المرصاد نت - صلاح السقلدي
بصرف النظر عن طبيعة المعركة العسكرية بالساحل الغربي اليمني ومدى التقـدّم الذي تحققه الفصائل الجنوبية وقوات العميد طارق صالح صوب مدينة الحديدة بقيادة القوات الإمارتية فهذه المعركة لا علاقة لها بـ«القضية الجنوبية» بشكل مباشر ولا حتى غير مباشر خصوصاً كلما اتجهت صوب الجغرافيا الشمالية الوعرة وابتعدت عن الشريط الحدودي للشطرين – سابقاً – حيث كان المبرر الجنوبي لهذه المعركة ينطلق من فكرة تأمين الحدود الجنوبية مع الشمال.
فهذه المشاركة العسكرية الجنوبية اليوم أسقطت ذلك المبرر على ركاكة منطقه وأضحت لها مدلولها السياسي الثمين عند القوى اليمنية بل حتى في نظر المجتمع الدولي نفسه الذي لن يجد تفسيرا منطقيا لهذه المشاركة غير أنها «اعتراف» جنوبي بواحدية الهدف وأنها تصرف نظر عن أهداف الجنوب «التحررية» التي ظلت معلنة منذ انطلاق الثورة الجنوبية في العام2007…
فهذه القوى اليمنية توظف وتستفيد من هذه المشاركة العسكرية الجنوبية توظيفا سياسيا بذات التوظيف والاستفادة العسكرية - إن لم يكن أكثر -… فهي تؤكد بأن هذه المشاركة – التي ستضعف موقف المفاوض الجنوبي حين يشهرها خصومه بوجهه كدليل عن قبوله بواقع ما بعد 2015م وتخليه عن هدف استعادة الدولة الجنوبية هي دليل قاطع على أن الهدف اليمني شمالاً وجنوباً هو واحد استعادة الدولة اليمنية الواحدة من عدن حتى صعدة. ومعها حق فيما تقوله وتذهب إليه طالما والجنوبيون قد ارتضوا أن يكونوا ذخيرة ببندقية لتحقيق أهداف الغير وسُـخرة عمل عند الآخرين نظير راتب شهري بل أنها معركة تضفي هالة من الغموض حول طبيعة «القضية الجنوبية» بنظر القوى بالداخل والخارج وتمنح القوى اليمنية فرصة هذا الاستغلال وهذا التوظيف السياسي المجاني.
صحيح أن الكثير من «الفصائل الجنوبية» هي عناصر مؤدلجة فكرياً ودينياً ولا تأبه لشيءٍ اسمه جنوب ومشروعها ديني بحت ولا يمكن أن تحسب على المشروع السياسي الجنوبي وأنها جماعات تدين بالولاء المطلق للقوى الإقليمية المتحكمة بها، لكن ثمة شخصيات وتشكيلات عسكرية مقاومِــة معروفة إعلامياً وسياسياً على أنها جزء من «الثورة الجنوبية» وتخوض هذه المعركة بصفتها الجنوبية «الثورية الحراكية».
وعلى ما تقدم نكون إزاء خسارة جنوبية «مزدوجة». خسارة بالأرواح في معركة هي بالأصل معركة قوى يمنية متنافسة على السلطة وقوى إقليميه باحثة عن موطئ قدم بالمنطقة. وخسارة سياسية تضرب «القضية الجنوبية» بالصميم كما أسلفنا.
فالإمارات تبتعد عن عدن بقدر اقترابها من صنعاء أو حتى من الحديدة. الحديدة التي يأتي تعزيز نفوذها فيها امتداداً من الساحل الشرقي من المهرة مروراً بسقطرى وعدن خصوصاً بعد أن خففت مؤخراً من وجودها بسقطرى ولو مؤقتا واضطراريا وفقدت حضورها بالضفة الأخرى للبحر الأحمر وبحر العرب في جيبوتي والصومال بتدبير «إخواني» واضح وببصمات قطرية تركية وهي تريد عوضاً عن ذلك نفوذا بديلا أكثر شراهة في عمق البحر الأحمر ووضع حد للنفوذ التركي المتعاظم هناك وبالجزر السودانية تحديداً وجزيرة باسكن الاستراتيجية على وجه الخصوص.
الإمارات وعلى لسان أكثر من مسؤول تؤكد أن معارك الساحل هي مجرد عملية ضغط تفاوضي بوجه سلطة صنعاء وقولهم إننا لا نسعى إلى إسقاط صنعاء عسكرياً فهذا كلام صحيح ليس لأن هؤلاء لا يريدون الحسم العسكري الشامل واجتياح صنعاء؛ بل لأنهم يعرفون جيداً مدى استحالة ذلك بحكم عدة ظروف منها الجغرافيا التي سيفقد حلفاء الإمارات بمن فيهم «الفصائل الجنوبية» ميزة الغطاء الجوي والبحري كلما اتجهت العمليات بهذا العمق الوعر ما يعني مزيداً من الخسائر فضلاً عن الحاضنة الشعبية الكبيرة للحوثيين وللقوات الموالية لـ«المؤتمر الشعبي» التي ما تزال مرتبطة بقياداتها في صنعاء ضف إلى ذلك أن الشمال بكل قواه السياسية والحزبية والفكرية وجغرافيته المتداخلة إذا ما استثنيا الفئة المؤتمرية المؤيدة لطارق صالح ترى بالوجود الإماراتي وجوداً احتلالياً للجنوب فما بالنا بالشمال ما يعني ذلك أن القوات الإماراتية والقوات المشاركة معها ومنها «الفصائل الجنوبية» ستكون في مرمى البندقية الشمالية داخل أرضها باعتبارها قوة احتلال غازية وما سيترتب على ذلك من خسائر بشرية كبيرة حتى لو أكتفت الإمارات بالتوغل بمساحة جبلية قليلة.
ولنا أن نتذكر كيف كان مصير القوات اليمنية وقوات صالح بالجنوب من مصير دامٍ بداية الحرب وما جرى لها من تنكيل على يد الجنوبيين من منطق وحقيقة أن الأرض أية أرض، تحارب مع أصحابها وكذلك الحال سيكون مع أية قوة عسكرية جنوبية في الشمال خصوصاً الشمال الأعلى فقوانين الطبيعة ونواميس الحروب تطبّـق نفسها على الجميع في كل زمان ومكان.
وبالتالي لن تكون معركة الحديدة أكثر من وسيلة ضغط سياسي بالغة الكَلفة على الدم الجنوبي بوجه القوات اليمنية إن نجحت هذه الوسيلة ودخلت على إثرها كل القوى اليمنية في تسوية سياسية شاملة بإشراف إقليمي دولي وإن لم تنجح فالخسائر هي الخسائر وسيكون الدم الجنوبي الذي سال ليس أكثر من وسيلة ضغط بيد جهات ضد جهات جميعها لا ترى في «القضية الجنوبية» أكثر من وسيلة لتحقيق غايات معينة وقضية عادية من ضمن ملف يمني متخم بالقضايا يمكن تسويتها بأية مرحلة تفاوضية إن تم ذلك أصلاً سيماً لو تذكرنا أن المشاركة الجنوبية بهذه الحرب منذ اليوم الأول لها هي مشاركة تفتقر لأبسط شروط المشاركة والضمانات أي أنها مشاركة عسكرية معصوبة العينين تمضي منذ أكثر من ثلاثة أعوام دون محددات أو ضوابط مع الشركاء وازدادت بؤساً بعد أن تجاوزت الحدود الجنوبية شمالاً وعلى الحدود السعودية والجوف وصعدة التي سيق إليها هي الأخرى مجاميع جنوبية كثيرة ومازال عدد من الجنوبيين يقبعون في السجون السعودية منذ شهور بعد رفضهم المشاركة في معارك داخل الأراضي بالشمال بعد أن تبدّت لهم الخديعة التي سيقوا إليها بزعم التدريب والعودة إلى عدن دون أي تقييم ومراجعة لهذه الشراكة مع «التحالف» بعد كل هذه التضحيات وبعد هذه التحالفات التي تظهر بين الحين والآخر التي تنسج خيوطها الإمارات من وراء الظهر الجنوبي مع قوى شمالية هي من ألد الخصام للجنوبيين وقضيتهم.
ازداد الموقف الجنوبي سوءًا بعلاقته مع «التحالف» بعد إشراك الأخير لقوى عسكرية شمالية هي في الأساس الخصم الرئيس للجنوب والصانعة الأولى لمأساته منذ غزو عام 94م، ونقصد بذلك قوات «المؤتمر الشعبي العام» بقيادة العميد طارق حيث باتت «المقاومة الجنوبية» منذ اليوم الأول لوصول الرجل مجرد تابعة له وتحت إمرته حتى وإن تململت بعض الأصوات فيها طالما أن ذهب الإمارات وسيفها حاضران في وجه هذه «الفصائل».
فمن منطق الأمور أن يعني اقتراب الإمارات من صنعاء – أو حتى التوقف بالحديدة – ابتعادها عن عدن ولا نقصد بذلك الابتعاد العسكري بل الابتعاد عن المشروع «السياسي الجنوبي التحرري» إلى حد كبير. فحين ترى الإمارات مصالحها التي دخلت من أجلها هذه الحرب تترسخ في الشمال بذات القدر الذي تتم بالجنوب من المؤكد ووفقاً لفلسفة المصالح أن تعيد فكرة استعادة الجنوب لدولته السابقة عن الشمال كما يطرح الجنوبيون إلى أسفل قائمة اهتماماتها وأجندتها، إن لم تشطبها نهائياً.
الكلمة العليا هي للمصالح ولا غيرها مع احتمال كبير أن تظل أبوظبي على علاقة قوية بقوى جنوبية فاعلة تتبنى مشروع استعادة الدولة الجنوبية ومن هذه القوى «المجلس الانتقالي» طالما بقي الخطر «الإخواني» على المصالح الإماراتية والخليجية قائماً في الجنوب وفي اليمن ككل بل وفي المنطقة برمّتها خصوصاً مع استعار الأزمة الخليجية ودخول تركيا القوة العظمى في المنطقة، على خط المواجهة إلى جانب قطر الخصم الإمارتي اللدود.
المزيد في هذا القسم:
- بعد عامين من العدوان..البقاء على قيد الحياة حلم يؤرق أطفال اليمن المرصاد نت - متابعات لم ينعم أطفال اليمن بالأمان منذ أن حلّقت طائرات العدوان السعودي فوق أجواء صنعاء وتعزّ والحديدة وغيرها من المحافظات ولم يذوقوا النوم الطفو...
- أمريكا وإستراتيجية السيطرة على أعالي البحار : الساحل اليمني نموذجاً المرصاد نت - عبدالحميد الغرباني في تشكيل الأحداث يأتي الموقع أولا في ترتيب العوامل الرئيسية للأحداث لدرجة قيل معها إن الموقع هو العنصر الدائم في صناعة التاريخ...
- طيران العدوان يواصل غاراته الإجرامية على عدد من المحافظات المرصاد نت - متابعات إرتكب طيران العدوان السعودي الأمريكي عددا من المجازر المروعة بحق المواطنين في عدد من المحافظات اليمنية. وأستشهد واصيب نحو 22 مواطن في ...
- قائد الثورة: شهادة الرئيس الصماد أعطت الشعب طاقة جديدة وعزماً متجدداً المرصاد نت - متابعات أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي أن شهادة الرئيس الصماد أعطت الشعب طاقة جديدة وعزما متجددا واندفاعا أكثر نحو التضحية كما كا...
- المجلس السياسي الأنصار الله يدين جريمة اغتيال القيادي حسن اليعري المرصاد نت - صنعاء أدان المجلس السياسي لأنصار الله بشدة جريمة الاغتيال الآثمة التي طالت حسن علي اليعري بمدينة ذمار مشيرا إلى أنه كان أحد الأصوات الوطنية ال...
- حوار الانتقالي الجنوبي – الجنوبي.. هل يوحد الصف الجنوبي أم يزيد من الانقسام؟ المرصاد نت - محمد حسين الدباء دشنت المرحلة الثانية من الحوار (الجنوبي- الجنوبي) أمس في العاصمة المؤقتة عدن الذي أطلقه المجلس الانتقالي الجنوبي بحضور عيدروس قاس...
- "العودة هي أقصى أمانينا" : الحرب تقسم الأسر اليمنية وتفرض عليها الشتات! المرصاد نت - متابعات “منذ حوالي أربع سنوات وأنا أعيش بعيدا عن أهلي ولم التقِ أحدا منهم” بمرارة تتحدث سمية علي وهي ناشطة حقوقية يمنية مقيمة في هولندا عن غربتها...
- الجارديان : الحرب كسرت اليمن .. ولابد من طريق جديد للسلام! المرصاد نت - متابعات قالت صحيفة “الجارديان” البريطانية إن اليمن يواجه منذ فترة طويلة تحديات هيكلية واقتصادية وإجتماعية وأمنية والحرب التي بدأت عام...
- بن سلمان يناور سياسياً: هل اقتنع بفشل خياره العسكري؟ المرصاد نت - متابعات أدركت السعوديّة فشل خيارها العسكري في اليمن فبعد الإصرار السعودي على المضيّ بالعدوان رغم استنفاذ بنك الأهداف منذ عامين ونصف، تلوح في الأف...
- «صفقة القرن»: اليمن المحاصَر ينتصر لفلسطين ! المرصاد نت - متابعات كعادته عند كلّ استحقاق لم يتأخّر اليمن عن قول كلمته. سريعاً خرج أبناؤه إلى ساحات العاصمة صنعاء التي ألفت أقدامهم، ليعلنوا، وسط غابة الصمت...