مستجدات الأحداث

No More Articles

ردّ «الجهاد» يبدّد أوهام نتنياهو: المقاومة لن تخضع للابتزاز!

المرصاد نت - علي حيدر

لم يستطع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولا المؤسّستان السياسية والإعلامية في الكيان، الادّعاء أن الجولة الأخيرة للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ناتجة عن سياقاتPalstaine2020.2.27 إقليمية، أو أنها أتت تنفيذاً لمطالب خارجية، كما يتمّ الترويج دائماً في الخطاب الدعائي المضادّ للمقاومة. فقد كان واضحاً للرأي العام الإسرائيلي أن همجية جيش الاحتلال، ومسّه بكرامة الإنسان الفلسطيني، دفعا «حركة الجهاد الإسلامي» إلى المبادرة للثأر من المستوطنات وجنود العدو. كذلك، كشفت هذه الجولة هشاشة التهديدات التي سبق أن أطلقها المسؤولون الإسرائيليون، وأظهرت تماسك المقاومة في القطاع وحَزْمها وحكمتها في الوقت نفسه، إلى حدّ أن معلّقين عسكريين إسرائيليين اعترفوا بأن «الجهاد» هي التي أَمْلَت القواعد وفرضت معادلتها.

بدا واضحاً أن الطرفين يحرصان على عدم الدفع نحو مواجهة عسكرية واسعة، كلّ لدوافعه المتّصلة بأولوياته ومصالحه. ارتدعت إسرائيل نتيجة إدراكها محدودية خياراتها، وتحديداً على مسافة أيام معدودة من موعد الانتخابات. بتعبير آخر، وعت القيادة الإسرائيلية أنها لا تستطيع الرهان على ردع المقاومة ودفعها إلى الخضوع لإملاءات الاحتلال، وأن التصعيد سيدفع نحو ردود متبادلة تؤدّي إلى دكّ العمق الإسرائيلي وصولاً إلى تل أبيب. في المقابل، حرصت «الجهاد» على جَبْي أثمان مؤلمة من العدو في أمن مستوطناته وقوة ردعه، ردّاً على الهمجية التي أظهرها جيشه. لكنها في الوقت نفسه أظهرت استنادها إلى حسابات محدّدة في أدائها الميداني الذي جمع ما بين تعزيز صورة ردع المقاومة والمحافظة على الوضع الأمني تجنّباً لتفاقم الوضع الإنساني والحياتي في القطاع، وخاصة أن العدو التزم سقفاً محدّداً في معادلة الردّ.

هذه الصورة حضرت في تحليلات بعض المحلّلين الإسرائيليين، الذين اعتبر بعضهم أن الجولة التي شهدها جنوب فلسطين المحتلة لا علاقة لها بأيّ حدث داخلي أو خارجي، «لا إيران، ولا سوريا، ولا التهدئة، ولا الانتخابات حتى»، بحسب ما قال المعلّق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان. ورأى فيشمان أن «جولة إطلاق النيران في اليومين الأخيرين، والتي كان بالإمكان أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية شاملة، جاءت للردّ على المسّ بالكرامة الوطنية الفلسطينية»، لافتاً إلى أن «إهانة الجثة، في جميع الثقافات، تُنتج غضباً شديداً. وهذه هي القصة الحقيقية». والجدير ذكره هنا أن التقارير الإسرائيلية تحدّثت عن إطلاق «الجهاد» حوالى 100 صاروخ في يوم ونصف يوم كَلّفت إسرائيل أكثر من 20 مليون دولار. وأوضحت التقارير أن كلفة كلّ صاروخ اعتراضي تبلغ 100 ألف دولار في حين أن كلفة الصاروخ المنطلِق من القطاع لا تتجاوز عدة آلاف من الشواكل مبيّنة أن الكلفة الإجمالية بالنسبة إلى إسرائيل بلغت 70 مليون شيكل.

من جهته اعتبر المعلّق العسكري في صحيفة «إسرائيل اليوم» يوآف ليمور أن التصعيد الأخير يضع إسرائيل أمام مشكلة متجدّدة، متمثّلة في ما ينبغي فعله إزاء حركة «حماس» بصفتها الجهة الحاكمة في القطاع. ولفت ليمور إلى أنه لم يكن من مصلحة تل أبيب دفع «حماس» إلى التدخل العسكري لأن ذلك من شأنه التسبّب في مزيد من التصعيد. وأضاف أن القيادة الإسرائيلية تدرك مسبقاً أن بقاء الحركة جانباً لن يكون دائماً إذا ما استمرّت المواجهة العسكرية واتّسع نطاقها، وتجاوزت إسرائيل سقوفاً محدّدة فيها. ومن هنا أظهر نتنياهو حرصاً على خفض التصعيد أملاً في الوصول إلى يوم الانتخابات في أجواء أمنية هادئة خاصة في ظلّ معرفته بأنه لن يستطيع ردع فصائل المقاومة ولا تدمير منصّاتها الصاروخية ولا إحداث تغيير في المعادلة القائمة مع القطاع.

ردّ «الجهاد» يبدّد أوهام نتنياهو: المقاومة لن تخضع للابتزاز
كان رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو يتمنى أن ينجح في تظليل الأيام الفاصلة عن الانتخابات، مطلع الشهر المقبل، بالتهديد والوعيد، مقابل ارتداعٍ فلسطيني عن الردّ على اعتداءات جنوده وضباطه وهمجيّتهم. كان يأمل أن يبدو كزعيم نجح في أن يفرض الأمن جنوب فلسطين المحتلة، وأن تبدو المقاومة خاضعة لسياسة الابتزاز التي يحاول ممارستها مقابل تخفيف المعاناة عن قطاع غزة. لكن حركة «الجهاد الإسلامي» أسقطت هذه الرهانات، ووضعته وجيشه أمام اختبار ميداني انقلبت فيه الصورة، وبدت معها إسرائيل حريصة على ألّا تدفع نحو معركة متدحرجة يُضرب فيها العمق الإسرائيلي. ومع إدراك نتنياهو الرسائل السلبية التي حملتها صواريخ «الجهاد» حاول أن يعوّض بتوسيع نطاق اعتداءاته باتجاه الساحة السورية، على أمل أن يسهم في ردع الحركة، لكن النتائج جاءت مُخيّبة أيضاً له ولجيشه.

أراد نتنياهو من وراء التصعيد الذي انطوى على أكثر من رسالة، أن ينعكس ذلك في صناديق الاقتراع، لكن المقاومة نجحت في أن تسلب منه هذا الإنجاز الذي يطمح إليه، وجَبَت منه أثماناً في أمن المستوطنات الجنوبية. كذلك، نجحت في أن تُبدّد آماله في أن تبدو المقاومة كَمَن يسارع إلى الهدوء بأيّ ثمن وهو ما برز في كلام رئيس أركان جيش العدو، أفيف كوخافي، خلال حديثه مع جنود الاحتياط أمس، حيث قال: «لا أعرف متى ستنتهي الحادثة (الجولة مع «الجهاد»). جزء من الحروب بدأ بالضبط كما يحدث (الآن)». القلق من انعكاسات ردّ «الجهاد» دفع نتنياهو إلى رفع منسوب التهديد، قائلاً إن «القصف سيستمرّ حتى يعود الهدوء» ملوّحاً باستهداف قادة «الجهاد»: «إذا لم يعد الهدوء فسيأتي دوركم».

وفي محاولة لرفع منسوب القلق والتوتر بين الغزّيين والمقاومة توعّد بأن «المعركة المقبلة ستكون واسعة النطاق وستتخلّلها مفاجآت لم يُكشف عنها في المواجهات السابقة» مشيراً إلى أن إسرائيل نفّذت هجمات أمس في غزة ودمشق وأنها مستعدّة لعمل ذلك في المستقبل في محاولة منه لإضفاء مصداقية على تهديداته، التي تُظهّر - من ضمن ما تُظهّر - موقع العاصمة السورية في معادلة الصراع، وكونها عمقاً استراتيجياً للمقاومة الفلسطينية.

مع هذا، أظهر رئيس حكومة العدو حرصاً على تجنّب الحرب وأن تكون «الخيار الأخير» في حال اقتضت الضرورة، بالمعايير الإسرائيلية. وهذا يعود إلى إدراكه أنه ستكون للحرب أثمان مؤلمة جدّاً لإسرائيل، من ضمنها أن الردّ سيمتدّ إلى العمق، إضافة إلى إدراكه أن الإسرائيليين أبعد ما يكونون عن دعم مثل هذه المعركة التي من غير الواضح كيف ستنتهي فضلاً عن أنها لن تنهي المقاومة. إزاء تلك المعطيات، بدا نتنياهو مهتمّاً بألّا يمتدّ التصعيد إلى وقت الانتخابات، لأنه إن حدث ذلك، فسيكون مضطراً إلى رفع مستوى اعتداءاته إذ إن ما دون ذلك سيظهره ضعيفاً ويقوِّض الصورة التي يروّجها. وعليه يمكن التقدير منذ الآن أن نتنياهو سيعمد إلى تقديم الجولة الأخيرة وكأنها محطة إضافية في تعزيز الردع الذي يوفّر الأمن للمستوطنات بالقول: «إذا لم يتوقفوا عن إطلاق النيران كلياً، وأنا لا أقصد يوماً أو يومين بل كلياً، سنضطر إلى تفعيل خطة المعركة الواسعة التي أعددناها. الويل لحماس والجهاد إذا وصلوا إلى هذا اليوم. سنقوم بما يجب لإعادة الأمن الكامل».

وكان لوزير الأمن، نفتالي بينِت، نصيبه في هذا التحدّي الذي نجحت «الجهاد» في أن تفرضه على كيان العدو، إذ لم تمضِ سوى أيام على تهديدات بينِت ضدّ المقاومة، حتى عَدَل الوزير عن مواقفه بالقول إن إسرائيل لا ترغب في عملية واسعة النطاق، «لكنها ستلجأ إلى هذا الخيار إذا لم يكن هناك مفرّ منه». وكما في محطات مشابهة، تحوّلت جولة التصعيد الحالية إلى مناسبة للتنافس الانتخابي وتبادل الانتقادات بين المسؤولين الإسرائيليين.

وفي هذا السياق رأى رئيس تحالف «أزرق أبيض» بيني غانتس أن «ردع إسرائيل سُحق في السنتين الماضيتين بصورة خطيرة وتمّ فقدان المبادرة». لكن غانتس اعتبر انطلاقاً من تجربته الشخصية أن «الجولات (مع غزة) ستؤدي في النهاية إلى معركة واسعة، أو أن توافق حماس على تسوية فورية وفعالة وملموسة ومن ضمنها إعادة الأبناء (الجنود الأسرى)»، محاولاً المزايدة على نتنياهو بتقديم نفسه أكثر يمينية وتطرّفاً في ما يتعلق بالقضايا الأمنية

عبر التوعّد بأن إسرائيل «لن تتردّد في احتلال غزة إذا كان هذا ما تتطلّبه إعادة الهدوء».

المزيد في هذا القسم:

No More Articles