المرصاد نت - جمال جبران
الرئيس اليمني يستقبل... الرئيس اليمني يعزّي... الرئيس اليمني يهنئ... الرئيس اليمني يعيّن... الرئيس اليمني يقيل. هكذا تظهر صورة الرئيس عبد ربه منصور هادي المُقيم في العاصمة الرياض منذ سنوات وغير قادر على العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن ليقتصر وجوده على الخارطة السياسية اليمنية من خلال موقع وكالة الأنباء "سبأ" التي تديرها حكومته وتنقل أخباره وباقي المسؤولين اليمنيين.
شهوة إصدار القرارات الجمهورية تسيطر على هادي الذي لا يتوقف عن إعلانها باستمرار. البعض منها يأتي بشكل معلن والبعض الآخر يُكتشف مصادفة مثل القرارات الخاصة بأبناء كبار رجال حكومته من وزراء وسفراء أيضاً.
وبقدر ما يطرح الحديث عن اتفاق يجري الإعداد له في جدة بين حكومة هادي و"المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً لتقاسم السلطة إشكالية تعرّض سلطات هادي لتقليص إضافي إذ تظهر البنود المسرّبة إن صحت أنه سيتمتع بحق تعيين رئيس الحكومة وعدد من الوزارات السيادية لا جميعها بقدر ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت المرحلة المقبلة ستشهد فصلاً جديداً من إغراق الإدارات العامة بتعيينات جديدة أو تكون محطة فاصلة لبدء ضبط هذا التمادي في بلد يشهد حرباً منذ سنوات وتتقلص السلطة فيه باستمرار. مع الإشارة إلى أن التسريبات أظهرت وجود بند في الاتفاق يتحدث عن "إيقاف جميع الملحقين في السفارات وإعادة هيكلة الوظائف الدبلوماسية والوكلاء في الوزارات الحكومية".
قبل ظهور قصة المفاوضات بين حكومة هادي و"الانتقالي" كان هادي قد أصدر في 19 سبتمبر/أيلول الماضي قرارات قضت بتعيين محمد عبد الله محمد الحضرمي وزيراً للخارجية بعد شغور المنصب منذ يونيو/حزيران الماضي عقب استقالة خالد اليماني فضلاً عن اختيار سالم صالح سالم بن بريك كوزير للمالية وذلك بعدما عيّن سلفه أحمد عبيد الفضلي كمحافظ للبنك المركزي ليحلّ مكان حافظ معياد. صحيح أن هذه التعيينات كانت ضرورية لملء الشواغر إلا أنها تعيد التركيز على نوعية القرارات التي يقوم هادي بإصدارها وكيفية تدوير الأشخاص في مناصب الدولة.
لكن قد تبدو الإشكالية الأبرز والأكثر سخرية وإثارة للاستياء في أوساط اليمنيين في أن الشخصيات التي يقوم هادي بإصدار قرارات بتعيينها لا تقيم أساساً في أماكن سلطة هادي أو داخل اليمن حتى إذ يتوزع المعيّنون تحديداً من فئة وكلاء الوزارات على عواصم عدد من الدول العربية ويتقاضون رواتب بآلاف الدولارات وتتخطى بآلاف المرات الحد الأدنى للأجور في اليمن إن توفرت الرواتب أصلاً.
ويحدث هذا الأمر في وقت تفترض جميع المناصب التي يتم استحداثها وتعيين أشخاص فيها وجودهم على الأرض وفيما المناطق التي يُقال إنها واقعة تحت سلطة هادي أوالمناطق الجنوبية تهيمن عليها قوات عسكرية لا تتبع للحكومة وأخرجت منها بقوة السلاح التابع لتظام الإمارات والجماعات التي تدعمها.
ولعل الإشكالية الكبيرة في طريقة إدارة حكم الرئيس هادي هي أنه يقرر عن بُعد عن طريق السمع من الأخبار التي تنقل إليه أو عن طريق ما يشاهده على الفضائيات وعناصره التي تظهر عليها للكلام عن أحوال الأزمة اليمنية. حتى إنّ بعض قرارات التعيين صدرت لأشخاص فقط لأنهم ظهروا على الفضائيات يدافعون عن هادي. ولعل ما كتبه السفير اليمني مصطفى نعمان في شهر سبتمبر/أيلول الماضي عقب زيارته للعاصمة السعودية الرياض يلخص جزءاً مما يجري. إذ كتب قائلاً "قضيت أياماً في الرياض التقيت فيها كثيراً من اليمنيين وسمعت من أشخاص لا أشك لحظة في مصداقيتهم عن الأسلوب الذي يدار به مكتب الرئاسة. ما صدمني ليس ما سمعته عن العشوائية و"السبهللة" (أي كلام) التي يصف بها الجميع المكتب الذي هو في الحقيقة مكتب "سفري" (دليفري) تصنع فيه كل القرارات والتعيينات والصرفيات ولكني تيقنت أنّ الرئيس تحت الإقامة الجبرية من دائرته الضيقة التي لا تتعدى مدير المكتب وسكرتيره الخاص ونجليه! هو ممنوع من التصرف بدون إذن هؤلاء الأربعة ولا أحد يصل إليه عداهم. وضع كهذا لا غرابة معه أن تبحث الشرعية الرخوة عن عاصمة ثالثة تأوي إليها!".
في السياق يتحدث الباحث اليمني المقيم في فرنسا مصطفى الجبزي عن مسألة التدرج التي أوصلت إلى هذا الوضع حتى قبل تولي هادي الحكم وتمّ على أساسها "اختزال الإدارة العامة في مؤسسة الرئاسة والتي حافظت على فاعلية أكبر قياساً برئاسة الوزراء بسبب تعاظم دور الرئيس الراحل علي عبد الله صالح نتيجة سنوات حكمه الطويلة وضعف المعارضة واهتراء مؤسسات الدولة وسلطاتها".
ويشير الجبزي الذي عمل لفترة من الزمن في السفارة اليمنية في باريس إلى أنّ "المبادرة الخليجية ضاعفت من هيمنة الرئاسة إذ منحت الرئيس صلاحيات فوق دستورية نتيجة للمناخ التوافقي". وبرأي الباحث اليمني فإنّ "الرئاسة في عهد هادي تسيء استخدام هذا الصلاحيات عبر سياسة ترضيات وتسوية للمشهد السياسي من ناحية ومن ناحية ثانية نتيجة محاولة إثباتها، من خلال هذه التعيينات أنها موجودة ككيان يمثل الجمهورية بعد اختطاف الحوثيين للدولة في صنعاء".
ويلفت إلى أنّ "اغتراب شخص الرئيس واختزال الرئاسة في مجرد قرار وختم خارج الممارسات الإدارية البروتوكولية أصاب الإدارة العامة في مقتل". ويتوقف عند تداعيات ما يجري "في ظلّ غياب أي رقابة رسمية على ما يحصل، بعد أن كان بوسع الناس رفع قضايا ضدّ قرارات الرئاسة لمخالفتها القانون لا سيما بعد أن تعطل القضاء الإداري كلياً".
ويوضح الجبزي أنّ "مؤسسة الرئاسة ومعها الحكومة لم تلتزما بأدنى آليات العمل القانوني حتى من خلال نشر القرارات الرسمية عبر الصحيفة الرسمية" ويضيف "تتقافز أرقام القرارات، وما يظهر منها يندرج في بند المماحكات بين الأجنحة الفاسدة". ومن وجهة نظره فإنّ "محدودية طاقم الرئيس هادي منح فريقه صلاحيات تقود بالضرورة إلى الفساد والتغول".
من جهته يقول الصحافي في "مؤسسة الثورة" في صنعاء عبد القادر سعد إنّ "هذه سلطة لا شأن لها بالقرارات الكبيرة". وبرأيه فإنّه "ليس هادي من يختار رئيس الحكومة ولا وزير الخارجية أو حتى محافظ البنك المركزي هو متفرغ فقط لمتابعة نشرات الأخبار على الفضائيات وتتبّع صفحات فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي في حين تبقى القرارات الكُبرى للسلطات السعودية والإماراتية التي تنطق بها نيابة عن هادي لكنها تُعلن باسمه". ويلفت إلى أنه في سياق مواز، فإنّ "ما يجري يبرز فكرة انهيار المؤسسة الرئاسية"، لافتاً إلى أنّ "صناعة القرار الداخلي متهاوية منذ زمن إعلان الفترة الانتقالية عام 2011م ومجيء سلطة عبد ربه منصور هادي"، معتبراً أنّ تلك السلطة "سمحت لآخرين، منذ البداية، بالسيطرة على القرار الرئاسي".
وفي الإطار ذاته يتحدث رئيس تحرير صحيفة "النداء" (المتوقفة حالياً عن الصدور) سامي غالب عن خطورة التعيينات التي قام بها الرئيس اليمني في الإدارة العامة والدولة ككل، قائلاً إنّ التعيينات بالطريقة التي تمت هي "أعظم إهانة للشعب اليمني بعد ثورة فبراير 2011" وبالنسبة إليه فإنّ "ما حصل هو أنّ هادي ومن صعد معه إلى السلطة الانتقالية بدوا كمن يخرج لسانه هازئاً بمن وثق فيهم".
ويذكّر غالب بأنّ "أغلبية من خرجوا إلى ساحات الثورة والتغيير في اليمن عام 2011م كان مطلب المواطنة المتساوية وسيادة القانون في أعينهم. لكن هادي وقادة أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) غدروا بهم". ويوضح أنّ "سياسة المحاصصة الحزبية والجهوية في الخدمتين المدنية والعسكرية أدّت إلى تفكيك الكتلة الصلبة من شباب الثورة وتفاقم حالة الإحباط بين الناس العاديين ما وفّر هوامش كبيرة للفاعلين الجدد الذين يتحركون خارج سلطة التوافق مطالبين بدولة داخل الدولة (في إشارة للحوثيين) أو دولة خارج الدولة (في إشارة إلى فصائل من الحراك الجنوبي)". وفي المحصلة يرى غالب أنّ "هادي بواقع الأمر استهان بتضحيات اليمنيين وقارب مؤسسات الدولة وإرثها بخفة واستهتار ما أدى إلى تفكيك الدولة قبل المجتمع ورهن القرار الوطني اليمني للفاعلين الإقليميين".
المزيد في هذا القسم:
- اهتمام أمريكي عسكري في حضرموت المرصاد-متابعات التقى محافظ حضرموت مبخوت بن ماضي بوفد فريق الشؤون المدنية بالولايات المتحدة الأمريكية برئاسة رئيس الفريق الرائد كيفن. وحسب الصفحة الرسمية للسل...
- رئيس رابطة علماء اليمن يبعث برسالة إلى شيخ الأزهر (نص الرسالة) شيخ الأزهر ورئيس رابطة علماء اليمنأرسل السيد العلامة شمس الدين شرف الدين رئيس رابطة علماء اليمن رسالة إلى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وإلى علماء مصر، استنكر ف...
- مشروع وقف الدعم الأميركي أمام «الشيوخ»: ترامب نحو استخدام الـ«فيتو» المرصاد نت - متابعات بعد دخول اتفاق الحديدة مرحلة جمود متجددة، إثر فشل تنفيذ المرحلة الأولى منه عاود مجلس الأمن الدولي الاجتماع بالمبعوث الأممي إلى اليمن مارت...
- صنعاء : طوفان بشري يستهل العام الثالث من الصمود في وجه العدوان المرصاد نت - خاص حشود مليونية تقاطرت إلى العاصمة صنعاء في رسالة تحدي وصمود .. تجدد الوفاء للشهداء وتؤكد على عظمة وأصالة شعب يماني موغل في المجد والحضارة ومكلل...
- جنرال أمريكي يسخر من السعودية ومراكز حيوية في الرياض تحت رحمة اليمنيين المرصاد نت - متابعات يستمر النظام السعودي بقيادة تحالفه العدواني على اليمن مدمراً الحجر والبشر في محاولة منه لإرضاخ الشعب اليمني تحت عباءته وهاهم اليمنيون يدخ...
- ضيف الله الشامي .. تحرك الجيش جاء دفاعاً عن أبناء وأراضي الجنوب أكد عضو المكتب السياسي لانصار الله ضيف الله الشامي أن انصار الله يسعى إلى حل عادل وشامل للقضية الجنوبية وأن تحرك الجيش جاء دفاعاً عن أبناء وأراضي الجنوب...
- واشنطن تركز حربها ضد القاعدة على الأرض اليمنية! المرصاد نت - ميدل إيست اونلاين صعدت الولايات المتحدة الأميركية من جهودها للقضاء على قيادات ارهابية كبيرة في منطقة الشرق الاوسط والعالم حيث ركزت مؤخرا على استهد...
- البشير يعلن إستمرار المرتزقة السودانيين في الحرب على اليمن المرصاد نت - متابعات أعلن الرئيس السوداني عمر البشير أستمرار مشاركة مرتزقته إلى جانب قوات تحالف العدوان السعودي في اليمن رغم الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها بل...
- مجلس أنصار الله السياسي ينفي مشاركتة في مؤتمر بروكسل ويؤكد أن لا علاقة لهم بمخرجاتة .(البي... أكد المجلس السياسي لأنصار الله أن لا صحة لما تناولتة بعض وسائل الإعلام ومنها وكالة الأنباء اليمنية سبأ بخصوص مشاركتهم في ما سمي بمؤتمر بروكسل وأن لا علاقة لهم ب...
- إنفجار في جامع بدر وجامع الحشوش في صنعاء وإستشهاد عشرات اليمنيين من بينهم الدكتور العلامه ... إستشهاد الدكتور العلامة المرتضى بن زيد المحطوري مع عشرات الشهداء ، اتناء استهداف المصليين بجامع بدر بانتحاريي المخابرات الأمريكية ....