حرب حفتر على «الإسلاميين»: ميليشيات طرابلس رأس حربة «الوفاق» !

المرصاد نت - متابعات

عام 1911م وفوق مجموعة من المزارع الصغيرة في طرابلس انحنى طيار إيطالي يدعى جوليو غافوتي خارج طائرته، وألقى قنبلة صغيرة فوق جنود أتراك. كان ذلك أول استعمال مسجل لطائرةHaftar2019.7.20 كسلاح حربي. اليوم يواجه رجال الميليشيات الليبيون المدافعون عن العاصمة تهديداً أكثر فتكاً قادماً من السماء: طائرات مسيَّرة تُطلق قنابل دقيقة. يقال إن الطائرات المسيرة قُدمت من الإمارات، التي تمثل «متطفلاً معهوداً» في ليبيا ما بعد الثورة إلى الميليشيات التي يقودها جنرال متمرد يدعى خليفة حفتر.

كان حفتر ضابط جيش أثناء حكم معمر القذافي ثم صار متعاوناً مع الـ«سي آي إي» وأقام شمال فرجينيا لعقدين وهو يراكم الآن الدعم الدولي ويوسع مجال سيطرته على رأس «الجيش الوطني الليبي» المنصب ذاتياً، زاعماً أن البلاد غير مستعدة للديموقراطية. يَعد حفتر بفرض النظام عبر تأسيس حكم سلطوي هو أيضاً عدو مكرس للإسلاميين وقد قال لي عند لقائه عام 2014م إنه توجد ثلاثة خيارات أمامهم: «أن يقتلوا، أو يسجنوا، أو يغادروا البلاد».

حين أطلق هجومه على حكومة «الوفاق الوطني» في الرابع من نيسان/ أبريل هذا العام أعلن حفتر أنه «يُطهّر» المدينة من الميليشيات الفاسدة والإسلاميين. تُمثل هذه التعهدات غطاءً رفيعاً للاستيلاء على السلطة وقد سمى مبعوث الأمم المتحدة التحرك «انقلاباً». على أي حال، يشمل «جيش حفتر» عدداً من الميليشيات القبلية والسلفية الغارقة أيضاً في الفساد. وبعد أيام على الحرب تلقى حفتر مكالمة شخصية من الرئيس دونالد ترامب الذي أثنى على «رؤيته» لليبيا (في 15 نيسان/ أبريل). ورغم أن الولايات المتحدة دعمت حكومة «الوفاق»، إلا أن حفتر تمتع طويلاً بدعم عسكري من نظامين مستبدَّين مفضلين لدى ترامب: مصر والإمارات وكذلك من فرنسا وروسيا. وقد عوّل داعمو حفتر الدوليون على دخول «سريع ودموي» إلى العاصمة لكن ذلك لم يحدث، في حين أظهرت الميليشيات الطرابلسية التي أمل أن تنضم إلى جانبه مقاومةً شرسة.

أوقف معارضو حفتر «غزوه» وهم واثقون بقدرتهم على دفعه خارج غرب ليبيا. لكن الميليشيات المختلفة في الجبهة موالية اسمياً فقط للحكومة المركزية الضعيفة على رغم أنها تدفع لبعضها البعض بشكل جيد مقابل القتال. وفي حال هُزم حفتر، يمكن أن ينشب صراع حول السلطة بين المنتصرين.

في إحدى أمسيات الشهر الماضي التحقتُ بمجموعة من رجال الميليشيات المعادين لحفتر في أطراف طرابلس. فوق سطح فيلا مدمرة أخذ شاب طويل ونحيل يراقب الجبهة عبر منظار ليلي. كان الهواء مثقلاً برائحة غلال حلوة وفاسدة. وكانت قوات حفتر على بعد ثلاثمئة متر، على الجانب الآخر من بستان زيتون يطوّقه شجر العرعر. وعلى يسارنا، كان يوجد وميض رصاص كاشف وهدير رشاشات ثقيلة وصوت سقوط القذائف. محتمياً وراء جدار خرساني كان قائد السطح يستمع باهتمام إلى جهاز اتصال سرقه من قوات حفتر.
«صفر ــــ اثنان، صفر ــــ أربعة. توجد جثث في التايغر!».
«صفر ــــ أربعة. أخرجهم من هناك!»
«لا أستطيع، لا أستطيع، يوجد رصاص كثيف!».
«التايغر» هي ناقلة جند مصفحة أرسلها الإماراتيون ودمرها مقاتلو حكومة «الوفاق». كان بإمكاننا رؤية بقاياها المشتعلة وراء السياج. ظن مقاتلو حفتر أنها أصيبت بصاروخ مضاد للدبابات، لكن مقاتلي حكومة «الوفاق» أمروا بالتراجع «لأننا سنستهدفها من الجو». وتُرجح درجة الدقة أن القصف تم بطائرة مسيرة يعتقد أنها من تركيا وليس عبر طائرات «الوفاق» المهترئة.
قائد قوات الوفاق (في الموقع) يسمى محمد الضراط لكنه ينشط بكنية «غلاو» وهو مهندس دمث في آخر عقده الرابع، قابلتُه آخر مرة في صيف 2016م خلال حرب دامت سبعة أشهر ضد «داعش» في مدينة سرت وسط البلاد.

يقول حفتر إنه يحارب إرهابيين في طرابلس، لكن «غلاو» ليس الميليشياوي الوحيد الموالي لحكومة «الوفاق» الذي حارب ضد التنظيم الإرهابي. أراني كثيرون جروح شظايا ورصاص خلّفتها المعركة. فقدَ بعض هؤلاء إخوة وأبناء عمومة. حينها، تمتع المقاتلون بغطاء جوي ومعلومات استخبارية من العسكريين الأميركيين العاملين في غرب ليبيا. لكن بعد فترة قصيرة من هجوم حفتر على العاصمة، غادر هؤلاء الأميركيون البلاد. وفي ذلك الوقت، اتصل ترامب بحفتر، وهو «أمر يقلقنا» كما قال لي «غلاو». وقال أيضاً إن الدفاع عن طرابلس أصعب من القتال ضد «داعش»، حيث «نحارب الآن ضد جيش وليس منظمة إرهابية»، مضيفاً: «لم نتوقع أن تستمر كل هذا الوقت».

فوجئتُ بأن الميليشيات التي تحارب حفتر متناسقة ومترابطة بشكل جيد، على رغم أن بعضها كان يتقاتل قبل أشهر قليلة. قابلت شاباً من طوارق أقصى جنوب ليبيا يحارب في ميليشيا مستقرة في طرابلس تحوي صفوفها مكوناً سلفياً كبيراً، وتسمى «قوة الردع الخاصة». يوجد مقاتلون من بنغازي، هجرهم حفتر في الأعوام الماضية، وتتملكهم رغبة في الانتقام. ويغطي هؤلاء وجوههم لأن لهم عائلات في الشرق، قد تتعرض بدورها للانتقام. يُقلق الأمازيغ (المعروفون شعبياً باسم البربر)، المنحدرون من الجبال الغربية، حول رؤية حفتر العربية الإقصائية، وقد قال لي أحد قادتهم العسكريين إن «أول ما يفعله أي ديكتاتور هو ملاحقة الأقليات». بعض المقاتلين قالوا لي إنهم يحاربون بدفع من الحس المدني من أجل «حماية الثورة» ومنع «عسكرة الدولة». يحارب البعض لمصلحتهم الخاصة. ويتصرف البعض الآخر مثل مافيات جشعة قسمت طرابلس إلى إقطاعيات. إحدى أكبر هذه المجموعات هي «كتيبة النواصي» المسماة تيمناً بمدرسة تعليم ركوب خيل في حي شرقي. صارت «النواصي» مقربة من قيادة حكومة «الوفاق»، وهي تحمي منشآتها. اتهمت الأمم المتحدة الكتيبة بابتزاز المال من «الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية»، لكنها أيضاً إحدى أهم المليشيات الموثوقة في حربها ضد حفتر. لا شك في أن الكتيبة ستسعى إلى تحقيق نفوذ أكبر بعد الحرب، لكن وزير الداخلية الإصلاحي، فتحي باشاغا، قال لي إنه لن يسمح بذلك: «لا تسامح فقط لأنك قاتلت حفتر».

لكن الميليشيات التي تثير أكبر المخاوف تنحدر من مسقط رأس باشاغا، مدينة مصراتة الساحلية، مركز القوة الاقتصادي والصناعي في ليبيا، التي تبعد مسافة قيادة ثلاث ساعات شرقي العاصمة. لقد دافعت الميليشيات عن المدينة ضد القذافي خلال حصار دام ثلاثة أشهر عام 2011، ووفرت أيضاً أغلب المقاتلين في المعركة ضد «داعش». الآن، عاد بعض هؤلاء إلى القتال ضد حفتر، وهم يدفعون ثمناً باهظاً: يبلغ عدد قتلى مصراتة نصف خسائر قوات «الوفاق». يخشى قادة ميليشيات أخرى أن مصراتة سوف «تستخلص فاتورة» هذه الخسائر في شكل تعيينات في الوزارات ونفاذ للمقرات المالية في العاصمة.

(فريديريك ويري، عن موقع «لندن ريفيو أوف بوكس»)

«داعش» يستغل هجوم طرابلس: اختراقات حفتر تعرقل «حماية سرت»
بعد طردهم من مدينة درنة أقصى شرق ليبيا منتصف 2015م على يد «مجلس شورى مجاهدي درنة» المقرب من «القاعدة» التحق مئات من مقاتلي تنظيم «داعش» برفاقهم في مدينة سرت الساحلية (وسط)، حيث شددوا سيطرتهم وسعوا إلى تأسيس مقر دائم لهم. جرى ذلك وسط انقسام سياسي حاد تركزت بمقتضاه حكومتان في الشرق والغرب، فصارت سرت تحت سيطرة «داعش» أشبه بحد فاصل بينهما.

وبعد مدة تقارب العام لم يحرك أحد ساكناً، بينما كان التنظيم يطور نشاطه ويستهدف مدناً أخرى. وعندما بلغت تهديدات «داعش» حدوداً غير مسبوقة، قرَّر الجميع التحرك. حينذاك، خططت قوات المشير خليفة حفتر في الشرق لإطلاق عملية سُميت «القرضابية 2»، فيما استبقتها قوات الغرب بإطلاق عملية «البنيان المرصوص» في أيار/ مايو 2016م استمرت المعارك قرابة سبعة أشهر، مُني خلالها «داعش» بخسائر كبيرة في الأرواح، وفقد أغلب عتاده، وفرَّ بقية عناصره وصاروا يتجولون في مناطق صحراوية نائية، حيث يشنون انطلاقاً منها عمليات خاطفة بين حين وآخر. ومنذ إنهاء حضور التنظيم في سرت تتولى «قوة حماية وتأمين سرت» مهمة حماية المدينة أمنياً، إلى جانب الحفاظ على السلم الاجتماعي، وهي أحد التشكيلات التي تأسست عند انتهاء الحرب وشارك أفرادها في المعارك.

لا ينكر المتحدث باسم «قوة حماية وتأمين سرت» طه حديد دور قوات «القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا» (الإفريكوم) في حسم العمليات عبر طلعات جوية محدَّدة. لكنه يقول إن قوات «البنيان المرصوص» كانت قد حققت تقدماً مهماً داخل المدينة قبل انطلاق الطلعات الجوية، مشيراً إلى أن «التخوف الأكبر الذي جابهنا أثناء القتال وأخَّر انطلاق العمليات يتعلق بالمفخخات والألغام التي لم تكن لنا خبرة في التعامل معها». ومع إطلاق الهجوم على طرابلس زادت أعباء «حماية سرت» إذ صارت مسؤولة أيضاً عن حماية المدينة من اختراقات حفتر. يقول حديد إنهم كانوا دائماً مستعدين لمجابهة هذا الخطر، فقد صدوا قبل بدء الهجوم قوات تتبع المشير شرق سرت «كانت تتذرع في كل مرة بأنها أخطأت الطريق»، لكنهم اتخذوا منذ بداية نيسان/ أبريل «إجراءات استثنائية؛ من بينها استدعاء كل الوحدات التابعة لهم».

يقيّم حديد الأوضاع الأمنية في المدينة الآن بـ«جيدة جداً»، لكنه يرى أن خطر هجوم من حفتر أو «داعش» قائم. المشكلة الكبرى التي تواجه «القوة» حالياً ترتبط بتنظيم جهودها، وهو أمر ينطبق أيضاً على «قوة مكافحة الإرهاب» وهي تشكيل آخر من سليل عملية «البنيان المرصوص» أيضاً وكانت «تسيّر دوريات مستمرة (في أماكن صحراوية) لملاحقة داعش وصارت الآن مشغولة بصد العدوان على طرابلس».

لذلك يرى المتحدث أن الهجوم على العاصمة «يقوّي داعش ويمنحه حرية التحرك»، فهو «يستغل الفوضى والصراع والفراغ الأمني ليثبت أنه موجود». يضرب الرجل أمثلة منها أن التنظيم بدأ يمارس بـ«استيقافات وفرض إتاوات على الناس جنوب سرت» كما يحيل على حالة الجنوب الليبي الذي شهد أكثر من اعتداء دموي بعد انسحاب قوات حفتر المتمركزة هناك للمشاركة في الهجوم على طرابلس.

لكن الرجل يلقي اللوم أيضاً على حكومة «الوفاق الوطني» بسبب «تقصيرها تجاه أهالي المدينة وتجاه القوة»، لكنه لفت إلى تحقيق نتائج جيدة في جهود المصالحة وخاصة أن المدينة مسقط رأس معمر القذافي الذي لجأ إليه في أيامه الأخيرة. فمن ناحية، نجحت «لجنة إرجاع العائلات» في إعادة النازحين أثناء سيطرة «داعش» كما عادت العائلات التي غادرت في 2011م وهي تعيش الآن «دون مضايقات».

من ناحية أخرى يقول حديد إنهم تولوا إزالة الألغام من منازل الناس بـ«مجهودات ذاتية من دون أي دعم من الحكومة أو المجتمع الدولي» كما «لم تصرف حتى الآن تعويضات لمن تضررت منازلهم أثناء الحرب ضد داعش» بل اكتفت الحكومة بصرف بدل إيجار رغم انتهاء حصر الأضرار لدى «جهاز الإسكان والمرافق» الرسمي. وفي ما يخص القوات يقول إنه رغم تلقّيها أخيراً بعض الدعم في شكل تجهيزات فإنه توجد «مشكلة متكررة» متعلقة بالرواتب إذ إن «أفراد القوة يعملون دون مرتّبات منذ أكثر من عام» والأمر متواصل رغم اجتماعهم أخيراً مع مسؤولين في طرابلس بينهم وزراء أطلقوا وعوداً كثيرة لم تُتخذ بعد إجراءات عملية بشأنها.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية