ذريعة واشنطن الوهمية القاعدة ... وأهدافها السيطرة على اليمن

المرصاد نت - متابعات

على أعتاب دخول العدوان العسكري السعودي ضد اليمن عامه الثالث يبرز تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كأخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم وأشدها فاعلية.Alqidah2017.3.4


ويوما بعد يوم تتشابك حبال المشهد اليمني أكثر ويصبح أكثر خطورة فبالإضافة الى القنابل التي تلقيها الطائرات السعودية منذ قرابة عامين تعزز بعض الجماعات الإرهابية والخارجة عن القانون موقعها في البلاد مما يؤجج الصراع في اليمن وعلى رأس هذه الجماعات الإرهابية يأتي تنظيم القاعدة في اليمن والمسمى بـ "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" باعتباره أخطر فروع تنظيم القاعدة في العالم وأكثرها فاعلية.

وفي هذا الصدد أدى فشل التيارات اليمنية في تشكيل حكومة وحدة وطنية وسياسات هادي العبثية وتفرده بالسلطة الى جانب الهجوم العسكري الذي شنه العدوان السعودي ضد اليمن الى دفع الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن نحو المزيد من التعقيد مما وفر أرضية خصبة لاستعراض تنظيم القاعدة عضلاته في اليمن.

وتأتي الضربات الجوية والإنزالات الأميركية المتتالية في سياق متصاعد تحت ذريعة محاربة الإرهاب وصولاً إلى تحقيق الحضور المباشر والدائم في اليمن. يُلاحظ من المؤشر البياني ارتفاع في نسبة التدخل الأميركي منذ تسلّم دونالد ترامب إدارة البيت الأبيض واتخاذه منحىً أكثر عدائية تجاه اليمن. يبرر مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيين هذا التدخل بأنَّ فرع تنظيم «القاعدة» في اليمن هو أحد الأفرع الأكثر دموية في العالم ويشكل أكبر تهديد فوري للولايات المتحدة مضيفين أنه قام بثلاث محاولات غير ناجحة لتنفيذ هجمات بطائرات فوق الولايات المتحدة.

رغم ذلك صدر عدد من التحذيرات لخبراء أميركيين وغربيين موجهة إلى الإدارة الجديدة من الانجرار إلى «مستنقع اليمن» خاصة أنه لا يبدو أن الضربات العسكرية التي نفذت على محافظات البيضاء وشبوة وأبين حققت كامل الأهداف المرسومة لها على خلاف الضجة الإعلامية الضخمة التي روجت أنها حققت الأهداف مع العلم بأنَّ الطائرات الأميركية من دون طيار تستهدف منذ سنة تقريباً قادة وعناصر «القاعدة» في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى البيضاء ومأرب الشماليتين.
وتحقق بالعموم طلعات هذه الطائرات أهدافها المرحلية (الاغتيال) تقريباً ولا سيما أنَّ المعلومات التي من ضمنها معلومات «القاعدة» نفسها تؤكد أن التنظيم تعرض لعمليات اختراق واسعة في صفوفه جرى الكشف عن بعضها، فيما نُفذت عمليات إعدام لعشرات المنتسبين إليه بتهمة التواصل مع الأعداء وفق بيانات «القاعدة».
وتأتي الضربات الأميركية في اليمن بعد اللغط الكبير الذي أعقب عملية الإنزال في منطقة يكلأ التابعة للبيضاء وسط اليمن، في 29 كانون الثاني الماضي التي أكد عدد من التقارير الاستخبارية إخفاقها وأنها أضرت بسمعة القوات الأميركية وهيبتها، بسبب سقوط ما يقارب عشرين مدنياً في العملية، بينهم أطفال. وقد حاولت الإدارة الأميركية الدفاع عن نفسها إزاء إنزال البيضاء بأن سربت إلى عدد من وسائل الإعلام أنَّ العملية نجحت بامتياز، وذلك بالادعاء أنَّ القوات الخاصة حصلت بعد العثور على أجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة الخلوية على كنز من المعلومات. ووفق تلك التسريبات، فإنَّ دور «القاعدة» في اليمن يتعدى البلد والإقليم ويصل إلى أن يشكل تهديداً عالمياً.
من جهة أخرى لاقت دولة الإمارات التي شاركت في إنزال البيضاء والضربات يوم أول من أمس التسريبات الأميركية بالادعاء أنَّ المعلومات التي حُصِل عليها في البيضاء ستغير خريطة التحالفات في اليمن وستدفع إلى تسوية سياسية في إشارة إلى إمكانية وقف الحرب الدائرة.
في غضون ذلك يرى المطّلعون أنَّ التصعيد الأميركي يأتي ضمن خطة أشمل لتعزيز الوجود العسكري في المنطقة بعدما ثبت إخفاق حليفتها (السعودية) في أكثر من بلد عربي وعجز الأخيرة عن الحسم العسكري في الحرب على اليمن. في الإطار نفسه تحاول واشنطن الاستفادة من الإمارات وتعزيز مشاركتها العسكرية في العمليات العسكرية الأميركية على «القاعدة» جنباً إلى جنب مع الجنود الأميركيين وذلك لتأهيلها ولتنشيط دورها على حساب الدور السعودي في المنطقة.
رغم ذلك يشكك كثيرون في الادعاء الأميركي بأنَّ الهدف من العمليات الأخيرة هو محاربة «القاعدة»، خصوصاً أن التنظيم يرتبط بصلات قبلية واجتماعية وكذلك بخطوط أمنية مع حزب «الإصلاح» الإخواني، بل يرى العديد من الخبراء أنَّ «القاعدة» هو الجناح الأمني والعسكري لجماعة «الإخوان المسلمون» في اليمن وأنَّ أي مقاربة أمنية من دون الأخذ بالاعتبار تلك الصلات هي كذرّ الرماد في العيون.
بمعنى آخر: إنَّ اقتصار المعالجة الأميركية للتنظيم في الإطار الأمني سيبقى قاصراً عن تحقيق إنهاء دوره، ويشير بوضوح إلى أنَّ محاربة «القاعدة» ذريعة قديمة ــ جديدة لشرعنة الوجود الأميركي في المنطقة، ولا سيما أن المساحة المشتركة الكبيرة بين ذلك التنظيم وحزب «الإصلاح» المتحالف حالياً مع السعودية التي تستضيف قادته وتوفر لهم سبل التحرك والتواصل وإدارة حزبهم يمكن معالجتها إذا رغبت الرياض في ذلك.
يستشهد المراقبون كذلك بأنَّ تنظيم «القاعدة» انسحب في العام الماضي من المحافظات الجنوبية التي كانت تحت سيطرته (حضرموت، أبين، لحج) ضمن تسوية سياسية وقبلية مع الجانبين الإماراتي والسعودي من دون أن تخاض أي معركة أو أن تسقط قطرة دم واحدة. كذلك إنَّ عودة التنظيم في الأسبوع الماضي إلى محافظة أبين وانتشاره في بعض مدنها جاء بعد انسحاب القوات المحسوبة على هادي وكذلك قوات «الحزام الأمني» المدعومة من الإمارات من دون قتال بل لم تستطع الجهات الرسمية في المعاشيق في عدن تبرير أسباب الانسحاب مع الإشارة إلى أن كلا الطرفين العسكريين المنسحبين يأتمران بقيادات «التحالف».
يشار إلى أنَّ المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس أصدر بياناً حول الضربات الأميركية أمس موضحاً أنها «ستحدّ قدرة القاعدة في جزيرة العرب» على تنسيق ما سمّاها الهجمات الإرهابية الخارجية، وتحد قدرته على استخدام الأراضي التي استولى عليها من «الحكومة الشرعية» في اليمن باعتبارها «مساحة آمنة للتآمر الإرهابي». وأضاف أنَّ أهداف الضربات شملت المسلحين والمعدات والبنية التحتية وأنظمة الأسلحة الثقيلة ومواقع قتالية.
هنا يدور السؤال عمّا إذا كانت الإدارة الأميركية جادة فعلاً في تفكيك «القاعدة» في اليمن، وخاصة أنَّ المساحات الآمنة للتآمر الإرهابي وفق وصف ديفيس، تسلم للتنظيم أصلاً من دون قتال، وذلك على يد المليشيات التابعة لـ«تحالف العدوان» أي إنه من باب أولى أنَّ على الأميركيين سؤال حليفهم (هادي) ومن ورائه الرياض وكذلك أبو ظبي (التابع الأميركي المفضل حالياً) عن سبب انسحاب القوتيين اليمنيتين من أبين، وكلتاهما تأتمران بأوامرهما؟

كما تعد نشاطات تنظيم القاعدة في هذه المحافظات الثلاثة " حضرموت -ابين - شبوه " فرصة جيدة لأمريكا فبوجود تنظيم القاعدة تستطيع أمريكا أن تنشر سفنها العسكرية في خليج عدن والبحر العربي بحجة مواجهة أنشطة تنظيم القاعدة. كما أن تأسيس قاعدة عسكرية مجهزة في هذه المنطقة يوفر المزيد من الامكانيات لحماية أمن الكيان الصهيوني ويؤثر على القدرات العملاتية لأساطيل الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي نشطت في هذه المنطقة خلال الأعوام الماضية.

ومن هذا المنطلق تغض وسائل الاعلام العربية والغربية النظر عن أنشطة تنظيم القاعدة في اليمن وتأثير الحرب وزعزعة الاستقرار في اليمن على ازدياد نفوذ التنظيم في البلاد.

ابن لادن: الفوضى في اليمن لا تخدم مصالحنا

أظهرت وثائق صادرتها الولايات المتحدة الأميركية بعد هجومها على منزل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن في أبوت أباد في باكستان عام ٢٠١١ اهتمامه الخاص بالانتفاضة القائمة في اليمن على حكم علي عبد الله صالح. وتبيّن الوثائق أنَّ الانتفاضة على صالح خلطت الأوراق بالنسبة إلى التنظيم في اليمن الذي طلب رأي زعيمه ومشورته.

وفي رسالة موجهة من ابن لادن إلى زعيم التنظيم في اليمن أنور العولقي الذي قتل قبل سنوات، قال الأول إنَّ «الحرب في الیمن وفي جزیرة العرب مع النظام المحلي المرتد فیهما لیس مناسباً الآن والواجب هو أنَّ نوجه كل طاقتنا وقدراتنا وإمكاناتنا إلى ضرب الرأس وهو أميركا والتركیز على العمل الخارجي».
كذلك ركز ابن لادن على ضرورة «الاشتغال بضرب الرأس وتفادي أي معارك جانبیة یجرنا إلیها الأميركان عبر وكلائهم» مضيفاً: «على كل سهم وكل لغم یمكن أن يستهدف الأميركیون به وهناك غیرهم ینبغي صرفه نحو الأميركیین دون غیرهم». وذكر في رسالته أنَّ «حرب العراق هي حرب الأمس وحرب أفغانستان هي حرب الیوم... وإنَّ حرب الغد هي حرب الیمن»، لأنها «أكبر مخزون نفطي في العالم كما تعلمون، إضافة إلى أنَّ أهلنا وعشائرنا هناك».
ومع استمرار «الحراك الشبابي» في اليمن طلب ابن لادن من أنصاره الهدوء ومراقبة الأوضاع مع عدم مواجهة الحكومة أو القبائل. وفي رسالة إلى «الشباب المسلم في اليمن» قال «زامراي» (لقب ابن لادن في الرسائل) إنَّ «الساعة الزمنية لليمن شبه متوقفة منذ أكثر من ثلاثين عاماً فلن يضرَّ اليمن أن تتوقف لبضعة أسابيع أو بضعة أيام بإضراب شامل لطلاب المدارس والجامعات ليخرجوا منكرين على الحاكم الظالم».

وأظهرت الرسائل أنَّ عناصر «القاعدة» في اليمن كانوا متحمسين أكثر من زعيمهم لإعلان قيام «الدولة الإسلامية». ففي رسالة إلى «المجاهدين» أوضح ابن لادن لأنصاره أنه إذا كان «التصعيد دون توافر المقومات المطلوبة، فهذا يعني أموراً خطيرة جداً» مضيفاً: «اليمن هي أكثر الدول العربية المؤيدة لإقامة الدولة الإسلامية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّ الوقت قد حان وأنَّ المقومات الأساسية اللازمة لنجاح هذا المشروع قد اكتملت».
لذلك، «يزداد حرصنا على المحافظة عليها والنظر بدقة وروية للتأكد من اكتمال العدة المطلوبة» ثم سأل: «هل خططتم وأعددتم للجهاد في هذا التوقيت آخذين بعين الاعتبار تناسب القوى بينكم وبين الأعداء المحليين والإقليميين والدوليين؟ أم أنكم وجدتم أنفسكم نتيجة لبعض أفعال الدولة وردود الإخوة عليها في خضم المعركة بدا لكم أن تواصلوا إضعاف حكومة اليمن ألم تنظروا إلى الجيوش الكافرة خلف الحكام (الكفر العالمي والإقليمي)؟ ينبغي أن نأخذ تلك القوى في حساباتنا العملية وليس النظرية فقط».
بعد ذلك أوضح أنَّ إقامة الدولة لا تقف عند الحدود العسكرية بل هناك الشقان الاقتصادي والاجتماعي اللذان تجب إدارتهما وتوفيرهما لليمنيين فيما طلب ابن لادن من عناصر «القاعدة» الاستفادة من الفوضى ونشر «الدعوة لقيام الدولة الإسلامية».
وبرغم دعمه «الحراك الشبابي» ودعوته أنصاره إلى استغلاله وكرهه الشديد «لوكيل السعوديين والأميركيين» صالح فإنه رأى أنَّ نظام صالح «أقل سوءاً بكثير لو جاء علي سالم البيض (رئيس جمهورية اليمن الجنوبي السابق) الذي له سابقة في الفتك بالإسلاميين، فإنه إن تسلَّم السلطة سيبطش بالحركة الإسلامية بجميع طوائفها وسيبدأ بالفكر الجهادي». لذلك رأى ابن لادن أنَّ «القول بإزالة الحكومة المرتدة وبقاء البلد في حالة فوضى أفضل من بقاء هذه الحكومة المرتدة غير صحيح».
وتساءل: «كيف يمكن نشر دعوتنا مع وجود الفوضى؟ كما أنه في ظل دولة ليس فيها حاكم يرسي قواعد الأمن بين الناس فتظهر وحشيتهم بشكل كبير ويصبح همّ الناس المحافظة على الدم والعرض ويكون هذا هاجسهم دون سواه». بهذه الطريقة «ستشارك دول المنطقة في دعم كيان الحزب الاشتراكي وهم معبّؤون ضد الإسلاميين وبذلك نكون قد هيّأنا الأجواء والقوة التي ينتظرها خصمنا منذ أكثر من عقد ونصف».

المزيد في هذا القسم: