المرصاد نت - خليل كوثراني
في خضم الأحداث الدائرة في عدن يعلو يوماً بعد يوم صوت «المجلس الانتقالي» المدعوم إماراتياً. هذا التشكيل الذي تمكنت قواته من السيطرة على المدينة تطمح أبو ظبي إلى حجز موقع له في الخارطة السياسية اليمنية مستقبلاً ضمن صيغة مقترحة تعمل عليها برضىً سعودي.
صيغة يبدو أن أكبر الخاسرين من جراء السعي المتواصل إليها لن يكون إلا حزب «الإصلاح»، فرع «الإخوان» في اليمن
إلى اليوم ليس هناك ما يعزز وجهة النظر القائلة إن ثمة خلافاً عمودياً يتهدد الشريكين الخليجيين في الحرب على اليمن. تتجاهل بعض القراءات الأخذ بعين الاعتبار العوامل الداخلية في جنوب اليمن. وفي الجنوب كما في أزمة صنعاء الأخيرة ثمة تداخل كبير بين ما هو داخلي وخارجي.
يتصدر الأحداث كيان «المجلس الانتقالي الجنوبي» بزعامة مجموعة من رجال الإمارات على رأسهم اللواء عيدروس الزبيدي محافظ عدن السابق المقال من قبل هادي هذه القوة الصاعدة منذ أقل من عام، والتي تحاصر قصر الرئاسة في عدن وتطالب بإقالة حكومة أحمد بن دغر وبسطت سيطرتها على أهم المعسكرات والنقاط في المدينة تحظى اليوم بتأييد لا بأس به في محافظات اليمن الشرقية والجنوبية وبإسناد من مجموعة ميليشيات منظمة ومسلحة إماراتياً.
يمثل «الانتقالي» تياراً مِمّا كان يعرف بـ«الحراك الجنوبي» المطالب بحل القضية الجنوبية. وعلى الرغم من أن أصحاب مشروع «الانتقالي» هم حفنة من الموظفين الإداريين والأمنيين السابقين والحاليين في إدارة هادي المركزية فإن هؤلاء يرفعون شعارات دولة الجنوب الافتراضية ويحملون لواء «الاستقلال» عن الدولة التي كانوا موظفين في دوائرها قبل أشهر فقط. لكن لماذا خرج هؤلاء بأسلحتهم يوم الأحد؟ لمطلب وحيد: استقالة حكومة بن دغر وليس الانفصال أو «الاستقلال» من بين مطالب «الانتقالي» المعلنة ولا المضمرة في المجالس الخاصة يؤكد ذلك حصر الاشتباكات في عدن فقط، حيث تتمركز الإدارات، دون باقي المحافظات الجنوبية.
يحظى «المجلس الانتقالي» بتركيبة لا تشبه الحركات السياسية التقليدية إذ إنه لا يقدم نفسه كحزب لديه رؤية أو برنامج إنما تنظيم «سلطوي» منذ اللحظة الأولى لتشكله، مع تشكيلة من الأذرع العسكرية. فالتسمية هي «المجلس الانتقالي الجنوبي» والمقصود بها مجلس يمهد لاستقلال المحافظات الشرقية والجنوبية ويدير مرحلة «فك الارتباط» مع الشمال. شعار لا يرتبط ببرنامج عمل المجلس العسكري ولا السياسي لكن يمنحه ذلك تعاطفاً شعبياً واستقطاباً لأبناء هذه المحافظات الذين يعتمل لديهم موقف سلبي تجاه «حزب الإصلاح» الإخواني وتيار الرئيس السابق علي عبدالله صالح وهو شعور بالغبن تراكم منذ حرب 1994.
التشكيلات العسكرية الجنوبية، المدعومة من الإمارات، والمتحالفة مع «الانتقالي» أو المحسوبة عليه، لا تقاتل هي الأخرى وفق أجندة «التحرير والاستقلال» بل يتعدى نطاق عملها الميداني جغرافياً الجنوب اليمني إلى حيث تقود إشارة الضباط الإماراتيين والسعوديين، سواء في جبهات الشمال (البقع) أو الغرب: معارك الساحل في المخا والخوخة وغيرهما. وحيث هناك جبهات يشارك فيها جنوبيون، تظهر المصالح الخليجية: السعودية تريد حماية حدودها من «أنصار الله» والإمارات تلهث خلف السيطرة على الموانئ والجزر والمقاتلون الجنوبيون على الجبهتين «وقود» لهذه المصالح.
هذا المشهد المتناقض يبدّد فرضية الانفصال سواء كمطلب خليجي، أو يمني جنوبي إلى جانب تأكيد «الانتقالي» قبوله بـ«شرعية» الدولة المركزية ممثلة برئاسة هادي. ما يتضح أكثر فأكثر كل يوم أن القوة الصاعدة (المجلس الانتقالي) تحاول أخذ موقعها في الخريطة السياسية اليمنية كشريك بحصة دسمة مثلها مثل «حزب الإصلاح» أو ربما على حسابه وهي تعتمد في رهانها على قوة عسكرية وشعبية ملحوظة وعلى «تخادم» كبير مع «التحالف» لقرابة ثلاث سنوات.
يعتقد «الانتقالي» أن الفرصة باتت سانحة لتفجير الحكومة الحالية المهترئة أصلاً والتي ضاقت الرياض بها ذرعاً وفق تسريبات عن اتصال هادي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان عاتب فيه هادي حين استنجده لإنقاذ العملة اليمنية من الانهيار وطالبه بأموال سعودية قُدّمت لحكومته و«تبخّرت» جراء الفساد. وهذا التململ السعودي التقطه حلفاء أبو ظبي، كما التقطت الإمارات احتواء ورثة علي عبدالله صالح كقوة «شمالية»، يمكن الاعتماد عليها أكثر من «الحليف اللدود»: «تجمع الإصلاح»، الذي يرغب الإماراتيون في التخلص منه لخلفيته «الإخوانية». وتقوم الإمارات والسعودية الآن بإعداد وتأهيل جزء من تيار صالح انضم إليها بعد مقتل زعيمه. وبالأمس حسم عيدروس الزبيدي هذه التكهنات بتأكيده التحالف مع تيار علي عبدالله صالح ودعمه له في «تحرير المحافظات الشمالية».
سبقت أحداثَ صنعاء وعدن معلومات حول رؤية إماراتية للحل تقوم على جمع تياري صالح و«الانتقالي»، وإقصاء «أنصار الله» و«الإصلاح»، وهو ما ستؤمنه الأحداث الدامية هذه الأيام للإماراتيين، نسبياً، إذا ما شُكّلت حكومة جديدة. الدفع بالحلفاء المريحين والوثيقين لدى أبو ظبي قد لا يعني انزعاجاً سعودياً بالضرورة، وإن كانت معرفة مآلات هذه التطورات رهن الأيام المقبلة. لكن حتى الآن تتجاهل الرياض حكومة هادي في عدن، وتتركها لمصيرها، ولا تفعل شيئاً سوى التصريحات المطالبة بضبط النفس وبعض الوساطات لتجنب مذبحة بحق وزراء وضباط الحكومة.
وإضافة إلى أن الإمارات ليست قادرة على اتخاذ قرار بالانفصال أو تقسيم اليمن كقرار يفوق حجمها، فإن مصالحها لا تسمح بذلك أيضاً وهي التي تتطلع إلى السيطرة على الموانئ والجزر ليس في جنوب اليمن فقط بل في غربه كذلك لتبقى الرؤية الأنسب لها هي الرؤية السعودية المتمثلة بيمن «اتحادي» مشرذم يقوم على ستة أقاليم أو في أحسن الأحوال إقليمين: شمالي وجنوبي.
يبقى أن أبو ظبي ستحتاج إلى إقناع الرياض بضرورة إشراك «الانتقالي» في اللعبة وهي مهمة قد لا تكون صعبة على الإماراتيين رغم أن الفصيل الجنوبي المذكور ليس على صلة بالسعودية والطرفان لا يعرف أحدهما الآخر جيداً، كما هي حال العلاقة السعودية بـ«حزب الإصلاح» أو تيار الراحل علي عبدالله صالح.
والخلاصة أن ثمة تياراً جديداً صاعداً اسمه «المجلس الانتقالي الجنوبي» يراد له أن يأخذ حصة في المفاوضات اليمنية المرتقبة ويكون للإماراتيين وكيلاً قوياً تنحسر مع شراكته في السلطة سيطرة «الإصلاح» أو أي تيار في الجنوب يناوئ مصالح الإمارات. وستشهد الأيام المقبلة صعوداً لنجل شقيق الرئيس الراحل صالح، العميد طارق صالح. أما الخاسر من كل ما يجري فليس السعودية بل التيار الإخواني متمثلاً في «حزب الإصلاح» الذي لا يستمع أنصاره في الداخل، هذه الأيام إلى نصائح قياداته الموجودة في الخارج والتي بقيت لأشهر تحذّر من مصيدة ترصدها لهم الرياض وأبو ظبي.
المزيد في هذا القسم:
- اليمن 2019.. عمليات نوعية وتصدّع في قوى "التحالف"! المرصاد نت - عباس الزين مع بداية العام 2020 تقترب الحرب على اليمن من دخول عامها السادس. وفيما لا تزال قوى "التحالف السعودي" عاجزةً عن تحقيق إنجازٍ نوعي في الح...
- مقتل قيادي و4 من عناصر القاعدة بغارات لطائرة بدون طيار في البيضاء! المرصاد نت - متابعات استهدف طائرة من دون طيار يعتقد أنها أمريكية خمسة من عناصر تنظيم الشريعة في محافظة البيضاء وسط اليمن. وقال مصدر محلي أن قيادياً في التنظيم...
- تظاهرة حاشدة في سقطرى للمطالبة برحيل الإمارات! المرصاد نت - متابعات شهدت جزيرة سقطرى اليوم الأحد تظاهرة حاشدة تنديداً بالتصعيد الذي يتبناه المدعومون من الإمارات وتأييداً للسلطة المحلية في المحافظة الواقعة ...
- بالأرقام.. ثروات خيالية تم تهريبها إلى الإمارات تتبع عفاش ورموز نظامه المرصاد-متابعات ذكر موقع “الخليج الجديد” اليوم الاثنين في تقرير خاص عن دور الإمارات والأموال المشبوهة القادمة من اليمن، أن الإمارات كانت الطريق الأسه...
- الرياض تنتقم «جوّاً»: «انتفاضة شعبية» ليست واردة المرصاد نت - متابعات كما كان متوقعاً ردّ تحالف العدوان على النهاية المخزية لحليفه "الجديد ــ القديم " قائد «انتفاضة العروبة» التي قُتلت قبل أن تول...
- الإفراج عن 38 صياد يمني كانوا محتجزين في إرتيريا! المرصاد نت - متابعات قال مصدر مسؤول بوزارة الثروة السمكية، إنه تم الإفراج عن 38 صياد يمني كانوا محتجزين لدى السلطات الإرتيرية. وأوضح المصدر لوكالة الأنباء ال...
- الوفد الوطني يتمسك بمبدأ التوافق السياسي المرصاد نت - الكويت عقدت قبل ظهر اليوم الإثنين في قصر بيان الأميري في الكويت جلسة جمعت الوفد الوطني برئاسة محمد عبد السلام وعارف الزوكا بالمبعوث الدولي إسم...
- بالأسماء : 73 قتيلاً و22 جريحًا من الجيش السعودي خلال شهر مايو 2018 المرصاد نت - متابعات بلغ عدد قتلى الجيش السعودي خلال شهر مايو المنصرم، 55 قتيلا، و53 جريحا بناء على رصد لما تم الإعلان عنه في الإعلام السعودي جراء العمليات ال...
- الحكومة البريطانية ترفض وقف بيع أسلحة وقنابل للسعودية المرصاد نت - متابعات رفضت الحكومة البريطانية دعوة اثنين من اللجان البرلمانية لوقف بيع أسلحة وقنابل للسعودية بسبب استمرار عدوان التحالف السعودي على اليمن...
- مدينة عدن تعيش أوضاعاً معيشية صعبة ! المرصاد نت - متابعات تعيش مدينة عدن اوضاع معيشية صعبة للغاية، في ظل انهيار سعر العملة المحلية، وانعدام المشتقات النفطية واعلان مالكي المخابز الاضراب. هذه الأ...