دبلوماسية الحرائق ... هل تخفي قوارب نجاة؟

المرصاد نت - متابعات

تتحرَّك الدبلوماسية الأميركية وفق إيقاعات خطى مُهندسها جاريد كوشنير الذي يرسم لوزير خارجيتها مايك بومبيو وجهة الأهداف التي يجب تحقيقها في فترةٍUsa Faly2019.8.8

وجيزةٍ، مع تسارُع الإقتراب من الحملة الانتخابية 2020 لفترةٍ رئاسيةٍ ثانيةٍ للرئيس دونالد ترامب ويراها الأخير أنها تصبُّ في صالحه.

يبدو أن الرئيس فتَحَ نارَه مُبكِراً على الحزب الديمقراطي ومُنافسيه من الجمهوري. ولا يقتصر الأمر على ذلك فسياسة الترهيب سلاحه الأكثر فعَّالية مُحذِّراً من فوزِ خصومه ـ ليذهب إلى التهويل مع طاقم هندسه مُستشار الأمن القومي جون بولتون ـ ويتابع (الفريق) أدقّ التفاصيل في حملةٍ مُنظَّمةٍ ومدروسةٍ في التهويل من الخطر المُحْدِق. الفريق المذكور يروِّج تصريحات الرئيس ترامب أن أميركا ستدخل في صِراعاتٍ داخليةٍ وخارجيةٍ ـ وهذا يظهر بشكلٍ ملحوظ ٍفي تغريداته مع ارتفاع منسوب الشحن الخطير والتهيؤ لمواجهة العدوان الصيني والروسي ورَبْط الأحزمة استعداداً لمواجهة " الخطر " الإيراني الذي أدخله الرئيس الأسبق أوباما إلى الساحة الدولية حين تنازل عن ثوابت أميركية في العداء لدولة" مارِقة" وفق ما يروَّج في الإعلام من فريق بولتون على لسان "سيِّد" البيت الأبيض.

على الصعيد الدولي وسَّعت الإدارة الأميركية من فوهات مدافعها الثقيلة في غير اتجاه.. بدءاً من جارتها المكسيك، و"الحمائية" الترامبية في مشروع تشييد جدران الكراهية على الحدود بكلفة 5,7 مليار دولار للحد من الهجرة غير الشرعية، وتسيّب الحدود كما روَّج البيت الأبيض... وذلك مع اشتداد القصف السياسي في ملفات الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ـ وتقليص النفقات العسكرية لحماية أوروباـ ما جعل الشركاء الأوروبيين يستشعرون خطورة الطرح والبحث الجدّي في اتفاقيات أمنية تخرجهم من دائرة التهديد والابتزاز الأميركيين. وهذا أخذ أبعاداً مهمة في اللقاءات المُتعدِّدة بين المُستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

في حمى الانتعاش الأميركي في سياسة الاحتواء أو التهديد ـ تصاعدت أجواء العدائية الاقتصادية مع التنّين الصيني بعد أن سنَّت الإدارة الأميركية ضرائب غير مسبوقة على المُنتجات الصينية. مع تصاعُد الأجواء المشحونة مع أكبرشريك تجاري.

عهد الرئيس ترامب شهد انسحابات كثيرة من الاتفاقيات الدولية ـ لدرجةٍ أصبح معروفاً برئيس الانسحابات. ولم يكن انسحابه من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ التي تضمّ (أستراليا ـ بروناي ـ كندا ـ شيلي ـ اليابان ـ ماليزيا المكسيك ـ نيوزلندا).. إلا مؤشّراً على عهدٍ قلقٍ سيحمل معه اضطرابات دولية انسحبت على الثقة في العلاقات الدولية التي بدأت تترنَّح. ليكسر كل قواعد الانتظام الدولي ومحاولة تفكيك منظَّمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو". المنظمة المُستقرّة إلى حدٍ كبيرٍ في التعاون الدولي. وهيئة تشغيل اللاجئين "أونروا"ـ والتهديد بعدم دَفْعِ المُستحقّات المالية للأمم المتحدة ـ بل وصلت الشعبوية إلى اعتبار الأمم المتحدة ومجلس الأمن غير ضروريين ويُكبّلان العلاقات الدولية.

الحدثان البارزان في إدارة الرئيس الأميركي انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني الذي وقَّعه سلفه الرئيس باراك أوباما والدّفع إلى مُحاصرة الجمهورية الإسلامية في إيران. وآخر الانسحابات والتي أقرأها الأكثر سخونة هي تنصّله من الاتفاقية التي وقِّعت مع "الاتحاد السوفياتي" السابق قبل 30 عاماً للحد من الصواريخ النووية المتوسّطة. وجاء في بيان الانسحاب على لسان الرئيس الأميركي إن "الولايات المتحدة ستعلِّق جميع التزاماتها بمعاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسّطة، والبدء في عملية الانسحاب من المعاهدة والتي ستكتمل خلال(6) أشهر، إلا إذا عادت روسيا للالتزام بالمعاهدة وتدمير جميع الصواريخ والمنصَّات والمعدَّات التي تنتهكها".

التصعيد الترامبي والتجييش لا يهدآن ـ و أدخلا واشنطن في دوَّامةٍ من التناقُضات عصفت بها الساحة الدوليةـ وجعلت من أقرب حلفائها يستشعرون خطر السياسة التي لامست تقاليد دبلوماسية مُتوازِنة في بعض خطوطها ومعايير المصالح التقليدية. ما دفع بعض قادة الدول الأوروبية إلى تصريحات وأداء سياسيين يتناقضان مع توجّهات الإدارة الأميركية في محاولة استباق أيّ اشتباك سياسي دولي معها.

في إظهار الاصطفافات وتأطير المواقف خرجت السرّية إلى العَلَن في دعم البيت الأبيض لرئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون للانسحاب من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق بغية ضرب المنظومة الاقتصادية التي تُفاخِر بها ألمانيا. المسألة التي تجعل قادة الاتحاد الأوروبي يُقيّمون ما آلت إليه الساحة الدولية في عهد الرئيس ترامب.. وهذا يتساوق مع تقييم كثير من دول العالم لمشروع تعاونها مع واشنطن وما تركه ذلك من كَدَماتٍ جرَّاء السياسة الاستعلائية التي تريد فرض شروطها القاسية للعلاقات الاقتصادية والسياسية.

لا شك أن التدهور الحاصِل في ساحة العلاقات الدولية بين أميركا وكثير من دول العالم وإن كان بتفاوتٍ ، يُشير إلى أهمية إعادة تقييم المرحلة التي أشعل فيها ترامب حروباً سياسية واقتصادية... ودخل في اصطفافاتٍ مع أنظمةٍ خليجيةٍ على رأسها المملكة السعودية التي لم تعد تسترها كل الحصانة التي وفِّرَت لها في حربها الدموية على اليمن. ورفعت واشنطن أعلى درجات الدعم للكيان الصهيوني في حربه على الشعبين الفلسطيني والسوري في اعتبار الجولان جزءاً من كيان الاحتلال، ليذهب إلى أن القدس عاصمة أبدية لكيان الاغتصاب وتصفية قضية فلسطين بما سُمِّيَ "صفقة القرن". وهذا جزء من اللوحة وليس كلها. ومع أن هناك تعاوناً ودعماً أوروبياً للاحتلال وتظلّله مصالح مشتركة مع أنظمة الخليج ـ إلا أن البيت الأبيض جرَّد حلفاءه من أية ورقةٍ أو دورٍ يناورون به... وجعلهم بلا أسلحة وفق آليات ما يطرحونه حول" الشرعة" الدولية التي هشّمها ترامب وأسلافه.

ما الذي يمكن أن يتغيَّر مع انطلاق حملة الرئاسية الأميركية في 2020؟ وهل سيترك ترامب أيّ مهبِط لطائرته إن فاز بفترةٍ رئاسيةٍ جديدة؟.

معهد بروكينغز وفق تقديرات أحد مُحلّليه يرى أن الرئيس الأميركي لم يبق له من يثق بسياساته التي طاولت الجميع ، ولم يترك حتى أصدقاء أميركا في حال انشداد للتنسيق في قضايا كانت محطّ أنظار القادة.

قطار التدمير الرئاسي الأميركي في كرنفالٍ صاخبٍ وعلى أشدّه في شدّ الحبال داخل الحزب الجمهوري.. لكن وفق قراءة الاستقطابات فالرئيس لم يزل هو الأكثر حضوراً خاصة وأن شهادة القاضي موللر وإن لم تُدنه فإنها لم تؤذِه كما صرَّح مستشاره جيسون غرينبلات في لقاءٍ مع محطة ـ فوكس نيوزـ.

اللا وفاق الذي تصرّ عليه الإدارة الأميركية ـ وتلوِّح بعصا التهديد وإشاعة الفوضى- ونشر صواريخها في أوروبا، قد تدفع إلى أن تتَّخذ بعض الدول الوازِنة مواقف غير تقليدية في وجه واشنطن كي تدفع بقوارب نجاتها قبل أن تشتعل سفنها التي قد تحرق الجميع. والسؤال الكبير هل تخفي إدارة البيت الأبيض قوارب نجاة توصلها اليابسة قبل أن تحترق غرف قيادتها؟.

هذا ما يمكن أن تقرّره "نظرية" إدارة الملفات المُشتعِلَة في المنطقة والعالم....والأبواب دائماً مفتوحة على كل القادمات.

قراءة : بسام رجا - كاتب واعلامي فلسطيني

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية