المرصاد نت - متابعات
تتجه «قوى الحرية والتغيير» إلى تعزيز دفاعاتها في محيط ميدان الاعتصام في الخرطوم في ظلّ تتالي المؤشرات إلى نية المجلس العسكري فضّه بالقوة بعدما آلت محاولاته الالتفاف على مطالب الحراك الشعبي عن طريق التفاوض إلى الفشل. وهي مؤشرات تتصدّرها حوادث العنف المتكررة في العاصمة والتي لا يبدو من باب المصادفة أنها تتزامن والخطاب التصعيدي لـ«العسكري» بوجه الجبهة المعارضة.
شيئاً فشيئاً يظهر المجلس الانتقالي في السودان على حقيقته: طغمة عسكرية خدمت نظام الرئيس المخلوع عمر البشير وركبت أخيراً الموجة الشعبية المناهضة له والآن تريد الاستفراد بالقرار السياسي بدعوى أنها هي التي أطاحته من سدّة الرئاسة. نية تتضافر جميع المؤشرات على تثبيتها، في وقت تتتالى فيه المعطيات المؤكدة وجود مشروع سعودي ــــ إماراتي لاستنساخ التجربة المصرية «السيسية» في بلاد النوبة. بعد مماطلته في إجابة مطالب الحراك الشعبي وإجراء رموزه سلسلة تحركات خارجية بهدف تصدير صورة من القوة والتمكين أفصح العسكر عن نواياه تجاه الاعتصام المستمرّ أمام مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم معتبراً إياه «مهدداً لتماسك الدولة وأمنها الوطني». توصيف يستبطن مسعاه إلى «إراحة رأسه» من المحتجين وفرض إرادته عليهم بدعوى حفظ الأمن والاستقرار.
وهو في هذا السبيل، بات لا يتورّع ــــ على ما يبدو ــــ عن تنمية عوامل الفوضى، بهدف تظهير الاعتصام وكأنه بؤرة للاضطرابات وبالتالي شرعنة الاعتداء عليه. لا يمكن بخلاف ذلك فهم حوادث العنف المتكررة التي يشهدها محيط الاعتصام الذي حافظ على سلميّته لفترة طويلة قبل أن تؤول المفاوضات بين «العسكري» و«قوى الحرية والتغيير» إلى الفشل. حوادث كان آخرها يوم السبت الماضي، حيث قتل شخص وأصيب 11 آخرون إثر «إطلاق القوات النظامية النار» على المعتصمين، وفق ما أفادت به «لجنة أطباء السودان المركزية».
وفيما يحاول «العسكري» تمييع المسؤولية عن تلك الحوادث ــــ بالحديث الفضفاض عن أن «ميدان الاعتصام أضحى غير آمن» ـــــ بهدف التعمية على حقيقة نواياه تجاه المتظاهرين، تَظهر قوى «الحرية والتغيير» مستوعبةً هذه المحاولات ومن هنا فهي ترفض التذرع بـ«المجموعات الخارجة عن سلطة القانون» من أجل الإجهاز على المعتصمين مُحمّلة «التراخي المنظم» للأجهزة الأمنية المسؤولية عن ذلك. وفي الإطار نفسه يحمّل «تجمّع المهنيين السودانيين» المجلس العسكري «مسؤولية ضمان سلامة المعتصمين» متهماً المجلس بـ«التخطيط بصورة منهجية (والعمل) من أجل فضّ الاعتصام السلمي (...) بالقوة والعنف المفرطين».
وفي هذا الاتجاه يعتقد الناشط السياسي يوسف حمد أن المجلس العسكري يريد بالفعل «زعزعة الاعتصام وربما فضّه، وقد ينجح في الأولى، لكن من المستحيل نجاحه في الثانية إلا بكارثة كبيرة تُصعّب عليه مجرد التفكير في الحكم». ويقسّم حمد القوى الفاعلة إلى ثلاث كتل: أولها كتلة الاعتصام التي «تمثل روح الثورة» وثانيها كتلة المجلس المعادية للاعتصام أما الكتلة الثالثة فهي «قوى الحرية والتغيير» التي لم تعد «محلّ ثقة كاملة من قِبَل الثوار بسبب عدة مواقف متعلقة بالتفاوض». في المقابل لا يرى نائب رئيس «حزب الأمة القومي» صديق إسماعيل أن «الأحداث التي جرت في شارع النيل هي محاولة لفضّ الاعتصام بالقوة» لكنه يشدد على ضرورة ألا تُتخذ حماية الاعتصام ذريعة «لمحاولة استخدام القوة لفضّه». ويعتبر أنه في حال وجود «مهدّد أمني» بالفعل فإنه «ينبغي فقط استخدام القوة المناسبة والكافية لإزاحته».
إزاء ذلك تستعدّ «قوى الحرية والتغيير»، على ما يبدو، لأسوأ الاحتمالات وفق ما أنبأ به أمس بيان «تجمع المهنيين» الذي أطلق «نداءً عاجلاً لكل المواطنين والثوار للتوجه إلى ميدان الاعتصام والمبيت فيه تأكيداً للالتزام بالثورة التي تمرّ بمرحلة حرجة ومحاولات التفاف متكررة» داعياً إلى «تسيير المواكب ودعم المعتصمين أمام قيادة الجيش». في المقابل يواصل المجلس العسكري ممثلاً خصوصاً في نائب رئيسه محمد حمدان دقلو تسويق ادعاءاته عن السعي لـ«قيام دولة مدنية»، والترويج لـ«مخططات» مفترضة تستهدف السودان وقواته الأمنية والعسكرية، بمن فيها «الدعم السريع»، في وقت يتأكد فيه يوماً بعد يوم أن «العسكري»، ومن ورائه السعودية والإمارات ومعهما مصر، يسعون إلى الانقضاض على الحراك الشعبي وتكريس العسكر حاكماً أوحد للسودان وحسم اصطفاف البلاد في المحور الذي تقوده الرياض وأبو ظبي. وهو ما تجلى بوضوح في التعامل مع رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان خلال القمة العربية التي انعقدت أخيراً في مكة وكأنه رئيس دولة وأيضاً في استدعاء السفير السوداني في قطر للتشاور توازياً مع التوجيه بإغلاق مكتب قناة «الجزيرة» في الخرطوم.
«حميدتي»... القارئ من كتاب البشير
لم يعد خافياً سعي نائب رئيس المجلس العسكري في السودان قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو المُلقّب بـ«حميدتي» للوصول إلى رئاسة السودان بعد الالتفاف على ممثّلي الحراك الشعبي من القوى الموقّعة على «ميثاق الحرية والتغيير» التي يَعتقد أنها «لا تمثل كل الشعب السوداني وإن علا صوتها». وهو لتحقيق هدفه الأخير، يسعى جاهداً إلى شقّ صف الجبهة المعارضة عبر محاولة اجتذاب بعض قواها إلى صفه أو خلق قوى سياسية موازية لها بغية إضفاء مشروعية على نيته التفرّد بالسلطة وإعلانه تأليف الحكومة من دون موافقة المكوّنات السياسية الرئيسة.
مساعٍ يبدو أن الرجل المدعوم سعودياً وإماراتياً بدأ يجني أولى ثمارها، مع إبداء بعض القوى كـ«مجموعة نداء السودان»، بالإضافة إلى «حزب المؤتمر السوداني»، مرونة (لا تزال مترددة في الجهر بها خوفاً من رد فعل الشارع) إزاء الطرح القاضي بتقاسم عضوية «المجلس السيادي» ــــ محل الخلاف ــــ مناصفةً بين المجلس العسكري و«قوى الحرية والتغيير» على أن تكون الرئاسة دورية وتؤولَ في فترتها الأولى إلى العسكر بحجة أن الوضع الأمني في البلاد يقتضي أن يكون الأخير على رأس السلطة. وإذ وصف بعض المتابعين هذه المرونة بأنها «هبوط ناعم» للقوى والأحزاب المشار إليها ونقض لـ«ميثاق الحرية والتغيير» فهي قد لا تبدو مستغربة في ظلّ الزيارات التي قام بها بعض قياداتها إلى أبو ظبي بعد سقوط الرئيس المخلوع عمر البشير.
مع ذلك، يبدو على ضوء التهديدات التي أطلقها حميدتي في كلمة أمام زعماء بعض العشائر أول من أمس أن صبر الرجل قد نفد وأنه أعدّ خطة الانقلاب على الجميع، بِمَن فيهم المجلس العسكري وأنه في انتظار الساعة الصفر بعدما أعلن صراحة أنه لن يسلّم السلطة إلى مدنيين في ظلّ الوضع الأمني الذي تمرّ به البلاد أي «الفوضى» بحسب تعبيره.
هذه «الفوضى» التي تذرّعت بها قوات «حميدتي» لاستهداف مواطنين عزّل بالرصاص الحي يريد الرجل إقناع الرأي العام بأن تزامنها وخطاباته التصعيدية هما من باب الصدفة ليس إلا لكن الوقائع تشي بأن ثمة سيناريو مكتمل الأركان يجرى العمل على إخراجه: فوضى أمنية مجموعات خارجة عن القانون تثير البلبلة إذاً لا بدّ من وجود حكومة عسكرية للسيطرة على الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها.
كذلك من غير المستبعد أن يعمد «العسكري» إلى التلويح بانتخابات مبكرة لكن هذه الخطوة قد لا تكون المثلى بالنسبة إلى قائد قوات «الدعم السريع»، الذي سيجد نفسه خارج قواعد اللعبة السياسية. ومن هنا، يلجأ حميدتي إلى خطط بديلة عن طريق محاولة حشد التأييد والدعم من زعماء العشائر والقبائل ورجالات الإدارة الأهلية الذين التقى عدداً كبيراً منهم خلال الفترة الأخيرة. لكن متابعين يحتملون لجوء نائب رئيس المجلس العسكري إلى تكوين حزب سياسي يخوض به المعركة الانتخابية. وفي هذا الإطار بدا مثيراً للانتباه ظهور لافتات دعائية تحمل اسم «حزب الدعم الوطني» خلال الحشد الجماهيري الذي نظمه مؤيدو إدارة المجلس العسكري للفترة الانتقالية قبل أيام ليتضح في ما بعد أن الاسم مقتبس من اسم القوات التي يرأسها «حميدتي».
ويصف المحلل السياسي محمد وداعة تصريحات حميدتي الأخيرة الرافضة تسليم السلطة لحكومة مدنية بـ«غير الموفّقة» معتبراً أنها «تخالف تعهدات المجلس العسكري الانتقالي الذي يتبوّأ فيه منصب نائب الرئيس». ويرى وداعة أن «الأجواء الآن لا مكان فيها لمثل هذا الحديث التصعيدي لأن الثورة مستمرة، والاعتصام متواصل، والشوارع يمكن أن تثور في أي وقت» متمنياً على دقلو «اختيار العبارات بعناية، وعدم تذكير المواطنين بالعبارات ذاتها التي كان يستخدمها رموز النظام السابق في استفزاز الشارع». ويضيف أن «طموحات حميدتي السياسية تواجه طريقاً مسدوداً، خاصة خلال الفترة الانتقالية التي سيظلّ محتفظاً خلالها بمنصب نائب رئيس المجلس العسكري» متابعاً أنه «في حال كانت للرجل طموحات نحو الرئاسة فإن طريقها الأوحد صناديق الانتخابات بعد انقضاء الفترة الانتقالية».
كأن حميدتي الذي كان إلى وقت قريب الدرع الواقية للبشير يقرأ من الكتاب نفسه الذي قرأ منه الرئيس المخلوع باستخدامه فزاعة مصير البلاد والتخويف من أن تؤول الأمور إلى ما آلت إليه في سوريا واليمن والتحذير من أن هناك منظمات لم يُسمِّها قد شرعت في إعداد خيام اللجوء للشعب السوداني. ويرى محللون أن «حميدتي» الموسوم بالتعجل، يضع رهانه على امتلاكه أدوات الحسم (القوة العسكرية والثروة) ومن هنا يُخيّل إليه أن كلّ ما يتمناه يمكنه الحصول عليه حتى وإن كان حكم بلد متعدد الإثنيات والأعراق كالسودان. لكن هؤلاء يرون أن هذه الصفات نفسها هي التي ستعجّل بحرقه وأنه كما صعد سريعاً سيقع سريعاً.
المزيد في هذا القسم:
- الإمارات تدافع عن ماكرون.. كان محقًا وفرنسا تكافح التطرف المرصاد-متابعات لم تكتف الإمارات بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وتوسيع دائرة التبادل الاقتصادي والسياسي مع تل أبيب وإعادة الحياة إلى ميناء حيفا، والتنسيق ...
- ما هي أسباب الأزمة الاقتصادية في تركيا؟ المرصاد نت - متابعات التدني السريع لقيمة العملة التركية تتصدّر التغطية الإعلامية الأميركية في الآونة الأخيرة لكن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحافظ على خطاب ...
- أبرز التطورات الميدانية والعسكرية في المشهد السوري! المرصاد نت - متابعات يستمرّ السباق وراء الكواليس لإعادة صوغ معادلة الشمال والشرق السوري وفق أُسس جديدة. وخلافاً لما توحي به الصورة، ثمة حراك متسارع دارت عجلته...
- انهيار الهدنة الأممية في ليبيا: لا أحد من الأطراف مستعدّ للتنازل! المرصاد نت - متابعات في أول تدخل ناجح لها منذ انطلاق الهجوم على طرابلس في الرابع من نيسان/ أبريل توسّطت البعثة الأممية إلى ليبيا في اتفاق «هدنة إنسانية» يومَي...
- لافروف وكيري يتفقان على زيادة إجراءات منع توريد الأسلحة لداعش والنصرة في سوريا متابعات : شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري في اتصال هاتفي الأحد 10 أبريلعلى ضرورة تفعيل التعاون بين موسكو وواشنطن لتعزيز ا...
- إدلب بين تطبيق الاتفاقيات والمراوغة بورقة الإرهابيين ! المرصاد نت - متابعات بعد تطهير معظم المحافظات السورية من دنس الجماعات الإرهابية بات على الحكومة السورية العمل على بسط سيادتها على كل الارض السورية اي العمل عل...
- جرحى وقتلى في غارة لكيان العدو على غزة شنت الطائرات الحربية والمروحية الإسرائيلية في ساعة متأخرة من ليل الجمعة سلسلة من الغارات على مناطق متفرقة وسط وشمال قط...
- بوتين مغردا : سأقولها من الاخر لن نسمح لكم ان تُزيحوا أسداً لتضعوا مكانه قرداً ! المرصاد نت - موسكو سوريا لن تسقط في يد التكفريين هكذا غرد الرئيس الروسي القيصر بوتين #لم يستطع العرب وهم في قمة الميزانيات الضخمة والفوائض المالية ان يزيحو...
- بالادلة.. السعودية تزود الجماعات الإرهابية بغاز خانق وداعش يلجأ لاستراتيجية سمكة الصحراء ... المرصاد نت - متابعات أكد الأمين العام للمنظمة الأوروبية للأمن والمعلومات السفير هيثم أبوسعيد امتلاك أدلَة دامغة (عينات) وصور وفيديوهات خاصة وسرية تشير إلى ...
- واشنطن "تأمر" بالتهدئة مع قطر .. أحصروا المطالب بمكافحة الإرهاب المرصاد نت - متابعات كشفت مصادر دبلوماسية عربية أنّه منذ اليوم الأول لبدء السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين «حصار» قطر برز تمايز بي...