المرصاد نت - متابعات
خمسةُ أيام تفصل «بلاد الرافدين» عن «التظاهرة المليونية» المندّدة بانتشار الاحتلال الأميركي على طول الخريطة الجغرافية للبلاد. «المليونية» التي دعا إليها زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر وقادة فصائل المقاومة العراقية، تمثّل تحدّياً حقيقياً للإدارة الأميركية المتمسّكة بخيار «البقاء» ورفض أي قرارٍ حكومي/ برلمانيّ يفرض عليها سحب قواتها التي يربو عديدها على 20 ألف جنديٍّ ومتعاقد.
فموقف الأحزاب والقوى الذي تُرجم في البرلمان «قراراً» يدعو الولايات المتحدة إلى الانسحاب وأُعقبَ بتمسّك رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي وحكومته بتنفيذه يحظى اليوم بغطاءٍ شعبيٍّ كبير رغم تصوير البعض (داخل العراق وخارجه) أنّ ما يجري هو انعكاس لخلافٍ إيراني ــ أميركي تارةً، و«شيعي» ــ أميركي تارةً أخرى في محاولةٍ واضحة للحدّ من تبعات «المليونية»، التي ستمثّل منعطفاً وتحوّلاً في مقاربة مسألة الوجود العسكري الأجنبي لتصبح بذلك شأناً «عامّاً». فقد حرص معظم أركان الطبقة السياسية ــ طوال الأعوام الماضية منذ عام 2014 ــ على جعلها مسألةً «محدودة التداول» ومحصورة بيد القائد العام للقوات المسلحة أي رئيس الوزراء وتحديداً رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وفريقه الذي يجهد ــ حتى الآن ــ في إيجاد «التبريرات» اللازمة لوجود تلك القوات، ويرفض أي اتهامٍ يوجّه إليه بتسهيل «عودة الاحتلال» بحجّة «التحالف الدولي لمكافحة داعش»، بُعيد سقوط مدينة الموصل بيد ذلك التنظيم في حزيران/ يونيو من ذلك العام.
هذا التحوّل «التدريجي» في الوعي الجمعي، مردّه إلى الاستباحة الأميركية المتكرّرة للسيادة العراقية بين عامي 2014 ــ 2019. أواخر العام الماضي شنّت واشنطن غاراتٍ جوية على مقار لـ«الحشد الشعبي» في المنطقة الحدودية مع سوريا، أسفرت عن سقوط أكثر من 25 شهيداً. بعد أيام اغتالت واشنطن نائب رئيس «هيئة الحشد» أبو مهدي المهندس وقائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني الفريق قاسم سليماني، وآخرين. أحدثت المجزرتان «صدمةً» لشريحة واسعة كان جُلّ همّها تحقيق مطالبها المعيشية، في ظل حراكٍ مقسومٍ على نفسه، بين سلمي ومخرّب، وبين وطني ومرتبطٍ بأجندات أميركية وخليجية. أعيد ترتيب صفوف هذه الشريحة، بعد سلسلة لقاءاتٍ في العراق وخارجه، أكّدت ضرورة «طرد الاحتلال» بالدرجة الأولى، لاستعادة «هيبة دولةٍ مفقودة» أوّلاً، ووفاءً لجهود سليماني (والمهندس) الجبّارة ثانياً، على الصعيدين الميداني والسياسي.
أولويات قوى «البيت الشيعي» رُتّبت شعبياً وميدانياً وسياسياً؛ فالمواجهة تفرض حضوراً شعبياً واسعاً وجاهزيةً ميدانيةً عاليةً قبل «ساعة المبارزة»، وتوحيد الرؤى في مقاربة الأزمات، من اختيار بديلٍ لعبد المهدي وإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، إلى المضيّ قُدماً في «انتزاع» القرار العراقي الرسمي ورفض أي تدخّلٍ أميركي ــ خليجي، تحديداً، في الشقّ المتعلّق بالخيارات الاستراتيجية، كانسحاب القوات الأجنبية وإحالة التفاهمات الموقّعة مع الصين إلى سكّة التنفيذ.
هذا المشهد كان مستفزّاً جدّاً للإدارة الأميركية وسفارتها وأدواتها. ثمة من يقول إن محاولات واشنطن «تقليم الأظافر» الإيرانية في العراق، منذ ربيع 2019، باءت بالفشل. ثمة من يقول أيضاً إنّ اغتيال المهندس وسليماني مثّل تهديداً لنفوذ الولايات المتحدة، التي حسبت أن إقدامها على ذلك سيمثّل تهديداً وإضعافاً لنفوذ إيران. وثمة من يقول أيضاً وأيضاً ــ بناءً على ما تقدّم ــ إنّها عودةٌ إلى «اللحظة» التي سبقت 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، يوم انطلاق الحراك الشعبي والذي «سَكَنَت» مفاعيله منذ شهر كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي، وعادت و«حُرّكت» يوم أمس عن طريق المخرّبين، للرد على دعوات «المليونية» في محاولة استباقية لإفسادها ودفع الدُعاة إليها للتراجع عنها. وفي هذا الإطار تؤكّد مصادر أمنية أن أدوات السفارة الأميركية أرادت من أعمال الشغب سقوط عددٍ من الضحايا واستفزاز عناصر الفصائل إلى مواجهةٍ ما للطعن في «المليونية» بالتوازي مع غطاءٍ إعلامي ــ يقوده بعض الفضائيات والجيوش الإلكترونية المدعومة أميركياً وخليجياً ــ يبرّر «غضب» الشارع بعد عجز الأحزاب والقوى عن تحقيق مطالبه.
لكن ثمة سؤال يُطرح إزاء «التبريرات» المقدّمة: لماذا عمد المخرّبون إلى إحراق مقار «الحشد» وتمزيق صور المهندس، بالتزامن مع إغلاق طرقٍ رئيسية في العاصمة والمحافظات الجنوبية، ودعواتٍ مكثّفة إلى إطلاق «عصيانٍ مدني» بدءاً من اليوم. الإجابة هنا، وفق المصادر إنذارٌ بإطلاق تصعيدٍ أكبر وأعنف ــ قد يستمر خلال الساعات المقبلة حتى يوم الجمعة المقبل ــ لجرّ الفصائل إلى مواجهةٍ ما أوّلاً وإفشال «المليونية» ثانياً وتأليب الرأي العام ثالثاً وحرف وجهته عن الاحتلال ناحية «السلاح غير الشرعي».
في المقابل كان لافتاً جدّاً ــ وفق المعلومات ــ انسحاب «التيار الصدري» من «ساحة التحرير» وسط العاصمة في خطوةٍ تعكس رفضه لأي مسارٍ تخريبي وهذا ما عبّر عنه الصدر في تغريدته، خصوصاً أن «تموضعه» الحالي وتصدّره مشهد المقاومة للاحتلال، يفرض عليه إزاحة «التيار» عن أي «ساحةٍ» يتّخذها المخرّبون (أدوات السفارة) منطَلقاً لأعمالهم. لكن اللافت أكثر ــ حتى الآن ــ ضعف الإجراءات الأمنية في استعادة فرض القانون ولا سيما أن القوات المكلّفة بذلك تحظى بدعم «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) في التصدّي للمخرّبين إضافةً إلى الصدر بُعيد محاولتهم «الاحتماء» بعباءته طوال المرحلة الماضية. كذلك، فإن الممارسات التي شهدتها المحافظات الجنوبية من قطع الطرقات وإغلاق المدارس والتعدّي على الممتلكات العامّة والخاصّة باتت منبوذة اجتماعياً، وتفرض تحرّكاً رسمياً لضبط أي محاولةٍ قد تجرّ البلاد إلى مواجهة لا تُحدّ فقط بين المخرّبين والفصائل بل حتى بين المخرّبين وعامّة الشعب.
المزيد في هذا القسم:
- أميركا المتهاوية في مشروع طريق الحرير الجديد المرصاد نت - متابعات الأهمية الاستراتيجية لطريق الحرير في موازين القوى الدولية، يدلّ عليها ما خسره الغرب من المواقع التي أنشأها في أعقاب الحرب العالمية الثاني...
- الجزائر : بوتفليقة يعلن الاستقالة... نحو مرحلة انتقالية صعبة! المرصاد نت - متابعات دخلت الأزمة الجزائرية مرحلة أكثر وضوحاً بإعلان الرئيس نيته الاستقالة قبل انتهاء ولايته أواخر الشهر الحالي ليفتح بذلك الباب أمام مرحلة انت...
- المقاومة في حالة التأهّب والكيان الإسرائيلي لا يستبعد الحرب! المرصاد نت - متابعات على رغم حالة الهدوء التي يشهدها قطاع غزة منذ مطلع الشهر الجاري عادت التهديدات الإسرائيلية مجدداً دافعةً المقاومة إلى رفع حالة التأهّب خشي...
- 4 مليون كوري شمالي يلتحق بالخدمة العسكرية لمواجهة أميركا المرصاد نت - متابعات أعلنت كوريا الشمالية اليوم الخميس تطوع 4 ملايين و700 ألف شخص للانضمام إلى صفوف الجيش وذلك منذ تعهد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الأ...
- طائرات أميركية تهبط في مناطق سيطرة 'داعش' بالعراق المرصاد نت - متابعات وثقت جهات عراقية هبوط مروحيات أميركية في مناطق تواجد عناصر 'داعش' في قرية المسحك خلف سلسلة جبال مكحول. وتظهر الصور التي عرضتها قناة 'ا...
- العوامية ... سجن شيعة السعودية الأسود المرصاد نت - متابعات في السنوات الأخيرة الماضية تعرّضت بلدة العوامية إحدى بلدات مدينة القطيف لجنايات وجرائم ارتكبتها الحكومة السعودية وقد أخذت موجة الجرائم هذ...
- التهديد الأميركي لإيران انتقام من انتصار محور المقاومة المرصاد نت - متابعات إثنا عشر عاماً مضت منذ انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على العدوان الصهيوني الأميركي الذي امتد 33 يوماً (12 تموز/ يوليو عام – 14...
- انهيار الاستراتيجية الأميركية: الشمال السوري مسرحاً للأتراك! المرصاد نت - متابعات فتح انسحاب القوات الأميركية من جزء واسع من المنطقة الحدودية في شمال شرق سوريا نقاشاً ذا اتجاهين في عواصم المنطقة بحسب مجلة «فورين بوليسي»...
- الجيش اللبناني يتصدى لمسيّرات إسرائيلية اخترقت الأجواء اللبنانية ! المرصاد نت - متابعات تصدى الجيش اللبناني مساء أمس الأربعاء لثلاث طائرات إسرائيلية مسيّرة صغيرة اخترقن الأجواء اللبنانية. وأعلن الجيش اللبناني أنه أطلق النار ...
- السودان : جدلٌ حول ترشيحات الحرية والتغيير والحكومة تبصر النور اليوم! المرصاد نت - مي علي أمضى السودان الرسمي الأيام الماضية، منذ قسم «مجلس السيادة» يمينه الدستورية، في حالة اجتماعات ماراثونية، كان آخرها اجتماع تواصل لثلاثة أيام...