المرصاد نت - متابعات
حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية كان أركان الطبقة الحاكمة، كما قادة الأجهزة الأمنية عاجزين عن تحديد الهوية السياسية للمحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع في العاصمة والمدن الكبرى احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية. ما جرى أمس فاجأ الطبقة الحاكمة،العاجزة عن إيجاد حل للأزمة. أما اليوم فمن المنتظر أن يشهد قصر بعبدا «محاكمة» لحاكم مصرف لبنان من قبل رئيس الجمهورية.
يعكس سلوك السلطة السياسية في الأيام الماضية الإفلاس الكامل الذي بات يمسك بمفاصل نظام المحاصصة اللبناني. وجوم على وجوه المسؤولين يرسمه القلق الذي ينتاب الأمنيين أيضاً. إنها المرحلة التي يقف فيها الجميع عاجزين عن تقديم أي حلول أمام الانحدار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتزايد وعدم القدرة على تحديد المصير، من الاقتصاد إلى الشارع.
الشارع أمس تحرّك من الجنوب إلى الشمال، محدثاً إرباكاً عاماً على رغم محدودية أعداد المشاركين. ومع ذلك لا تملك القوى السياسية والأجهزة الأمنية جواباً واضحاً عمّن حرّك الشارع. المصيبة أن بعض الطبقة الحاكمة يفاجأ بالتحركات الشعبية، ولا يسأل عمّا حرّض المتظاهرين من خلفية المعرفة بل من خلفية الاتهام، وكأن كل شيء سليم في البلاد ولا داعي للتظاهر.
بالأمس اختبرت البلاد عيّنةً هجينة من الاعتراض على الحضيض الذي وصل إليه الواقع القائم.ماذا ينتظر هذا الصنف من السياسيين؟ فالجائعون والعاطلون عن العمل والغارقون في الديون والمرميون على نواصي الطرق بلا ضمانات، شباباً وشيوخاً، لم يعد بإمكانهم الصمت، و«الطائفية اليوم هي وحدها التي تمنع الانفجار الشعبي الكبير» على حدّ قول الرئيس نبيه بري.
ولا يكفي الطبقة الحاكمة عجزها عن إيقاف التدهور الاقتصادي وفشلها في تقديم أي أمل، على الأقل في العام الأخير، ولا غياب نيتها وقدرتها على اتخاذ خيارات مصيرية لمنع البلاد من الانهيار، بل يغرق السياسيون في الصراعات والتكتلات وتزداد الأزمة عمقاً. فالرئيس سعد الحريري يخاصم رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل متهماً إياهما بتحريض الفرنسيين عليه بسبب فشله في تحقيق الإصلاحات المطلوبة لـ«سيدر». بينما يتّهم الرئيس عون الرئيسين بري والحريري والنائب السابق وليد جنبلاط وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتآمر لإفشال العهد. هكذا يتلهّى آباء الطبقة الحاكمة بالصراعات الجانبية والبلاد تغرق وتغرق.
أما الأميركيون، فالاسطوانة القديمة الجديدة ذاتها: استخدام الضغط لحصار المقاومة عبر إفقار اللبنانيين بهدف تحميل مسؤولية الانهيار الاقتصادي لحزب الله وتدفيعه ثمن مواقفه وإصراره على المقاومة. وهذه الدعاية باتت تدور على ألسن كثيرين في البلاد كما دارت قبل أسبوع بكبسة زرّ كذبة تحميل سوريا أزمة الدولار عبر عشرات وسائل الإعلام. لكن كما أثبتت التجارب خلال الـ 15 عاماً الماضية فإن كل معركة يخوضها الأميركيون ضد المقاومة في لبنان تقع الخسارة فيها على حلفائهم كما قد يحصل كلما ازدادت الأزمة حدة.
في يوميات السياسة يُفتتح هذا الأسبوع باجتماع يعقده عون مع سلامة في جلسة استدعتها الحاجة إلى تدارك الأزمة. مصادر في التيار الوطني الحر تقول إن هناك «أزمة في إدارة العملية النقدية وليس أزمة فقدان السيولة من السوق أو نقص في احتياطنا ومصارفنا». والأكيد أن «ضبط هذه الأزمة بيد حاكم مصرف لبنان. فمشكلة عدم ضخ دولارات كافية معطوفة على سلوك المصارف بعدم تلبية حاجة السوق مرتبطة أولا وأخيرا بالمصرف المركزي». ويعتزم الرئيس سؤال سلامة عن سبب «الانقلاب» على موقفه السابق بمنح قروض صناعية وزراعية واسكانية. ولا يلغي ذلك وجود «أزمة مالية واقتصادية عميقة عبّرت عنها الموازنة التي تحتاج الى كثير من التعديل لتتحول الى موازنة اصلاحية» لكن «ليس الوقت مناسبا للمحاكمة على النوايا بتأخير خطة الكهرباء وتنفيذ الاجراءات التي أقرت في قصر بعبدا بموافقة كل الكتل السياسية وأحيل جزء منها الى الحكومة». وأكدت المصادر: «سننتظر وهناك مسار مختلف سيتم اعتماده ابتداء من مطلع تشرين الأول».
وكان شربل قرداحي، المستشار الاقتصادي لباسيل والمكلف بالملف الاقتصادي من قبله ويشارك دوريا في اجتماعات قصر بعبدا قد نشر سلسلة تغريدات على حسابه على موقع «تويتر»، تُحمّل حاكم مصرف لبنان مسؤولية افتعال أزمة الدولار بالقول: «منذ العام 1994 يتدخل مصرف لبنان بائعا أو شاريا للدولار بهدف المحافظة على سعر الصرف حدود 1507.5 ليرة للدولار. توقف مصرف لبنان عن التدخل في السوق فبات السعر نتيجة العرض والطلب. ارتفعت المخاوف فقام الكثيرون بادخار الدولار نقدا. ارتفع الطلب على الدولار فارتفع سعره». واضاف في تغريدة أخرى أنه يمكن للمصرف المركزي تغطية الفرق بين العرض والطلب عبر التدخل في السوق بائعا للدولار داعيا السلطات النقدية للتدخل وبيع الدولار. وأشار قرداحي الى أن تقديرات للمبالغ النقدية بالدولار التي أودعها اللبنانيون في خزائنهم تتراوح ما بين 1,5 وملياري دولار، نتيجة للمخاوف المتزايدة ولسير الإصلاحات. وختم بحكمة صينية غامزا من قناة سلامة: «من يصنع الأزمات غالباً ما يكون ضحيتها».
وكان لافتاً أمس تدخل البطريرك الماروني بشارة الراعي مدافعاً عن سلامة ومستبقاً لقاء الأخير ورئيس الجمهورية بفرض غطاء حماية طائفي على حاكم «المركزي»، وعدم تحويله «كبش محرقة» للأزمة الحالية.
أما في ما خص الخلاف الذي نشب الأسبوع الماضي بين نواب التيار الوطني الحر ورئيس الحكومة حول وقف الاعتمادات للمشاريع الانمائية في جبل لبنان فليست نتيجة قرار سياسي وفقا لمصادر التيار الوطني الحر بل ربطا بمشاريع تهم النواب في هذه المناطق. وتؤكد المصادر تمسكها بمداخلة النائب سيزار أبي خليل حول عدم صلاحية رئيس الحكومة لسحب هذه المشاريع. لكن «ينتظر النواب عودة وزير الخارجية لحل هذه المشكلة علما أن الاتصال مع الحريري لم ينقطع انما لم يكن ايجابيا في هذا الملف... فيما كان ايجابياً في ما خص الاستجابة لطلب رئيس التيار عدم التفرد بقرار اقالة مدير عام شركة ألفا». ويفسّر العونيون سلوك الحريري السياسي بوقف مشاريعهم على أنه محاولة «ليتغداهم قبل أن يتعشوه في المجلس النيابي مع تحويل الموازنة اليه».
كل ذلك لا يعني أن العلاقة بين الحريري وباسيل ليست على ما يرام. فالرجلان متفقان مسبقا على مجموعة نشاطات في الأشهر الثلاثة المقبلة يبدأها باسيل فور عودته باجتماع مع طلاب تيار المستقبل. لتلحقها اجتماعات أخرى تصالح رئيس التيار الوطني الحر مع الجمهور الأزرق.
احتجاجات طرابلس: إحراق صورة رفيق الحريري!
انفجر الغضب الشعبي في طرابلس أمس على نحو لافت وغير مسبوق وأعطى الحراك الذي شهدته شوارع عاصمة الشمال أمس أن لا سقوف أو ضوابط لأي تحرّك مقبل، بعدما كسر المحتجون كل "المحرّمات" السياسية التي ارتفعت في المدينة في السنوات الأخيرة. وأنذر الوضع الذي عاشته شوارع طرابلس وأحياؤها وساحاتها في الساعات الماضية بأن الآتي سيحمل الكثير من المفاجآت غير المنتظرة.
فقد كشفت التحرّكات المطلبية التي شهدتها طرابلس أمس عن ولادة شارع لم يجد من يتبنّاه سياسياً أو شعبياً حتى الآن، صبّ جام غضبه على سياسيّي المدينة بلا استثناء. وأعطت إشارة لافتة إلى أن جميع القوى السياسية في المدينة بلا استثناء باتت في مأزق. فالمحتجّون الذين جالوا في شوارع المدينة على دراجات نارية أو مشياً لم يتركوا بيتاً من بيوت نواب المدينة أو مكاتبهم إلا تجمعوا بالقرب منها وهم يطالبونهم بالخروج من السلطة. من النائب سمير الجسر إلى النائب محمد كبارة إلى النائب فيصل كرامي لكن النصيب الأكبر من الهتافات المندّدة كان من نصيب الرئيسين سعد الحريري ونجيب ميقاتي إلى رئيس الجمهورية ميشال عون وكان بعض هذه الهتافات نابياً.
وإذا جرت العادة أن تشهد طرابلس خلال الاحتجاجات مواجهة شارع مقابل شارع فإن شوارع طرابلس أمس خلت للمحتجّين وغاب نهائياً أي مشهد لمناصري القوى والتيارات السياسية البارزة في المدينة عن المواجهة برغم الشتائم والهتافات التي انهالت عليهم بعدما كان أي انتقاد لأي نائب أو سياسي في المدينة يحدث توتراً يكاد يشعلها.
ولعل التعبير الأبرز عن الغضب الشعبي الذي عاشته طرابلس أمس تمثل في تفجير المحتجين غضبهم بتيار المستقبل ورموزه، بشكل لم تعرفه المدينة من قبل. فعندما كانت وفود المحتجين تصل تباعاً إلى ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور) كانت ترافقها هتافات إسقاط النظام والحكومة والسياسيين وسط لافتات تشكو الأزمة الاقتصادية في المدينة التي تعاني من بطالة وركود وفقر يزداد كل يوم.
ولم تلبث أن توجّهت مجموعة من المحتجّين لقطع الطريق المؤدي إلى الساحة من جهة منطقة التل، لكن بعض أفراد هذه المجموعة صعدوا فجأة إلى عمود إنارة عند مدخل الساحة عليه صورة كبيرة تجمع الرئيسين: الراحل رفيق الحريري والحالي سعد الحريري والأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري فأنزلوها أرضاً وسط هتافات التكبير ثم عمدوا الى إحراقها بعد دوسها بالأقدام. لكن من قاموا بهذا العمل لم يكتفوا بذلك إنما صعد أحدهم إلى عمود الإنارة نفسه وأنزل منه راية تيار المستقبل ورماها أرضاً لتلقى المصير ذاته.
ما حصل في طرابلس أمس برأي أغلب المراقبين، كان مفاجئاً لكنه ليس عابراً. فهو عبّر بوضوح عن حجم الوضع المعيشي والحرمان الذي يعانيه معظم سكان المدينة الأفقر في الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وفق دراسات سابقة للأمم المتحدة، وهي المدينة التي كان المحتجون أمام السفارة الكندية في بيروت قبل فترة طلباً للهجرة إلى كندا أغلبهم منها وهي المدينة التي تقول معلومات إن أكثر من 7 آلاف شاب فيها تقدموا بطلبات هجرة إلى السفارات الأجنبية في بيروت ولا يزالون ينتظرون الرد.
كذلك فإن ما جرى أمس شكّل إشارة إلى الأزمة الشعبية التي يعانيها التيار الأزرق في طرابلس الذي بات اليوم بحاجة ماسّة إلى مراجعة نقدية لتجربته وطريقة تعامله مع المدينة أكثر من أي وقت مضى.
المزيد في هذا القسم:
- السيد نصرالله: حلفاء النصرة وداعش لن يمثّلوا بعلبك ـ الهرمل المرصاد نت - متابعات على مسافة 10 أيام من موعد انتهاء مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية في وزارة الداخلية بدأت طلائع اللوائح والتحالفات تطل من معظم الدوائر وآخرها...
- الاحتلال الصهيوني يهدم المنازل في مدينة اللدّ ويعتقل 17 فلسطينياً بينهم أطفال المرصاد نت - متابعات هدمت جرافات الاحتلال معززة بقوات كبيرة من الشرطة “الإسرائيلية” ثلاثة منازل لعائلة الشعابين في حي كرم التفاح في مدينة اللد وتش...
- السعودية تمنع الخطاب المعادي لليهود بالمساجد وتحذف معاداة الصهيونية من مناهج التعليم المرصاد-متابعات ذكرت وكالة “فرانس برس” الفرنسة اليوم أن السعودية تضغط عبر بوابة التقرب من اليهود؛ على الرغم من تمسكها بتأجيل إقامة علاقة رسمية مع الد...
- طلال بن عبدالعزيز : حلفاؤنا خذلونا وجنودنا هربوا من الخدمة و طيارونا مرتزقة المرصاد نت - متابعات كشف الأمير السعودي طلال بن عبدالعزيز في تصريح لقناة “فوكس الألمانية” من محل اقامته في المانيا الاتحادية أمس عن خلافات داخل...
- ليبيا : قتلى وجرحى مع اشتداد المواجهات في العاصمة المرصاد نت - متابعات ارتفعت أمس حدّة الاشتباكات المسلحة التي بدأت يوم الأحد في العاصمة الليبيّة طرابلس. ويدور القتال بين تشكيلات عسكريّة تتبع وزارتي الدف...
- الجيش الجزائري يتجاهل دعوات الحوار: الانتخابات أمراً واقعاً! المرصاد نت - محمد العيد تجاهل رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح دعوات إلى فتح حوار مع المؤسسة العسكرية على مرحلة انتقالية قصيرة معلناً تمسكه بإج...
- الجزائر : الحراك يردّ على دعوة الجيش للحوار .. رحيل بن صالح وبدوي أولاً! المرصاد نت - محمد العيد لم تشذّ جمعة أمس عن سابقاتها في التعبئة الواسعة في المسيرات التي عمت كعادتها كل محافظات الجزائر، ووجهت رسائل إلى أصحاب القرار في البلا...
- حكومة تيريزا ماي تنال الثقة في البرلمان البريطاني المرصاد نت - متابعات نالت الحكومة المحافظة برئاسة تيريزا ماي ثقة البرلمان البريطاني بدعم من الحزب الاتحادي الديمقراطي اليميني في إيرلندا الشمالية وحصلت حكومة ...
- الجيش يستعيد خان شيخون بريف إدلب الجنوبي وقرى في ريف حماة الشمالي! المرصاد نت - متابعات أكدت مصادر عسكرية وأمنية سيطرة الجيش العربي السوري على مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي بعد انسحاب المجموعات المسلحة منها، إثر اشتباكات ...
- عزم سوري على ردود جريئة وحازمة تجاه الاحتراقات الصهيونية المرصاد نت - محمد الباشا ردّةُ الفعل السورية إزاء الاختراقات الصهيونية كما الانتصاراتُ التي يحققُها الجيشُ العربي على بقايا الأذناب التابعة للمخطّط الغربي ...