المرصاد نت - متابعات
بالنار قبل التفاهمات ثبّت الجيش العربي السوري وحلفاؤه سيطرتهم على طول الطريق الدولي حلب - دمشق وأمّنوه شرقاً وغرباً. كما تمكّنوا من إبعاد خطر المسلحين عن مدينة حلب بالكامل ولاحقوهم إلى أقصى ريفها. أما التفاهم فيُنتظر أن يتمّ بموجبه فتح الطريق الدولي حلب - اللاذقية أمام المدنيين بعد أسبوع. وعلى رغم بدء سريان وقف إطلاق النار، إلا أن المنطقة تبقى مرشّحة لجولة جديدة من الاشتباكات، حيث لا اتفاقات نهائية، ولا حلول جذرية، في حين يبقى ثابتاً عدم انسحاب الجيش من أيّ نقطة وصلها، على عكس ما كانت تطالب به تركيا.
على رغم انعقاد قمة موسكو التي جمعت الرئيسين الروسي والتركي أمس إلا أن العمليات العسكرية لم تتوقف في منطقة إدلب خصوصاً من جهة المجموعات المسلحة والقوات التركية. وفي حين كان يتشاور الرئيسان حول مصير المنطقة التي تزايد فيها التصعيد العسكري في الأشهر الأخيرة إلى مستويات قياسية هاجمت الفصائل المسلحة مدعومة بغطاء ناري تركي كثيف محيط مدينة سراقب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي من دون أن تتمكّن من تحقيق أيّ نتائج.
إذ استطاع الجيش العربي السوري صدّ الهجمات كما قصف مرابض المدفعية التركية ما أدى إلى مقتل جنديين تركيين وإصابة 3 آخرين. كذلك شنّ هجمات مدفعية وصاروخية وجوية ضدّ العديد من أهداف المسلحين في ريف إدلب الجنوبي. ونشرت وكالة «سانا» الرسمية مشاهد جوية تظهر قيام الجيش باستهداف دقيق لمواقع المسلحين في إدلب في وقت بدا فيه لافتاً انخفاض وتيرة التحركات التركية العسكرية جواً وبرّاً باستثناء الدعم المدفعي والصاروخي للمسلحين.
وعلى رغم محاولات المسلحين العديدة تحقيق مكاسب ميدانية في الوقت الضائع قبيل بدء سريان وقف إطلاق النار منتصف ليل الخميس - الجمعة، إلا أن الخريطة الميدانية بقيت على حالها، وعلى أساسها ثُبّت وقف إطلاق النار وما حوله من تفاهمات بين موسكو وأنقرة. وكما كان متوقعاً توصّل الطرفان إلى قرار بالتهدئة الميدانية وتفاهم يخصّ فتح الطريق الدولي حلب - اللاذقية (M4) (راجع الأخبار في 2 آذار 2020).
وتبنّى الرئيسان الروسي والتركي وثيقة مشتركة تشمل عدة نقاط أُطلقت عليها تسمية «البرتوكول الإضافي للمذكرة حول إرساء الاستقرار في منطقة إدلب لخفض التصعيد والمؤرخة بيوم 17 أيلول 2018». وجاء فيها أن «لا حلّ عسكرياً للنزاع السوري الذي يمكن تسويته فقط نتيجة لعملية سياسية يقودها وينفذها السوريون بأنفسهم بدعم الأمم المتحدة وفق القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي».
ولعلّ أهمّ نقاط الوثيقة التي ستُترجم مباشرة هي وقف إطلاق النار على طول خطوط التماس القائمة اليوم بالإضافة إلى «إنشاء ممرّ آمن عرضه 6 كيلومترات شمالاً، و6 كيلومترات جنوباً من الطريق (M4)»على أن «يتمّ تنسيق المعايير الدقيقة لعمل الممرّ الآمن عبر قنوات الاتصال بين وزارتًي الدفاع للاتحاد الروسي والجمهورية التركية في غضون 7 أيام» علماً أن فتح «حلب - اللاذقية» كان مطلباً اساسياً لدمشق وموسكو وطهران وهو مكرّس في «اتفاقات سوتشي» التي كانت تتهرّب أنقرة من تنفيذها. كما اتّفق الطرفان على تسيير دوريات مشتركة بدءاً من 15 آذار/ مارس الجاري على الطريق نفسه، على الجزء الممتدّ بين ترنبة (غربي سراقب) وعين الحور (شمال شرقي اللاذقية)، بمسافة تصل إلى 70 كم. والأهمّ من ذلك هو تثبيت خطوط التماس الحالية، مع ما يعنيه الأمر من فتح الطريق الدولي حلب - دمشق (M5) كاملاً وإبقائه تحت سيطرة الجيش السوري.
لكن في المقابل ثَبّت التفاهم الجديد وجود القوات التركية على طول خطوط التماس جنباً إلى جنب مع مسلّحي الفصائل ابتداءً من دارة عزة شمالاً وصولاً إلى تقتناز ومحيطها جنوباً شرقيّ مدينة إدلب. وهذا ما قد يفتح مجالاً لجولات جديدة من الاشتباك بين الجيشين السوري والتركي في المنطقة على غرار ما حصل في الأيام الماضية. إذ تؤكد مصادر عدة متابعة أن «هذا التفاهم مرحلي، وليس اتفاقاً نهائياً وبالتالي فإن عودة العمليات العسكرية محتومة مستقبلاً ما يعني مواجهة جديدة مع الجيش التركي».
وبانتهاء هذه المرحلة من العمليات العسكرية عبر بدء سريان وقف إطلاق النار يكون الجيش العربي السوري وحلفاؤه قد سيطروا منذ بداية عملياتهم في أرياف حلب (الجنوبي - الجنوبي الغربي - الشمالي الغربي) وريفَي إدلب (الشرقي - الجنوبي) في أوائل العام الحالي على ما يقارب 215 قرية وبلدة وناحية. كما يكونون قد تمكّنوا من تأمين طريق دمشق - حلب الدولي بعد أن حرّروا مسافة ما يقارب 100 كم من هذا الطريق. ووفق خريطة السيطرة هذه باتت المساحة التي استعادها الجيش العربي السوري تُقدّر بحوالي 1900 كم مربّع.
اتّفاق موسكو: استراحة محاربين
خرجت قمّة موسكو بين الرئيس التركي ونظيره الروسي بنتائج أقلّ بكثير مما كان يُتوقّع منها ولربما جاز وصفها بأنها «مخيّبة للآمال»؛ كونها فشلت في مقاربة عدد كبير من النقاط الحسّاسة التي غابت عن متن البيان الختامي. القمّة التي استمرّت ساعتين قبل أن ينضمّ الرئيسان إلى وفدَي الطرفين لمدة أربع ساعات خرجت ببيان من ثلاث نقاط:
1- وقف النشاطات العسكرية في إدلب بدءاً من منتصف ليلة الخميس ــــ الجمعة.
2- إقامة «منطقة آمنة» على امتداد طريق «M4»، بعرض 6 كلم شمالاً و6 كلم جنوباً، على أن تقرّر القيادتان العسكريتان للبلدين التفاصيل التقنية خلال أسبوع ينتهي في 15 آذار.
3- تسيير دوريات مشتركة تركية ــــ روسية على امتداد طريق «M4» من منطقة ترنبة غربي سراقب إلى منطقة عين الحور غرباً.
ويلاحظ في الاتفاق:
1- غياب أيّ إشارة إلى «المنطقة الآمنة» التي كانت تركيا تطالب بها على امتداد حدود الإسكندرون مع إدلب لجمع اللاجئين فيها.
2- غياب الإشارة إلى نقاط المراقبة التركية المحاصرة وماذا سيحلّ بها.
3- غياب الإشارة إلى التنظيمات المسلحة المصنفة إرهابية وتطهير المنطقة منها.
4- غياب الإشارة إلى آليات وقف النار ومن سيراقبه ويضبطه.
5- غياب أيّ إشارة حتى في تصريحات بوتين وإردوغان إلى «اتفاق أضنة».
6- عدم تحديد وظيفة «المنطقة الآمنة» شمال طريق «M4» وجنوبه.
في المقابل:
1- يثبّت الاتفاق الخطوط الجديدة التي وصل إليها الجيش العربي السوري ولا يشير إلى انسحابه إلى خطوط ما قبل المعارك مثلما كان يطالب به إردوغان.
2- يثبّت من خلال عدم الإشارة وجود القوات التركية في عمق إدلب وعلى خطوط النار المواجِهة للجيش العربي السوري.
3- يوسّع تمدّد الوجود العسكري التركي جنوباً إلى خط «M4» الذي هو تحت سيطرة المسلحين ويعطي الوجود العسكري التركي بالدوريات المشتركة مع روسيا، مشروعية ما فيما يحرم الجيش السوري من إمكان مواصلة استعادة المناطق المحيطة بالطريق.
من الواضح أن اتفاق موسكو حاول أن يوازن بين مكاسب ميدانية تركية وسورية. لكنه لم يعالج أيّ مشكلة جذرية كانت سبباً للتصعيد العسكري الخطير في الآونة الأخيرة ما يجعله مجرّد هدنة أو «استراحة محارب» في انتظار جولات عسكرية أخرى قادمة. وعلى ما يبدو، فإن الطرفين التركي والروسي اختارا لتجاوز الكمّ الكبير من الخلافات بينهما حول المواضيع الأساسية التوصل إلى اتفاق خجول يتجاهل النقاط الحساسة التي كانت سبباً للتوترات الأخيرة. وهو ما يعكس إلى حدّ كبير استراتيجية روسيا التي لا تتخلى عن حليفتها سوريا لكنها تراعي في الوقت نفسه وفي كلّ مرّة تطلعات تركيا (المنطقة الآمنة والدوريات المشتركة) حتى لا تخسرها وتدفعها من جديد وبشكل كامل إلى الحاضنة الغربية.
كان إردوغان قد ذهب للقاء نظيره الروسي في ظلّ ثلاثة متغيرات ميدانية، وعاملين: داخلي وخارجي:
1- تقدّم الجيش العربي السوري وحلفائه من روس وإيرانيين ومقاومة في الأسابيع الأخيرة على جبهات إدلب وتحرير كامل المنطقة المحيطة بطريق «M5» وصولاً إلى جبل الزاوية في الطريق إلى السيطرة على طريق «M4» وهي مناطق كانت مشمولة باتفاق سوتشي.
2- دخول الجيش التركي للمرّة الأولى بعناصره وعتاده إلى عمق إدلب وصولاً إلى تشكيل «خطّ نار» على جبهة مقابلة لوجود الجيش العربي السوري. وقد بلغ عدد الجنود والضباط ما لا يقلّ عن 8 آلاف عنصر فضلاً عن أكثر من 3 آلاف آلية من دبابات وراجمات وصواريخ ومدافع وطائرات مسيّرة مسلّحة وغيرها.
3- دخول الجيش التركي ومعه التنظيمات المسلّحة للمرّة الأولى في مواجهة عسكرية مباشرة جوية وبرّية مع قوات الجيش العربي السوري وحلفائه وسقوط خسائر كبيرة من الطرفين في ما يشبه حرباً إقليمية مصغرة. وهو ما يؤسّس لمرحلة جديدة من العلاقات الميدانية بين الطرفين لم يعد ممكناً في المستقبل استبعاد تكرارها على شكل حرب أوسع وغير محدودة.
ــــ أما العامل الداخلي فهو الصدمة التي أثارها مقتل أكثر من 36 جندياً تركياً في ضربة جوية سورية ــــ روسية في 27 شباط الماضي واستدعت استنفاراً داخلياً للالتفاف حول الجيش التركي، لكن مع عدم قدرة إردوغان على تجيير سقوط هؤلاء لمصلحة مخططاته في سوريا وإدلب في ظلّ انقسام داخلي كبير وتحميل إردوغان مسؤولية رمي الجنود الأتراك إلى مهلكة غير وطنية، ووسط العودة الممجوجة إلى نغمة الدفاع عن حدود «الميثاق الملّي» وتخويف الرأي العام التركي.
إذ اعتبر شريك إردوغان زعيم «الحركة القومية» دولت باهتشلي أن الانسحاب من إدلب يعني الانسحاب لاحقاً من الإسكندرون وكذلك في ظلّ استحكام «عقدة الأسد» بالمسؤولين الأتراك حيث قال وزير الدفاع التركي، خلوصي آقار، خلال تعزية لعائلة أحد الجنود القتلى التي سألته: «متى سينتهي يا باشا هذا الأمر؟ إن «القوات التركية ستبقى في سوريا تحارب إلى أن يسقط النظام» في حين قال باهتشلي نفسه إنه يجب التقدّم وصولاً إلى دمشق وفصل رأس الأسد ووضعه في كيس.
في المقابل سدّد الرئيس بشار الأسد سهماً حادّاً للطروحات التركية عندما سأل الأتراك: «متى اعتدت سوريا على تركيا؟» مؤكداً أن العلاقات بين البلدين محكومة بأن تكون طبيعية بخلاف الخطاب المتطرّف لإردوغان وشركائه في السلطة.
ــــ أما العامل الخارجي فيتمثّل في فشل إردوغان في حشد الدعم الخارجي له. فلا حلف «شمالي الأطلسي» وقف بقوة إلى جانبه ولا الولايات المتحدة وافقت على طلبه إرسال صواريخ «باتريوت» ولا الاتحاد الأوروبي كان متحمّساً لمغامرته في إدلب، بل استاء من محاولة ابتزاز إردوغان للأوروبيين في ملف اللاجئين والتي تعكس ضعفاً وليس قوة.
محروماً من أوراق القوة لم يكن أمام إردوغان من ممرّ للخروج من مأزقه سوى ذلك المؤدي إلى موسكو مع محاولة تحصيل ما أمكن من مكاسب عبر وضع ثقله العسكري في الميدان عشية لقائه مع بوتين. مع «اتفاق موسكو» تدخل العلاقات التركية مع روسيا وسوريا وإيران مرحلة جديدة من التعقيدات غير الواضحة والمراوحة، في انتظار أوّل تعثر يعيد الكلمة الأخيرة إلى الميدان.
المزيد في هذا القسم:
- «فوربس»: أمير قطر يقايض جثة إسرائيلي بالتقرّب من يهود أميركا المرصاد نت - متابعات كشفت مجلة «فوربس» الأميركية عن اتصالات تجريها قطر مع قيادات دينية يهودية في الولايات المتحدة لمقايضة جثة ضابط إسرائيلي قُتل ف...
- السيد نصر الله: العدوان الثلاثي فشل في تغيير المعادلة لصالح إسرائيل المرصاد نت - متابعات أكد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله أن قوات الدفاع الجوي السورية أظهرت أداءً مميزاً في التصدي للعدوان الثلاثي على سوريا فجر ال...
- العدو الاسرائيلي يقوم بحملة اعتقالات في غزة والضفة المرصاد نت - متابعات اعتقلت بحرية الاحتلال صباح امس صيادين فلسطينيين من عرض بحر بيت لاهيا شمال قطاع غزة بعد مطاردة مركبهم وأطلاق النار صوبهم. وبحسب موقع &l...
- رئيس الوزراء العراقي يعلن بدء عملية استعادة مدينة الموصل من سيطرة إرهابيي “داعش” المرصاد نت - متابعات أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي فجر اليوم بدء عمليات استعادة مدينة الموصل من تنظيم “داعش” الإرهابي داعيا أهالي المدينة...
- العدو الاسرائيلي يقصف غزة .. شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات على أهداف في قطاع غزة دون أن يبلغ عن وقوع إصابات. وقالت وكالة الصحافة الفلسطينية إن طائرات الاحتلال قصفت بثلاثة صوار...
- تونس : الفخفاخ سيؤلف حكومة مصغّرة تُحقق أهداف الثورة! المرصاد نت - متابعات قال رئيس الوزراء التونسي المكلف إلياس الفخفاخ إنّه سيؤلف «حكومة مصغرة بهدف التركيز على تحقيق أهداف الثورة وإرساء دولة عادلة وقوية تُنهي ع...
- تونس: السبسي يحاصر والشاهد يناور من أجل السلطة ! المرصاد نت - متابعات يستمر الصراع بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد حيث أصبح الصراع أمراً جلياً ومفصلياً في المشهد الراهن في الب...
- السعودية و الکیان الإسرائيلي: تطبيع العلاقات والخداع الاستراتيجي المرصاد نت - متابعات مع إنقضاء الأيام والسنين تتضح الصورة لنا أكثر وأكثر وتظهر الحقيقة جلية أمام أعيننا كاشفة لنا حجم المؤامرات التي تحاك ضد شعوب المنطقة ك...
- بعد الفلوجة بدء المرحلة الثانية من تحرير الموصل المرصاد نت - متابعات تُواصلُ القواتُ العراقيةُ تطهيرَ مدينةِ الفلوجة من عناصرِ تنظيمِ داعش حيثُ تمكنَت في الساعاتِ الماضية من السيطرةِ على حيِ المدنيين ومش...
- إفشال هجومين للتكفيريين جنوب حلب وغربها المرصاد نت - متابعات افشل الجيش العربي السوري وحلفاؤه هجومين للجماعات المسلحة التكفيرية على محوري معمل الاسمنت وجمعية الزهراء في جنوب مدينة حلب وغربها. ورك...