سورية والحلفاء يكسرون عظم امريكا في البوكمال.. غرناطة "داعش"

المرصاد نت - متابعات

في الحروب الكبيرة تكون خسارة المعقل الأخير أقسى من خسارة كل الحرب .. وأشد مرارة في الروح من خسارة كل المدن لأنها تعني الخاتمة ونهاية عصر وبداية عصر .. وهي DirAzor2017.11.20الخط الفاصل بين النهاية والبداية .. بين التاريخ والمستقبل ..


فبرغم سقوط كل المدن الاندلسية فان ذاكرة العرب والمسلمين لايمكن أن تنسى سقوط غرناطة المدينة الاخيرة الباقية لهم في أندلسهم .. وبقيت غرناطة منذ قرابة 600 سنة تنبض كالقهر والعار في وجدانهم دون بقية المدن التي خرجوا منها وكأنها كانت كل الأندلس ..

فبقاء حي واحد أو شارع في مدينة محاصرة عصيا على الخصم فانه يعني أن المدافع لايزال على قيد الحياة وأن جثته لاتزال فيها بعض الروح والنبض في جسد مثخن بالجراح وقد فقد الوعي وصار ينزف ببطء حتى الموت .. ولاينتشي الفائز بنصره كاملا الا باغماد خنجره في طعنة الرحمة القاتلة في القلب ليحتفل بأعلى صوت .. ولذلك تكون آخر المعارك من الأشرس على الاطلاق حيث يستميت الخصوم في القتال لما للنصر من أهمية رمزية لاتضاهى ..

من بين كل المعارك التي خاضتها القوات السورية وحلفاؤها فان معركة البوكمال لها مذاق خاص ووقع خاص لأنها غرناطة مملكة "داعش" .. وبشكل أدق انها “غرناطة” أميريكا والمدينة الأخيرة الباقية في الشرق الرهيب الذي أرادت أن تبنيه اميريكا من جماجمنا .. ولذلك فقد قررت أميريكا أن تكون هذه المدينة كالعظمة في الحلق .. والطعنة في الظهر .. وجيبا متقيحا في الجغرافيا الأهم بين سورية والعراق .. الأميريكيون يريدون نصرا ناقصا لسورية وحلفائها ويراد للمعركة في البوكمال أن تقول بأن الثمن الذي تريده اميريكا لخروجها من سورية ليس كافيا ولم يتم الاتفاق عليه .. بل وأعلن الاميريكيون انهم باقون في سورية حتى التسوية السياسية وأعلنوا عن عديد قواتهم التي في البيانات الرسمية هي بحدود 506 جنود وفي زلات اللسان تتجاوز الأربعة آلاف .. ولكن هناك مأزق قانوني وشرعي للأميريكيين لايستهان به .. فاذا ما تم دحر "داعش" في النقطة الأخيرة في البوكمال فان تبرير وجود اميريكا حتى بذريعة انتظار التسوية لم يعد قانونيا ولاشرعيا ولايغطيه قرار مجلس الأمن الذي حصلت عليه لصناعة التحالف الكبير المفوض بمحاربة "داعش" وليس بتحقيق التسوية .. والبوكمال هي النقطة الأخيرة التي بقيت في شرعية الوجود الاميريكي .. وهي تشبه مسمار جحا وتتعلق اميريكا بها كما يحدث عندما يبتر ذراع محارب ولايبقى معلقا بالجسد الا من خلال قطعة جلد صغيرة بعد قطع العظم واللحم ..

وقرر الاميريكيون جعل معركة البوكمال مكلفة واستقدموا كل مخزون الانتحاريين وأرسلوا أشرس المقاتلين الى المدينة وعززوا ذلك بنقل مقاتلي دير الزور وغيرها الى البوكمال وقاموا حتى بحرب الكترونية عالية التقنية لمنع الطيران الروسي من تحقيق قصف ورصد دقيقين والقيام بعمليات التنسيق والاستطلاع .. ولتأخير النصر وجعل المعركة صعبة يجب ان تكون مكلفة جدا سياسيا وعسكريا .. فحاول الأميريكيون ابتزاز السوريين والروس بالملف الكيماوي الذي طرحوه للنقاش كهراوة تهديد من أجل ابقاء جيب البوكمال منطقة باردة ومحايدة حتى اتمام الاتفاقات النهائية .. ولكن الابتزاز لم يفلح وكسر الروس الهراوة الاميريكية دون أي اكتراث ..

وبالمقابل قرر الحلفاء أن أميريكا يجب أن يكسر رأسها وعظمها في آخر معركة في البوكمال لما تعنيه المعركة الأخيرة في الشرق من الحد الفاصل بين النهايات والبدايات .. وبين الجد واللعب .. فتم حشد قوات فائقة التدريب لها مهمة واحدة فقط هي اقتلاع أميريكا من البوكمال .. بالقوة .. وقد بدأ العظم الأميريكي يتكسر ولم يبق من ذراع اميريكا الا آخر قطعة جلد معلقة ..

بالنسبة للسوريين فان دمشق كانت في نظر الأميريكيين معركة غرناطة الأخيرة لهم التي ستخرج هذا الشرق من التاريخ ومن الزمن وترسم النهايات والبدايات بعد أن خرجت القاهرة وبغداد والقدس وبيروت وعدن .. ولكن يقول التاريخ أن غرناطة الاندلس كان يحكمها بقايا ملوك الطوائف وملك صغير هو عبدالله الصغير .. وكان الاميريكيون يريدون أن يحكم دمشق زعماء الطوائف و شخص معارض من مقاس (عبدالله الصغير) وكانت من أجل تلك الغاية تفصّل كل يوم واحدا جديدا وصغيرا جديدا وصعلوكا جديدا .. أما دمشق فلن تكون غرناطة .. ولايمكن ان تسقط .. لأنه ليس فيها ابو عبدالله الصغير وليس فيها صغار ولن تقبل أن تحكمها الطوائف ..Dir Azor2017.11.20

مايجب أن نعرفه الآن أن درس غرناطة التاريخي لالبس فيه .. وهو أن المدن التي يحكمها الصغار والعملاء وملوك الطوائف لاتصمد أمام الفاتحين .. وان غرناطة الاندلس لم تكن لتسقط لو لم يحكمها بقايا ملوك الطوائف والملوك الصغار .. ولذلك فان كل من خاض الحرب ضد سورية وتحصن في مدنها باسم الطوائف وملوكهم وأمرائهم من العربان خرج من كل المدن السورية التي غزاها باسم الطوائف .. وعلى العكس فانه هو من صارت له مدينة أخيرة تمثل غرناطته الطائفية التي يحاول الحفاظ عليها يائسا .. وهي مسماره الأخير .. وفي كل غرناطة طائفية صنعها الاميركيون والاتراك والسعوديون كان هناك (ملوك صغار) .. ففي غوطة دمشق غرناطة السعودية ومسمارها الأخير .. والتي سيتم اقتلاعها كما اقتلعت غرناطة أميريكا الداعشية في البوكمال وصغار الخلفاء الدواعش .. ولتركيا غرناطتها الأخيرة في ادلب وملوكها الصغار وهي تحاول تحييدها وابعادها عن نفاذ صبر الحلفاء .. ولـ"اسرائيل" غرناطتها الأخيرة وعملاؤها في الجنوب السوري والتي ستقتلع من جذورها ..

وعلى كل من كان يبني غرناطته وزمن حكم الطوائف في أي مكان من سورية أو يتحصن في غرناطته .. عليه أن يتذكر أننا قادمون كالقدر لكسر عظم من يقف في مدن الشرق ليحيلها الى غرناطة من الطوائف .. ولسحق لحمه واقتلاعه كالمسمار الأخير .. ولايهمنا من كان معه .. سواء كانت أميريكا أو السعودية أو اسرائيل أو تركيا أو الأكراد الانفصاليون ..

ولاشك أن لحن تحرير المدن والأراضي يكون أجمل دوما في المدينة الأخيرة .. استمعوا للحن اقتلاع المسمار في البوكمال .. وللحن كسر العظم الأميريكي وهو يطقطق على ضفة الفرات .. وانتظروا .. سقوط كل الغرناطات التي يحكمها عباد الله الصغار .. وممالك الطوائف ..

وفي النهاية ومنذ تمركز القوات الأميركية في منطقة التنف وقطعها طريق دمشق ــ بغداد كانت العين على معبر البوكمال ــ القائم بوصفه أهم المعابر بين سوريا والعراق وتمكنت دمشق وحلفاؤها من كسب معارك متعددة ضد «داعش» والفصائل المدعومة أميركياً على مدى أشهر ووصلوا إلى دير الزور وبعدها الميادين والبوكمال ليكسروا ما اعتبرته واشنطن يوماً بمثابة «خط أحمر»

عادت مدينة البوكمال الحدودية إلى سيطرة الجيش وحلفائه بشكل كامل الإعلان الثاني للتوالي خلال عشرة أيام عن تحرير المدينة جاء ليثبّت طرد التنظيم من آخر المدن التي يسيطر عليها في سوريا، بعدما خسر بلدة راوه آخر معاقله في العراق. المدينة المهمة وعقدة الربط بين بغداد ودمشق كانت من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية في عام 2012. كذلك حلّ فيها تنظيم «داعش» منذ بداياته.

النصر في المدينة يحمل رمزية كبيرة لكونها شكلت أيضاً معبراً لقيادات بارزة في صفوف «القاعدة» نحو الميدان السوري ليتفرقوا على خريطة الفصائل «الجهادية» التي أذكت نار الحرب ويأتي حضور حلفاء دمشق ــ من إيران والعراق ــ الكبير في المعركة ليعزز من بعدها الاستراتيجي خاصة أن جهوداً كبيرة بذلتها واشنطن وغيرها لمنع هذه اللحظة من التحقق. وهي جهود لم تتوقف حتى الآن.

التسليم الأميركي بسيطرة دمشق وحلفائها على البوكمال حضر سابقاً بشكل غير مباشر على لسان عدد من مسؤولي «التحالف الدولي» (آخرها لقائد عملياته الجنرال جيمس ب. جرارد)، ولكنه أُرفق بتأكيد أن السيطرة من الجانب العراقي لن تسمح بأن تكون المدينة «معبراً لإيران» نحو سوريا. الخطط الأميركية لخنق الإنجاز الميداني تحضر عبر النفوذ الأميركي المتنامي في العراق كما في وجود قوات خاصة مجهّزة عسكرياً في محيط «الممر»، جنوباً في منطقة التنف «الآمنة» وشمالاً على ضفة الفرات المقابلة للبوكمال التي يبدو أنها ــ حتى اليوم ــ منطقة نفوذ لأميركا وحلفائها «قوات سوريا الديموقراطية». وبينما تحتفظ واشنطن بمنظومة صواريخ (HIMARS) ــ التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر ــ في التنف، تبعد الضفة الشمالية 3 كيلومترات عن المعبر الحدودي الرسمي. ومع إعلان واشنطن غالبية الفصائل الحليفة العاملة مع الجيش في تلك المنطقة أنها إرهابية تكون قد خلقت لنفسها المبرر لأيّ استهداف عسكري لاحق لتلك الفصائل.

ورغم تلك الإمكانيات فإن تجارب واشنطن السابقة في البادية والحدود لم تكن موفّقة لها إذ فرضت دمشق وحلفاؤها إرادتهم في عزلها على حدود التنف ومنعها من التقدم نحو البوكمال. كذلك فشل «التحالف» في تشكيل ذراع «عربية محلية» من أبناء دير الزور، من شأنها أن تسبق تحرك الجيش والحلفاء نحو مدن المحافظة وبلداتها واليوم يعمل مع «قسد» على مكوّن جديد من أبناء عشيرة الشعيطات المنشقين عن «داعش» وعن «درع الفرات» بعدما وصلت معاركه إلى حدود قراهم شمال نهر الفرات.Dairalzor2017.11.20

وانعكست أهمية البوكمال على طبيعة المعارك التي شهدها الأسبوع الماضي وخاصة أمس إذ خاضت وحدات الجيش والفصائل الحليفة اشتباكات عنيفة ضمن أحياء المدينة، على المحورين الجنوبي والشرقي بالتوازي مع قصف مدفعي وصاروخي عنيف استهدف مواقع التنظيم داخلها وبينما نشر الإعلام الحربي مشاهد من معارك المدينة لم تدخل وسائل الإعلام إليها مع بقاء عدد من الأحياء الشمالية من دون تمشيط دقيق خاصة بوجود عدد كبير من المنازل المغلقة ضمنها. ونقلت مصادر أنباءً عن انتقال عدد كبير من عناصر التنظيم إلى الضفة الشمالية المقابلة في وقت وسّع فيه الجيش سيطرته في محيط المدينة والتي باتت تشمل قرى الهري والسويعية من الجهة الجنوبية الشرقية والحمدان والسكرية من الجهة الشمالية.

وعلى المحور المقابل الذي تعمل فيه القوات انطلاقاً من جنوب شرق مدينة الميادين عزلت قوات الجيش جيباً جديداً للتنظيم بعد سيطرتها على قرية الصالحية على نهر الفرات. وكانت تلك القوات قد تقدمت في البادية المحاذية لبلدات وادي النهر، ووصلت إلى محيط القرية قبل دخولها. وبهذا التقدم أضعف الجيش قوة التنظيم في المناطق التي بقيت تحت سيطرته بين البوكمال والميادين، ووصل إلى بعد نحو 30 كيلومتراً عن القوات المتمركزة شمال غرب البوكمال في محيط قرية الحمدان ومن المحتمل أن يسعى الجيش إلى وصل قريب بين المحورين لعزل «داعش» في جيب صحراوي واسع يمتد من بادية البوكمال حتى أطراف السخنة الشرقية.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية