المرصاد نت - متابعات
يستمر الصراع بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد حيث أصبح الصراع أمراً جلياً ومفصلياً في المشهد الراهن في البلاد ومفتوحاً على جميع الاحتمالات.
ويعتبر الإعلان أخيراً عن تأسيس حزب "تحيا تونس" التابع للشاهد خطوة جديدة ونوعية في سياق الحسم بين الرجلين، فما هي الخطوات المقبلة في هذه الحرب المعلنة؟
لا يختلف خصوم السبسي وأنصاره حول التسليم بأنّ تأسيس الأخير لحزب "نداء تونس" ساهم في تحقيق التوازن بعد الثورة مع حركة "النهضة" لإدارة المرحلة الانتقالية.
لكن بعد أربع سنوات من ذلك يشعر السبسي بقلق نتيجة انهيار هذا الصرح الحزبي بنسق متسارع على أيدي اثنين من أبنائه. الأول ابنه البيولوجي حافظ قائد السبسي الذي أخفق في المحافظة على وحدة الحزب وقوته فيما الثاني هو يوسف الشاهد ابنه الروحي الذي اصطفاه سابقاً ورشّحه إلى منصب رئاسة الحكومة قبل أن ينقلب عليه ويتحوّل إلى منافس عنيد وصعب رغم أنه لم ينتخب من قبل الشعب.
يدرك السبسي أنّ الشاهد لن يقف عند ذلك الحدّ وقد يقرّر المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليكون أحد منافسيه الأقوياء في حال قرّر تجديد العهدة الرئاسية. وبذلك يُقدم الشاهد على الخطوة الأخيرة من خطته التي تتمثّل في الإقدام على الإجهاز على الأب بثقة وعن سابق إصرار وترصّد.
ولم يعد السبسي قادراً على إزاحة الشاهد من رئاسة الحكومة فيده مغلولة بسبب الدستور الذي يعتبره المسؤول عن أزمة الحكم القائمة لأنه من المؤمنين بالنظام الرئاسي ويعتبره الأصلح لتونس على عكس النظام البرلماني الحالي.
كما أنّ السبسي عاجز عن وضع عراقيل أمام الحزب الجديد "تحيا تونس" الذي ولد كبيراً ومرشّح لأن يتّسع بنسق سريع. لكنه رغم ذلك يبقى قادراً على إيذائه ومحاولة إضعافه فهو من السياسيين الذين لا يستسلمون بسهولة.
وفي هذا السياق يحاول رئيس الدولة توظيف ورقة "النهضة" من أجل إرباك خصومه.
فقد أكّد في آخر حوار صحافي أجراه مع صحيفة "العرب" على أنّ "الهيمنة حالياً للنهضة التي تسير في الحكومة وبدونها لا وجود لهذه الحكومة".
وفي ذلك إشارة إلى خلافه مع رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي فضّل، حسب اعتقاده دعم الشاهد على حساب التحالف الذي تعاقد عليه مع السبسي.
وعلى هذا الأساس يرى الرئيس التونسي أنه كلّما أكد على أن الشاهد ورقة بيد "النهضة" تتحكّم فيه مقابل ضمان بقائه سيساعد ذلك على إضعافه داخلياً وخارجياً.
ولا يكتفي الرجل بذلك بل يعمل على إحراج الشاهد و"النهضة" معاً من خلال إبراز اهتمامه بما يسمى من قبل خصوم "النهضة" بـ"الجهاز السري" للحركة والذي برز الحديث عنه أخيراً.
وقال السبسي في هذا الإطار إنّ "الشعب يجب أن يكون على بينة من الطريق الذي نسير فيه.
وهذه الشفافية تقتضي أنه إذا كان هناك تفاصيل ثابتة بالوثائق، لن نتخلّف عن إشهارها لسلامة المسيرة التي نمشي فيها". وأضاف "لا بد أن نتأكّد إن كان هناك ذراع سري (لحركة النهضة).
النهضة تنكر وجوده، لكن الكثير من المراقبين السياسيين والمحامين الذين يتابعون قضايا اغتيال الشهداء، يقولون إنه موجود. دولة مثل تونس تريد أن تكون ثورتها نزيهة، يجب أن تعرف هل هذا الجهاز موجود أم لا؟ نحن لا نتهم بدون حجة".
من جهته يرى الشاهد أنّ هذا الأمر "مناورة" الهدف منها هو تفكيك التحالف الحكومي القائم بينه وبين حركة "النهضة" التي إن شعرت بأنّ رئيس الحكومة يشكّ في نواياها، فلن تتردّد في سحب ثقتها منه، مما يعني انهيار الحكومة ودخول البلاد في أزمة سياسية كبرى ومتعددة العواقب. لهذا يفضّل الشاهد ملازمة الصمت في هذه القضية، مكتفياً بما يردده أنصاره بأنّ هذا الملف مطروح حالياً بين أيدي القضاء للبت فيه.
الوسيلة الأخرى في هذه الحرب الباردة الدائرة بين الرجلين (السبسي والشاهد)، تتمثّل في الضغوط التي يمارسها السبسي على قيادة "نداء تونس" عسى أن تتمكّن من تنظيم مؤتمر ينجح في إنقاذ الحزب ويمكّنه من عودة قوية إلى المشهد السياسي لأنه يدرك مدى أهمية الحفاظ على الماكينة الحزبية في المعركة الدائرة حالياً. وهو رهان يعلم السبسي مدى صعوبته، في ظلّ المعطيات الواقعية القائمة داخل الحزب.
وفي رده على الرئيس السبسي يصف منسّق كتلة "الائتلاف الوطني" الداعمة للشاهد مصطفى بن أحمد الصراع القائم بين رأسي السلطة التنفيذية بـ"تنازع الصلاحيات"، موضحاً أنّ "رئيس الجمهورية نجح منذ أن أصبح رئيساً للدولة في التصرّف في مساحة تتجاوز تلك التي حددها له الدستور لكن الأمر تغيّر منذ أن فشلت وثيقة قرطاج في إزاحة الشاهد الذي قرر بدوره بعد ذلك التاريخ عدم التخلّي عن صلاحياته الدستورية واستثمارها بشكل كامل".
أمّا العامل الثاني الذي يفسّر سلوك رئيس الدولة حسب رأي بن أحمد فهو "البعد المعنوي. فالصراع الدائر هو صراع الابن ضدّ الأب وهو مرجّح لأن يزداد كلما اقترب موعد الانتخابات. فالأب هو الذي صنع الابن وله فضل عليه غير أنّ الابن وجد نفسه مضطراً للتمرّد والاستقلال بمصيره. اليوم كل واحد منهما قد سار في طريقه وما علينا إلا أن ننتظر كيف ستكون النهاية".
أمّا بالنسبة لورقة "النهضة" التي يستعملها السبسي لتضييق الخناق على الشاهد فيرى بن أحمد أنّ "رئيس الدولة كونه صاحب فضل على حركة النهضة يعتبر أنّ مساندتها للشاهد اختراق متعمّد منها للخارطة التي وضعها بنفسه، وبالتالي وضعت نفسها مع الشاهد في معركة حاسمة ضده".
هذا الصراع المرشح لكي يتواصل في العلن وفي الكواليس بين الرجلين ستكون له عواقب سلبية على أداء الدولة وهو ما جعل "مجموعة الأزمات الدولية" تعتبره في تقريرها الصادر قبل أيام أنه "زاد في تأزيم الوضع" كما اعتبرته من بين الأسباب الرئيسية التي استندت إليها للقول إنّ "هناك مخاوف حقيقة على المناخ الديمقراطي في البلاد".
وهو ما جعل المجموعة أيضاً تضع تونس ضمن "قائمة المراقبة المبكرة للدول المعرضة إلى خطر تنامي العنف أو تصاعد الأزمات خلال سنة 2019".
صلاح الدين الجورشي
المزيد في هذا القسم:
- امتلاك حزب الله الصواريخ الدقيقة استجرار عدوان أم ردعه وطي صفحته؟ المرصاد نت - متابعات ماذا يعني إعلان الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله إنجاز الحزب مهمة امتلاك الصواريخ الدقيقة؟ استجرار عدوان إسرائيلي أم ردعه و...
- الجيش يحافظ على مواقعه في شرق إدلب... وينشّط جبهة ريف حلب الجنوبي المرصاد نت - متابعات لم تتمكن الفصائل المسلحة برغم هجماتها العنيفة من تحقيق خرق مؤثّر في خطوط إمداد الجيش الممتدة بين ريف حماة ومناطق شرق إدلب عبر بلدة أبو دا...
- الحرب القذرة على فنزويلا .. تجويع وتخريب وعمليات استنزاف! المرصاد نت - متابعات تستمرّ الولايات المتحدة في معركتها الهجينة ضد فنزويلا التي يتصدّرها جنرالات الحروب القذرة من إليوت أبرامز إلى جون بولتون وغيرهما. وفي ظلّ...
- هل سيكون الأردن منطلقا لحلف العدوان على سوريا؟ المرصاد نت - متابعات تتوارد أنباء عن تحضيرات لتفعيل غرفة موك في الأردن بتحالف عسكري يضم الأردن والسعودية والإمارات واسرائيل ومحاولة ضم مصر والتي يبدو وضعت شرو...
- تحرير الجرود يقلق إسرائيل: حزب الله درع لبنان المرصاد نت - علي حيدر لم نعد نحتاج إلى كثير من تعليقات الخبراء والمعلقين الإسرائيليين لاستكشاف أصداء معركة تحرير الجرود ومفاعيلها في وعي صناع القرار السياسي وا...
- السباق إلى الحدود السورية : الحشد يكسر معادلات أميركية المرصاد نت - متابعات بعد أشهر على انطلاق عمليات استعادة محافظة نينوى ومدينة الموصل في شمال العراق يبدو أنّ «الحشد الشعبي» بدأ يُعدّ لإطلاق عملياته...
- بروكسل تدرس تعليق صادرات الأسلحة إلى السعودية المرصاد نت - متابعات كشف عدد من المسؤولين في بروكسل عن نية الحكومة البلجيكية فرض حظر على صادرات الأسلحة المتوجهة إلى السعودية. وقالت وسائل إعلام بلجيكية مح...
- تونس : الغنوشي يهدّد الشاهد: حان وقت الرحيل ! المرصاد نت - متابعات أثار تصريح رئيس «حركة النهضة»، راشد الغنوشي أول من أمس حول إمكانية التخلّي عن حكومة يوسف الشاهد موجة من الجدل في الساحة السيا...
- نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية التونسية تعلن اليوم! المرصاد نت - متابعات أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية نبيل بافون أن اعلان النتائج الأولية للمرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية ستعلن منتص...
- لبنان: استمرار الاحتجاجات الفلسطينية رفضاً لاجراءات وزارة العمل! المرصاد نت - متابعات استمر الإضراب العام مترافقاً مع تحرّكات شعبية في المخيمات الفلسطينية في لبنان للأسبوع الثاني. التحركات جاءت رفضاً لإجراءات وزارة العمل ا...