المرصاد نت - متابعات
كان متوقعاً منذ التجربة الثانية لتطبيق التفاهمات بين الفصائل الفلسطينية والعدو الإسرائيلي أن الأخير لن يقدم شيئاً إلا تحت الضغط. وإذا ما ضُبطت المواجهة الجارية ولم تتحوّل إلى حرب وعُقد اتفاق جديد على تطبيق الاتفاق الثالث فستكون هذه هي المرة الرابعة التي تختبر فيها غزة السيناريو نفسه: اتفاق على الهدوء، تنصّل تدريجي، مواجهة متصاعدة. الجديد هذه المرة أن «الساعات القتالية» تطوّرت إلى «أيام قتالية» مع زخم أكبر وتكتيك جديد لدى المقاومة التي أصّرت على إيقاع «خسائر مدروسة» في الجانب الإسرائيلي.
وبينما وصلت الصواريخ حتى أمس إلى حدود 60 كلم وأظهرت فصائل المقاومة تناغماً منقطع النظير في الأداء الميداني، تبيّن فراغ بنك الأهداف الإسرائيلية سوى من قصف الكوادر الميدانيين والاستهداف الأوسع للمباني السكنية والمدنيين. وتتصادف هذه الجولة مع وجود وفدين رفيعي المستوى من حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» إلى القاهرة وهو ما يعني أن تحصيل ثمار المواجهة التي انكسرت فيها إسرائيل أمام غزة مجدداً ووجدت نفسها مرة أخرى أمام «اللاحرب» و«اللاتهدئة من طرف واحد»، منوط بطريقة إدارة قيادة الحركتين المفاوضات من هناك..
المقاومة ترفض «الهدوء مقابل الهدوء»: إسرائيل تنكسر مجدداً أمام غزة
لم تقبل المقاومة الفلسطينية فرض معادلات جديدة عليها بعد المماطلة الإسرائيلية في تنفيذ تفاهمات التهدئة إذ ردّت بقوة كبيرة على الاعتداءات التي بدأت مساء الجمعة الماضي بقنص جيش العدو عدداً من المتظاهرين في «مسيرات العودة» عبر الرد فوراً بقنص ضابط وجندية، ليغتال العدو عنصرين من المقاومة وتنطلق في اليومين الماضيين الردود وردود الفعل بين الطرفين. وحتى الساعة الأخيرة من أمس، بدا واضحاً أن التصعيد مستمر وخاصة أن قيادة المقاومة الموجود جزء كبير منها حالياً في العاصمة المصرية القاهرة، أصرت على تطبيق تفاهمات التهدئة السابقة دون شروط، رافضة مقترحاً إسرائيلياً تحت عنوان «الهدوء مقابل الهدوء» مثل المرات السابقة دون ضمان لتطبيق التفاهمات وهو ما سيدفع غالباً نحو يوم جديد من القتال إذا لم يتنازل العدو ويقبل شرط المقاومة حتى الصباح.
وبينما بدا جلياً قدرة المقاومة على التفاوض بالنار، وعلى إحداث إرباك في الساحة الإسرائيلية وجعل خيار الحرب مكلفاً، أشعل العدو حرب شائعات حول عملية عسكرية كبيرة، لكن ذلك لم يلقَ صدى لدى الغزيين، بل اتضحت المعنويات العالية لديهم وثقتهم بالمقاومة بمواصلتهم حياتهم بصورة طبيعية إلى حد ما. وميدانياً أسفر العدوان عن استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين، فيما استطاعت المقاومة قتل 5 إسرائيليين وإصابة أكثر من مئة عبر القصف الصاروخي المكثف واستهداف مركبات عسكرية بصواريخ موجهة. وفي الحصيلة أيضاً، دمرت الطائرات الإسرائيلية 15 عمارة سكنية في مناطق مختلفة من قطاع غزة النقطة التي كانت منطلقاً لتصعيد رد المقاومة. ووفق وزارة الصحة الفلسطينية ارتفع مساء أمس عدد الشهداء إلى 26 منهم ثلاث سيدات مع جنينين، إضافة إلى رضيعين وطفل فيما أصيب 154 مواطناً بجراح مختلفة.
وللمرة الأولى منذ 2014م عاد العدو إلى تنفيذ عدد من عمليات الاغتيال بحق عناصر المقاومة في مناطق مختلفة، ما أدى إلى عدد من الشهداء، لكن النسبة الكبرى كانت من المدنيين جراء استهداف المنازل، ومنهم عائلتان شمال القطاع، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية شقة سكنية مأهولة في منطقة الشيخ زايد، ما أدى إلى استشهاد أحد كوادر «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي» طلال أبو الجديان وزوجته وطفلته الرضيعة، كما استشهد أربعة آخرون، بينهم امرأة وجنينها في استهداف طاول عائلة المدهون في بيت لاهيا (شمال). وبينما نعت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ«حماس» اثنين من عناصرها على الأقل، نعت «سرايا القدس» سبعة من عناصرها. ووفق حصيلة شبه رسمية، شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي أكثر من 200 غارة، إضافة إلى استهداف المدفعية والبوارج البحرية أكثر من 100 موقع، بينها بنايات سكنية تضم مؤسسات إعلامية، إضافة إلى قصف وتدمير أراضٍ ودفيئات زراعية، علماً بأن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه هاجم ما لا يقل عن 320 هدفاً منذ السبت.
في المقابل كبّدت المقاومة الفلسطينية العدو الإسرائيلي خسائر في الأرواح والممتلكات خلال تصديها للاعتداءات. ورغم فرض الرقابة العسكرية حظراً على المعلومات، أقرّ الإعلام العبري بمقتل 5 مستوطنين منذ صباح السبت الماضي وإصابة أكثر من مئة، فيما نقلت الإذاعة العبرية أن أكثر من 600 صاروخ أطلقت من غزة خلال اليومين الماضيين. وكشف العدو مساء أمس أن صاروخاً أصاب منزل رئيس «لجنة الخارجية والأمن» في الكنيست ورئيس «الشاباك» الأسبق آفي ديختر في عسقلان صباحاً، كما نقل مسؤول كبير في سلاح الجو الإسرائيلي أن مستوطنات «غلاف غزة» والجنوب تعرضت لـ«هجوم غير مسبوق» بالصواريخ. وذكرت مصادر طبية إسرائيلية أن الجولة الحالية حصدت حتى الآن حياة 3 إسرائيليين اثنان منهم في عسقلان وثالث في استهداف مركبته بصاروخ موجه شمال شرق القطاع، فيما أصيب 131 إسرائيلياً بجراح مختلفة، خمسة منهم في حال الخطر (اثنان في حال الموت السريري) على الأقل كما تضررت عشرات المباني وخاصة في عسقلان. ولاحقاً أعلن الإعلام العبري مقتل حاخام متأثراً بإصابته بشظايا صاروخ سقط في أسدود، فيما كشفت المصادر العبرية عن مقتل مستوطنة أخرى بعد استهداف المركبة التي كانت تستقلها بصاروخ «كورنت» موجه بخلاف المستوطن الآخر الذي أعلن مقتله في الاستهداف نفسه.
وكانت «كتائب القسام» قد نشرت مقطعاً مصوراً يظهر عملية استهداف مركبة عسكرية شمال القطاع بصاروخ موجه، لكن يظهر في المقطع قطار بالإضافة إلى حافلة وكلاهما غير محصن، في إشارة إلى القدرة على إيقاع أعداد كبيرة من القتلى من غير العسكريين. كذلك، أعلنت «غرفة العمليات المشتركة» لفصائل المقاومة إطلاق مئات الصواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية، وبثت فيديو مشتركاً لاستهداف ناقلة جند إسرائيلية بصاروخ «كورنت» شرق القطاع.وفي وقت متأخر أعلنت السرايا أنها أدخلت صاروخ «بدر 3» في هذه الجولة، وأن رأسه المتفجر يزن 250 كلغ.
أمام هذه المعطيات أمر رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو جيشه بـ«مواصلة هجماته بقوة» وبتعزيز وحدات من أسلحة المدرعات والمدفعية والمشاة للتعامل مع أي تطور محملاً «حماس المسؤولية عن هجماتها وعن تلك التي تنفذها الجهاد الإسلامي» واعداً سكان الجنوب بـ«العمل لاستعادة الهدوء والأمان». وبالتزامن مع الحديث الإسرائيلي عن التحشيد نقلت القناة العبرية الثانية نبأ يفيد بوجود «وساطات دولية لإعادة الهدوء» فيما أكدت مصادر في المقاومة أنه لا هدوء دون ضمان تطبيق ما تم الاتفاق عليه أخيراً.
وفي هذا الإطار قال المنسق الخاص للأمم المتحدة لـ«عملية السلام» في الشرق الأوسط، نيكولاي ملادينوف أمس إن «الأمم المتحدة تعمل مع جميع الأطراف لتهدئة الوضع في غزة»، مضيفاً: «أدعو إلى وقف التصعيد الفوري والعودة إلى تفاهمات الأشهر القليلة الماضية... أولئك الذين يسعون إلى تدميرها (التفاهمات) سيتحملون مسؤولية الصراع الذي ستكون له عواقب وخيمة على الجميع». كذلك أدان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الهجوم الإسرائيلي على غزة وطالب بوقف العمليات العسكرية.
استراتيجية المقاومة: التدرّج في استخدام القوة
على رغم عودة العدو الإسرائيلي إلى سياسة الاغتيال المباشر ضد المقاومين الفلسطينيين لأول مرة منذ الحرب الأخيرة عام 2014م باغتياله الشهيد حامد الخضري (34 عاماً) المتهم بالمساهمة في نقل أموال من إيران إلى غزة وهو من أكبر الصرّافين في القطاع بدا واضحاً تجنب الجيش الإسرائيلي إحداث مجازر كبيرة بين المدنيين مثلما كان يحدث في الحروب الماضية، خشية رد فعل المقاومة التي أظهرت قدرتها على إصابة الجنود والمستوطنين في الجولة الجارية.
فمنذ بداية المواجهة أول من أمس اعتمدت المقاومة تكتيكات جديدة ولا سيما في الصواريخ التي باتت تطلَق بأعداد أكبر في وقت متزامن مع التركيز على مدينة واحدة وهو ما أدى إلى إحداث أضرار كبيرة ووقوع قتلى وعشرات الإصابات. الأخطر على العدو في هذا الأسلوب أنه يجري بصورة مشتركة وجماعية بين الفصائل كافة وبخاصة «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، و«سرايا القدس» الجناح العسكري لـ«الجهاد الإسلامي» وهو ما لم يتعامل معه بهذه الصورة من قبل ويناقض محاولاته منذ بداية المواجهة بثّ رسائل فرقة بين الحركتين عبر تركيز المستويات السياسية والإعلامية الإسرائيلية على «الجهاد».
ومجدداً استعملت المقاومة التدرج في الاستهداف، وتوسيع البقعة التي تصل إليها الصواريخ تناسباً مع الاعتداءات الإسرائيلية إذ بدأت باستهداف مستوطنات «غلاف غزة» برشقات صواريخ على نحو متفرق، لكنها سرعان ما اتجهت إلى إطلاق الصواريخ بكثافة أكبر وتركيز جغرافي محدد بعدما عمد العدو إلى قصف المباني في رسالة من المقاومة بقدرتها على تهجير مدن بأكملها وإحداث أضرار كبيرة فيها وهو ما أشار إلى بوادره الإعلام العبري عندما ذكر أن نحو 35% من سكان المستوطنات القريبة من القطاع تركوا منازلهم. أيضاً، تأكد ــــ كما في الجولتين القتاليتين الأخيرتين خلال الشهور الماضية ــــ أن صواريخ المقاومة صارت ذات دقة أفضل وقدرة تدميرية لافتة وباتت تحمل رؤوساً متفجرة أفضل مما كانت عليه.
من جهة ثانية حمل استهداف ناقلة جند وجيبين عسكريين بصواريخ «كورنت» موجّهة شرق القطاع رسائل بقدرة استخبارية عالية لدى المقاومة وإمكانية توجيه ضربات مؤلمة إلى الجيش في منطقة «غلاف غزة» وأيضاً الرد على عودة سياسة اغتيال المقاومين بضربات نوعية تهز المنظومتين الأمنية والعسكرية مثلما أظهر مقطع مصور باسم «غرفة العمليات المشتركة» لعملية استهداف حدودية علماً بأن إحدى ضربات أمس أدت إلى مقتل جندي واحد على الأقل.
وعلى رغم أن هذه التكتيكات ميدانية إلا أن الخلفية التفاوضية مع الاحتلال واضحة لأن الأساليب المستخدمة كانت تهدف إلى رسم معادلة وخطوط حمر أمام العدو يكون ثمن تجاوزها كبيراً، مع إدراكها (المقاومة) أن هناك سوء تقدير لدى الاحتلال نابعاً من إحساسه بخشية الفصائل من تدهور الأوضاع ودخول مواجهة شاملة وهو ما ثبت أنه غير صحيح، بعدما نفذت الأذرع العسكرية ضربات ضاغطة أظهرت أنها غير آبهة بإمكانية حدوث حرب الأمر الذي أكده المتحدث باسم «الجهاد الإسلامي» مصعب البريم، عندما قال إن «المقاومة على عتبات مرحلة جديدة في جولة صدّ العدوان ربما تفضي إلى حرب مفتوحة».
عموماً يمكن وصف طريقة عمل المقاومة خلال هذه الجولة بالاتزان وممارسة الضغط على الاحتلال بقدرة عالية، كونها تدرك أن الخيارات ضيقة لدى العدو الذي يريد إنهاء المواجهة في أقصر وقت، وهو يضغط في سبيل ذلك عبر عودة الاغتيالات واستهداف المنازل والأبراج من أجل إنهاء الجولة من دون الالتزام بشيء الأمر الذي شرحه المحلل العسكري أمير بوخبوط في موقع «والا» العبري بالقول: «إسرائيل في هذه اللحظات أصبحت في حالة جنون وخاصة أنها كانت تبني على أن ينتهي التصعيد مع قدوم رمضان لكن توقعاتها فشلت لذلك لجأت في الساعات الأخيرة إلى استهداف منازل ومبانٍ وربما تتطور الى أبراج في الساعات المقبلة وذلك من أجل دفع الفصائل الفلسطينية الى طلب وقف إطلاق النار الأمر الذي لم يحدث».
وأضاف بوخبوط: «بما أن الثمن الذي تدفعه إسرائيل بدا من اللحظات والأيام الأولى للتصعيد باهظاً، فإن (بنيامين) نتنياهو والجيش يخاف من عملية برية لا يريدها ولذلك يطلق الجيش والإعلام شائعات تستهدف الفلسطينيين في غزة».
قرءاة : هاني إبراهيم - الأخبار
المزيد في هذا القسم:
- سوريا المُختلف عليها بين الرياض وواشنطن المرصاد نت - متابعات كنبتة برّية انشقت عن التربة بعفوية هي سوريا التي زُرعت في وجدان أهلها الكثر داخل وخارج حريمها الجغرافي. اتفقت مع نظامها السياسي أو اخت...
- استشهاد فلسطيني والاحتلال يقتحم باحات الأقصى ويعتدي على المصلين! المرصاد نت - متابعات استشهد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي في مدينة الخليل بزعم محاولته تنفيذ عملية طعن ونقلت وكالات أنباء فلسطينية عن مصادر في الهلال ...
- السيد نصر الله: العدوان يقاتل حتى الأعراس والبسمة في اليمن المرصاد نت - متابعات أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله اليوم الاثنين أن العدوان السعودي الأمريكي يقاتل حتى الأعراس والأفراح والبسمة في اليمن. ج...
- الأردن :السيول توقع ضحايا... وإسرائيل «تساعد» المرصاد نت - متابعات ارتفع عدد ضحايا الفيضانات في الأردن إلى 18 قتيلاً و 34 مصاباً أغلبهم من أطفال بحسب مصادر طبية وحكومية أكدت أيضا أن البحث جارٍ عن عشرات ال...
- السودان يستدعي سفيره من مصر..والقاهرة: نقوم بتقييم الموقف المرصاد نت - متابعات قالت وزارة الخارجية السودانية أمس الخميس إن الخرطوم استدعت سفيرها في القاهرة للتشاور من دون أن يذكر السبب أو مدة بقائه. وقال البيان ال...
- جونسون يحذر الاتحاد الأوروبي من رفض عرضه بشأن بريكست! المرصاد نت - متابعات اختتم حزب المحافظين البريطاني اليوم الأربعاء أعمال مؤتمره السنوي بكلمة ألقاها رئيس الوزراء بوريس جونسون، لخّص فيها سياسات الحزب على الصعي...
- الوجه الآخر لأنتهاك حقوق الإنسان في الإمارات المرصاد نت - متابعات على الرغم من سعي الإمارات إلى تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي وتخصيص جزء كبير من حملاتها الإعلامية للترويج على أنها بلد حريات متقدم تحت...
- الشيخ حسن روحاني رئيسا لايران لولاية ثانية المرصاد نت - متابعات فاز الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات التي شهدت إقبالاً كثيفاً أمس الجمعة. الشيخ حسن روحاني ووفق النت...
- طهران : لا نعادي أي دولة في المنطقة لكن بعضها يأتمر لأميركا! المرصاد نت - متابعات في الحدّ الأدنى، يحظى تحرّك عمران خان للتوسط بين الرياض وطهران برغبة الطرفين. لكن هذا لا يبدو كافياً ولا سيما من وجهة النظر الإيرانية قبل...
- العلاقات الإسرائيلية السعودية .. حان الوقت للأعتراف بالحقيقة المرصاد نت - متابعات يري معلق الشؤون العربية في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أنه حان الوقت للاعتراف بالفم الملآن بأن إسرائيل والسعودية تجريان اتصالات في ما بينه...