طريق حلب ــ حماة سالكة.. أنقرة تفشل في تبديل المعادلات!

المرصاد نت - متابعات

تلقي العملية العسكرية التي يشنّها الجيش السوري، بدعم روسي واضح، في إدلب وحلب، بظلالها على كلّ متعلّقات الملف السوري، ولا سيما تلك التي لتركيا وروسيا أدوار فاعلة فيها. وبينما Damscuas2020.2.12تتكبّد تركيا مزيداً من الخسائر من قواتها وقوات حلفائها ومناطق نفوذها في إدلب، تسعى كلّ من روسيا والولايات المتحدة إلى الاستثمار في غضب أنقرة وتهوّرها لجني مزيد من المكاسب في شرق الفرات، وخصوصاً في ظلّ تهديدات تركية باستئناف عملية «نبع السلام» وتوسيعها. في هذا الوقت، يُنتظر إعلان خطوات» تركية جديدة بخصوص إدلب اليوم، وسط دعم وتشجيع أميركيَّين لأنقرة، وتأكيد لـ«حقها في الردّ على الهجمات السورية».

بإصرار واضح ومع تعدّد محاور القتال وتداخلها، يتابع الجيش السوري عملياته في ريفَي إدلب وحلب. وبعد أن أمّن الطريق الدولي حلب - حماة (M5)، ابتداءً من ريف إدلب الجنوبي الشرقي، مروراً بريف حلب الجنوبي الغربي، تابع عملياته أمس في ريف حلب الغربي، ليسيطر على كامل الطريق الدولي، لأوّل مرة منذ عام 2012. كما سيطر على ضاحية الراشدين 4، وغابة الأسد، وجمعية الصحافيين غرب مدينة حلب، بعد معارك مع الفصائل المسلحة. وهو يسعى إلى توسيع قوس الأمان حول الطريق الدولي عند مدخل حلب الغربي، عبر السيطرة على بلدة خان العسل الاستراتيجية، حيث اشتبكت قواته ليل أمس مع المسلحين على أطراف البلدة، لتتمكّن في وقت قصير من السيطرة عليها كاملة.

وفي ظلّ الانهيار المطّرد لدفاعات المسلّحين في ريفَي حلب وإدلب، وتمكّن الجيش يومياً من التمدّد نحو بلدات ومدن جديدة، تحاول أنقرة استعادة المبادرة الميدانية، عبر دعم هجمات جديدة للمسلحين، في محاولات لاستعادة بعض ما خسروه من مناطق في الهجوم الأخير. وشهد يوم أمس هجوماً جديداً للفصائل على محور بلدة النيرب الواقعة غربي مدينة سراقب شمالي الطريق الدولي حلب - اللاذقية، والتي تُعدّ أقرب البلدات التي حرّرها الجيش إلى مدينة إدلب. الهجوم الذي شنته الفصائل صباحاً، بدأ بقصف مدفعي تركي مكثّف على مواقع القوات الحكومية وتجمّعاتها، تَبِعه تقدم برّي لمسلحي الفصائل المختلفة، من عدة محاور، نحو البلدة.

وانطلق الهجوم «من محيط النقاط التركية في سرمين، وقميناس، والمسطومة، وشارك النظام التركي في تقديم المدرّعات والتخطيط للهجمات»، بحسب التلفزيون السوري الرسمي. ما حدث عقب ذلك خَدَع قيادة عمليات المسلحين، إذ انسحبت قوات الجيش من البلدة، وتراجعت إلى خارجها، ليدخل المسلحون إليها معتقدين أنهم سيطروا عليها، وهو ما ذهبت إليه أيضاً وزارة الدفاع التركية التي قالت إنه «وفقاً لأحدث المعلومات الواردة، فإن عناصر النظام خرجت من بلدة النيرب في ريف إدلب الجنوبي الشرقي». لكن مصدراً عسكرياً سورياً أكد أن الجيش السوري «قد انسحب في خطة معدّة مسبقاً، هدفها استيعاب الهجوم، ثمّ الانقضاض على المسلحين داخل البلدة واستعادتها». وأضاف المصدر أن «الجيش، بعد انسحابه ودخول المسلحين إلى النيرب بوقت قصير عاد وهاجم البلدة عبر الالتفاف عليها من الجنوب والشمال والتقدّم داخلها من الجهة الشرقية وقد كبّد المسلحين خسائر كبيرة، ودمّر عدداً من الآليات التركية»، وبذلك استعاد السيطرة عليها وعاد إلى مواقعه السابقة.

وللمرة الرابعة على التوالي، هاجم الجيش السوري القوات التركية التي دخلت المنطقة أخيراً. وعقب الهجوم الذي شنّه المسلحون على النيرب، قصفت الطائرات السورية موقعاً تتمركز فيه القوات التركية في قرية قميناس في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، الواقعة إلى الشمال الغربي من قرية النيرب، بحسب تنسيقيات المسلحين. وعلى إثر ذلك، دخلت طائرات مروحية تركية الأجواء السورية، وتوجّهت إلى نقطة المراقبة في قرية قميناس لإجلاء الجنود الذين أُصيبوا بقصف الجيش.

وقال مسؤول تركي لوكالة «رويترز» إن «القوات الحكومية السورية أطلقت النار قرب مواقع مراقبة تركية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا اليوم (أمس)، ما دفع القوات التركية إلى الردّ»، فيما أعلنت وزارة الدفاع التركية «مقتل 51 من أفراد جيش النظام السوري في إدلب وتدمير دبابتين وموقع مضاد للطيران»، لكن مصادر عسكرية سورية أكدت أن البيانات التركية «تتضمّن مبالغات كبرى تعوّدنا عليها». وعلّق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من جهته، على التطورات الميدانية، بالقول «إننا رددنا بقوة على هجمات قوات النظام السوري، وكبّدناهم خسائر، ولكن هذا لا يكفي... وما ارتكبته قوات النظام السوري بحقّ جنودنا يجب أن يدفعوا ثمنه غالياً جداً». وأضاف إردوغان «أننا سنعلن غداً (اليوم) عن الخطوات التي سنتخذها في شأن إدلب».

في خضمّ ذلك، بدا لافتاً أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عزّى «عائلات الجنود الذين قتلوا في هجوم الأمس في إدلب» معتبراً أنه «يجب أن تتوقف الاعتداءات المستمرة من قِبَل نظام الأسد وروسيا». وأعلن بومبيو في موقف متقدّم أنه أرسل جيمس جيفري إلى أنقرة «لتنسيق الخطوات للردّ على هذا الهجوم المزعزع للاستقرار ونحن نقف إلى جانب حلفائنا في الناتو». في المقابل أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف أن الرئيسين الروسي والتركي لا يعتزمان عقد لقاء في شأن الوضع في إدلب، مستدركاً بأنه إذا استدعت الضرورة فسيتمّ عقد هذا اللقاء. وجدّد بيسكوف التشديد على ضرورة «تنفيذ اتفاقيات سوتشي، وبالطبع أيضاً التصدّي لأيّ نشاط إرهابي يستهدف القوات المسلحة السورية والمنشآت العسكرية الروسية» لافتاً إلى أنه «لوقت طويل، شعر الإرهابيون في إدلب ليس فقط أنهم في وضعية مريحة بل ويشنّون الهجمات، ويقومون بنشاط عدواني ضد الجيش السوري ومنشآتنا (العسكرية)».

أصداء إدلب في شرقي الفرات: واشنطن وموسكو تستثمران «الغضب» التركي
شكّلت عملية «نبع السلام» التركية في شرقي الفرات، وما أحاط بها من أجواء أظهرت واشنطن متخلّية عن حلفائها الأكراد لصالح التوافق مع أنقرة، تحوّلاً اهتزّت بفعله العلاقات الكردية - الأميركية، وكادت تصل إلى مرحلة القطيعة، لولا القرار الأخير للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، البقاء في محيط حقول النفط في الشرق السوري، والذي دفع القوى الكردية إلى التعويل مجدداً على المظلّة الأميركية. وفي مقابل اعتقاد تلك القوى بأهمية الوجود الأميركي كـ«عامل توازن» و«ضابط إيقاع» في المنطقة، فهي تدرك أهمية الدور الروسي في موازنة الدور التركي، وفي تقريب وجهات النظر مع الحكومة السورية، التي يعتقد الكثير من الأكراد أن لا حياة لأيّ مشروع في الشمال والشرق من دون موافقتها وانخراطها فيه.

بالعودة إلى بداية عملية «نبع السلام» التركية وتحديداً إلى ما بعد ستة أيام من إطلاقها وخسارة «قسد» مساحات واسعة من كانتونات «الإدارة الذاتية»، يظهر كيف نجحت الجهود الروسية في رعاية اتفاق مشترك بين «قسد» والجيش السوري، يسمح بانتشار الأخير في مناطق على الشريط الحدودي مع تركيا في محافظات الحسكة والرقة وحلب. حينها، حاول الروس استثمار ذلك الاتفاق العسكري لإنجاز اتفاق سياسي يمهّد لتسوية نهائية للمناطق الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية» الكردية.

إلا أن كلّ تلك المحاولات لم يُكتب لها النجاح بسبب تعنّت الأكراد وتمسّكهم بضرورة اعتراف دمشق، دستورياً، بـ«الإدارة الذاتية». وبعد قرار ترامب القاضي ببقاء القوات الأميركية في الشرق السوري، أظهرت «قسد» تعنتاً أكبر في التفاوض مع دمشق. ولذا سعت الحكومة السورية إلى الالتفاف على «قسد»، عبر استخدام نفوذ العشائر في شرقي الفرات، لتحويل وجودها في الشريط الحدودي مع تركيا إلى أمر واقع. وفي هذا السياق عُقد في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي لقاء جمع رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك مع شيوخ ووجهاء العشائر في الحسكة، في مطار القامشلي الدولي. ونُقل آنذاك عن اللقاء أنه «لم يكن بالمستوى المطلوب لناحية حضور وجهاء العشائر»، كما أن «طلبات الوجهاء اقتصرت على أمور خدمية، ولم يُبدوا تجاوباً مع مطالب دمشق بخصوص العلاقة مع قسد، وضرورة سحب أبناء العشائر من صفوفها» .

بالتوازي مع ذلك، لم تتوقّف الجهود الروسية في إيجاد صيغة مناسبة لملف الشمال، تُوافق عليها كلّ من القوى الكردية ودمشق، حتى إن «مركز المصالحة الروسي» في حميميم تحوّل أخيراً إلى مكان لاجتماع الروس مع قيادات كردية من «الإدارة الذاتية»، وأحزاب سياسية ومستقلين أكراد، لردم الهوّة مع الحكومة السورية، والتمهيد لإطلاق حوار فاعل بين الطرفين. وفي هذا السياق، جاء الإعلان الكردي قبل أيام عن موافقة دمشق على إطلاق حوار مباشر مع «الإدارة الذاتية»، بعد لقاء في حميميم، «لم تصدر عنه نتائج جدّية»، بحسب مصادر دبلوماسية، وآخر في دمشق حضره مملوك بنفسه. ويرى مصدر دولي مطّلع أن «موسكو لن تكسر الجرّة مع أنقرة عبر رعاية اتفاق جدّي بين الأكراد ودمشق، لأنه سيكون على حساب المصالح التركية بالضرورة» لكن يمكن أن تستغلّ موسكو هذه الورقة لابتزاز أنقرة، وتهديدها برعاية اتفاق سوري - كردي يضرّ بمصالحها إذا تابعت الأخيرة تصعيدها في إدلب. ويوافق على ذلك مصدر دبلوماسي سوري مطّلع يرى أن إعلان موافقة دمشق على إطلاق حوار مباشر مع القوى الكردية «استعجله الروس، ليكون رسالة لأنقرة في ظلّ تصاعد التوتر الروسي - التركي على خلفية عمليات إدلب».

ولا يقتصر التوتر الروسي - التركي على إدلب ومحيطها فقط، بل يظهر أيضاً بشكل واضح في شرقي الفرات، من خلال رفض أنقرة المتكرّر تسيير دوريات مشتركة مع الروس في ريف الحسكة، وفق ما ينصّ عليه «تفاهم سوتشي» بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والتركي رجب طيب إردوغان. كذلك، تشهد المنطقة ازدياداً في عمليات القصف التركي على مواقع «قسد» والجيش السوري هناك، في وقت تتابع فيه القوات التركية تحشيدها، وسط أنباء عن استئناف متوقّع لـ«نبع السلام»، في إطار الردّ التركي على تحرّكات الجيش السوري الأخيرة في إدلب وحلب. لكن المصدر الدولي المتحدّث إلى «الأخبار» يعتبر أن «رؤية الأكراد والأميركيين للموقف التركي اليوم، هي أن التركي يخوض معركة دفاعية في إدلب، وليست هجومية»، وهو بالتالي «لن يفتح معركة معهم في شرقي الفرات، ولن يخوض معركتين متزامنتين على جبهتين، ولن يوتّر الموقف مع واشنطن التي تدعمه في مقابل موسكو».

وسط ذلك، تحاول واشنطن الاستفادة من الموقف في استعادة ثقة القوى الكردية وولائها المطلق والكامل لها، وإضعاف ثقتها بالروس وقدرتهم على حمايتها. ولذا، فهي تعمل على طمأنة حلفائها في «قسد» إلى أن التصعيد التركي مقابل الروس في شرقي الفرات، إن وقع، «لن يطال مناطق سيطرة القوات الأميركية»، على عكس مناطق سيطرة القوات الروسية. مع هذا، لم يعد الأكراد يبدون ثقة مطلقة بواشنطن، وهو ما تُرجم ميدانياً بإخلاء «قسد» مقرّات ومستودعات لها في بلدة أبو رأسين في ريف الحسكة، في ظلّ معلومات عن تحرّكات إضافية في الدرباسية وعامودا، في محاولة لاتخاذ إجراءات احترازية في حال شمل التصعيد التركي الشمال والشرق السوريَّين، حيث السيطرة الأميركية. وفي سياق المساعي الأميركية نفسها، تقوم القوات الأميركية بـ«استعراض إعلامي» متكرّر، عبر التضييق على تحرّكات موسكو، واعتراض الدوريات الروسية في منطقة الجزيرة السورية.

وتفسّر المصادر العسكرية السورية التصرفات الأميركية بأنها «محاولات لإثبات أن اليد الأميركية هي العليا في المنطقة، وهذا استعراض أمام الأكراد بشكل خاص»، بينما يرى فيها المصدر الدولي المطّلع ردّاً أميركياً على «التنمّر الذي تمارسه الشرطة العسكرية الروسية في منطقة تل تمر، حيث تجري دوريات منفردة من دون التنسيق مع قسد، التي من المفترض أن تنسق مع الأميركيين بدورها، كما جرت العادة». ويؤكد المصدر أن «الأكراد والأميركيين مستاؤون جداً من الروس على خلفية دوريات تل تمر».

إردوغان في إدلب: نحو عمليّة شاملة!
يواجه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مأزقاً حقيقياً في إدلب تحديداً، وفي سوريا عموماً. الرجل الذي عُرف بتوظيفه جيداً السياسات الخارجية لحسابات داخلية قد لا تسعفه مغامراته المتشعّبة في أكثر من بلد وقضية في تعزيز شعبيته. وفي وقت تتصاعد فيه التطورات الميدانية في منطقة إدلب، فهي تتحوّل إلى بند أول في الحراك السياسي الداخلي.

وإذ هدّد إردوغان، أمس، في كلمة أمام كتلة حزب «العدالة والتنمية»، النظام السوري بتدفيعه «ثمناً باهظاً بل باهظاً جداً جراء اعتداءاته على الجيش التركي»، كشف أنه سيعلن اليوم الأربعاء تفاصيل الخطوات التي سيقوم بها في إدلب، لتردّ الخارجية السورية، كما قيادة الجيش السوري، على تهديداته باتهامه بأنه الراعي الأول للإرهاب في سوريا، ويريد إدامة احتلاله لها، في تواصل للحرب الكلامية بين الجانبين.
في الداخل التركي، طلب حزب «الشعب الجمهوري» عقد جلسة للبرلمان لمناقشة الوضع في إدلب وفي سوريا. وفي حيثيات المذكّرة التي قدّمها، أورد أن الجيش التركي في إدلب أمام مخاطر كبيرة، وأمام احتمال الدخول في حرب مع الجيش السوري. ورأت المذكرة أن «اتفاق سوتشي» بكلّ مندرجاته لم يتمّ تطبيقه من قِبَل إردوغان، داعياً إلى مناقشة مجمل السياسة السورية للرئيس وكيفية حماية الجنود الأتراك من المخاطر.
ميدانياً، جاء مقتل خمسة جنود أتراك إضافيين، الإثنين الماضي، ليفاقم التساؤل حول إصرار إردوغان على البقاء في نقاط المراقبة التي أصبحت ضمن نطاق سيطرة الجيش السوري، والتي زاد عددها على أربع، كما على إرسال تعزيزات من مختلف أنواع الأسلحة من دبابات وصواريخ ومنصّات إطلاقها ومدافع ثقيلة إلى الجبهة. ويبدو من الواضح أن إردوغان يحاول التمسّك حتى الرمق الأخير بكل شبر يقع تحت سيطرة تركيا أو المسلحين الذين ترعاهم، من أجل:
1- حماية هؤلاء المسلحين أنفسهم لأنه يستخدمهم عند الحاجة في أكثر من مغامرة داخل سوريا وخارجها (كما في ليبيا مثلاً)، ولا يريد خسارة إحدى أدواته في مقارعة خصومه وأعدائه.
2- يحاول، من خلال إرسال التعزيزات المسلحة، على الأقلّ، وقف التقلّص التدريجي لمساحة الأراضي التي يسيطر عليها في إدلب، والحفاظ على الحدّ الأقصى الممكن لتبقى إدلب ورقة ضغط قوية وشوكة في خاصرة الدولة السورية.
3- إن إبقاء إدلب بيده وبيد المسلحين يشكّل ورقة مساومة في مباحثات «اللجنة الدستورية»، أملاً بأن يحقّق من خلالها مكاسب في الصيغة المستقبلية للنظام في سوريا. ولا يزال أركان النظام في تركيا يتحدّثون عن تشكيل حكومة ذات مشروعية تنبثق من انتخابات نيابية ديموقراطية، ما يعني مكابرة في الجلوس مع النظام الحالي، ورهاناً على إمكان إسقاط النظام في الانتخابات.
4- يحاول إردوغان أن يحتفظ في إدلب، على الأقلّ، بالشريط المحاذي للواء الإسكندرون (هاتاي) لكي يبقي الجيش السوري بعيداً عن الحدود التركية مباشرة.
5- يسعى إدروغان إلى الحفاظ على إدلب كي لا يكون سقوطها بيد الجيش السوري بداية مرحلة جديدة تتغيّر فيها المعادلات، وتفضي إلى تدحرج كرة الثلج في انسحاب كامل للجيش التركي من كلّ سوريا، سواء سلماً أو مقاومة، فينهار عندها حلم عودة تركيا إلى حدود «الميثاق الملّي» لعام 1920، والذي بات لازمة في كلّ موقف تركي كما لو أن حدود الميثاق هي الحدود الفعلية لجمهورية تركيا.
6- ومع سقوط أول قتلى الجيش التركي في إدلب في مطلع الشهر الجاري، ارتفع صوت المعارضة بالتساؤل عما يفعله الجيش في إدلب. وانطلقت على إثر ذلك نقاشات حادّة حول خيارات تركيا في سوريا، عكست انتقادات لسياسة إردوغان والمستنقع الذي أوقع بلاده فيه فعلاً. لذلك، فإن عدم الظهور بموقف الضعيف والمتراجع ميدانياً كان في صلب تهديدات إردوغان للنظام السوري للانسحاب من حول نقاط المراقبة التركية في إدلب، وإعطائه مهلة حتى نهاية الشهر الجاري.

إذا لم ترضخ سوريا لتهديات إردوغان، فإن تركيا ستنتقل إلى الخطة باء وتاء. وقد أعلن وزير الدفاع، خلوصي آقار، في حوار الأحد الماضي مع صحيفة «حرييت»، أن الخطة البديلة تعني القيام بعملية على غرار «غصن الزيتون» و«درع الفرات» و«نبع السلام»، أي تقدّم الجيش التركي لاحتلال ما تبقى من إدلب ووضع اليد عليها مباشرة، فلا تبقى تحت سيطرة المسلحين، وإعلانها «منطقة آمنة»، ووضع سوريا وروسيا أمام أمر واقع وهو أن أي تقدّم للجيش السوري يعني الاصطدام مع الجيش التركي. وهو ما يفسّر كلّ هذه التعزيزات التركية بمختلف أنواع الأسلحة. وبمثل هذه العملية، يحاول إردوغان الظهور أمام الرأي العام التركي على أنه أنقذ تركيا من موجة لاجئين جديدة واسعة، وحافظ على الحدّ الممكن والمعقول من إدلب بدل خسارتها بكلّيتها. ولا يبقى في تلك الحالة سوى انتظار نهاية الشهر، أو ربما تقديم موعد العملية وإطلاق التسمية عليها.

وفي انتظار ما سيكشف عنه إردوغان، كان مسؤول الأمن والسياسة الخارجية، برهان الدين دوران، يكتب أمس الثلاثاء في صحيفة «صباح» أن أمام تركيا خيارين: الأول، هو إخلاؤها قواتها من نقاط المراقبة المحاصرة، وهو ما سيفتح الباب أمام «استمرار المجازر السورية بحق المدنيين»، ويعرّض أمن الحدود التركية للخطر ولموجة نزوح كبيرة؛ والثاني، هو استمرار المفاوضات مع موسكو، وفي الوقت نفسه القيام بعملية عسكرية شاملة وواسعة تظهر للنظام السوري الحزم والعزيمة التركيين. وبالتالي، على تركيا اتخاذ خطوات أكثر حزماً ضدّ الأسد. ويرى دوران أن النزوح المحتمل لأكثر من مليون سوري من إدلب إلى تركيا سيجعل مسألة إدلب دولية، معتبراً أن على بلاده التحرّك لدى أوروبا حتى لا تهدّد موجات اللاجئين الديموقراطية الأوروبية، لافتاً إلى أن تركيا بإعلانها أنها تتشاور مع الولايات المتحدة إنما تريد من الغرب أن يشاركها عبء الوضع في إدلب.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية