المرصاد نت - متابعات
فتح انسحاب القوات الأميركية من جزء واسع من المنطقة الحدودية في شمال شرق سوريا نقاشاً ذا اتجاهين في عواصم المنطقة بحسب مجلة «فورين بوليسي». النقاش الأول مباشر يدور حول ما إذا كان يمكن الوثوق بواشنطن كشريك نظراً إلى تخلّيها عن حلفائها الأكراد. أما النقاش الثاني فيبدو إلى الآن غير محدّد لكنه في الوقت ذاته أكثر ترابطاً ويتعلّق بإمكانية وصول اللاعبين الدوليين الآخرين في سوريا إلى توازن سياسي جديد. يخلق الانسحاب الأميركي الجزئي «فوضى استراتيجية وأخلاقية» إضافية في هذا الصراع المتواصل منذ ثماني سنوات بحسب ما يُقرأ في واشنطن إلا أنه لا يزال من غير الواضح من سيستفيد من هذه الحالة استفادةً كاملة.
بالعودة إلى المسؤولَين اللذين استضافهما «مجلس العلاقات الخارجية» يقول المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل رايبرن: «في الوقت الراهن... شرَعنا في تنفيذ اتفاق سيؤدي إلى إنشاء منطقة على طول الحدود التركية السورية... من المفترض أن تكون منطقة آمنة لكلّ من تركيا و...السوريين. حتى الآن يسير التنفيذ على ما يرام». كان رايبرن يروّج لما يسمّى «المنطقة العازلة» أو «الآمنة» والتي تعمل الولايات المتحدة جنباً إلى جنب تركيا منذ عام تقريباً على إنشائها.
حذّر المبعوث الأميركي من أن الهجوم التركي في شمال شرق سوريا لن يكون كارثة بالنسبة إلى المنطقة فحسب بل إنه سيعيق أيضاً الجهود الرامية إلى حلّ النزاع السوري فضلاً عن أنه سيكون «هدية لأعداء أميركا». كما حذر من أنه سيضرّ بأهداف أميركية أخرى: ضمان هزيمة «داعش» والردّ على إيران. كان هناك ضيفٌ آخر هو مايكل مولروي، نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط، الذي رأى أن بلاده لا يمكن أن تنفّذ استراتيجيتها في سوريا من دون شركاء مثل «قوات سوريا الديموقراطية... وإذا لم نفعل ذلك، فسنعود إلى هناك، بالتأكيد، لنفعل ذلك مجدداً».
يوم السبت الماضي كان الجيش الأميركي يروّج لدوريات مشتركة مع الأتراك في «المنطقة العازلة». في اليوم التالي وقعت المكالمة بين ترامب وإردوغان ليعلن الأوّل في اليوم الثالث قراره سحب ما بين 50 و100 جندي من الحدود بين البلدين ما عُدَّ بمثابة ضوء أخضر لانطلاق العملية التركية. كرّر الرئيس الأميركي ما دأب على ترداده طوال سنواته الثلاث في البيت الأبيص: «نريد نهايةً للحروب التي لا تنتهي» لكنه في الوقت ذاته هدّد نظيره التركي بعدم المضيّ قُدماً في العملية التي أيّدها للتوّ ثم قال: «إذا فعلت تركيا ما أعتبره بحكمتي التي لا نظير لها تجاوزاً للحدّ فسأقضي على الاقتصاد التركي وأدمّره بشكل كامل». بحلول ظهر يوم الاثنين نشرت وزارة الدفاع بياناً تعلن فيه معارضتها العملية، لكن «الذعر» كان قد بدأ بالفعل.
في هذا الوقت انهالت الانتقادات على الرئيس الأميركي بعد ساعات قليلة من إعلانه إخلاء الساحة في شمال شرق سوريا لتركيا وتصاعدت الأصوات حتى ضمن معسكره الجمهوري رافضةً هذه الخطوة، ومهدّدة بالتوجه إلى الكونغرس لعرقلة تنفيذها. البعض وصف القرار بـ«الخطأ الفادح» والبعض الآخر بـ«الكارثة» لكنه بالنتيجة يطرح مجدّداً مسألة طريقة إدارة ترامب لملفات السياسة الخارجية وتعاطيه مع من يُفترض أنهم «حلفاء» واشنطن.
توالت ردود الفعل المستهجنة للقرار من قِبَل كبار المسؤولين في المعسكر الجمهوري تباعاً. إذ سارع السيناتور ليندسي غراهام إلى وصفه بـ«الكارثي»، معتبراً أن «التخلي عن الأكراد سيعدّ وصمَة عار على جبين أميركا». وذهب إلى أبعد من ذلك عندما هدّد بتقديم مشروع قرار إلى مجلس الشيوخ لإجبار ترامب على التراجع. أما سيناتور فلوريدا ماركو روبيو، فوصف قرار الرئيس بـ«الخطأ الفادح الذي سيترك تداعيات تتجاوز حدود سوريا». ورأى زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل من جهته أن أيّ انسحاب «متسرّع» سيصبّ في مصلحة روسيا وإيران والنظام السوري. أمام ردود الفعل تلك سعت الإدارة الأميركية إلى استيعاب المسألة والتقليل من أهمية موقف الرئيس. وقال مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن اسمه إن «ما نقوم به هو سحب بضعة جنود منتشرين على الحدود، إنه عدد صغير للغاية على مسافة محدودة جداً»، مضيفاً إنه «عدا ذلك، لم يتغير وضعنا العسكري في شمال شرق سوريا».
واقعاً لم تفِ الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه «المنطقة الآمنة». تنقل «واشنطن بوست» عن مسؤول في وزارة الخارجية قوله إنه «كان لدى الرئيس التركي دائماً منطقة آمنة بديلة في ذهنه... على افتراض أننا سنغادر وسنترك الأمر لهم». في المكالمة التي جرت بينهما يوم الأحد أطلع إردوغان ترامب مباشرة على نسخته هذه. وأضاف المسؤول إنه خلال المكالمة ذاتها أبلغ الرئيس الأميركي نظيره التركي أنه لا يدعم الغزو وأن واشنطن لن تكون شريكاً فيه. كما عرض عليه ما سمّاه المسؤول «حزمة جيدة حقاً» من الحوافز لعدم المضي في العملية بما في ذلك زيارة رئاسية (أعلن عنها في تشرين الثاني/ نوفمبر) واستئناف مبيعات مقاتلات «أف 35» التي توقفت بعد شراء أنقرة منظومة الدفاع الجوي الروسية «أس 400».
داخل الحكومة الأميركية ثمة مخاوف كبيرة في شأن كيفية تعامل ترامب مع الملف السوري وما قد يأتي بعد «الغزوة» التركية. يردّد الرئيس الأميركي أن تركيا باتت مسؤولة راهناً عن عشرات الآلاف من مقاتلي «داعش» وأفراد أسرهم المحتشدين في معسكرات في شمال شرق سوريا لكن أحداً لا يعرف ما سيحدث. انهارت الاستراتيجية الأميركية غير المتماسكة والمفتقرة إلى الموارد في سوريا وهناك العديد من العواقب المحتملة، وكلها «سيئة» من وجهة نظر المؤسسات المعارضة للبيت الأبيض وخصوصاً أنه «لا وجود لخطة بديلة» بحسب ما يؤكد المسؤول المذكور.
الحدث في شمال سوريا... والنحيب في تل أبيب!
إلى ذلك يأتي موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتعاطف مع القوى الكردية في شمال شرق سوريا امتداداً للرهان الإسرائيلي التقليدي على الورقة الكردية كخيار تقسيمي للبيئة الإقليمية بهدف إعادة إنتاج خارطة سياسية جديدة ومعادلات تستند إلى تحالفات تُعزّز فيها إسرائيل موقعها الاستراتيجي في المنطقة. كذلك تعكس ردود الفعل الإسرائيلية التي غلبت عليها الخيبة إزاء نتائج تخلّي الولايات المتحدة عن حليفها الكردي مستوى القلق الذي بات يهيمن على المشهد السياسي الإسرائيلي حيال مستقبل التطورات على الساحتين السورية والإقليمية إذ تبدو تل أبيب كما لو أنها في سباق مع تسارع هذه التطورات في الاتجاه المعاكس لمِا كانت تسعى إليه الأمر الذي يدفع مسؤوليها إلى رفع مستوى التحذيرات من التعرض لضربات قاسية والحثّ على رصد المزيد من الموازنات استعداداً للسيناريوات الأشدّ خطورة.
لم تُخفِ إسرائيل تبنّيها الخيار الكردي الانفصالي منذ ستينيات القرن الماضي. وقد شكّل هذا الموقف جزءاً أساسياً من «استراتيجية دول الطوق» التي رسمها مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون. وتقوم هذه الاستراتيجية على التحالف مع الأطراف المحيطة بالعالم العربي مثل: إيران الشاه وتركيا والأكراد. واستمر القادة الإسرائيليون في تبنّي هذه العقيدة في كلّ التحولات التي شهدتها البيئة الإقليمية وصولاً إلى نتنياهو الذي قدم صورة مفصّلة عن عقيدته الاستراتيجية في كلمة له أمام «معهد أبحاث الأمن القومي» عام 2014م حيث أعرب بشكل صريح عن أن إسرائيل تؤيد تطلّع «كردستان» نحو الاستقلال السياسي ثم ترجم هذا التوجه بالإعلان عن تأييد استفتاء الانفصال في «كردستان العراق» عام 2017م وقد عمد المسؤولون الإسرائيليون في حينه إلى إجراء اتصالات دولية بهدف بلورة موقف دولي داعم للانفصال.
تدرك تل أبيب أن مشاريع التقسيم في المنطقة تحتاج إلى احتضان إقليمي ودولي وإلا فلا أفق لها في المدى المنظور. وبحكم الخارطة السياسية الإقليمية الحالية فإن مثل هذا الاحتضان غير متوافر أو بعبارة أدق فإن التوازنات تحدّ من مفاعيل أيّ دعم قد تتلقاه هذه المشاريع. ولعلّ أبرز مثال على تلك الحقيقة هو فشل المشروع الانفصالي الكردي في شمال العراق قبل أكثر من سنتين، على رغم ما جنّدته إسرائيل من علاقات لصالح هذا المخطط.
كذلك شكّل الانكفاء الأميركي عن الساحتين السورية والإقليمية ضربة قاصمة للمخططات التقسيمية في وقت تشتدّ فيه حاجة إسرائيل إلى النفوذ الأميركي في ضوء تصاعد قوة محور المقاومة الذي يزداد ترابطاً. وعلى وقع تلك التطورات تبلور اقتناع في تل أبيب بأن المستجدّ السوري ــ الكردي ــ التركي يأتي في سياق تشكل شرق أوسط جديد تبدو فيه الولايات المتحدة كأنها غير موجودة. وعلى هذه الخلفية توالت ردود الفعل الإسرائيلية التي أجمعت على خطورة المشهد الإقليمي الراهن.
ولعلّ من أبرز من عكسوا تلك الصورة عضو «الكنيست» عن كتلة «أزرق أبيض» عوفر شيلح الذي رأى أن الأحداث التي يشهدها الشمال السوري تشير إلى أن الولايات المتحدة تواصل الهروب من الشرق الأوسط، غامزاً من قناة نتنياهو بالقول إن «ترامب وبوتين يأخذان الصور معه ولكنهما يرتّبان سوريا مع أردوغان وروحاني». وأضاف شيلح أنه نتيجة فشل نتنياهو سيتبلور «محور شر» يحيط بإسرائيل من الشمال معتبراً أنه لو نشبت حرب ولم يقتصر الأمر على الفشل السياسي لكانت تشكّلت لجنة تحقيق حكومية منذ فترة طويلة.
في السياق نفسه وصف عضو «الكنيست» يائير غولان ونائب رئيس أركان الجيش السابق ما يجري بأنه «تطور سلبي جداً» بالنسبة إلى إسرائيل موضحاً ذلك بالقول إن الأكراد هم «قوة إيجابية لنا في مقابل النظام السوري والوجود الإيراني، وثقل مضاد في مواجهة الأتراك» مستنتجاً أن الضربة التي تتلقاها الأحزاب الكردية تعني «زيادة قوة النظام السوري وحلفائه أي إيران».
وبمنتهى الصراحة لفت غولان إلى أن «وجود جسم كردي، قسم في العراق وقسم في سوريا، يشكّل ثقلاً مضاداً لكل الجهات الأخرى» لكن في أعقاب ما يجري «سنحصل على أكراد أضعف، وليس هناك فراغ في الطبيعة». وتابع أن هذه التطورات ستزيد بشكل غير مباشر من أهمية تنسيقنا مع روسيا. وأما بخصوص الدعوات إلى دعم الأكراد فنبّه إلى أن إسرائيل «دولة صغيرة»، وليست لديها القدرات لتقديم دعم مهم للقوات الكردية وأن أي دعم قد تقدمه لن يغير الصورة.
ولم تقتصر ردود الفعل المؤيدة للأحزاب الكردية على المستويين السياسي والإعلامي بل امتدّت إلى قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي حيث أرسل أكثر من 100 ضابط احتياط رسالة إلى نتنياهو ورئيس الأركان أفيف كوخافي دعوهما فيها إلى عدم اتخاذ موقف المتفرج وبذل كل جهد مستطاع من أجل «منع وقوع مذبحة بحق الشعب الكردي» في شمال سوريا. ورأى الضباط أن بمقدور إسرائيل اتخاذ العديد من الخطوات من أجل مساعدة المقاتلين الأكراد ومنها ممارسة الضغوط الدولية وتزويدهم بالمعلومات الاستخبارية وأن بإمكان إسرائيل القيام بذلك من دون تعريض حياة الجنود الإسرائيليين للخطر.
المزيد في هذا القسم:
- السيد حسن نصرالله : محركات "صفقة القرن" تعمل بقوة المرصاد نت - متابعات دعا الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله للتعجيل في تشكيل حكومة وطنية موسّعة إنطلاقاً من الحاجات الوطنية مشيراً إلى أن هذه الدع...
- مجلس العموم البريطاني يمنح الموافقة النهائية على بريكست! المرصاد نت - متابعات بعد ثلاث سنوات ونصف سنة من التعثر في ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وافق مجلس العموم البريطاني، أمس، على مشروع قانون الخر...
- الشرطة البريطانية : مقتل أربعة أشخاص في هجوم لندن بينهم منفذه المرصاد نت - متابعات أعلن رئيس البرلمان البريطاني إغلاق مبنى البرلمان وتعليق أعماله مع الإبقاء على البرلمانيين بداخله بعد سقوط ضحايا بإطلاق النار على جسر ويست...
- الملك والابن .. أزمة ثقة أم انقلاب على الانقلاب ؟ المرصاد نت - متابعات لا نعتقد بأن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز كان يريد لمملكته أن تتجه نحو العزلة في عالم يضج بالحروب ولكن ما كان يخشاه بن عبد العزيز حص...
- السودان : قوى الحرية والتغيير ترفض اقتراحات المجلس العسكري وتتهمه بالمماطلة المرصاد نت - متابعات أعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان اليوم الأربعاء رفضها التعاطي مع أية أفكار من المجلس العسكري الانتقالي السوداني لا تحمل مضموناً...
- فنزويلا : مادورو يمدّ يده رغم العقوبات لطاولة حوار في أقرب وقت ! المرصاد نت - متابعات في الوقت الذي شدّدت فيه الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على الحكومة الفنزويلية شهدت الشوارع أول من أمس تعبئة جديدة للمعسكرين. فقد تظ...
- الصين تخفض إستيراد النفط الخام من السعودية المرصاد-متابعات خفضت الصين كميات النفط الخام التي يتم إستيرادها من السعودية بنسبة 29 %.وانخفضت الكميات الواردة من السعودية مقارنة بمستويات سبتمبر الماضي مع كب...
- جيش بن سلمان : رحلة «التخلص» من الكسل المرصاد نت - خليل كوثراني تنطوي الأوامر الملكية الأخيرة والتي أحدثت تبدلات واسعة في القيادة العسكرية للمملكة على طموح يساور ولي العهد محمد بن سلمان إلى نفض ال...
- أزمة روسيا وأوكرانيا في تصاعد: واشنطن تلوّح بالعقوبات ! المرصاد نت - متابعات تتصاعد الأزمة العسكرية بين أوكرانيا وروسيا. موسكو تتجه إلى تعزيز قواتها في شبه جزيرة القرم بإرسال المزيد من الـ«أس 400» أما ك...
- السيد نصر الله: المقاومة اليوم أقوى وأقدر ,, وهي اكبر واقدس من مشكلة مع حزب أو تنظيم,, شدد الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على ان المقاومة اليوم نسبة لما كانت عليه في تموز 2006 اقوى واقدر بشريا وماديا وقدرة مواجهة واستعدادا لصنع الانتص...