رياح الثورة المضادّة تهبّ من الصحراء: «الربيع الثاني» فرصة تعويض لـ«المحمّدين» !

المرصاد نت - متابعات

يوماً بعد يوم تتزايد المؤشرات إلى محاولة المحور الإقليمي الذي يقوده «المحمّدان» (ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد) ركوب موجة الحراكKsa Uae291919.4.15 الشعبي المستجدّ في الدول العربية من القارة السمراء والسير به نحو ما يلائم مصالحه.

بعدما فشل هذا المحور في تثبيت أقدامه في الدول الأقرب إليه حيث يشكو «تنامي النفوذ الإيراني» ها هو يجد الفرصة سانحة لقيادة هجوم مضاد يريد من ورائه تعزيز نفوذه بوجه خصومه لكن هذه المرة من شمال أفريقيا مستفيداً في ذلك من «البرودة» الأميركية حيال هذه الملفات والتي تبدو أقرب إلى ضوء أخضر لـ«الوكلاء» ومستغلاً أيضاً نوعاً من تقاطع المصالح مع روسيا.

في ليبيا تنظّر وجوه النظام السعودي بصراحة لضرورة انتصار ما تقول إنه «ثورة على الثورة». تعبيرٌ مضلّل يُراد من ورائه إسباغ مشروعية على تحرك الجنرال خليفة حفتر الذي تريد الرياض، ومعها أبو ظبي والقاهرة، التمكين له، بما يكفل القضاء على منافسيه، أو على الأقلّ تحجيمهم إلى الحدّ الذي لا يمكنهم معه مزاحمة «القيادة العسكرية».

أما في السودان فتتصدّر المشهدَ الإمارات التي يبدو ارتباط «جنرالات المرحلة» بها السمة الغالبة على هؤلاء. ترى أبو ظبي وحلفاؤها أن تزكية صعود القيادات التي كان لها الباع الأطول في تأجير البندقية السودانية في اليمن هو الحلّ الأمثل لتلافي أي سيناريوات «غير محبّذة» يمكن أن يفرزها الحراك الشعبي.

بتعبير آخر تجد الممالك والإمارات ومعها مصر في «حميدتي» و«البرهان» وغيرهما ذراعاً مناسبة للالتفاف على انتفاضة السودانيين وتكريس العسكرة حلاً على غرار نموذج عبد الفتاح السيسي والقضاء على «الجماعة الإسلامية» التي لطالما أرّقت السعودية والإمارات بتقلّباتها . كل هذه المعطيات تجعل مشروعاً القلق على التجربة الجزائرية التي أظهرت ـــ إلى الآن ـــ مناعة صلبة بوجه التدخل الخارجي ورفضاً قاطعاً لـ«النموذج» الخليجي في تأسيس «الشرعية».

لكن الحماسة الإماراتية ـــ السعودية لـ«افتراس» الانتفاضات المغاربية مثلما كان فُعل مع الانتفاضات المشرقية وتطلّع أكثر من طرف دولي إلى انتزاع حصّة من «كعكة» هذه المنطقة يفتحان الباب على سيناريوات عديدة ليس الانزلاق إلى أتون الفوضى مستبعداً منها خصوصاً إذا ما فشلت الأساليب الناعمة التي استُخدمت في تطويع دول القرن الأفريقي في تسيير سفن شمال القارة على النحو الذي يشتهيه وكلاء واشنطن.

العسكر يطلق عجلة «الحوار»: المعارضة منقسمة في مطالبها

مع انضمام «حميدتي» المُلقّب في الإعلام السعودي بـ«حامي الثورة» إلى المجلس العسكري الانتقالي في السودان يتعزّز الحضور الخليجي داخل القيادة الجديدة التي بدا لافتاً أن أول من التقى رأسها هو القائم بالأعمال الأميركي في الخرطوم ستيفن كوتسيس. هذه «الهوية» المتشكلة شيئاً فشيئاً تطرح الكثير من علامات الاستفهام حول ما يمكن أن يفضي إليه الحوار بين المجلس العسكري وممثلي المحتجين في ظلّ التناقضات التي تسم مطالب هؤلاء والخلافات التي بدأت تظهر بينهم فاتحة الباب على إمكانية انقسام صفوفهم وبالتالي تضعيف موقفهم.

بعد إزاحة وزير الدفاع السابق عوض بن عوف الذي أعلن بيان الانقلاب على الرئيس المخلوع عمر البشير يوم 11 نيسان/ أبريل استطاع المجلس العسكري بتشكيلته الجديدة برئاسة عبد الفتاح برهان جذب قيادة تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» لا سيما «تجمع المهنيين السودانيين» إلى طاولة الحوار لبحث المرحلة الانتقالية رغم أنه تماماً كما فعل بن عوف، لم يستجب لمطلب تقليص مدة الفترة الانتقالية لكنه وبحنكة أكثر بادر إلى تهدئة غضب المعارضة بالأمر بإطلاق سراح كل الذين حوكموا بتهمة المشاركة في التظاهرات، وتوعّده بمحاكمة جميع المتورطين في قتل المتظاهرين فضلاً عن إلغاء حظر التجوال وإلغاء القوانين المقيدة للحريات.

خطوات تَوّجها برهان أخيراً بدعوة قادة المحتجين إلى الاجتماع لبحث مطالب المحتجين وهو ما استجاب له تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» الذي أوفد عشرة أعضاء للاجتماع مرتين لكنه دعا إلى الاستمرار في الاعتصام المفتوح منذ 6 نيسان/ أبريل أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة ليلاً، لإبقاء الضغط على المجلس العسكري الذي تولى الحكم بعد عزل البشير. هكذا، تحاول «قوى التغيير» ما بين الشارع وطاولة الحوار انتزاع مطالبها من المجلس الذي تسلّم السلطة بانقلاب استغل دعوات الجيش إلى التدخل.

وبعدما أصدر «تجمع المهنيين» بياناً يوضح فيه رؤيته للانتقال السلمي باتجاه «حكم ديمقراطي مستدام» مطالباً بتسليم السلطة إلى «حكومة انتقالية مدنية متوافق عليها» تكون محمية بالقوات المسلحة، حضّ عضو المجلس، الفريق ياسر العطا، الأحزاب السودانية، على الاتفاق «على شخصية مستقلة لرئاسة مجلس الوزراء والاتفاق على حكومة مدنية» تتولى تسيير شؤون البلاد وهو بذلك وضع الكرة في ملعب المعارضة في ظلّ تباين وجهات النظر بين قواها السياسية.

فبينما طالبت «قوى الإجماع الوطني» بتسليم السلطة فوراً لحكومة مدنية مدتها أربعة سنوات وبصلاحيات تنفيذية كاملة ومشاركة المدنيين في المجلس الرئاسي الانتقالي مع المجلس العسكري أعلنت «الجبهة الثورية السودانية» وهي تنظيم يضمّ عدداً من الحركات المسلحة من عدة أقاليم في بيان ممهور باسم «الحركة الشعبية - شمال» بقيادة مالك عقار و«حركة تحرير السودان» بقيادة أركو مناوي، تبرؤها من خطوة جلوس «قوى الحرية والتغيير» مع المجلس العسكري.

وكون مبادرات المجلس العسكري لا تزال في دائرة «النوايا الحسنة» اعتبر تحالف «الحرية والتغيير» أن «تعزيز الثقة بين الطرفين» في شأن المرحلة الانتقالية يكون بخطوات على «العسكري» أن يستجيب لها من بينها «الاعتقال والتحفظ على كل قيادات جهاز الأمن والاستخبارات... على أن يتم تقديمهم لمحاكمات عادلة وفقاً للدستور» ومن ثم «إعادة هيكلة» الجهاز «بما يضمن له القيام بدوره المنوط به».

لكن من بين أبرز القيادات التي تتهمها «قوى التغيير» بارتكاب جرائم ضد الشعب على مدى ثلاثين سنة المدير العام للجهاز صلاح عبد‭ ‬الله محمد صالح المعروف بـ«صلاح قوش» والذي تقدّم باستقالته فور تعيين برهان رئيساً للمجلس علماً بأن الفريق جلال الدين الشيخ أحد أعضاء المجلس العسكري هو نائب قوش وعيّنه البشير في شباط/ فبراير الماضي.

أما المطلب الثاني لـ«تجمع المهنيين» فهو «حلّ ميليشيات النظام من كتائب ظل ودفاع شعبي وشرطة شعبية وغيرها» ثم اعتقال «كل القيادات الفاسدة في الأجهزة والقوات النظامية، وغيرها من الميليشيات المعروفة بارتكاب جرائم ضد المواطنين في مناطق النزاع المسلح في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وغيرها من أصقاع الوطن».

والمفارقة أن نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو الملقب بـ«حميدتي» هو قائد «قوات الدعم السريع» التي تعد امتداد لـ«ميليشيا الجنجويد» السيئة السمعة والتي كان لها دور كبير في مواجهة حركات التمرد في دارفور وجنوب كردفان. كما أن من بين الأعضاء الثمانية الآخرين في «المجلس العسكري» من يُعدّ من «النظام ورموزه» الذين تعهد برهان بـ«اجتثاثهم» من بينهم الفريق أول شرطة الطيب بابكر الذي عينه الرئيس البشير في 14 أيلول/ سبتمبر الماضي مديراً عاماً لقوات الشرطة وهو بحسب وسائل إعلام سودانية تولى إدارة العمليات في جهاز الشرطة في الخرطوم. ويعتبر المسؤول الأول عن مقتل عشرات المتظاهرين منذ بدء الاحتجاجات وآخرهم 21 قتيلاً من بينهم 5 عسكريين سقطوا في مواجهات أمام مقر وزارة الدفاع في الخرطوم حيث يعتصم الآلاف منذ السبت قبل الماضي.

في هذا السياق شدد وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية التي كُوّنت عقب تسلّم الجيش للسلطة من حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري عام 1985م اللواء عثمان عبد الله أن الأولوية يجب أن تكون لـ«السيطرة على العناصر المسلحين من الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية وكتائب الظل واتحادات طلاب حزب المؤتمر الوطني الذي تمّت إطاحة حكومته والشرطة السرية وأي وحدات مسلحة تحت أي مسمى وحصر أسلحتها ومقارها وكوادرها». كما دعا في منشور على «فايسبوك» إلى «تجريدها من السلاح وإدراجها في عهدة القوات المسلحة ومصادرة دور حزب المؤتمر الوطني في الخرطوم، وترك مقر له في كل مدينة».

ويبدو أن هناك إجماعاً بين المجلس العسكري والمعارضة على ضرورة تصفية الأجهزة الأمنية التابعة لحزب «المؤتمر الوطني» الذي حكم لـ30 عاماً وجميع مؤسساته الأمنية والإعلامية. وهذه تعتبر من التحديات التى تقابل المجلس العسكري الانتقالي، لأن هذه التشكيلات تدخل ضمن إطار ما اصطلح على تسميته «الدولة العميقة»، فيما تعتبر «قوى التغيير» أن ذلك شرط من شروط إثبات المجلس العسكري «حسن النية».

وهنا يرى المحلل السياسي حاج حمد أن أكبر تحدٍّ يواجه المجلس العسكري هو «إثبات مصداقيته أمام الشعب والتأكيد على عدم وجود انتماءات سياسية داخله من شأنها القفز عن مطالب الحراك الشعبي». وبحسب حمد «إذا مضى المجلس في إنفاذ ما يريده المحتجون والتمسك بمهنيته وإبعاد الجيش عن الأيديولوجيات والعمل بقومية يمكنه أن يحظى برضى قادة الحراك الشعبي».

هجوم طرابلس يزداد تعثراً: حفتر في القاهرة لاستطلاع الدعم

في زيارة غير معلنة التقى خليفة حفتر بالرئيس المصري في القاهرة أمس وذلك في إطار التشاور حول مجريات الهجوم على طرابلس في حين تواصل نزيف قوات حفتر بخسارتها أغلب المكاسب العسكرية الاستراتيجية التي حصّلتها قبل أيام وبعد زيارة لواشنطن استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حليفه الليبي خليفة حفتر. وبحسب مصادر مصرية جاءت الزيارة بطلب من القاهرة. وبخلاف البيان الرسمي الذي احتوى لغة محايدة حول الحفاظ على «وحدة ليبيا وسلامتها» تمت مناقشة التطورات الميدانية لعملية الهجوم على طرابلس. وشارك في الاجتماع قادة عسكريون مصريون، استفسروا من حفتر عن الصعوبات التي تواجه قواته، والوقت الذي يحتاج إليه للسيطرة على العاصمة. ووفق المصادر أكد السيسي لحفتر أنه لا يستطيع الاستمرار في توفير غطاء جوي له في الفترة المقبلة والأمر نفسه ينطبق على الإمارات.

ويأتي هذا بعدما اتهم وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا أول من أمس في حديث تلفزيوني الإمارات بمدّ حفتر بشحنات أسلحة وصلت عبر طائرتين إلى شرق البلاد قائلاً: «وردت إلينا معلومات بأن هناك طائرة أتت من دولة ما وهبطت في مطار بنغازي تحمل دعماً وعدةً وعتاداً عسكرياً وهذا مخالف لقرارات الأمم المتحدة».

على خط مواز، وبعد دفعها في اتجاه عدم إدانة الهجوم على طرابلس وتعطيل قرارات الإدانة من مجلس الأمن الدولي، ومن مؤسسات الاتحاد الأوروبي بدأت فرنسا التركيز على مسألة مشاركة إرهابيين ومطلوبين دوليين في القتال إلى جانب قوات حكومة الوفاق في ما يبدو مقدمة لتبرير دعم رسمي لحفتر، على رغم أن رئيس «الوفاق» فائز السراج دعا في بيان أول من أمس إلى «الانتباه إلى حملات التضليل من بعض الجهات، والتي كان آخرها الادعاء أن هناك في صفوف قواتنا مقاتلين ينتمون إلى تنظيمات ومجموعات إرهابية وهو ما ننفيه بشدة». هؤلاء المقاتلون أغلبهم بحسب الباحث الليبي بشير الزواوي إمّا مهربون من مدينة صبراتة والزاوية أو منتمون إلى تنظيم «سرايا الدفاع عن بنغازي» أو تابعون لصلاح بادي وهؤلاء جميعاً يحاربون إلى جانب «الوفاق» انطلاقاً من معاداتهم لحفتر.

وفي تطور جديد أعلن الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية «بركان الغضب» أمس أن قواتهم أسقطت طائرة من طراز «ميغ 23» تتبع قوات حفتر في منطقة وادي الربيع كانت قد انطلقت من «قاعدة الوطية» غرب طرابلس. وفي حين اعترفت قوات حفتر بسقوط الطائرة قالت إن السبب يعود إلى خلل في محركها. ويأتي ذلك بعد زيادة قوات حفتر استخدامها للطائرات والقصف الجوي إذ أعلن الناطق باسمها أحمد المسماري أنها نفذت 8 عمليات استهداف أمس. عمليات لا مؤشرات إلى «نظافتها» إذ إنها أدت إلى الآن إلى تدمير كامل مخازن وزارة التعليم وإتلاف المخزون الاستراتيجي لكافة الكتب المدرسية يضاف إلى ذلك استهداف «مدرسة القدس» في منطقة عين زارة جنوب العاصمة ومركز إيواء للاجئين.

وإلى جانب القصف بالطائرات استهدفت قوات حفتر أيضاً أحياء مدنية بقذائف وصواريخ، ما دعا البعثة الأممية إلى إصدار بيان حذرت فيه من أن «قصف المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف والمناطق الآهلة بالمدنيين محرّم تماماً في القانون الدولي الإنساني»، وأضافت أنها تقوم بـ«متابعة وتوثيق كل الأعمال الحربية المخالفة للقانون تمهيداً لإحاطة مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية».

أما لناحية الضحايا فقال فرع منظمة الصحة العالمية في ليبيا أمس إن عددهم بلغ 682 بينهم 121 قتيلاً والبقية جرحى بدرجات متفاوتة. رد الفعل الهستيري لقوات حفتر جاء نتيجة لفقدانها أغلب المواقع التي سيطرت عليها في هجومها المباغت قبل عشرة أيام وتراجعها إلى الخلف مع قدوم تعزيزات لقوات حكومة الوفاق، خاصة من مدينة مصراتة.

من ملف : «الربيع العربي» ــ 2: «المحمّدان» يحاولان التعويض - الأخبار

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية