صاروخ يستنفر واشنطن ولم يستفزها الجرائم التي تنفذ يوميا بحق اليمنيين

المرصاد نت - متابعات

هو الصاروخ اليمني الذي لا يزال يتفجّر في الرياض حتى بعد أكثر من شهر على إطلاقه. شُحِنت بقاياه إلى واشنطن لإضفاء «صدقية» للسردية وأمامه وقفت مندوبة واشنطن فيben mobarak2017.12.16 الأمم المتحدة لتذرف الدموع على مدنيين سعوديين لم يقتلهم أو يجرحهم الصاروخ.


هو مشهد ربما أراده ترامب عربونَ التزام بنود الصفقة مع ابن سلمان المأزوم يمنياً فجنّد أعضاء إدارته لمحاولة فرض الرواية السعودية

في مؤتمرها الصحفي أول من أمس أرادت مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي أن توحي بجدّية الخطب وخطورته فعرضت خلفها بقايا صاروخ قالت إن «أنصار الله» أطلقوه على الرياض في الرابع من الشهر الماضي مدّعية أنه دليل على «تورّط» إيران في تهريب صواريخ باليستية إلى اليمن لضرب السعودية رغم عدم إظهار أي دليل ملموس في عرضها الهوليوودي. بغضّ النظر عن حقّ اليمنيين بتصنيع صواريخ محلياً أو استيرادها من الخارج للدفاع عن أنفسهم في وجه آلة القتل السعودية نحن لسنا في عام 2003.

لا الظروف حينها مشابهة للظروف الحالية في المنطقة ولا حتى نيكي هيلي تشبه وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي رغم خبرته العسكرية أسقطته المعلومات التي لفّقها عن أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة عشية غزو العراق. أطلقت القوة الصاروخية اليمنية «الباليستي» يوم السبت 4 تشرين الثاني الماضي قرابة الساعة الثامنة مساءً باتجاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض.

في اليوم التالي الأحد كان الأميركيون يقضون عطلة نهاية الأسبوع لكن السعوديين لم يضيّعوا الوقت وعكف خبراؤهم (الذين يملكون باعاً طويلاً في تصنيع الصواريخ الباليستية) على فحص بقايا الصاروخ اليمني واكتشفوا أنه إيراني الصنع. بحسب وثيقة رسمية أميركية  أرسل نورم كولمان (السيناتور السابق) بصفته مستشاراً في جماعة الضغطHogan Lovells LLC (التي تتعاقد معها سفارة السعودية في واشنطن) رسالة إلى كل من: رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ريتشارد بور وعضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب مايك غالاغر وعضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ليندسي غراهام وزعيم الاغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونل وعضو مجلس النواب ويليام هورد وعضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ جيمس ريسك ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جون ماكين. يقول كولمان في الرسالة إن السفير السعودي خالد بن سلمان ــ الموجود حينها في الرياض ــ طلب منه أن يرسل هذا الخطاب لهم ليخبرهم عن الصاروخ اليمني الذي «أسقطته الدفاعات الجوية السعودية» ويضعهم بصورة ما توصلت الرياض إليه من أن بقايا الصاروخ تشير إلى أنه إيراني الصنع الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات ضد طهران.

يدّعي خالد بن سلمان في رسالته أن الصاروخ كان الرقم 78 الذي يُطلق باتجاه الأراضي السعودية من اليمن مع لحظ تطوّر في أداء الصواريخ ومدياتها. يتباكى ابن سلمان في رسالته قائلاً إن «الأطفال السعوديين ينامون كل ليلة ويتوقّعون سقوط صاروخ كل خمس دقائق»! ويتّهم إيران بتهريب الصواريخ إلى الحوثيين ويخبر أعضاء الكونغرس أن السعودية ترى في ذلك «عدواناً» إيرانياً تحتفظ الرياض بحق الرد عليه ويطلع المشرّعين الأميركيين على خطوات ستُناقَش في مجلس الأمن ضد إيران لاحقاً.

في 22 تشرين الثاني الماضي نشرت مجلة «فورين بوليسي» تقريراً أوردت فيه معلومات عن دفع البيت الأبيض باتجاه نشر معلومات استخبارية أميركية لدعم الرواية السعودية بأن إيران تقف وراء الضربة الصاروخية رغم إصدار خبراء مختصين من الأمم المتحدة ــ اطلعوا على بقايا الصاروخ ــ تقريراً قالوا فيه إنه لا يمكن الجزم بأن الصاروخ إيراني المنشأ، مشتكين من عدم تعاون السعوديين في التحقيق وحجب معلومات ومصادر مهمة مخافة افتضاح ضعف أداء دفاعاتهم الجوية ــ بحسب «فورين بوليسي» ــ وهو ما أكده تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» في الرابع من الشهر الجاري.

تبدو المؤسسة الأمنية والعسكرية الأميركية في موقع المضطرة لمجاراة الرواية الرسمية للبيت الأبيض حول قضية الصاروخ، وهذا ما يمكن تلمّسه في تصريح قائد سلاح الجو الأميركي لمنطقة جنوب غرب آسيا الجنرال جيفري هاريغيان الذي قال خلال مؤتمر صحفي في 10 تشرين الثاني الماضي إن هناك بعض المؤشرات على أن «الصاروخ مصدره إيراني»، ليعود في المؤتمر الصحفي نفسه ويقول إنه لا يستطيع الجزم حتى انتهاء التحقيقات، في حين أن حلفاءه السعوديين «اكتشفوا» منذ اليوم الأول أن الصاروخ إيراني.

بحسب ما هو ظاهر حتى الآن يمكن القول إن إثارة أعضاء في إدارة ترامب لقضية الصاروخ واتهام إيران مباشرةً بتزويد «أنصار الله» بالصواريخ لا يمكن فصلهما عن ترتيبات «المستشار» جاريد كوشنر ــ ابن سلمان ضمن بنود صفقتهما المشتركة. كل أعضاء الكونغرس بغرفتيه الذين وصلتهم رسالة خالد بن سلمان كانوا جمهوريين حصراً وفي ذلك إشارة إلى سعي لحشد الجمهوريين وتوحيدهم وراء التوجه الرسمي للبيت الأبيض.

ففي رسالة ابن سلمان جملة مفتاحية تعزّز الفكرة عندما يقول: «إنه الوقت المناسب في ضوء التصعيد غير المسبوق أن نرفع من جهودنا المشتركة لمواجهة التهديد الذي تسببه الصواريخ الإيرانية. هذا التهديد طبعاً يشمل المصالح العسكرية الأميركية الحيوية والوجود الأميركي في المنطقة». تستفيد إدارة ترامب من تبني الرواية السعودية هذه ضمن محاولات التأثير في الموقف الأوروبي الرافض لفرض مزيد من العقوبات على طهران على خلفية برنامجها الصاروخي وحتى إقناعهم بتأييد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، بالإضافة إلى تبرير إجراءات تشديد الحصار السعودي على اليمن التي اتُّخذت بداية الشهر الماضي.

باريس حذرة من إعلان واشنطن

بدت فرنسا حذرة بشأن إعلان «الولايات المتحدة عن امتلاكها أدلة تثبت قيام إيران بتزويد اليمن بالأسلحة» وقالت إنها لا تزال تقيّم ما لديها من معلومات. ورداً على سؤال بشأن ما إذا كانت باريس تعتقد أن الأجزاء المعروضة من الصاروخ تمثّل أدلة دامغة رفض نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية ألكسندر جورجيني تقديم إجابة مباشرة. وقال «لم تتوصل الأمم المتحدة إلى نتائج حتى الآن وفرنسا لا تزال تفحص المعلومات التي بحوزتها».

الصاروخ  اليماني يمكن أن تنقله واشنطن إلى"اللوفر"

إن كان هناك جائزة عالمية لشن الحروب وتدمير البلدان الآمنة؛ فإنها ستكون فيما لايدعو للشك من نصيب الولايات المتحدة الامريكية التي أمضت 93 بالمئة من عمرها في شن الحروب على دول العالم، بحسب الوثائق والإحصائيات وعلى ما يبدو فإن السعودية اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً أعلى لها في هذا المجال وربما تنافسها يوما ما "من يعلم؟!".

الفشل الأمريكي

خلال العقدين الماضيين على الأقل منيت الولايات المتحدة الامريكية بخسائر متلاحقة حطمت أسطورة الدولة العظمى التي شكلت رعبا لأغلب دول العالم وانهزم مشروعها في الشرق الأوسط عبر حركات المقاومة العربية وظهور قوى جديدة سحبت البساط من تحتها؛ الأمر الذي جعلها تستشرس لإعادة ماء وجهها في المنطقة عبر تقديم دعم لا محدود لكل من يساعدها في إعادة فرض الهيبة الأمريكية على دول الشرق الأوسط حتى وإن كان من سيساعدها "جماعات إرهابية متطرفة" وهذا الأمر شاهدناه مع الوثائق والاثباتات في كل من العراق وسوريا.

سقط المشروع الامريكي في العراق بعد أن عجزت واشنطن عن تحقيق أي هدف كانت تدعو له قبل شنها الحرب على العراق بل على العكس ما حدث هو تعميق الفوضى وتأجيج النزاعات والصراعات وحل الجيش العراقي وظهور جماعات إرهابية "زادت الطين بلة" لتخسر الولايات المتحدة الامريكية ثقة الشعب العراقي بها هذا "إن كانت موجودة هذه الثقة"، وعلى اثر الفشل الأمريكي ظهرت قوى وطنية من داخل الشعب العراقي ومن جميع أطيافه دافعت عن أرض العراق ووحدته وكانت الجمهورية الاسلامية الايرانية في تلك المرحلة وحتى الآن هي الداعم الاكبر لهذه القوى المدافعة عن أرض العراق واستطاعت هذه القوى التي يعد "الحشد الشعبي" عمادها إعادة الاستقرار إلى البلاد وطرد أخطر تنظيم إرهابي فيها.

هنا جن جنون الامريكي وشعر بأن مايحدث سيقوض من حجمه ويجعل الإيراني يتصدر المشهد العراقي ويكسب ثقة الناس هناك، لذلك حركت الولايات المتحدة الامريكية أذرعها في السعودية للدخول إلى المشهد العراقي وإعادة التوازن هناك لصالح أمريكا ولكن هذا ما لم يحدث، ونفس السيناريو تكرر في سوريا وأيضا فشلت أمريكا والسعودية هناك ولم يتمكنوا من إحداث أي تأثير فعلي على الأرض.

وما كان على الولايات المتحدة الأمريكية هنا إلا القيام بأي استعراض جديد لكبح جماح النفوذ الإيراني والذي يعري في حقيقة الأمر المخططات الأمريكية _السعودية في المنطقة، اليمن نموذجا لهذا الأمر ولهذه الأسباب وغيرها تعمل الولايات المتحدة الامريكية الآن على تصدير إيران للعالم بأنها "بعبع" يجب الحذر منه، وما فعلته سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي الخميس 14 ديسمبر/كانون الأول 2017 خير دليل على ذلك عندما أحضرت حطام صاروخ إلى إحدى القواعد العسكرية قرب واشنطن زاعمة أنه بقايا الصاروخ الذي استهدف العاصمة السعودية الرياض في الرابع من تشرين الثاني الماضي قائلةً أنه "صناعة إيرانية".

هذا الاستعراض الامريكي الذي لم تستطع هوليوود بكل ماكيناتها الإعلامية ومخرجيها أن يصنعوا شبيها له لم يتمكن من جلب أي حقائق تؤكد أنه صناعة إيرانية أو أن إيران هي من أرسلته لجماعة "أنصار الله" وحتى أمميا لم يثبت الأمر وفي السياق قال الناطق باسم الامين العام للأمم المتحدة فرحان حقّ  إن التقرير الذي قدّمه الأمين العام إلي مجلس الأمن الدولي اليوم هو تقرير نصف سنوي بشأن مدي تنفيذ قرار المجلس رقم 2231 "والمتعلق ببرنامج طهران النووي" حول الصاروخ الذي أطلق على السعودية قال حق : "لا توجد أدلة قاطعة على مصدر تلك الصواريخ".

إذا لماذا هذا الاستفزاز الأمريكي حاليا ومالغاية منه؟! وهل سنشاهد الصاروخ "اليماني " في متحف اللوفر من كثرة اهتمام الأمريكان به ؟! ربما النقاط المذكورة أدناه توضح جزءا يسيرا من المستور والباقي نتركه للأيام القليلة القادمة:

أولاً: تحميل إيران مسؤولية فشل الحروب الأمريكية_السعودية على المنطقة عبر توجيه التهم لها وتكريس هذا الأمر في المحافل الدولية ووسائل الإعلام المرئي والمقروء والمسموع لتغطية جرائم السعودية في اليمن من جهة وإبعاد الأضواء عما يجري هناك من ناحية أخرى خاصة أن الولايات المتحدة شريك في الحرب الدائرة في اليمن، كيف لا وهي من تمد السعودية بكافة أنواع الأسلحة ووقعت عقدا عسكريا معها بمبلغ 110 مليار دولار أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية في مايو/أيار المنصرم.

وكان الأجدر بهايلي ودولتها أن تعير بعض الإهتمام للجرائم التي تنفذ يوميا بحق اليمنيين وأن تطلب من حلفيتها السعودية أن تفك الحصار عن الشعب اليمني الذي يشهد كارثة إنسانية ومجاعة لن ترحم كل من تسبب بها عوضا عن إعطاء النظام السعودي الضوء الأخضر لانتهاج سياسات إقليمية عدوانية.

ثانياً: تغطية لفشل السعودية في حروبها من لبنان إلى اليمن هذا الكلام حقيقي وواقعي إذ تعاني السعودية من فشل ذريع في مخططاتها الحالية التي يشرف عليها الامير الشاب محمد بن سلمان والذي تسبب لبلاده بكثير من المآسي وهو لم يجلس بعد على "كرس المُلك" ولمن لايعلم فقد ذكرت وكالات أنباء عالمية؛ أن التقديرات غير الرسمية لتكلفة حرب اليمن، تتراوح بين 85 مليارا و760 مليون دولار إلى 87 مليارا و560 مليون دولار بما لا يشمل الخسائر غير المباشرة المتعلقة بتراجع الاستثمارات في السعودية على وجه التحديد، والزيادة في الإنفاق العسكري والنقص في احتياطي النقد الأجنبي.

وقدرت دراسة أخرى نشرتها مؤخرا جامعة "هارفارد" الأمريكية أن التكلفة اليومية للحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.

ثالثاً: صرف الانتباه عن قضية القدس التي لاتعيرها السعودية أي أهمية وهذا ما أكده معهد واشنطن في ورقة بحثية من ما سماه "تعامل السعودية في السياسة الخارجية مع موضوع القدس" مشيرا إلى "تجاهل الرياض لهذا الملف المهم".

المزيد في هذا القسم: