المرصاد نت - نور الدين اسكندر
كان بارزاً في التطورات التي شهدتها الأشهر الأخيرة في منطقة الخليج غياب الدور الروسي الفاعل عن مسرح الأحداث أو على الأقل عن التأثير فيه بصورةٍ واضحة. تفاوض بالضغوط بين الغرب وإيران وصل إلى حدّ الالتحام الميداني في أكثر من مناسبة وإلى حافة المواجهة المباشرة أيضاً. لكن روسيا تدخلت في اليومين الماضيين في توقيتٍ دقيقٍ بإصدارها وثيقةً تطرح من خلالها مفهومها للأمن الخليجي، وفيها إشارات لافتة جداً قد تشكّلُ مدخلاً للحل فيما لو تجاوبت معها الأطراف المعنية لا سيما الغرب وحلفائة المتحمسين لممارسة هوايتهم بانتهاك سيادة الدول.
تُعلي الوثيقة الروسية الجديدة صوت العقل فوق أصوات التوترات العسكرية والسياسية التي تشهدها منطقة الخليج في هذه الأيام من خلال تركيز كافة بنودها على حلولٍ سلمية وجماعية بالدرجة الأولى ومستندة إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بالدرجة التالية.
وهي بذلك تقدم نموذجاً مطلوباً لحل القضايا المرتبطة بأمن الخليج مختلف عن ذلك النموذج القائم على الحماية الأجنبية التي تبتز دولاً في أمنها لتحافظ على وجود أساطيلها العسكرية في المنطقة، وتدفق إمدادات النفط إليها وإمكانية مضايقة ومنع دول أخرى من الحفاظ على مصالحها وحماية أمنها الخاص.
يقوم النموذج الروسي الذي تتحدث عنه الوثيقة على مبادىء أساسية لتحقيق هدفٍ محدد بعيد المدى وهو إنشاء منظمة للأمن والتعاون في الخليج، تشارك فيها كل دول الخليج بالإضافة إلى كلٍ من روسيا والصين والهند والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بصفة مراقبين أو أعضاء منتسبين. وذلك لمعالجة قضايا المنطقة من خلال التعاون بدلاً من الصراع ولتثبيت الاستقرار السياسي والأمني في كل دول المنطقة ولوضع أسس لسياسات جماعية تقضي على الإرهاب في المنطقة وما يخرج منها ليهدد مناطق أخرى حول العالم.
هذه النقطة الأخيرة تشكل أحد أهم المبادىء التي تضمنتها الوثيقة. فالانطلاق من ضرورة اتحاد جهود دول الخليج كافة لمكافحة الإرهاب تشكّل لمحة عقلانية أكيدة ومطلوبة وأساساً منطقياً للعمل المشترك بين دول المنطقة فيما لو أبعدت عنهم الأيدي الخارجية.
وتضع روسيا هذا الطرح تحت مظلة ورعاية الأمم المتحدة، مقدمةً نموذج مبادرتها لمعالجة أزمة الأسلحة الكيميائية السورية في السنوات السابقة مثالاً يقاس عليه لإقناع الآخرين بفكرتها الجديدة هذه.
ويلاحظ من الخطوة الروسية هذه شمولها كل أزمات المنطقة حيث تتحدث عن قابلية هذه المنظمة لحل قضايا اليمن والعراق وسوريا والأهم من هذا كله إدراج الأزمة مع إيران تحت صيغة "تنفيذ جميع الاتفاقات بشأن البرنامج النووي الإيراني"، الأمر الذي يشير إلى توازنٍ في النظرة إلى المسألة الإيرانية، وهو توازن غائب عن الموقف الغربي برمته بعد تلكؤ الأوروبيين في تنفيذ التزاماتهم تجاه إيران في الاتفاق الذي وقعوا عليه معها.
وتزداد أهمية هذا الطرح من خلال تأكيد الخارجية الروسية أن أحد أهم المبادىء التي يقوم عليها هو مبدأ احترام سيادة الدول وسلامتها الإقليمية ورفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية. ثم من خلال تركيزه على إمكانية انطلاق الآلية التنفيذية لهذه المبادرة عن طريق مشاورات ثنائية أو متعددة الأطراف، وإطلاق عمل فريق مبادرة للتحضير لمؤتمر دولي بشأن الأمن في الخليج وتحديد الإطار الجغرافي له والآليات التنظيمية واللوجستية لإعطاء الدفع لانطلاقته. وتركز روسيا من خلاله على رفض الكيل بمكيالين في التعامل مع الدول ومع المسائل التي تطال الأمن الإقليمي والدولي، والاستعاضة عن ذلك بنظام أمن عالمي وشامل يتضمن جوانب إعلامية لتعبئة الشعوب في البلدان الإسلامية وغيرها ضد الإرهاب وجوانب أخرى إنسانية من خلال تقديم مساعدات إنسانية للشعوب والدول المتضررة من الصراعات، كجزء من عملية حل هذه الصراعات.
بذلك تصيب روسيا مجموعة أهدافٍ دفعة واحدة. فهي من جهة تعيد التوازن للمواقف الدولية من الأزمة بين ايران والدول الغربية، حيث لم تسمع أصوات قوية في العالم تعيد الاعتبار للقانون الدولي، ولحقيقة أن من يتحمل مسؤولية التوتر هي الدولة التي خرجت من الاتفاق النووي بالدرجة الأولى وبالدرجة الثانية الدول التي وقعت على الاتفاق ولم تلتزم بتنفيذ تعهداتها بشراء النفط الإيراني وتطبيق الآلية المالية وغيرها من النقاط. وهذا ما قد يساعد في حماية سيادة دولة حليفة وهي إيران ويعطي نموذجاً لدول أخرى تشهد علاقاتها بالغرب توترات مثل تركيا.
ومن جهةٍ أخرى فإن روسيا تضع من خلال هذا الطرح قدماً لها في منطقة تقع بمعظمها تحت سطوة النفوذ الأميركي باستثناء إيران ومحور المقاومة.ومن جانب آخر أيضاً تراكم روسيا موقفاً جديداً على طريق العالم المتعدد الأقطاب وهذا ما تشير إليه فكرة إشراك قوى جديدة في منظمة الأمن الخليجي المقترحة كالصين والهند والاتحاد الأوروبي لتحفزهم على الانخراط بمهام سياسية وانسانية في منطقة حيوية للعالم كله ما قد يصعّب على الأميركيين التفرد مستقبلاً بالخليج وثرواته من خلال اللعب بأمنه.
لافروف: الوضع في الخليج محفوف بمواجهة عسكرية
وفي سياق متصل أكد وزير الخارجية الروسيّ سيرغي لافروف أن كسر أميركا للاتفاق النوويّ الإيرانيّ سيكون ضربةً خطيرةً لنظام منع الانتشار النووي. وحذّر من أن الوضع في الخليج محفوف بمواجهة عسكرية واسعة النطاق بسبب الخطوات المعادية لإيران لافتاً إلى أنّ هذا أمر لا يمكن السماح به..
إلى ذلك ذكر متحدّث باسم رئاسة الوزراء في بريطانيا أنّ رئيس الوزراء بوريس جونسون والرئيس الأميركيّ دونالد ترامب بحثا هاتفياً التوتّر الأخير مع إيران وحاجة البلدين إلى العمل معاً في القضية. وأضاف المتحدّث أن ترامب وجونسون سيلتقيان في قمّة مجموعة الدول السبع في فرنسا في شهر آب/ أغسطس المقبل. الى ذلك قال ترامب إنّ جونسون سيكون "ممتازاً" في منصبه، وإنه بدأ محادثات تجاريةً مع المملكة المتحدة.
بدوره أعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أنّ بلاده لن تشارك في استراتيجية "أقصى الضغوط" الأميركية ضد إيران. ماس أوضح أن برلين ستتخذ قراراً بشأن مشاركتها في مهمّة بحرية بقيادة أوروبية لتأمين مضيق هرمز فور حصولها على مزيد من الإيضاح حول طبيعة هذه المهمّة، كما شدّد على أن أي تحرك بشأن مضيق هرمز يجب أن يكون له طابع أوروبي.
وأمس الجمعة أعلن القائد العام لحرس الثورة الإسلامية اللواء حسين سلامي أن القوة البحرية للحرس الثوري سحبت ناقلة النفط البريطانية "ستينا ايمبرو" من بين 4 بوارج أميركية ومدمرة بريطانية الى السواحل الايرانية.
وأعلن حرس الثورة الإسلامية في إيران في 18 تموز/ يوليو الجاري توقيف الناقلة البريطانية stena impero في مضيق هرمز ونقلها إلى السواحل الإيرانية، موضحاً أنها أوقفت لعدم مراعاتها القوانين الدولية للملاحة.
وأمرت الحكومة البريطانية برئاسة بوريس جونسون، البحرية الملكية بمواكبة السفن التي ترفع العلم البريطاني في مضيق هِرمز.
المزيد في هذا القسم:
- أربعة اسباب ترجح احتمالات انهيار اتفاق الهدنة في سوريا المرصاد نت - رآي اليوم الخلافات المتفاقمة بين الجانبين الامیركي والروسي حول نصوص اتفاق الهدنة في سوريا الذي بدأ العمل به مساء الاثنين الماضي قد تؤدي الى انهيا...
- كاتب سعودي يستنكر تصدير الإمارات منتجات غير صالحة لبلاده المرصاد-متابعات أثار الكاتب السعودي “سعود الفوزان” ضجة واسعة حول ما رآها مفارقة بتصدير الإمارات منتجات غير صالحة للاستخدام إلى السعودية، تزامنا مع إطلا...
- الرئيس الأسد يستقبل المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرصاد نت - متابعات استقبل الرئيس بشار الأسد ألكسندر لافرنتييف المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوفد المرافق له. وفي مستهل اللقاء نقل لافرنت...
- أكبر عملية إجلاء تشهدها أستراليا بسبب "ديبي" المرصاد نت - متابعات ضربت رياح شديدة وخطرة مع أمطار غزيرة في المناطق الساحلية في شمال شرق أستراليا الأمس. مما هاجم إعصار قوي منتجعات على جزر بمحاذاة الحيد ...
- حرب الإبادة على غزة المرصاد-متابعات تقرير أممي صادم تم إعداده بشكل مشترك من 5 منظمات دولية وازنه منظمات ( حكومية دولية) بالتعاون مع 3 منظمات (إسرائيلية) غير حكومية التقرير يواجه ض...
- مظاهرات تعمّ أربعين مدينة مغربية احتجاجا على طحن مواطن يبيع أسماك المرصاد نت - متابعات يعيش المغرب منذ يوم الجمعة الماضي على إيقاع مقتل بائع سمك في منطقة الحسيمة شمال المغرب لطحنه في شاحنة زبالة أثناء احتجاجه على مصادرة تجار...
- تصاعد حدّة التوتر بين مصر والسودان وتنافس تركي - سعودي المرصاد - متابعات تصاعدت حدّة التوتر بين مصر والسودان في الآونة الأخيرة ووصل الأمر إلى أن الخرطوم قامت باستدعاء سفيرها في القاهرة "عبد المحمود عبدالحلیم...
- نبذه مختصره عن مرشحي الانتخابات الرئاسية بسورية اعلنت المحكمة الدستورية في دمشق طلبات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية السورية من ماهر الحجار و حسان النوري و بشار الأسد ، وفيما يلي نبذة بسيطة عن المرشحين. ...
- قوات الاحتلال تواصل سياسة هدم المنازل في وادي عارة! المرصاد نت - متابعات تواصل قوات الاحتلال سياسة هدم المنازل الفلسطينية في فلسطين المحتلة وجديدها تدمير أحد المنازل في قرية عرعرة في منطقة وادي عارة التي تربط ب...
- طائرات أميركية تهبط في مناطق سيطرة 'داعش' بالعراق المرصاد نت - متابعات وثقت جهات عراقية هبوط مروحيات أميركية في مناطق تواجد عناصر 'داعش' في قرية المسحك خلف سلسلة جبال مكحول. وتظهر الصور التي عرضتها قناة 'ا...