدأ ردود الأفعال وإن غداً لناظِره قريب.

أبعاد أخرى لصفقة القرن

صفقة القرن ليست قَدَراً بل إن هزيمتها تلوح في الأفق قياساً بمحطات سابقة، من محطات الصراع على المنطقة ومستقبلها وأخذت أشكالاً وطبعات مختلفة مما يعرف بالشرق الأوسط الكبير. صفقة القرن، ليست مسوّدة اتفاقية أو معاهدة محدّدة يُراد فرضها على طرف بعينه بل استراتيجية عمل واسم آخر وطبعة جديدة من (الشرق الأوسط الكبير) كما رسمته أقلام الإستخبارات في الدوائر الأميركية والصهيونية وتتمثل خطورة هذه الصفقة على المنطقة العربية عموماً وعلى القضية الفلسطينية والأردن خصوصاً في ثلاثة أبعاد، آيديولوجي، وسياسي وبنيوي:-
1- البُعد الآيديولوجي : كما تمثله الاستراتيجية الصهيونية وبإجماع كل تياراتها ومدارسها وأحزابها، ما يوصَف منها بالصقور، وما يوصَف منها بالحمائم فهذه الاستراتيجية تتعامل مع المنطقة العربية الواقعة بين الساحل الفلسطيني من الساحل السوري العام، وبين صحراء الأنبار العراقية، (فلسطين المحتلة بما فيها الضفة الغربية، والأردن) كمجال حيوي مباشر، وتجسير مع الإقليم كله وخاصة بمناطق النفط والغاز، وكمحيط تابع، سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
ومقابل الإحتكار الصهيوني لمفهوم الأرض والشعب المزعوم، فإن مفهوم الجغرافيا والسكان محال إلى العرب أردنيين وفلسطينيين أي كجماعات بلا سيادة أقرب إلى المفهوم الأنثروبولوجي الإستعماري (السكان الأصليون كقبائل بدائية يمكنها إدارة نفسها بأشكال لا ترقى إلى مستوى السيادة).
2- البُعد السياسي : ويتعلّق بتصفية ما يُعرَف بقضايا الحل النهائي بعد مرحلتها السابقة في معاهدة وادي عربة واتفاقية أوسلو وذلك:-
أولاً بتهويد القدس : وتحويلها إلى (مملكة أورشليم الجديدة) على غرار ما عرفته هذه المدينة خلال (الحملات الصليبية) (مملكة القدس اللاتينية) وإحاطتها بممالك وإمارات طائفية مُتحارِبة ومُتحالِفة أو متواطِئة مع مملكة الغُزاة.
ثانياً: تصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في مناطق اللجوء (الشتات في الثقافة اليهودية) ومنها الأردن وكذلك تصفية كل المؤسّسات ذات الصلة مثل وكالة الغوث (الأونوروا).
أيضاً وبخلاف ما تشيّعه بعض الأوساط حول التعويضات، فالتعويضات المقصودة كما تشير صحافة العدو تعويضات لليهود العرب الذين هاجروا إلى فلسطين طوعاً أو قسراً، وليس للفلسطينيين.
ثالثاً : إلحاق ملف الغور الشمالي بملف الجولان السوري المحتل الذي أعلن العدو تهويده.
رابعاً : إغلاق ملف المناطق الرمادية في الخرائط السابقة (أ،ب،ج) بترتيبات أمنية تنطلق جميعها من أن (الضفة الغربية) أو شرق فلسطين ليست مجالاً نهائياً لدولة فلسطينية بل لصفقة كونفدرالية أبعد ما تكون عن بعض التصوّرات الشائِعة حيث تستهدف التصوّرات الصهيونية خفض الشكل السياسي للدولة الأردنية إلى مستوى سلطة الحُكم الذاتي عملياً، وليس إلى تطوّر السلطة الفلسطينية إلى مستوى الدولة.
فنكون إزاء كونفدرالية سلطات ذاتية مُفكّكة تشكّل محيط المجال الحيوي للمركز الصهيوني في تل أبيب ويكون التوطين المقصود للاجئين توطيناً سكانياً وليس توطيناً سياسياً..
بالمقابل فإن الشكل السياسي المحدود المُتاح أمام الفلسطينيين في صفقة القرن هو شكل ما في قطاع غزّة يتضمّن إقامة مطار وميناء تحت سيطرة إقليمية مُتّفق عليها.
ولا يزال هذا الخيار موضعاً للسِجال والصراع بين القاهرة وبين تركيا التي حاولت في ما مضى بتمويل قطري تحويل غزّة إلى (إمارة إسلامية) تابعة لها.
3- البُعد البنيوي: وهو البُعد المتعلّق بالتحضيرات الموضوعية للصفقة وبدا أن كتاب شمعون بيريز (الشرق الأوسط الجديد) الذي صدر قبل عقدين تقريباً هو المرجعية الأساسية لهذه التحضيرات..
ومن ذلك ما جرى ويجري من تفكيك للدول المُستهدفة ومنها الأردن باسم إعادة هيكلة الإقتصاد (تصفية القطاع العام) وبقية المؤسّسات الحكومية وتحويلها إلى جغرافيا مُتناثرة من المناطق الحرّة، (الصناعية المؤهّلة) والمشاريع الإقليمية المُرتبطة بالمركز الصهيوني مثل السكك، وناقل البحرين والمطارات والطرق الكبرى.
وبالإضافة إلى دور البنك وصندوق النقد الدوليين وحكوماتهما في ترجمة كل ما سبق لا بدّ من الإشارة إلى الصناديق الإقليمية التي اقترجها شمعون بيريز بتمويلٍ نفطي وأوروبي وأميركي ووصفها بأنها الطبعة الجديدة من (الصندوق اليهودي) الذي موّل التحضيرات التي سبقت إعلان دولة العدو الصهيوني..
أخيراً فإن صفقة القرن ليست قَدَراً بل إن هزيمتها تلوح في الأفق قياساً بمحطات سابقة، من محطات الصراع على المنطقة ومستقبلها وأخذت أشكالاً وطبعات مختلفة مما يعرف بالشرق الأوسط الكبير.
وإذا كانت حرب تموز 2006، وانكسار الموجة الأولى من موجات هذا المشروع على يد المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله، ومثلها صمود أهل غزّة في محطات مجيدة أخرى فثمة محطة أخرى ذات دلالة مباشرة هي المحطة التي ارتبطت بما عُرِف بطريقي إبراهيم وموسى (الإسم الآخر لإسرائيل الكبرى).
الأول كمنطقة مُستهدفة شملت العراق وسوريا والثاني كمنطقة استهدفت سيناء – البحر الأحمر فصعوداً إلى وادي الأردن ويتضمّن مشروع نيوم، كما يعكس جانباً من الصراع على موانىء البحر الأحمر ومنها الموانىء اليمنية.
وكما يُلاحظ مما سبق فإن التوسّع وتوسيع المعركة على الشرق الأوسط يوسّع أيضاً قوس المقاومة جنوباً.

الوطن العربي بين صفقة القرن و ثورات الشعوب
 لقد ابدى لنا التاريخ أنه ما من فعلٍ مغايرٍ للأخلاق وما من جريمة بحق المجتمع إلا و للصهيونية يداً فيها. وهذه صفقة القرن هي إمتداداً لخطة تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية فصفقة القرن ماهي إلا للسيطرة على المحور الذي يربط شرق الكرة الارضية بغربها و لخنق الاقتصاديات العالمية وجعلها تبعا لهم.
 
وما يحدث منذ قرنٍ من الزمن في الشرق الاوسط هو تمهيداً لأرضية خصبة مشتركة في ظاهرها ومدمرة في داخلها. صفقة القرن ستبنا على حساب سحق الشعوب وسرقة ثرواتهم. وما وعودهم ببناء إقتصاد فلسطين و بناء كيان إقتصادي مشترك مع دول المنطقة هو وهن وتدليس. فالتاريخ شاهدٌ عليهم بأنهم قومٌ لا أمان معهم.
 
ومن الدعائم التي يسعون لها، لإنجاح صفقة القرن هو بناء كيانات طاغية للحيلولة من إنتشار الديمقراطية التي قد تستنهض الشعوب وتشكل خطرا على صفقتهم المشئومة معتقدين أن الجيوش التي جُهزت ضد شعوبها قادرة على دحر إرادتهم وما يحدث الأن الغير متوقع في الجزائر والسودان وليبيا بعثر جل أوراقهم، ولهذا دأبو في المساندة الخفية حتى يبقون على شعرة معاوية لاستخدامها مع القوى القادمة.
 
فنلاحظ تصريحات ترامب لمساندة الجنرال حفتر في ليبيا عند بدايته للهجوم كانت في أوجها معتقدا أنه سينهي الحرب لصالحه في وقت وجيز و ما أن خابت توقعاته بفوزه وتلقيه الهزائم الواحدة تلو الاخرى بسبب المعلومات الخاطئة التي إعتمد عليها، حتى بدأ يتراجع ترامب ليحفظ ماء وجهه. هكذا هي أساليب الغرب والصهاينة يتفننون في اللعب على الحبلين. ولكن سقطت ورقة التوت وإنكشفت نوايهم ولن تمر حيلهم على المنطقة
 
الثورات العربية القائمة حالياً هي المرحلة الثانية للربيع العربي التي تنتقل عدواها من بلدٍ إلى بلدٍ أخر وكأنها مضاداً حيوياً ليزيل الجراثيم من جسد الامة. لم نتوقع أن أنظمة طغت وتجبرت حتى ظهر لنا أن الناس اصبحوا كالقطط المستأنسة لا يستطيعون المطالبة بحقوقهم، إلا وكانت المفاجئة الغير متوقعة من هذه الشعوب التي زئرت ورمت بالطغاة إلى مزابل التاريخ. وهاهو الربيع العربي في نسخته الثانية على وشك أن يجعل المستحيلا واقعاً وبدت معالم النصر للشعوب أن تكتمل. فجن جنون طغاة قومنا وبدأوا يصولون ويجولون تارة لاغراء بقاية الانظمة المنهارة لتصمد أكثر وتارة لدعم جحافل المرتزقة في ليبيا للحيلولة من إنهزامها، ولكن على ما يبدوا أن إرادت الشعوب حالت بينهم وبين خيانتهم.
 
إن تمت صفقة القرن فإنها ستكون بداية لنهاية انظمة حكامنا البالية والمهترأة اصلاً ولكن بطريقة مرحلية حتى تقوى دعائم إسرائيل و إستنزاف ثروات المنطقة و إستخدامها كعصى تلوح بها ضد المارد الصيني القادم ولقطع طريق الحرير المزمع إنهائه. هي حرب تجارية شريفة من الجانب الصيني و حرب قذرة من جانب الصهيونية العالمية التي تخدم فئة من اليهود في الدرجة الأولى.
 
هناك مقولة لهتلر زعيم النازية الذي بطبيعة الحال لا نتفق مع نهجه ولكن واقع الحال يفرض علينا من ذكرها : { إن الخطأ الأكثر حماقة الذي يمكن أن نفعل ربما يكون السماح للأجناس الدُنيا امتلاك الأسلحة.. ويظهر التاريخ أن كل الغزاة الذين سمحوا للأجناس التابعة لهم بحمل السلاح قد أعدت سقوطها بهذا الفعل }. والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية