مع احترامي .. لا هي ربيع عربي و لا خريف عبري او شتاء تغيير سلمي و لا هم يحزنون .. انها شيئ آخر من نوع مختلف يرتبط بالارادة السماوية اكثر من ارتباطه بالادارة السياسية .. شيئ يتجاوز الخيال و يقترب من المستحيل .. ثورة مستضعفين من البسطاء الكادحين و ابناء الناس العاديين .. و ليست فورة او مؤامرة النخب السلطوية و البرجوازية المستمدة قوتها و جبروتها من منظومة الحكم و الاحزاب و دعم دول الخارج لوجستيا و بيروقراطيا .
هذا بالمختصر .. اما الاسهاب فالشرح يطول بامتداد ما حدث اليوم في العاصمة صنعاء و غيرها من المدن و المحافظات اليمنية .. تتويجا لمسيرة نضال حافلة بالتضحيات زاخرة بصناعة التحولات التاريخية كالذي نعايشه الآن داخل وطن الحكمة و الايمان .. ربما قد يكون رصد التفاصيل يحتاج من الوقت دهرا لكن من خرجوا في ١١ فبراير ٢٠١٥ اختصروا كل المسافات و طووا سنوات بحجم قرن من الزمان كطي شوارع و ساحات عاصمة الوطن اليمني .. ملبين دعوة قائد الثورة الشاب الذي وجه للشعب خطابا في المساء فهب الملايين منذ الصباح الباكر يحتشدون جموعا ملاتطمة كالموج .. رجالا و نساءا .. شبانا و شيوخ .. صغارا و كبارا .. مواطنين و موظفين .. عسكر و فلاحين .. مثقفين و عمال .. من جميع الشرائح المجتمعية و كافة المناطق .. ريفا و حضر .. بحر و جبل .. سهل و صحراء .. ليثبتوا للعالم حقيقة واحدة عنوانها : لا صوت يعلو فوق صوتنا .
دعاهم السيد عبدالملك الحوثي للانتصار لكرامة و سيادة و عزة مستقبل وطن .. فالتحم الوطنيين الشرفاء مع الانصار في صف واحد يتظلل علم الجمهورية و يلهج بسمفونية النشيد الوطني .. هتاف يزلزل الارض و يهز الفضاء : (شعب يمني واحد ؛ مطلبهم مطلب واحد) و قد صارت المطالب العسيرة سابقا في قبضة رجال نذروا ارواحهم فداء لثرى البلد المتوثب للانعتاق من براثن تراكمات الماضي المثخن بالأسى .. شامخا يرنو لحقبة جديدة شغوفة بالمستقبل الواعد بالنصر تحت ظلال صرخة مدوية في وجه قوى الاستكبار و وجوه المتغطرسين .
احتشد الاحرار تعلوهم ابتسامات الثقة و ملامح البهجة و روح فرسان سيماهم التواضع و الكبرياء .. جباه تسجد ركعة شكر و أنامل حمد و استغفار .. أكف تدعو بالثبات و تضرعات تستجدي الباري توفيقه .. بين هذا و ذاك .. كانت الزغاريد حاضرة .. رقصة فرح .. زامل فخر .. طبلة برع .. عناق أخوي صادق .. و من رفرفة الاحمر و الابيض و الاسود يهب نسيم التحرر من الارتهان و التبعية .. اذ لا صدى يطغى على ارتداد نشيد :
عشت ايماني و حبي .....
رددي ايتها الدنيا ......
و سيبقى نبض قلبي .....
هنا في ساحة الجامعة اكتضت الجموع الهادرة .. هنا حيث رابط الصامدون اربعة اعوام بعدما تعرضوا للإقصاء و الالتفاف و العدوان من رفاق درب ٢٠١١ هاهم اليوم أسياد الساحة و الموقف .
هنا في ميدان السبعين امتلأ المكان الفسيح بالافواج الوفية .. هنا حيث استعرضت السلطة الغاشمة قوتها العسكرية لقمع الانتفاضة و حيث رفضت السلطة قبل شهر و نصف السماح لهم بإحياء ذكرى المولد النبوي فيه و هاقد صار الميدان تحت سيطرة خيول الرهان .
هنا في شارع الستين الرحب اكتسىت الجهات الاركان بوفود الحرائر من نساء و بنات اليمن .. يشاركن البهجة مع أبائهن و ابنائهن و اخوانهن افراح فبراير السبتمبرية .. هنا حيث كان شارع الاصطفاف ضدهم قبل خمسة اشهر صاخبا بمظاهرات و صلوات التحريض و التهديد و الوعيد لمن اعتصموا في شارع المطار و مخيمات القبائل على اطراف العاصمة .. و هاهم اللحظة قد انتقلوا من تحت طرابيل الخيمة الى قصور و دور الرئاسة .
هنا في ميدان التحرير قلب الثورة النابض منذ الستينات التقى السيل البشري عصر هذا الاربعاء بطوفان تاريخي يستعيد حرية و عدالة الماضي البعيد و انتكاسة و تقهقر من كانوا هنا قبل اربعة اعوام يرفضون المغادرة و يتشبثون بالبقاء و هاهم قد غادروا و معهم من جاؤا بعدهم و بقي من يستحقون ان يكونوا ماردا جديدا يتموضع في مكان المارد المختفي و يشغلون ما تركه من فراغ رمزا مجازي و حضور واقعي.
.... وانت في الاعلى على متن مروحية الهيلوكبتر المحلقة مع طائرة ثانية حول أماكن الاحتشاد للتأمين و التصوير .. ستكون الصورة التي تشاهدها تحتك خاطفة اللب .. ساحرة المنظر .. استثنائية نادرة لا تتكرر الا مرة كل ١٠٠ عام .. قد تستحضر ذهنيا و انت ترى الشوارع المزدحمة بالبشر. تلك الصور القادمة من مصر في ٣٠ يونيو ٢٠١٣ غير ان التشابه النسبي في جزئيات الصورة البصرية يقابله فوارق و اختلافات جذرية في تداعيات الموقف و مضامين الحدث رغم ان الثورة هي القاسم المشترك بين تمرد القاهرة و هبة صنعاء .. و الاعلان الدستوري قاسم ثاني يجمع نهايات و بدايات السيسي و السيد كقائدان ارتبط اسميهما بمجريات التحولات في بلد قناة السويس و بلاد مضيق باب المندب .. لكأنما نزلت آيات : اهبطوا مصر و ادخلوها بسلام آمنين .. و آية : بلدة طيبة ورب غفور .. في سورة واحدة تمزج قصص فرعون و موسى و سليمان و بلقيس في جزء يرتل العظات و العبر و يؤكد ان المرتبط بالله هو المنتصر مهما كان ضعيفا .. اذاما قمنا بابإسقاط توعوي لغرق الفراعنة في زمن حضارة الاهرام و منجاة ركاب سفينة نوح التي استوطن من كانوا فيهل مدينة سام .. هنا حيث رست سفينة مسيرة مران لينجو اليمن و أهله من طوفانات الأقاليم و الاحتلال و الاقتتال .. اذ لا عاصم اليوم من أمر الثورة .. اعلانا دستوريا و شراكة مفروضة بقانون دماء الشهداء الزكية .
على ارض المظاهرات المليونية المؤيدة للخطوات الثورية و تخليدا لمناسبة الزمان و المكان .. تسأل الشعث الغبر الانقياء الصادقين الشرفاء : من أين جئتم و لماذا و كيف ؟
سمعنا البارحة خطاب السيد القائد و دعوته في نهاية الكلمة فلبيناها و حضرنا للمشاركة .. هكذا جائني الجواب على تساؤلاتي العشوائية .. أناس من بني مطر و الحديدة و بني بهلول و خولان .. من شرعب و صعدة و العدين و ريمة .. من عدن و حجة و يافع و ردفان و الضالع و كوكبان و تريم و شبوة و جعار و عمران .. من الجوف و رداع و مكيراس و تعز و ذمار و سنحان و حاشد و بكيل و مذحج و تهامة و المهرة و سيئون و البيضاء و المحويت و سقطرى .. نصفهم تقريبا من سكان العاصمة و النصف الآخر وفود ثورية جاؤا جماعات و فرادى من المديريات المحيطة و القريبة من صنعاء و آخرين أتوا من مناطق جغرافية بعيدة .. كلهم يمنيون مسبشرون بالقادم .. لا يتمترسون خلف العصبيات المذهبية و الطائفية و المناطقية و الايديولوجية .. لا يكترثون لضغوط الدول الغربية و اغلاق السفارات و التلويح بالعقوبات الاممية .. واثقين بان قائد الثورة و سيد المستضعفين لن يخلف فعله قوله و هو الذي كرر التأكيد بأنه لن يسمح بأي انهيار امني او اقتصادي او سياسي مهما كلف الامر من ثمن و مهما حاول العملاء و المتآمرون الزج بالوطن في أتون العبث و الفراغ و المشاغبة .
قلت .. انها ثورة المستضعفين .. انتصرت في الشتاء و ستنتصر في الخريف و الصيف و ستحافظ على الانتصار كلما ازهرت ورود الربيع بفراشات قوس قزح و رايات النصر الخضراء .
المزيد في هذا القسم:
- كيف تحولت الثورة و الجمهورية أداتين لتدمير الدولة ؟! المرصاد نت لا ينطبق المثل الشعبي " حاميها حراميها " على أحد قدر انطباقه على من يتخذ من النظام الجمهوري وحمايته قميص عثمان ..هؤلاء المخاليق يمثلون اخطر عملية ت...
- الإسلام: الدين الأخطر في العالم! كتب: عبدالباسط الحبيشي الدين الذي لا نعرفه في الحقيقة ان ثمة الكثير مالا نعرفه كمسلمين عن الإسلام جعلنا نستهين بقو...
- وين جت العدالة ؟! المرصاد كتب: عبدالجبار الحاج هل الاخ الرئيس المشاط على علم بالمشكلة وبتفاصيلها ؟ هل لديه معلومات من مصادر المحايدة ام س...
- الاحتفال في زمن الحرب ! بقلم : عبد الباري طاهر المرصاد نت بغتة، وبدون اعتياد، وعلى غير توقع، دعا صالح أنصاره ومحازبيه إلى الاحتفال بالذكرى الـ24 لتأسيس حزبه (المؤتمر الشعبي العام). كانت الدعوة لافتة ومثيرة...
- هذا حال واقع اليمن … فتدبروا ثم اعتبروا المرصاد نت إنه منطق السماء إنه المنطق الإلهي المقدس إنه المنطق الذي يستوجب تدخل سكان السموات في شؤون أهل الأرض بشكل مباشر إنه منطق الإستضعاف المبارك الذي لا ر...
- إعجاز "أبو فاس " الزنداني من علاج الإيدز إلى مهر أبو" 100" ريال اتصلت عمتي تقوى تقول لي : أنا عند الله وعندكم ، أتوسطوا لي عند الشيخ عبد المجيد الزنداني وبناته وحكومته " أبو سندوة " ، أ...
- الشباب اليمني إلى أين؟ المرصاد نت الشباب اليمني، سواء في الداخل أو الخارج، وأخص بالذكر، الصحافيين زملاء المهنة والكتاب والمثقفين والنخبة، والذين كنا نعول عليهم في ترميم النسيج الاجت...
- وضع العدوان بعد عامين ! بقلم : علي جاحز المرصاد نت لايزال العدوان غارقا في مستنقع الورطة الكبيرة التي دخلها في لحظة نشوة وخيلاء دون ان يضع في اعتباره اي حسابات لاحتمال الوصول الى مثل هذه ...
- الرئيس هادي ليس مدفعاً بأيديكم فحبر اعتذاركم لم يجف بعد تتزايد الضغوط على الرئيس هادي لإقحام الجيش وأجهزة الدولة في حرب جديدة مع الحوثيين, ويتباكى البعض على الدولة وعلى جيشها متسائلين أين دورهم في كبح جماح الحوثي الذ...
- بكاء التماسيح على إغتيال الحمدي! المرصاد نت بكاء التماسيح على إغتيال الحمدي كتب: أ . عبدالباسط الحبيشي* بينما يتم السعي حثيثاً على قدمٍ وساق لإكمال إغتيال اليمن وتقطيع أوصاله إرباً إرباً وح...