المرصاد نت
تُغطّي مقتنيات المتاحف اليمنية مراحل مختلفةً من تاريخ البلاد؛ فمنها ما يعود إلى الحضارات القديمة قبل الإسلام، مثل عصور الملوك التبابعة والسبئيّين والحميريّين ومنها ما هو مرتبطٌ بالحضارة الإسلامية بمختلف مراحلها.
لكنّ تلك الآثار لم تعد متاحةً للجمهور اليوم؛ فمنذ آذار/ مارس 2015 وهو تاريخ إعلان تحالف العدوان السعودي الحربَ على اليمن تُواصل المتاحف اليمنية إغلاق أبوابها أمام الزائرين في محاولة لحماية مقتنياتها التي يبلغ عمر بعضها ثمانية آلاف سنة بحسب رئيس الهيئة العامّة للآثار والمتاحف في اليمن مهنّد السياني.
ورغم إغلاقها لم تسلم المتاحف من الحرب؛ إذ يقول السياني في حديثٍ إنها ظلّت عرضةً للقصف الذي ينفّذه طيران تحالف العدوان من جهة والنهب والتخريب اللذين يمارسهما مَن “يحملون فكراً معادياً للتاريخ والحضارة مُعتبراً أن الأمر شبيه بما تعرّضت له الآثار السورية والعراقية من نهب وتخريب على يد تنظيم داعش.
يُحصي اليمنُ سبعةً وعشرين متحفاً لم يعد يعمل منها سوى "المتحف الحربي" في العاصمة صنعاء باعتباره هيئةً مستقلّةً عن الهيئة العامة للآثار؛ فهو يتبع دائرة المتاحف في قسم التوجيه المعنوي التابع لوزارة الداخلية.
يُؤرّخ المتحف للثورة اليمنية سنة 1962، والتي تُوّجت بنهاية عهد الأئمة وقيام الجمهورية. بيد أن تغييرات طرأت عليه مؤخّراً، وتمثّلت في إضافة المئات من صور قتلى المواجهات مع القوّات السعودية والإماراتية في الحرب التي تدور رحاها حتى اللحظة. وهذه التغييرات ليست الأولى؛ إذ أقدم نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح على إخفاء معالم فترة الرئيس إبراهيم الحمدي (1943 – 1977).
أيّاً كان فحال المتحف أفضل من حال المتحف الحربي في عدن والذي تعرّض في منتصف نيسان/ إبريل 2015 لغارة جوية من طيران تحالف العدوان خلّفت أضراراً كبيرة في جدرانه قبل أن يتعرّض للنهب والسرقة وهو ما كشف عنه تحقيقٌ لإحدى المنظّمات الحقوقية أواخر العام المنصرم.
كان المبنى يحتوي على أسلحة قديمة وصور للثوّار الذين انتفضوا ضد الاحتلال البريطاني ومعروضات عن تاريخ اليمن العسكري ومراحل التطوير التي شهدتها قوّاته المسلّحة إلى جانب صورٍ وأعمال يدوية تاريخية مصنوعة من الحجارة.
يؤكّد السياني أن المتحف مغلقٌ منذ بداية العدوان والحرب موضّحاً بأن جميع القطع التي كان يضمّها محفوظةٌ لدى البنك المركزي في عدن. ورغم انتهاء الحرب في المدينة يرفض المتحدّث فكرة إعادة فتحه مبرّراً ذلك بالتخوُّف من أن يتعرّض هو الآخر للنهب باعتبار أن الوضع هناك غير آمنٍ في ظلّ وجود القوّات الإماراتية على الأرض.
واللافت أن عشرات الجماعات المسلّحة التي أسهمت في الحرب التي تشنّها السعودية والإمارات على اليمن وإن كانت تختلف في توجّهاتها وأهدافها فإنها تكاد تتّفق حول نظرتها إلى الآثار التي ترى فيها "بقايا" يجب تدميرها أو مادّةً للنهب والتهريب.
يقول مهنّد السياني خلال حضوره لقاءاتٍ ومؤتمرات حول تهريب الآثار في بعض البلدان، إنه فوجئ بأن القطع الأثرية المهرّبة من اليمن تُباع في تلك الدول في محلّات مرخّصة وبعضها يقع بجوار متاحف شهيرة.
يُعدّ تنظيم القاعدة أكثر التنظيمات المسلّحة عداءً للآثار وفي الوقت نفسه الأكثر نشاطاً في تهريبها فخلال سيطرته على مدينة المكلّا أقدم عناصره على نهب "المتحف السلطاني" وهو ما يرويه السياني في حديثه قائلاً: جاء عناصر من التنظيم إلى الزملاء في المكلّا واستفسروا عن وجود "أصنام" داخل المتحف وحين أجابوهم بالنفي اقتحموه ونهبوا ما بداخله بعد ثلاثة أيام من احتلاله. لحسن الحظ كنّا قد أخرجنا التماثيل والقطع المهمّة ولو وجدوا أحدها لفجّروا المبنى دون تردُّد.
في 2011 اقتحم التنظيم مدينة زنجبار في محافظة أبين جنوبَي البلاد وأقدم على سرقة متحف المحافظة كاملاً ولا تزال كافّة مقتنياته حتى اليوم بحوزته حسبما يؤكّده السياني الذي يُضيف: تواصلنا مع جميع المنظّمات للإبلاغ عنها بهدف سدّ الطريق أمام بيعها؛ فهي موثّقة لدينا بالأرقام موضّحاً أن السلطات اليمنية آنذاك رفضت شراءها من التنظيم حتى لا تفتح الباب للصوص الآثار وفق تعبيره.
ليس متحف أبين وحده من طلب ناهبوه فديةً مقابلَ إعادة مقتنياته؛ إذ يؤكّد رئيس الهيئة العامّة للآثار والمتاحف أن جماعة "أبو العباس" السلفية المدعومة من قبل الإمارات طلبت عشرة ملايين ريال سعودي مقابل إعادة ما نهبته من متحف تعز الذي تعرّض لأكبر عملية نهب من قِبل جماعة مسلّحة عقب قصف طائرات التحالف السعودي مبناه.
غير أن مدير مكتب الثقافة في المدينة عبد الخالق سيف ينفي ذلك قائلاً إن مروان دمّاج وزير الثقافة في حكومة هادي على تواصلٍ مع العقيد عادل فارع الملقّب بأبي العبّاس والتقى به مرّتَين في تعز وعدن واتفقا على حصر وجرد وتوثيق وتسليم كل مقتنيات المتحف.
يضيف السياني أن إدارة المتاحف في عدن أبلغته مؤخّراً موافقة "جماعة أبي العبّاس" على إعادة جميع القطع التي نُهبت من المتحف غير أنه يضيف بأنه لا يملك أي معلومة عن مقابل ذلك ولا عن عدد القطع المنهوبة: كلُّ ما نعرفه هو أنها نُقلت على متن خمس سيارات.
لا تنتهي مأساة متحف تعز هنا؛ إذ يقول الصحافي اليمني عبد الملك الجرموزي الذي يسكن بالقرب من المتحف الوطني في تعز: في المدينة متحفان: أوّلهما هو قصر الإمام أحمد وقد تعرّض للقصف المباشر والمتعمَّد من قبل طائرات تحالف العدوان والمسلّحين تماماً كما حصل لمواقع وأضرحة ومساجد وقلاع تاريخية عديدة في مختلف مديريات المحافظة كأن الهدف هو تحويل تعز إلى منطقة خالية من أي أدلة تاريخية توثّق المراحل التي مرّت بها المدينة.
ويضيف: أمّا الثاني فهو المتحف الوطني أو متحف العرضي والذي نُهبت جميع مقتنياته القديمة ومخطوطاته النادرة التي تعود إلى دول تعاقبت على اليمن في القرون الماضية.
والمتحف الوطني في تعز هو أحد المباني التي أُنشئت بعد الوصول العثماني الثاني إلى تعز؛ حيثُ شُيّد كمستشفى عسكري بجوار العرضي وبعد خروج العثمانيّين من اليمن عقب الحرب العالمية الأولى، حوّله الإمام يحيى حميد الدين إلى قصر لولي عهده أحمد والأخير جعله مقرّاً لحكه وسماه المقام الشريف. كما بنى قصر صالة الذي جعله سكناً له وكلاهما تحوّل إلى متحف عقب الثورة على نظام الإمامة.
وأدّى احتراق المتحف إلى إتلاف مكتبته وأرشيفه. وعن ذلك يقول مهند السياني: علّمنا ذلك أنه يجب أن يكون لدينا أكثر من نسخة، في أكثر من جهة مختلفة، لنحتفظ بكشوفات القطع الأثرية، كما دفعنا إلى تجهيز مكتبة إلكترونية”.
متحف ذمار هو الآخر شاهدٌ على مأساة الحرب على اليمن ففي أيار/ مايو 2015، قصفت طائرات تحالف العدوان المبنى الذي لم تمرّ أكثر من عشر سنواتٍ على إنجازه بصاروخين لم يُبقيا أثراً منه. كان المتحف يحتوي على 12500 قطعة أثرية. لكن لم يُعثَر سوى على 7600 منها ومعظمها بحاجةٍ إلى ترميم بحسب السياني الذي يوضّح أيضاً: لا تزال الكثير من القطع الأثرية مدفونةً تحت الركام ويجب رفع الأنقاض للبحث عنها.
وإلى جانب القصف والنهب والسرقة انتشرت مؤخّراً عمليات تزييف الآثار اليمنية. وهكذا يبدو ما تعانيه متاحف اليمن جزءاً ممّا تعانيه الساحة الثقافية بشكل عام والإنسان اليمني بشكل أعمّ في ظلّ العدوان والحرب. ورغم ما ألحقته الأخيرة من خسائر فادحة بمجال المتاحف والآثار فإن اليمن يبقى متحفاً مفتوحاً بموروثه الإنساني المتنوّع.
المزيد في هذا القسم:
- 3 مليارات و247 مليون ريال أضرار المعاهد الفنية والصناعية بمحافظة صنعاء متابعات : بلغت الأضرار المادية التي لحقت بالمعاهد الفنية والصناعية الخمسية بمحافظة صنعاءأكثر من 3 مليارات و247 مليون ريال جراء استهداف طيران العدوان السعودي ال...
- أرتفاع الأسعار يسابق انهيار الريال! المرصاد نت يواصل الريال اليمني انهياره المتسارع أمام العملات الأجنبية خلال الأيام الماضية حيث سجّل الدولار ارتفاعاً قياسياً بسعر صرف تجاوز 523 ريال يمني للشرا...
- اليونيسف: مليوني طفل يمني خارج المدارس! المرصاد نت أعلنت منظمة اليونيسف أن مليوني طفل يمني خارج المدارس وأن نحو 3 ملايين و 700 ألف آخرين معرّضون للتسرّب المدرسي. وفي بيان لها قالت المنظمة الأم...
- الكوليرا تحصد أرواح اليمنيين .. إرتفاع متسارع بالوفيات والعالم يتفرّج المرصاد نت - متابعات قالت منظمة الصحة العالمية أن وباء الكوليرا تسبب في وفاة 923 يمني والاشتباه بـ 124.002حالة في 20 محافظة وأن أكثر من نصف حالات الاشتباه بال...
- أطفال اليمن.. 4 سنوات من الإبادة! المرصاد نت تمّ تأسيس يوم الطفل العالمي عام 1954 من قبل الأمم المتحدة ويتمّ الاحتفال به في 20 نوفمبر من كل عام؛ بهدف تعزيز الوعي بين الأطفال في جميع أنحاء العا...
- معاناة متواصلة لليمنيين خاصة الأطفال نتيجة سوء التغذية الحاد ! المرصاد نت - متابعات تتواصل معاناة الاطفال اليمنيين من انعدام الامن الغذائي وسوء التغذية الحاد بسبب الحصار السعودي المتواصل على اليمن. واشارت مصادر طبية الى ت...
- الصحة العالمية تحذر من تزايد خطر وباء الملاريا في اليمن متابعات : حذرت منظمة الصحة العالمية من تزايد خطر الإصابة بالملاريا في اليمن و أعرب المدير الإقليمي للمنظمةالدكتور علاء الدين العلوان عن قلقه البالغ إزاء تزايد...
- تحذيرات دولية من تحول الأمن الغذائي في اليمن إلى كارثة إنسانية المرصاد نت - متابعات حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) من احتمال تحول وضع الأمن الغذائي والتغذية في اليمن إلى “كارثة إنسانية” ما ...
- الحديدة : وفاة أكثر من 50 حالة جراء إصابتها بحمى الضنك! المرصاد نت قالت مصادر طبية إن أكثر من 50 مواطناً توفوا خلال أقل من شهر في محافظة الحديدة غربي اليمن جراء إصابتهم بحمى الضنك. وكشف تقرير صادر عن مكتب الصحة في ...
- وباء مجهول يجتاح مدينة عدن يتسبب بكارثة صحية ويفتك بالعشرات! المرصاد نت أفادت مصادر محلية وطبية في مدينة عدن، عن رصد حالات وفاة وإصابة لعشرات المواطنين يتساقطون يوميا عقب اجتياح سيول الأمطار الجارفة للمدينة الأسبوع الما...