ليبيا : حفتر يحشد لاحتواء «صدمة» غريان .. رسائل إلى الداعمين الإقليميين!

المرصاد نت - متابعات

بسقوط غريان، جنوب غربي العاصمة طرابلس، بأيدي قوات حكومة الوفاق الأربعاء الماضي تلقت قوات المشير خليفة حفتر ضربة عسكرية ومعنوية مهمة، لما تمثل المدينة الجبلية من موقع Libiaa2019.7.3استراتيجي، ومقر لقيادة العمليات في المنطقة الغربية. لم تُرجع قوات حفتر ما حصل إلى «خيانة» في تشكيلات عسكرية داخل غريان فحسب بل حمّلت المسؤولية أيضاً لتركيا التي وفرت طائرات مسيّرة غطت قوات «الوفاق» جوياً متوعدةً باستهداف مصالح أنقرة في ليبيا.

وفيما يهدف توصيف تحرك «خلايا نائمة» داخل غريان بـ«الخيانة» أساساً إلى تبرير الهزيمة العسكرية، تبدو غاية حفتر من استحضار دور أنقرة بكثافة، استنفار حلفائه الإقليميين ولا سيما الإمارات ومصر، لتقديم مزيد من الدعم العسكري الذي يعيد ميزان القوى إلى سابق عهده في وقت تمهد فيه قواته على الأرض لردٍّ عسكري «في انتظار أوامر القائد العام» للانطلاق في تنفيذها، كما أعلن الناطق باسمها اللواء أحمد المسماري قائلاً إن خطة استعادة غريان جاهزة.

وفي الاتجاه نفسه أعلن رئيس البرلمان المتمركز في مدينة طبرق شرق البلاد عقيلة صالح حالة «النفير العام» مساء الأحد بصفته «القائد الأعلى للقوات المسلحة»، فيما بدأت إذاعات في شرق البلاد بثّ نداءات تدعو المواطنين إلى التطوع في القتال في طرابلس. وأصدرت إحدى القبائل دعوة إلى أبنائها القادرين على حمل السلاح للالتحاق بجبهات القتال في غرب البلاد. وفي اليوم التالي أعلن آمر سلاح الجو في قوات حفتر إطلاق عملية «عاقبة الغدر». وقال في بيان إنهم باشروا «تنفيذ ضربات جوية قوية ومحكمة» في طرابلس وذلك «بعد استنفاد كل الوسائل التقليدية» مبرراً التصعيد بما حصل في غريان، وسط مزاعم عن تصفية قرابة ثلاثين جريحاً من مقاتليهم في مستشفى المدينة. ومن جهتها، أصدرت «المنطقة العسكرية في الجبل الغربي» بياناً دعت فيه قواتها إلى «الالتحاق بعمليات المنطقة خلال 24 ساعة»، محذرةً الممتنعين عن تطبيق الأمر من «المساءلة القانونية».

ما سبق يشي بأن استعادة غريان ضرورة قصوى لقوات حفتر، نظراً لأهميتها الاستراتيجية؛ فهي تقع في قمة جبلية، وتشرف على جنوب طرابلس والطرق الرئيسة المؤدية إلى مناطق سيطرة تلك القوات في غرب البلاد (مدينتا صرمان وصبراتة). لكن الأمر يظهر أشبه بالمستحيل حالياً، فيما تبدو القوات العسكرية المسيطرة عليها موحدة، وتحظى بدعم السكان الذين عانوا طوال الأشهر الثلاثة الأخيرة من نقص في المواد الغذائية والمحروقات نتيجة الحصار الخانق، وبعدما عاد المجلس البلدي المنتخب إلى المدينة.

وتعمل حكومة الوفاق على توفير احتياجات غريان المادية، وتجنب الأعمال الانتقامية، حتى تكون نموذجاً جاذباً لبقية المدن المجاورة التي تسيطر عليها قوات حفتر وخاصة ترهونة (جنوب شرقي طرابلس) التي لها الخصائص الجغرافية نفسها، لكن مكونات الأخيرة لا تزال رافضة لـ«الوفاق» حتى الآن إذ لاقت قوات حكومة طرابلس مقاومة عنيفة كبَّدتها عشرات القتلى في محاولتها التمدد سريعاً بعد سيطرتها على غريان. وكما ترهونة، اتخذت صبراتة موقفاً رافضاً لـ«الوفاق» إذ ردّ المجلس العسكري للمدينة التي تسيطر عليها «كتيبة الوادي» السلفية المدخلية، قبل أيام على دعوات تسليم المدينة سلماً وإجراء مصالحة بالرفض وفرض حظر تجوال ليلي خشية تحرك خلايا نائمة.

ويبدو أن جهود «الوفاق» قد تجاوزت غرب البلاد إذ أُعلن رسمياً تشكيل «الهيئة البرقاوية» أمس وهو جسد يرأسه أحد أهم قادة قبيلة العواقير الشيخ عبد الحميد الكزة الذي يطمح إلى أن يخلق بديلاً ممثلاً لسكان شرق البلاد (إقليم برقة) وقد بدأت مساعي تشكيل هذه «الهيئة» منذ انطلاق الهجوم على طرابلس في الرابع من نيسان/ أبريل لكن لم تظهر حتى الآن علامات على اكتسابها دعم فاعلين مهمين في شرق البلاد بما يخولها أن تكون قوة فعلية في مواجهة حفتر وحلفائه.

تركيا والأزمة الليبية

في الأزمة الليبية الأخيرة والصراع على العاصمة بين قوات الجيش الوطني التابع للمشير خليفة حفتر الذي يحظى بغطاء شرعي من مجلس النواب الليبي وقوات فجر ليبيا التابعة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج التي تحظى بشرعية دولية يبدو أن التطوّر الأخطر هو تهديد المشير حفتر باستهداف السفن التركية في المياه الإقليمية الليبية وكافة "الأهداف الاستراتيجية التركية" على الأراضي الليبية من شركات ومقار ومشروعات.

ففي حال ترجمة تلك التهديدات فعلياً في ليبيا يعني دخول الأزمة على خطوط مواجهة أخرى ليست بين الفرقاء في ليبيا فحسب إنما تتوسّع إلى الحلفاء الدوليين لكافة الأطراف ، بين حلفاء حكومة الوفاق خصوصاً تركيا وقطر من جانب ، وحلفاء الجيش الوطني والمشير حفتر مصر والسعودية والإمارات وربما فرنسا والولايات المتحدة من جانب آخر التي تحدّث رئيسها دونالد ترامب بشكل مباشر مع المشير حفتر.

تهديد المشير حفتر الذي جاء على لسان اللواء أحمد المسماري المُتحدّث باسم قوات حفتر في بيان حمل طابع الشدّة ، إن الأوامر قد صدرت "للقوات الجوية باستهداف السفن والقوارِب داخل المياه الإقليمية وللقوات البرية، باستهداف كافة الأهداف الاستراتيجية التركية" واعتبر الشركات والمقار التركية وكافة المشروعات التي تؤول للدولة التركية أهدافاً مشروعة للقوات المسلحة الليبية ردّاً على ما وصِفَ بالعدوان إلى جانب وقف جميع الرحلات من وإلى تركيا والقبض على أيّ تركي داخل الأراضي الليبية جاء مدفوعاً بضربة موجِعة قد تجعل آمال السيطرة على العاصمة أمراً شبه مستحيل.. بخسارة قوات الجيش الوطني مدينة غريان المعروف أنها بوابة للسيطرة على العاصمة.

بالنسبة للجيش الليبي وحفتر تركيا هي المسؤولة بشكل مباشر عن خسارة مدينة غريان فقد اتّهم المُتحدّث المسماري تركيا بدعم قوات حكومة الوفاق الوطني في استعادة السيطرة على مدينة غريان التي تُعتَبر القاعدة الخلفية الرئيسة للمشير في معاركه جنوب العاصمة وأن قرار استهداف المصالح التركية صدر ردّاً على ما تتعرّض له "الأراضي الليبية منذ ليلة البارحة من غزو تركي غاشم، نتجت منه أعمال تخريبية داخل الأراضي الليبية".

وهو أمر لايحتاج إلى اتهام فتركيا أعلنت بشكلٍ مباشرٍ من خلال الرئيس التركي أردوغان عن دعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس ويشمل ذلك الدعم العسكري وبالفعل حصلت القوات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق على شحناتٍ كبيرةٍ من الأسلحة والذخائر كشفت وسائل إعلام دولية انها وصلت إلى ليبيا عبر تركيا.

لكن السؤال هل سيُقدِم المشير حفتر على استهداف المصالح والمقار وبالطبع السفن التركية التي تحمل الأسلحة والذخائر لحكومة الوفاق الوطني..وهل حصل على دعمٍ من الحلفاء في مصر والسعودية والإمارات ليصبح في مواجهة مباشرة مع تركيا..وهل ستتردَّد تركيا في الردّ بشكلٍ ملائمِ على أيّ استهداف قد يطال مصالحها في ليبيا.

لا أعتقد أن المشير خليفة حفتر قد يُقدِم على مثل تلك التهديدات من دون الرجوع إلى حلفائه في مصر والسعودية والإمارات وهي على خلاف واضح مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، خصوصاً مصر التي يحظلى حفتر بعلاقة طيبة جداً مع الرئيس عبد الفتاح السيسي ، بينما الأخير في تراشق مستمر من طرف واحد يمارسه الرئيس التركي ضد مصر والسيسي شخصياً في كافة المحافل الدولية والفعاليات التي يشارك فيها ، كان آخرها الهجوم الواضح على الرئيس السيسي في قمّة العشرين التي حضرها الرئيس المصري.

بالنسبة لتركيا فالرئيس التركي لم يقدِّم إجابة واضحة عندما سُئِلَ من قِبَل الصحافيين في قمّة العشرين ، فأجاب إن بلاده ستتّخذ التدابير اللازمة حال التأكّد من صدور قرار من قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر باستهداف الطائرات التركية...بينما جاء الردّ الواضح من وزير دفاعه خلوصي آكار إن أنقرة ستنتقم من أيّ هجوم واقع على مصالحها من جانب قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وقال "آكار" لوكالة الأنباء الحكومية التركية "الأناضول": "سيكون هناك ثمن باهظ للغاية للمواقف أو الهجمات العدائية، وسننتقم بأكثر الطُرق فعالية وقوّة".

دخول تركيا على خط مواجهة مباشرة مع حفتر يفتح ساحة الصراع في ليبيا أمام الأطراف الدوليين الآخرين للدخول في الصراع وربما يتحوّل إلى مواجهة مُعلنة بين تركيا من جانب وحفتر ومصر والسعوديه والإمارات من جانب آخر.

أيضاً في حال إقدام تركيا على تلك المواجهة قد تصبح ليبيا مستنقعاً لها وتكراراً لسيناريو التدخّل المصري في اليمن في الستينات.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية