المرصاد نت - متابعات
في ظل المتغيرات التي يفرضها المشهد الإقليمي الجديد هل بإمكان النظام السياسي الحالي المنبثق من الطائف تحمل رجحان كفة فريق على آخر وارتداد الانتصار الذي حققه حزب الله ويقف معه رئيس الجمهورية شريكاً أساسياً فيه؟
أما وقد أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله النصر على الإرهاب والتحرير الثاني، فماذا بعد؟
من وجهة نظر حزب الله، فإن المعركة التي قام بها في جرود عرسال وصولاً الى العملية التي قادها في القلمون الغربي، تزامناً مع عملية الجيش اللبناني في جرود القاع ورأس بعلبك، ومن ثم المفاوضات التي جرت لإخراج مسلحي تنظيم «داعش» من لبنان والمنطقة الحدودية السورية، هي جزء أساسي من مشروع سياسي متكامل، تشكل هذه المعركة إحدى حلقاته.
وهذا المشروع الذي ترعاه إيران وتباركه روسيا حقق في سوريا تقدماً لجهة إبقاء نظام الرئيس السوري بشار الأسد واستعادة قواته مع إيران وحزب الله السيطرة على مناطق كاملة باتت في عهدته.
من هذه الزاوية، يمكن القول إن هناك منتصراً في لبنان، على رأسه حزب الله ومعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ومجموعة من أطياف وأفرقاء 8 آذار من الشمال الى الجنوب، وهناك «شبه غالب» و«شبه مغلوب»، إن لم يكن هناك غالب ومغلوب، لأول مرة منذ عام 2005، بهذه الحدة وهذا الوضوح. فمنذ عام 2005، تأرجحت هذه الغلبة، في ظل خطوات متعثرة للفريق المناهض لحزب الله، وعدم سيطرة هذا الأخير بالكامل وإطباقه على الحكم. حتى مع 7 أيار وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ظلت غلبة فريق حزب الله تعترضها بعض المشاهد السياسية التي حكمت التوازنات مع ارتباط الوضع الداخلي بتطورات سوريا وبقاء الأخيرة على تفجرها.
اليوم، مع حسم إيران وروسيا بقاء الأسد، ووجود حزب الله في سوريا، وغض نظر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عما يجري في المنطقة، ومع وجود عهد لبناني حليف لحزب الله، ولا مشكلة لديه مع سوريا الأسد، يحق لحزب الله القول والتصرف بأن مشروعه انتصر، وبأن لبنان بات جزءاً من المعادلة التي رست أخيراً في المنطقة لمصلحة إيران.
في المقابل، ليس بإمكان الفريق المعادي لحزب الله التصرف كأن إعلان نصرالله التحرير الثاني وانتصار مشروعه على أنه مفاجأة أو غير متوقع. فالطريق الذي سلكه أركان هذا الفريق ــــ رغم معارضة شخصيات معدودة ومعروفة ــــ ورهاناتهم الخاطئة في شكل دائم وفي كل المحطات لا يمكن إلا أن يوصل الى هذه النتيجة. ولا يمكنهم تالياً التبرّؤ من أي مسؤولية عن المسار الذي رست عليه التطورات الداخلية، لثلاثة اعتبارات:
الأول، أن لحزب الله على الأقل مشروعاً كاملاً متكاملاً، سواء أيّده هذا الطرف أو عارضه. في حين أن معارضيه، على رأسهم تيار المستقبل، لم يحافظوا على مشروعهم بعد عام 2005، ولم يمتلكوا لاحقاً أي مشروع سوى مشروع الوصول الى السلطة ورئاسة الحكومة وتقاسم الحصص والنفوذ.
الثاني، أن من يخوض اتفاقاً رئاسياً ــــ حكومياً، بموافقة حزب الله وباختياره عون رئيساً للجمهورية، وبالشكل الذي صيغ به الاتفاق، لا يمكن أن ينتظر من حزب الله أن يتخلى عن مشروعه وعن إظهار نفسه بمظهر المنتصر والغالب، حين يحقق خطوة أساسية على طريق تنفيذ مشروعه الذي لم يتخلّ عنه طوال سنوات عدة، على عكس ما فعل خصومه.
الثالث، أن الأفرقاء المشاركين في السلطة اليوم، ومنهم من يفترض أنهم معارضون بشدة كالقوات اللبنانية وتيار المستقبل، هم شركاء في الحكومة وخاضوا قبل أشهر قليلة مع حزب الله نفسه معركة موحدة في قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب. وهؤلاء لن يتخلوا عن وجودهم في السلطة والحكومة، على وقع هذا الانتصار، رغم بعض الأصوات المعترضة على طريقة إخراج مسلحي «داعش»، ليقتصر الأمر على انتقادات تراوح مكانها لا أكثر ولا أقل.
ماذا بعد هذا الانتصار، وكيف يترجم في الداخل؟
بعد خفوت موجة الاحتفالات بالنصر، سيكون هناك متسع من الوقت لقراءة هادئة في تداعيات غلبة فريق حزب الله ومعه رئيس الجمهورية، والواقع الجديد الذي سيفرضه هذا التحول السياسي، لا العسكري فحسب. فبغضّ النظر عن تصرف القوى السياسية التي كانت قبل تسوية الرئاسة معارضة لحزب الله وعون، سيكون النظام السياسي برمته أمام امتحان حقيقي لقدرته على تحمل تبعات هذا الاهتزاز في التوازن القائم منذ سنوات. ودقة المرحلة، بتحولاتها الإقليمية، تفرض أسئلة عن طبيعة ما سيحمله هذا المشهد الإقليمي، الذي تشكل معركة التحرير الثانية جزءاً منه، على النظام الذي أرساه اتفاق الطائف الذي أتى برئيس للجمهورية لم يعترف به إلا متاخرأ، ولا يعمل به، بل يتجاوزه في صلاحيات وخط رئاسي يرسمه لنفسه بعيداً عن النصوص.
ورئيس الجمهورية الذي يريد أن يحتفل بلبنان الكبير، إنما يحتفل بنسخته الجديدة، التي لا تشبه تلك التي أرسيت عام 1920، إلا لجهة أن سوريا حينها لم تكن دولة واحدة، بل كانت دويلات ستاً ومن ثم ثلاثاً، كما هي حال تقسيماتها غير المعلنة رسمياً اليوم. ما خلا ذلك، فان لبنان «الكبير» بات متداخلاً مع سوريا، بفعل عودة ترابط المسار بينهما، ووجود حزب الله فيها. وهذا يفترض رؤية جديدة قد يرسمها عون من موقعه كحليف لحزب الله وسوريا، وبطريقة تعامله الداخلي والإقليمي، للبنان الكبير الذي يراه هو، من خلال نظام سياسي لا بد أن يتأثر بالتحولات الإقليمية، فيما يُبحث لسوريا أيضاً عن نظام سياسي جديد. كل ذلك والقوى السياسية المناهضة لحزب الله غارقة في التحضير للانتخابات النيابية وتقاسم الحصص والتمسك بالسلطة بأي ثمن.
كتب :هيام القصيفي
المزيد في هذا القسم:
- قمة إيرانية روسية أذربيجانية لبحث مكافحة الإرهاب والحل السوري المرصاد نت - متابعات انعقدت في طهران قمة ثلاثية ضمت الرئيس الإيراني حسن روحاني والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس اذربيجان الهام علييف حيث وقّع الرؤساء الثلا...
- كوريا الشمالية : عودة إلى التصعيد: بومبيو «مُهندس» الاستفزاز! المرصاد نت - متابعات تصعيد جديد ظهر بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة أمس بفعل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي بسبب تصريح منه ربما كان قد فتح الباب...
- الإمارات : السجن 10 سنوات وغرامة مليون درهم لحقوقي بذريعة الإساءة للنظام المرصاد نت - متابعات أصدرت محكمة إماراتية حكماً بالسجن لمدة عشر سنوات وغرامة قدرها مليون درهم (272 ألف دولار) على الناشط الحقوقي أحمد منصور بعد إدانته بـ&laqu...
- صفقة واشنطن مع «طالبان» تحرز تقدّماً: مغادرة أفغانستان... بأي ثمن! المرصاد نت - متابعات تتوالى الإشارات من الإدارة الأميركية في شأن الانسحاب من أفغانستان بما ينسجم مع استراتيجية دونالد ترامب في السياسة الخارجية. ولئن كانت هذه...
- استسلام إسرائيلي في الجنوب السوري: معركة مشتعلة في انتظار لقاء هلسنكي المرصاد نت - يحيى دبوق لا تقتصر المعركة القائمة حالياً في الجنوب السوري على الجانب العسكري رغم أهميته. تتداخل فيها جملة عوامل أخرى لا تقل أهمية وفي مقدمتها صر...
- عام على ' انتفاضة القدس ' ولا يزال الحشد الفلسطيني مستمرا المرصاد نت - متابعات تزامناً مع الذكرى الأولى لاندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية التي اصطلح عليها باسم "انتفاضة القدس" أطلق ناشطون فلسطينيون أكبر تظاهرة إلك...
- نوبل السلام تقيل رئيسها بعد أن منح جوائز لشخصيات لا يستحقونها على رأسهم توكل كرمان توكلاقالت لجنة نوبل للسلام رئيسها المثير للجدل ثورنبيورن ياغلاند من هذا المنصب واعادته الى رتبة عضو عادي فيها الثلاثاء، في خطوة لا سابق لها في تاريخ الجائزة الت...
- الخلاف الخليجي إلى النقطة الصفر: واشنطن غير جادّة في الحل المرصاد نت - متابعات بعدما بدا ليل الجمعة ــ السبت لدقائق أن ثمة باباً قد فُتح على حل الأزمة الخليجية التي دخلت شهرها الرابع عاد الخلاف سريعاً إلى النقطة الصف...
- الشارع التونسي في الانتظار: لا أهلاً ولا سهلاً بالجلّاد ! المرصاد نت - متابعات أعلن الشارع التونسي رفضه زيارة محمد بن سلمان المزمعة الثلاثاء المقبل بدعوات إلى التظاهر ودعاوى قضائية لمنعها على خلفية جريمة خاشقجي وحرب ...
- ماذا يحدث عندما يقرر آل سعود شقّ عصا الطاعة؟ المرصاد نت - جعفر البكلي في شتاء سنة 1965 استرعت انتباه عملاء الـ«أف بي آي» أنشطة غريبة يقوم بها تجار السلاح في الولايات المتحدة كان هؤلاء يسعون إل...