وزير الخارجية ألماني ماس من طهران: لا يمكن لأوروبا صنع معجزات !

المرصاد نت - متابعات

أنهى وزير الخارجية الألماني هايكو ماس جولته الإقليمية بزيارة لطهران أمس حيث التقى كلاً من الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. وقد بدا التحرّك الألماني نيابة عن Mas Iran2019.6.10الأوروبيين في مهمّة شاقّة جعلت من انتظار نتائج إيجابية على الفور أمراً ضبابياً رغم القدر الكبير من الصراحة التي اتّسمت بها تصريحات الطرفين على هامش اللقاءات. وفيما خرجت تعليقات إيرانية تنظر إلى النشاط الدبلوماسي لبرلين بعين إيجابية أبقت المواقف على الحذر والتصلّب تجاه التعامل الأوروبي في الملف النووي.

لم يُخفِ ماس أنه يحمل في جعبته رسائل لا تقتصر على بحث الملف النووي وآلية التبادل المالي كقضيتي التوتّر الإقليمي والملف الصاروخي لكن طهران لم تتردّد في إقفال الباب على أي نقاش يتعلّق بصواريخها البالستية وهو قرار كان أكّده المرشد علي خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي وترجمه ظريف في تصريحات استبق بها قدوم الضيف الألماني. وكان لافتاً في تصريحات ماس من طهران ربطه كبح جماح التوتّر الإقليمي بمهمّة الحفاظ على الاتفاق النووي في تأكيد لحرص الأوروبيين على إنقاذ الاتفاق، والذي شدّد عليه في أكثر من تصريح.

من هنا يمكن اختصار مبادرة ماس في عملية إنقاذية حاول بموجبها إقناع طهران بالعدول عن تصعيدها المتمثّل في الانسحاب التدريجي من الاتفاق، عبر خطواتها التي بدأتها قبل شهر في ما يتعلّق بزيادة تخصيب اليورانيوم، ومن المحتمل أن تلحقها بخطوات أخرى بعد شهر مع انتهاء مهلة الـ60 يوماً التي منحتها لأطراف الاتفاق. لم يقدّم ماس إجابة صريحة عن إمكانية تحقيق هذا المسعى وبقي حذراً أثناء المؤتمر الصحافي المشترك مع ظريف حين قال: «نريد أن نفي بالتزاماتنا... لا يمكننا صنع معجزات، لكننا سنحاول تجنّب فشل» الاتفاق النووي وهو ما يفهم منه حاجة أوروبية إلى مزيد من الوقت واعتراف ضمني بصعوبة تحقيق مطلب طهران تطبيع العلاقات الاقتصادية بشكل فوري وشامل.

لكنه أوضح أيضاً أن أداة «أنستكس» للتبادل المالي بين أوروبا وإيران هي «أداة جديدة من نوعها، لذا فإن تشغيلها ليس بسيطاً»، مؤكداً أن «كل المتطلبات الرسمية متوافرة الآن، لذا أفترض أننا سنكون مستعدين لاستخدامها في المستقبل القريب». الوزير الألماني الذي أكد «الأهمية القصوى» للاتفاق النووي بالنسبة إلى أوروبا لـ«أسباب أمنية»، كما شدد على ضرورة استمرار الحوار وحماية الاتفاق اعترف بأن «الفوائد الاقتصادية التي كان لدى إيران أمل في الحصول عليها عبر هذا الاتفاق من الصعب تحقيقها في هذا النطاق من دون الأميركيين» واستدرك بالقول: «لكني أعتقد بأن هناك أيضاً مصالح سياسية واستراتيجية للحفاظ على هذا الاتفاق والحوار مع أوروبا وهذا يتعين إدراكه أيضاً في طهران».

قد يحتاج الزائر الألماني إلى تنسيق أكبر مع كل من لندن وباريس لترتيب الخطوات التالية في المفاوضات الإيرانية ــ الأوروبية التي صارت محكومة لضغط جدول زمني وضعته إيران، لذلك سيكون مهماً ما سمعه الرجل في طهران من الإيرانيين لمعرفة التطورات المقبلة على صعيد مصير الاتفاق. في هذا الإطار، لم يكن ظريف متشائماً وهو يؤكد بعد الجلسة المغلقة مع الوفد الألماني أنه أجرى «محادثات صريحة وجادّة مع ماس» مضيفاً «ستتعاون طهران مع الدول الأوروبية الموقّعة على الاتفاق لإنقاذه». لم يوضح الوزير الإيراني كيفية هذا التعاون إلا أنه كان أعلن في تصريحات سابقة المطلوب إيرانياً من الأوروبيين وهو «تطبيع العلاقات الاقتصادية».

وتحقيق ذلك يتطلب وفق الرئيس روحاني شجاعة أوروبية عبر «الصمود في وجه الإرهاب الاقتصادي الأميركي» من خلال تنفيذ تعهّدات الاتفاق النووي كما قال أمس أثناء استقباله ماس. أمّا بشأن الدعوة الألمانية إلى خفض التوتّر الذي حذّر ماس من أن أي تصعيد له «يمكن أن يؤدي إلى تصعيد عسكري» فإن ذلك لن يتحقّق وفق ظريف، سوى «من خلال وقف الحرب الاقتصادية التي تشنّها أميركا... لا يمكن أن يتوقع الذين يشنّون حروباً كهذه أن يبقوا في أمان».

التحرّك الدبلوماسي الألماني المنسّق مع كل من لندن وباريس يأتي في وقت يتصاعد التوتّر بين طهران وواشنطن بعد تشديد الأخيرة ضغوطها على إيران، فيما يردّ الإيرانيون بالتلويح بالخروج من الاتفاق النووي منذ الإعلان عن تخفيف بعض القيود مع مهلة 60 يوماً بدأت قبل شهر.

الخروج من الاتفاق ليس وحده ما يملكه الإيرانيون من أوراق بوجه الأوروبيين الذين يريدون الاتفاق بوصفه ضمانة أمنية، لكنّهم يريدونه، بحسب ما تقول طهران، منحة مجانية بلا تنفيذ الالتزامات العملية الأساسية المقابلة أي مفاعيل الاتفاق الاقتصادية والتجارية، خوفاً من تحدّي الولايات المتحدة. تلوّح طهران بأوراق لا تقلّ خطورة عن تحلّلها من الاتفاق بينها التخلّي عن مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان الذين من المرشّح أن يتّخذوا أوروبا وجهة للجوئهم التالي إضافة إلى التخفيف من إجراءاتها الأمنية المتعلّقة بمنع عمليات تهريب المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا.

الولايات المتحدة، من جهتها تواصل ضغوطها على أوروبا كي لا تتجاوز في تطبيق آلية التبادل المالي إلى الجوانب المشمولة بالحظر وأن تبقى محصورة في تبادل الأدوية والمواد الغذائية. وقد بدت الزيارات الأوروبية الأخيرة لكل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو في سياق هذه المساعي، أملاً في تعزيز الحملة على إيران وتحقيق أعلى مستوى ممكن من الضغوط. إزاء ذلك يعبّر الأوروبيون وخصوصاً دول الترويكا بريطانيا وألمانيا وفرنسا عن تمسّكهم بالاتفاق والسعي للحفاظ عليه بينما يبدو التردّد جلياً عند بحث توسيع العمل بآلية التبادل «إنستكس» في ترجمة للتناقض الذي يعيشه الأوروبيون بين رغبتهم في تطبيق الاتفاق والحرص على عدم إغضاب واشنطن.Iran Army2019.6.10

من المنتظر أن تحمل زيارة ماس نتائج حاسمة على مستوى الملف تتوقّف على طبيعة الرسالة التي يحملها وقدرة طهران على التجاوب معها خصوصاً أن ضغوط طهران وواشنطن بلغت لدى أوروبا العالقة في المنتصف مبلغاً يتطلب حسم المواقف. ورسالة ماس تتضمّن بحسب ما يستشف من التصريحات الأوروبية الأخيرة تأكيداً على التمسك بالاتفاق النووي، ومحاولة لإثارة القضايا الخارجة عنه لغاية التخفيف من الضغوط الأميركية والتي ترفض طهران التفاوض عليها مع الأميركيين: البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي.

وستحمل جعبة ماس أكثر من رسالة خصوصاً أن الزيارة شملت الأردن ثم العراق فالإمارات التي سمع من وزير خارجيتها، عبد الله بن زايد أمس طلباً لافتاً وهو أن «أي اتفاق مستقبلي مع إيران يجب أن يشمل دول المنطقة، بحيث تكون طرفاً فيه». وأعطى جدول الأعمال الموسّع ليشمل دولاً أخرى (ليس من بينها الرياض وهو ما يعود على الأرجح إلى سوء العلاقة مع برلين)، انطباعاً بمسعى للتهدئة في المنطقة، أكّد عليه الوزير الألماني أمس خلال الشقّ الإماراتي من جولته.

من جهته شدّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على ضرورة أن يعمل الأوروبيون على «تطبيع العلاقات الاقتصادية مع إيران، وعليهم أن يردوا على السؤال وهو: أي إجراءات قاموا بها لتطبيع هذه العلاقات؟». ورأى في سؤال حول زيارة ماس بالتزامن مع انتقادات أوروبية لطهران أن الأوروبيين «ليسوا في موقع يؤهّلهم لانتقاد إيران»، مضيفاً: «بعض الدول مثل ألمانيا أوقفت بيع الأسلحة للسعودية والتي تستخدم لقصف شعوب المنطقة، إلا أن بعض الدول الأخرى لم تفعل ذلك، وعلى العموم فإن الغرب سمح للأنظمة الاستبدادية في المنطقة بارتكاب الجرائم ومن الضروري طرح هذه القضايا». واستبعد ظريف أن ينقل الوزير الألماني رسالة خاصة إلى إيران، في إشارة إلى الجانب الأميركي، موضحاً أن «ألمانيا تتابع دور الترويكا الأوروبية».

في غضون ذلك وبالتوازي مع الرسائل الدبلوماسية أزاح الجيش الإيراني أمس النقاب عن منظومة «15 خرداد» للدفاع الجوي. وقال وزير الدفاع العميد أمير حاتمي إن المنظومة يمكنها كشف أهداف كالمقاتلات والطائرات المسيرة على بعد 150 كلم ومتابعتها على بعد 120 كلم ومتابعة أهداف متخفية على بعد 85 كلم والاشتباك معها وتدميرها على بعد 45 كلم. وأفاد بأن «15 خرداد» لديها منصات إطلاق مستقلة تستخدم صواريخ «صياد 3» ومزودة برادار قادر على كشف ومتابعة 6 أهداف في آن والاشتباك مع 5 أهداف أخرى وتستغرق جاهزيتها أقل من 5 دقائق.

 

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية