المرصاد نت - متابعات
وسط رهانات محلية وإقليمية على استثمار النفط، ودور العشائر العربية في الصراع على مستقبل منطقة الجزيرة السورية تبدو «قوات سوريا الديموقراطية» ومن خلفها قيادتها السياسية أمام اختبار جديّ يحمل تحديات قد تتخطى ما مرّ في مرحلة الحرب الساخنة ضد «داعش»، كما قد تهدّد هيكلها الحالي..
لم تخرج الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها أرياف دير الزور منذ أكثر من عشرة أيام عن سياق موجة الغضب الشعبي في تلك المناطق والتي بدأت منذ سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» عليها، ولم تنتهِ بإعلان «هزيمة داعش» العسكرية في الباغوز. جولة واحدة في أرياف دير الزور الشمالية والغربية، تكفي لتلمّس نشاط خلايا تابعة لجهات متعددة: العبارات المؤيدة لتنظيم «داعش» تغطّي جدران قرى دير الزور متوعّدة بقرب عودة التنظيم و«الحساب العسير» لمن نشط ضدّه. كذلك، تحضر عبارات مناصرةٌ لفصائل «درع الفرات» وأخرى مؤيدة للجيش السوري خاصّة في ريف الحسكة الجنوبي المتصل جغرافياً بريف دير الزور. ولعلّ سيطرة «قسد» السريعة على تلك المنطقة وتجنيدها عدداً من سكانها في صفوفها أتاح المجال أمام نشاط أفراد تلك الخلايا لضرب استقرار نفوذ «قسد» من الداخل وهو ما قد يفسّر مثلاً التفجيرات المتكررة التي تشهدها المنطقة هناك.
احتكار النفط... وغياب الخدمات
ورغم أن التظاهرات حملت طابعاً خدمياً حين انطلقت في بلدة البصيرة إلا أنها عادت ورفعت مطالب سياسية بالتوازي مع توسّعها نحو قرى وبلدات واسعة في ريفَي دير الزور الشرقي والغربي ولا سيما بعد قتل «قسد» أربعة مدنيين خلال مداهمة منزل في قرية صفيان. وسرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى إضراب شعبي لسكان البصيرة والبلدات التابعة لها أُغلِقِت خلاله المحلات التجارية وقُطعَت طريق الحسكة ـــ دير الزور ومُنع دخول صهاريج نقل النفط القادمة من الحسكة إلى حقول دير الزور في محاولة لرفع منسوب الضغط على «قسد».
وتروي عدة مصادر أن سبب الاحتجاجات الرئيس تهميش قيادة «قسد» لـ«مجلس دير الزور العسكري» وكبار مسؤوليه وخاصة رئيسه أحمد أبو خولة، وعدم تقديرها لسقوط أكثر من 400 من عناصره في معارك هجين والباغوز كما استثناؤه من احتفال «إعلان النصر» العسكري على «داعش» الذي أقيم في حقل العمر النفطي. وتؤكد المصادر ذاتها أن «كل تضحيات سكان المناطق لم يرها مسؤولو قسد، الذين يواصلون حملة اعتقالات تعسفية بحق سكان أرياف دير الزور». وتضيف أن تلك المناطق تعاني من فوضى أمنية، مع تراخي «قسد» في التعامل مع اللصوص وقطاع الطرق الذي ينشطون بشكل ملحوظ هناك. وتشرح المصادر أن «من الأسباب الرئيسة للنقمة الشعبية هيمنة قسد على إنتاج النفط في مقابل عدم تحسينها واقع الخدمات في أرياف دير الزور التي دخلتها منذ قرابة عام ونصف عام لاسيما مع الانقطاع التام للكهرباء والمياه وعدم تشغيل شبكات ريّ الأراضي الزراعية» وهذا ما رفع نسبة المنخرطين في الاحتجاجات.
وتشرح مصادر أن «قسد» تُهرّب النفط عبر صهاريج إلى مناطق سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا من خلال تجار وسطاء وعبر معابر خاصّة وتبيع البرميل الواحد بنحو 55 دولاراً فيما رفعت سعر ليتر البنزين المكرر محلياً في ريف دير الزور من 65 إلى 150 ليرة سورية وليتر المازوت من 50 إلى 140 ليرة. وتكشف المصادر أن هذا التهريب يلقى ترحيباً وتشجيعاً من الجانب الأميركي، الذي يطلب في المقابل منع إيصال المحروقات إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية. وفي السياق نفسه قام عناصر في «التحالف الدولي» بطرد ورشات حكومية من حقل العمر النفطي ومعمل «كونيكو» للغاز كانت تقوم بعمليات إصلاح استعداداً لتمرير النفط والغاز لمناطق سيطرة دمشق من طريق التعاقد مع متعهدين مدنيين.
خوف من «استثمار» العشائر
ترى أوساط «قسد» أن تلك التطورات أتت بتحريض من «خلايا داعش ودرع الفرات» بهدف زعزعة استقرار المنطقة وتأليب الأهالي مستندة في ذلك إلى تصريحات صدرت منذ أيام عن القيادي المنشقّ طلال سلو، قال فيها إن تحالف «قسد» سينهار، وإن المكوّن العربي ستكون له كلمة ولن يرضى تهميشه المستمر، مقابل الهيمنة الكردية العسكرية والاقتصادية. وفي هذا السياق نشر «المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية»، المدعوم من تركيا عبر صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي أن «لقاءً جمع قادة فصائل المنطقة الشرقية المنضوين تحت راية الجيش الوطني مع مسؤولين أتراك لتشكيل جسم عسكري جديد لتحرير محافظة دير الزور» في موازاة زيارة وفد من المجلس الرئاسةَ التركية، حيث التقى نائب الرئيس فؤاد أقطاي.
ولا تخفى خشية «قسد» من امتداد الاحتجاجات إلى الريف الغربي القريب من الرقة ما يعني احتمال تمدّدها إلى أرياف الرقة ولا سيما تل أبيض القريبة من الحدود التركية وهو ما يفتح المجال أمام تحويلها إلى صدام عسكري خصوصاً في ضوء تواتر المعلومات عن وجود خلايا عسكرية مدعومة تركياً، قد تستثمرها الأخيرة ضد «قسد». هذا الخوف دفع الأخيرة إلى السعي لدى «التحالف» وطلب وساطته مع شيوخ ووجهاء العشائر في أرياف دير الزور لوقف الاحتجاجات واحتوائها وهو ما حصل فعلاً، بعدما التقى وفد من «قسد» وآخر من «مجلس دير الزور المدني» وجهاء عشائر المنطقة في بلدة الكسرة.
وتنقل مصادر عن بعض من حضروا الاجتماع قولهم إن الوجهاء حدّدوا مجموعة من المطالب للعمل على تهدئة الأهالي وإيقاف الاحتجاجات يمكن تلخصيها بـ«الإفراج عن كافة المعتقلين ووقف الاعتقالات التعسفية بالإضافة إلى وقف التعامل السيئ مع أهالي ريف دير الزور في كل من الحسكة والرقة وإلغاء التجنيد الإجباري لشباب دير الزور والاكتفاء بالراغبين في التطوع وصرف حصّة من النفط لإعادة تخديم البنى التحتية ومراعاة ثقل المكون العشائري والعربي».
هذه التطورات تدفع قادة «قسد» إلى الحرص على تطويق الاحتجاجات ومنع امتدادها إلى ريفي الرقة والحسكة الجنوبي. وقد تفضي لاحقاً إلى ولادة مقترحات لإعطاء المكون العربي حضوراً أكثر فاعلية، في محاولة لضمان بقائه داخل هيكلها العسكري والسياسي ولا سيما أن الحديث عن دور العشائر في مستقبل شرقيّ الفرات بات جزءاً لا يتجزأ من أدبيات مسؤولي الدول المعنية بالملف السوري.
«يديعوت أحرونوت»: متى تستفيق إسرائيل للتحدّي الصيني في سوريا؟
لم يعد الحديث عن حضور صيني فعال في سوريا مجرد تقدير خبراء أو نتيجة أبحاث أكاديمية بل هو حاضر أيضاً لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. هذا ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصدر أمني رفيع أكد أن من سيعيد إعمار سوريا هم الصينيون مشيرة إلى أن هذه الفرضية هي السائدة لدى الخبراء منذ سنتين متوقفة كذلك عند ما تفرضه هذه الحقيقة على الحكومة والجيش من ضرورة الاستعداد للتعامل مع آثارها على المكانة الاستراتيجية لإسرائيل.
وعبّرت «يديعوت» عن المخاوف ـــ التي يبدو أنها انعكاس لما هو متداول في دوائر مختصة ـــ من ألّا تُتخذ القرارات في إسرائيل حول هذه القضية إلا بعد فوات الأوان وأن يكون التعامل معها سطحياً. ولفتت في هذا السياق إلى أن إسرائيل سبق أن صدّقت في عام 2015 على إدارة شركة صينية لمرفأ حيفا لمدة 25 عاماً على أن يُمدَّد ذلك لمدة 25 سنة أخرى. لكن بالرغم من أهمية هذا القرار إلا أنه اتُّخذ دون عمل منظم أو دراسة للآثار التي يمكن أن تترتب عن مشاركة الصين على المدى الطويل في البنية التحتية الاستراتيجية في الدولة العبرية.
نتيجة ذلك تواجه إسرائيل اليوم إرباكاً سياسياً بعدما أعلن الأميركيون أن مشاركة الصين في مرفأ حيفا تُعَد مسّاً بالأمن القومي الأميركي لأن السفن الحربية الأميركية ترسو في المرفأ وتخشى واشنطن من تجسّس صيني عليها. وهو ما سيجبر تل أبيب لاحقاً على الاختيار بين الصين والولايات المتحدة. وبهدف تفادي هذا السيناريو تحاول تل أبيب التوصل إلى اتفاق مختلف.
«القصة الصينية» يمكن أن تكون أكثر دراماتيكية وتعقيداً؛ لأن إعادة إعمار سوريا مسار سيستمر لعشرات السنوات مع استثمارات يمكن أن تصل إلى تريليون دولار. وأشارت «يديعوت» إلى أن الاقتصاد السوري خسر حتى عام 2018 نحو 250 مليار دولار ودُمِّر نصف البنية التحتية ومن أصل 23 مليون شخص هُجّر قرابة ستة ملايين وتحول ما يعادل 4 ملايين إلى لاجئين داخل دولتهم. ولإعادة سوريا إلى ما كانت عليه عام 2011، هناك حاجة إلى مشروع لمدة 30 عاماً.
وفي قراءة خاطفة لقدرات الأطراف المعنية بالساحة السورية وخياراتها رأت «يديعوت» أن الروس لا يستطيعون حمل مشروع كهذا ولذلك يستثمرون في سوريا في البنية التحتية التي «تُحكِم سيطرتهم» مثل بنية تحتية كهربائية معينة، أو استثمارات في الجيش. أما إيران ففي وضعها الاقتصادي «تحتاج إلى ترميم نفسها أولاً». وليس للولايات المتحدة من جانبها «اهتمام» بسوريا والأوروبيون «يتحدثون فقط» فيما ليست لدى السعودية «أي رغبة» في مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد.
في المقابل الصينيون لديهم المال والمصلحة في إطار مشروع «طريق الحرير» الذي يريدون استكماله قبيل منتصف القرن. وتشمل الخطة بناء طرقات برية وبحرية بين الصين والسوق الكبرى في أوروبا، وفي الموازاة بسط الهيمنة الصينية في مجال الاتصالات الدولية. وتوقعت الصحيفة أن تطبّق الصين في سوريا النموذج الإفريقي، حيث قامت بعمليات بناء في جزء كبير من دول إفريقيا غير القادرة على الإيفاء بديونها، وهي تسيطر في المقابل على مواردها الطبيعية وتتحكم بشكل خاص بسياستها في خدمة المصالح الصينية.
وختمت الصحيفة الإسرائيلية بالقول إنه عندما يضخّ الصينيون مئات مليارات الدولارات في سوريا الروس «سيجلسون بهدوء» في مرفأ طرطوس وقاعدة حميميم حيث سيحافظون على مصالحهم هناك فيما سيضطر الإيرانيون إلى التصرف «بشكل جميل». أما إسرائيل فستضطر إلى التعايش مع مصالح العملاق الصيني على حدودها. لكن يبقى السؤال بحسب «يديعوت» متى سيفكر الإسرائيليون في الاستعداد لذلك؟ تقدّر الصحيفة أنه وفق الأسلوب الإسرائيلي المتبع «سيحدث هذا الأمر في اليوم الذي يلي ذلك» في إشارة إلى التأخر في الاستعداد للتحديات المقبلة.
المزيد في هذا القسم:
- ترامب بين لعنة أطفال اليمن وطيف خاشقجي ! المرصاد نت - متابعات عندما أحجمت مديرة الإستخبارات الأميركية جينا هاسبل – المحسوبة على ترامب – عن المثول أمام الكونغرس لتقديم المعلومات التي استقت...
- اردوغان وسياسة الصفر أصدقاء.. فتش عن الديكتاتورية ! المرصاد نت - الوقت على وقع الخلافات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو، أعلن الآخير الخميس انه لن يترشح لرئاسة الحزب ال...
- وسط «انشغال العالم»... النظام البحريني يمعن في القمع المرصاد نت - متابعات يبدو أن العام الجديد لن يحمل للبحرينيين أفضل مما أتى به العام الماضي والذي شهد «تدهوراً كبيراً في وضع حقوق الإنسان بسبب تراجع الضغط...
- السلطان قابوس: "دول مجلس التعاون" هي من تمول الارهاب في العالم المرصاد نت - متابعات هدد السلطان قابوس بمقاطعة بلاده مؤتمر القمة في الأردن اذا ما تم توجيه الاتهام لإيران بتمويل الإرهاب في العالم من باب ان الجميع يعلم ان...
- أسرى فلسطين: 880 حالة اعتقال لأطفال قاصرين خلال2019م! المرصاد نت - متابعات قال مركز أسرى فلسطين للدراسات إن سلطات الاحتلال واصلت خلال العام الماضي استهداف الأطفال بالاعتقال والاستدعاء وفرض الأحكام والغرامات المال...
- ارتفاع حصيلة هجوم الكرك جنوب الاردن الى ثمانية قتلى بينهم سائحة كندية المرصاد نت - متابعات افادت مديرية الأمن العام الاردني في بيان ان عدد القتلى في الهجوم الذي شنه مسلحون مجهولون الاحد على مركز امني ودوريات للشرطة في الكرك جنوب...
- ترامب: "الصين تغتصب اميركا"! المرصاد نت - متابعات هاجم المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب الصين واتهمها بـ "اغتصاب" بلاده والمسؤولية عن "أكبر عملية سطو في...
- بيونغ يانغ: واشنطن فقدت عقلها! المرصاد نت - متابعات هددت كوريا الشمالية بتوجيه ضربة "لا مثيل لها إلى الولايات المتحدة في وقت غير متوقع". وقالت لجنة الطوارئ الكورية الشمالية لمعارضة تدريب...
- كاراكاس تُسقط الانقلاب: العسكر ليس طَوْع واشنطن ! المرصاد نت - متابعات محاولة انقلاب فاشلة خاضها خوان غوايدو أمس لم تكن إلا دليلاً جديداً على قصوره ومن ورائه واشنطن في بسط سيطرتهما على فنزويلا. إلا أن الدلالة...
- كيف يستهدف ترامب الصين في انسحابه من معاهدة مع موسكو؟ المرصاد نت - متابعات إعلان واشنطن عن الانسحاب من معاهدة "القوات النووية متوسطة المدى" المبرمة مع الاتحاد السوفياتي عام 1987 اتساقاً مع وعود ترامب الانتخابية و...