المرصاد نت - متابعات
مرت القضية الجنوبية بمراحل ومحطات متعددة هدوءاً وتصعيداً، حرباً وسلماً، ورغم أن جذورها سبقت قيام الدولة اليمنية الحديثة وعاصرتها وحدة وانفصالاً، فلا تزال القضية "عالقة" وتعود إلى الواجهة من حين لآخر وتعيد من جديد طرح موضوع التعايش بين الشمال والجنوب بسوابقه التاريخية وإمكاناته الحالية والمستقبلية.
تعتبر قضية جنوب اليمن من أبرز الإشكالات التي واجهتها الدولة اليمنية في تاريخها المعاصر ومن أكثر التحديات التي أثرت على الانسجام والوئام بين اليمنيين في شطري الدولة علماً بأن الوحدة بشكلها الحالي جاءت تالية على قيام الدولة المعاصرة بعد رحيل الاستعمار.
تعود جذور القضية الجنوبية في جوانبها السياسية إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر الميلادي حين كانت مناطق جنوب اليمن عبارة عن مشيخات وسلطنات متناثرة ومتناحرة تفتقر إلى كيان وأحد يجمعها الأمر الذي سهل على بريطانيا احتلال أبرز مناطقها وهي مدينة عدن عام 1839م.
وفي عشرينيات القرن الماضي ضم البريطانيون المشيخات المحيطة بعدن كإجراء احترازي لمنع المملكة المتوكليه في الشمال من اقتحام عدن ثم أسسوا في العام 1959م ما عرف باتحاد إمارات الجنوب العربي الذي ضم 21 مشيخة في جنوب اليمن.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1963 اندلعت ثورة التحرير في جنوب اليمن وتمكن الثوار من قتل المندوب البريطاني السامي كينيدي تريفسكيس يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 1963م مما اضطر بريطانيا لسحب قواتها من عدن عام 1967م وفور خروجها أعلن عن قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية بقيادة الرئيس قحطان الشعبي. وفي العام 1972 اندلعت اشتباكات حدودية بين دولتي شمال اليمن وجنوبه على خلفية مساعي إقامة وحدة بين البلدين.
وفي أواخر مارس/آذار 1979م بدأت مباحثات بين الرئيس الجنوبي عبد الفتاح إسماعيل والرئيس الشمالي علي عبد الله صالح توجت بالتوقيع على اتفاقية الوحدة وتشكيل لجنة دستورية مشتركة لوضع مشروع دولة الوحدة. وفي مايو/أيار 1988م أدت العديد من التفاهمات بين شطري اليمن -التي كان من ضمنها السماح بالدخول والخروج من الشطرين بالبطاقة الوطنية، وتأسيس منطقة استكشاف نفط مشتركة، ونزع سلاح الحدود- إلى تقليل التوترات وإعادة طرح الوحدة.
في 22 مايو/أيار 1990م توحد الشطران وأصبح علي عبد الله صالح رئيساً للدولة وعلي سالم البيض نائباً له وأعلن عن دستور جديد تم الاستفتاء عليه بنجاح عام 1991م. وفي 5 مايو/أيار 1994م اندلعت حرب كبيرة بين القوي السياسية الحاكمة استمرت حتى يوليو/تموز من العام نفسه وخلفت ما بين سبعة إلى عشرة آلاف قتيل وأدت إلى انتصار سلطة صنعاء وفرار القادة الجنوبيين خارج البلاد ومن بينهم سالم البيض الذي استقر في سلطنة عمان وانفرد صالح وحزب الإصلاح بشقية القبلي والديني والعسكري بحكم اليمن ومارس سياسة المنتصر وسرح آلاف الجنوبيين -عسكريين ومدنيين- من وظائفهم.
ومع نهاية التسعينيات بدأت تظهر أصوات منادية بتصحيح مسار الوحدة خصوصاً من بعض قادة الحزب الاشتراكي إلا أن صالح رفض ذلك وأطلق شعارات منها الوحدة أو الموت. ولكن العودة الحقيقية للقضية الجنوبية كانت مع ظهور الحراك الجنوبي عام 2007م عبر تأسيس جمعية المتقاعدين العسكريين في جنوب اليمن للمطالبة بحقوقهم.
وقد رفع الحراك الجنوبي في بداية أمره شعارات مناوئة للنظام الحاكم وداعية لإصلاح مسار الوحدة لكنه لم يلبث أن تطور من حركة احتجاجية ضد التهميش والإقصاء الذي يعانيه الجنوبيون بشكل أكبر من السلطة الحاكمة إلى حركة تمرد مدنية متعاظمة ليس فقط ضد حكم علي عبد الله صالح وإنما أيضا ضد استمرار الوحدة بين شطري اليمن.
وبعد اندلاع ثورة 11 فبراير واتساع دائرة الاضطرابات التي عمت معظم المدن اليمنية بما فيها الجنوبية مطالبة برحيل صالح وإسقاط النظام أعلن الحراك على لسان أمينه العام حينها عبد الله الناخبي وقف مطالب الانفصال والانضمام إلى المظاهرات والاحتجاجات التي تعم البلاد والتي دعا لها الشباب اليمني ثم انضمت إليها المعارضة ممثلة في أحزاب اللقاء المشترك.
بيد أن بعض فصائل الحراك لم تتبن هذا الطرح وأكدت استمرارها في المطالبة بالانفصال وانسحب أعضاء الحراك من المجلس الوطني لقوى الثورة الذي شكلته المعارضة معتبرين أن تشكيل الجنوبيين في المجلس غير منصف. ومع انطلاق مؤتمر الحوار اليمني يوم 18 مارس/آذار 2013م قرر فصيلان من الحراك المشاركة فيه، وهما مؤتمر شعب الجنوب، وكتلة الجنوبيين المستقلين بينما رفضت فصائل أخرى المشاركة فيه.
وبعد أخذ ورد وتمديد وتأخير اختتم المؤتمر الوطني اليمني أعماله يوم 25 يناير/كانون الثاني 2014م وأكدت الرئاسة اليمنية حينها أن وثائق المؤتمر ستتضمن حلاً عادلاً وشاملاً للقضية الجنوبية في إطار دولة موحدة على أساس اتحادي وديمقراطي وفق مبادئ العدل والقانون والمواطنة المتساوية وأن مخرجات ووثائق مؤتمر الحوار تستهدف "معالجة مظالم ضحايا الصراعات السياسية وفي حدود إمكانات الدولة وفي إطار مبادئ العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية".
وبعد سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن وتمددهم نحو الجنوب انخرطت القوى الجنوبية في مقاومتهم وتمكنت الأطراف بما فيها القوات الموالية للحكومة والموالية للحراك الجنوبي وبدعم من التحالف العسكري السعودي من السيطرة على محافظة عدن في يوم 17 يوليو/تموز 2015 بعد أنسحاب الجيش واللجان الشعبية منها وأصبحت بعد ذلك مدينة عدن بمثابة عاصمة مؤقتة لحكومة هادي ومقراً مؤقتاً لعدد من الوزارات والأجهزة الحكومية.
وفي 11 مايو/أيار 2017م أعلن في مدينة عدن عن تشكيل "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي" لإدارة المحافظات الجنوبية برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي ونائبه في المجلس الجديد وزير الدولة المقال هاني بن بريك وذلك بعد نحو أسبوعين من إقالتهما من طرف الرئيس هادي وبعد نحو أسبوع من تكليف الحراك الجنوبي للزبيدي بتشكيل قيادة سياسية لإدارة وتمثيل الجنوب.
ويتكون المجلس الجديد من 26 شخصاً على رأسهم الزبيدي ونائبه بن بريك "المعروفان بقربهما من الإمارات" ومن بينهم محافظو المحافظات الجنوبية باستثناء أبين إلى جانب شخصيات وقيادات من تيارات ومكونات الحراك الجنوبي.
وأعلنت حكومة هادي رفضها تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي لإدارة وتمثيل الجنوب وقالت في بيان لها عقب اجتماع عقده هادي مع مستشاريه بحضور رئيس الوزراء أنذاك أحمد عبيد بن دغر إنها ترفض هذا المجلس رفضاً قاطعاً.
ما حدث مؤخراً في عدن أعاد الصراع إلى الواجهة الاعلامية ولفهم أهمية التطورات في عدن بشكل أفضل يحتاج المرء أولاً إلى إلقاء نظرة على الشكل العام للقوات في اليمن وخاصة في الجنوب. لقد تعرّضت اليمن منذ عام 2015 إلى عدوان وحرب مدمّرة وخلال هذه الفترة من العدوان والحرب ظهرت مجموعات عديدة لها مصالح متعارضة فيما بينها ولكن في بعض الأحيان أتحدت هذه المجموعات فيما بينها لمصالح آنية وما حصل في عدن كان مثالاً حياً على ذلك.
في العام 2014 دخل الحوثيين إلى صنعاء ومن خلال التعاون مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح تمكنوا من استلام زمام الأمور في العاصمة في ذلك الوقت كان عبدربه منصور هادي رئيس البلاد وبعد أن استقال أصبح راضخاً لإملاءات النظام السعودي .. وهنا السعودية بدأت بتسويق فكرة مفادها أن منصور هادي استقال تحت ضغط الحوثيين ولكي يعود إلى صنعاء شكلت السعودية تحالفاً عسكرياً من حوالي 10 دول وبدأت بحملة عسكرية ضد اليمن.
هذه الحملة لا تزال قائمة حتى الآن وشكلت أسوأ فاجعة إنسانية في العالم وخلال هذا الصراع انفصل علي عبد الله صالح عن الحوثيين ليقتل بعد ذلك ولكن هذا لم يؤدِ إلى خروج صنعاء من تحت سيطرة الحوثيين لتكون النتيجة خروج جميع الدول من تحالف السعودية عدا الإمارات وبسبب عجز الإمارات والسعودية عن استعادة صنعاء اتخذوا من عدن عاصمة مؤقتة لسلطة هادي ولكن التحولات الأخيرة تظهر أن عدن ستبقى عاصمة ولكن ليس لليمن ككل ولا لجنوب اليمن الذي يحاولون عزله عن كل اليمن.
في جنوب البلاد هناك العديد من المجموعات والتيارات السياسية ولكن هناك مجموعتين تعدان أقوى من بقية المجموعات: مجموعة ما يسمى بـ”الحكومة الشرعية” بقيادة هادي الذي توفر له السعودية الحماية المجموعة الثانية باسم “المجلس الانتقالي الجنوبي” وتسعى هذه المجموعة لفصل جنوب اليمن وتأسيس دولة جديدة، هذه المجموعة تحميها الإمارات هاتين المجموعتين دخلتا في حرب دموية منذ عدة أيام لتكون النتيجة خسارة الفريق الأول وانتصار الفريق الثاني.
هذا الصراع بين الفريقين أظهر بشكل لا يدعو للشك حجم الصراع بين الإمارات والسعودية على اعتبار أن هاتين الدولتين تقتسمان حماية هذين المجموعتين بالتساوي. خلال الصراع الأخير سيطرت قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” على العديد من القواعد العسكرية والمراكز الإدارية وكذلك القصر الرئاسي في عدن واعتبر هادي أن ما يجري يعدّ انقلاباً على دولة القانون وقالت وزارة الخارجية في بيان لها: “ما يفعله المجلس الانتقالي في عدن العاصمة المؤقتة هو انقلاب على مؤسسات الدولة الشرعية”.
أثار ارتفاع الاشتباكات في عدن تكهنات بشأن النزاع الإماراتي السعودي خاصة وأن الإمارات أقدمت على عدة تصرفات في الأشهر الأخيرة لتحسين السياسة الخارجية للبلاد. في خطوة غير متوقعة أعلنت انسحابها من اليمن وأرسلت عدة وفود سرية إلى طهران لتحسين العلاقات مع إيران. ما حصل في عدن في الواقع أحدث علامة على الانقسام بين السعودية والإمارات ووصل النزاع إلى النقطة التي تستهدف فيها القوات السعودية مباشرة القوات التي تدعمها الإمارات في عدن. لهذا السبب يعتقد بعض المراقبين أن التوترات في عدن هي في الحقيقة حرب إماراتية سعودية بغطاء يمني.
هل ينقسم اليمن؟
حتى عام 1990م كان اليمن مجزأ إلى يمن شمالي يحمل اسم “الجمهورية العربية اليمنية” ويمن جنوبي يحمل اسم “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” وقد اتحد هذان البلدان في عام 1990 وانتخب علي عبدالله صالح رئيساً للبلاد حينها. لكن على الرغم من هذا التحالف لم تختف المشاعر الانفصالية في جنوب اليمن تماماً، مع بداية الحرب اليمنية في عام 2015م رأى الانفصاليون الجنوبيون فرصة لتحقيق تطلعاتهم لكن هل سينجحون في إنشاء دولة أخرى في جنوب اليمن مرة أخرى؟
من الواضح أن بعض الدول وخاصة الإمارات تدعم إنشاء دولة جديدة في جنوب اليمن؛ وحتى السعودية التي يبدو أنها تعارض الآن الانفصاليين لم يكن لديها رأي إيجابي بشأن توحيد اليمنيين الشماليين والجنوبيين لكن اليوم أصبح الوضع في اليمن أكثر تعقيداً بسبب العدوان والحرب إذا نجح مجلس الجنوب الانتقالي في إحياء اليمن الجنوبي فإن جهود السعودية لإعادة هادي إلى صنعاء وطرد الحوثيين من هناك سيكون أكثر صعوبة. لأن هادي هو أحد السياسيين في جنوب البلاد وإذا تم تقسيم الجزء الجنوبي من اليمن فلن يقبله أحد في شمال اليمن كرئيس لهذا السبب ربما لن توافق السعودية على فصل جنوب اليمن على المدى القصير.
المزيد في هذا القسم:
- تحالف العدوان السعودي يعترف: صاروخ يمني استهدف الرياض المرصاد نت - متابعات اطلقت القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية مساء السبت صاروخ باليستي نوع بركانH2 في ضربة قاتلة للنظام السعودي الذي اعترف لأول مرة ان الصا...
- واشنطن بوست: على العالم التوقف ثانية والتفكير بأرواح ملايين اليمنيين المرصاد نت - متابعات أكدت صحيفة "واشنطن بوست" الامريكية أن أكثر من ثلث سكان اليمن يواجهون خطر المجاعة بسبب اشتداد الحصار السعودي مطالبة العالم بالتوقف ثانية وا...
- فوضى الموت في عدن: إنفلات أمني واغتيالات وتصفيات جسدية المرصاد نت - متابعات عادت مدينة عدن إلى مسلسل الاغتيالات والتصفيات الجسدية وبوتيرة عالية حيث شهدت في الأسابيع القليلة الماضية تزايد عدد الاغتيالات التي طالت أ...
- رئيس اللجنة الثورية العليا يلتقي مُحافظي صنعاء ومأرب والجوف وريمة والبيضاء رئيس اللجنة الثورية يلتقي المحافظينالتقى رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي بصنعاء اليوم محافظ صنعاء حنين محمد قطينة ومحافظ البيضاء علي محمد المنصوري وم...
- الوجمان ينفى إدعاءات صحيفة "أخبار اليوم" ولم نتفاوض على نزع الاسلحة أساساً. نفى الشيخ صالح علي الوجمان ما نشرته صحيفة أخبار اليوم من أكاذيب في عددها "3311" الصادر بتاريخ اليوم الأربعاء 5 مارس 2014م عن موافقته حول موضوع نزع سلا...
- شهداء وجرحى في غارات هستيرية لطيران العدوان على عدة محافظات المرصاد نت - متابعات عاود طيران العدوان السعودي الأمريكي الغاشم شن غاراته الإجرامية على العاصمة صنعاء. وأوضح مصدر محلي بأمانة العاصمة لوكالة الأنباء اليمني...
- انتهاء اجتماع بين لجنتي الأسرى والمعتقلين بقصر بيان بالكويت المرصاد نت - الكويت انتهت جلسة الأطراف اليمنية اليوم الثلاثاء بقصر بيان الكويتي والتي ضمت ممثلي الوفد الوطني ووفد الرياض عن لجنتي الأسرى والمعتقلين والتي ن...
- غريفيث في صنعاء.. زيارة غير معلنة بشأن الحديدة! المرصاد نت - متابعات يبدو أن جهود المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث بشأن اتفاق الحديدة تعود إلى الواجهة من جديد بعد أن كانت العام الماضي وفي مثل هذا التوق...
- الأحمر يغازل معركة صنعاء والحوثي يوجه رسالة عبر الصواريخ الباليستية المرصاد نت - النجم الثاقب تحركات يديرها الفار والعميل علي محسن الأحمر الذي يقود الترتيبات والاستعدادات العسكرية ويحضرها قادة من حزب الإصلاح وزعماء القبائل منه...
- الوصول الى اتفاق وقف الحرب في أرحب " نص الاتفاقية ".. قال مصدر في لجنة الوساطة المكلفة بايقاف الحرب بمديرية ارحب أن اتفاقاً تم التوصل اليه مساء اليوم بعد الخروج بصيغة نهائية لوثيقة الصلح وبنود الاتفاقية والية تنف...