اعادة نشر حوار الأستاذ عبد الباسط الحبيشي مع صحيفة اليقين بتاريخ 2نوفمبر 2014 لأهميته

انتقد انفتاح أنصار الله على الآخر وحثّهم على تخليص الجنوب من طواغيphoto_2022-08-01_00-55-29.jpgت الفساد.. وبشّر بسقوط حكومة بحاح .. وهاجم النظام المشترك السابق.. وقال بأن المملكة الصالحية انتهت إلى غير رجعة.. ووعد بتسليم حديقة 21 مارس بعد تطهيرها نهائياً من بقايا الفرقة..

اليقين : * بداية ما قراءتك للمشهد السياسي اليمني؟

- يمر المشهد السياسي اليمني بمرحلة ثورية سلمية رصينة وحكيمة وعلى طريقة "الخطوة خطوة" البعيدة عن مقولة هدم المعبد على كل ما فيه ومن فيه، مستلهماً في بعضها الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس إبراهيم الحمدي في السبعينيات من القرن الماضي. وهذه العملية التي تتسم بالبطء والديناميكية في آن تجعل المشهد في حالة احتقان مؤقت وحالة التباس قسري لعدم معرفة المآلات التي ستتمخض عنها هذه الثورة لا سيما وأن الأرض منبسطة "كما ذكر الكاتب الأمريكي توماس فيردمان" ومتقلبة لكل القوى الوطنية الثورية التي ترغب بالمشاركة في عملية التغيير التي تطمح إلى تحقيقها كل شرائح المجتمع اليمني بعد عقود طويلة من تكريس التخلف والفساد والفقر والإرهاب، وأيضاً منفتحة على بقية القوى التقليدية التي أنتجت هذا الواقع المؤلم والتي لا تزال تصر بكل صلافة ووقاحة على البقاء في السلطة لإدارة فسادها المستشري والممنهج في كل مفاصل الدولة الافتراضية. ولذلك فإن الأبواب مشرعة لكل التوقعات بين من ترجح كفته في السيطرة على البلاد.

* ما مدى تفاؤلك بنجاح حكومة السلم والشراكة؟

- الحكومة التي تم تشكيلها مؤخراً لا تمت بأي صلة إلى اتفاقية السلم والشراكة الموقعة بين الأطراف؛ لأنها تجاوزت الشريك الأصيل، بل والوحيد في عملية التغيير والثورة، المتمثل بأنصار الله. وهذا شكّل خطأ فادحاً في المسار السياسي، ناهيك عن المخالفة الفاضحة لنصوص اتفاقية السلم والشراكة من خلال إعادة العديد من نفس الوجوه التي تمثل القوى المتنفذة التي أصلاً قامت الثورة ضدهم. وبالتالي فإن سقوط الحكومة خلال أشهر عملية حتمية..

* لكن أنصار الله أعلنوا مسبقاً بأنهم لن يشاركوا في الحكومة، إضافة إلى أنهم وافقوا على تفويض رئيسي الجمهورية والحكومة باختيار حكومة كفاءات، فكيف تم إقصاؤهم كما تقول؟

- فعلاً لم تكن في نية أنصار الله المشاركة في الحكومة، لكنهم بعد ضغط شديد من قبل أطراف عديدة وافقوا على المشاركة باقتراح أسماء من قبلهم في ست حقائب وزارية، فاعترض الإصلاح وبعد الاتفاق اعترض المؤتمر، ومن ثم جاء التفويض للرئيس الذي كان عليه من باب أولى أن يُشرك أنصار الله في الحكومة لمنحها مصداقية وشرعية، وكانت هذه الخطوة ستكون لصالحه، لكنه لم يفعل، بل إنه لم يعرض القائمة النهائية على أنصار الله كنوع من الكياسة السياسية على الأقل للمصادقة عليها قبل الإعلان الرسمي عنها بطريقة مستفزة.

* نفهم من كلامك بأن أنصار الله أصبحوا مرجعية عليا فوق الرئاسة والحكومة حتى تصادق على تشكيل الحكومة؟

- أنصار الله باتوا قوة شعبية كبيرة على الأرض ورقماً سياسياً صعباً لا يمكن تخطيه أو تجاهله، بل ومن الغباء السياسي أن يتصرف البعض وكأنه لم يكن.

* وماذا عن تشكيل اللجنة الاقتصادية مؤخراً إلى جانب لجنتي صعدة والقضية الجنوبية وفقاً لاتفاق السلم والشراكة؟

- ما بني على باطل فهو باطل. اللجنة الإقتصادية لن يكون اختيارها أفضل من اختيار الحكومة المشكلة التي تشارك في اختيار اللجنة الاقتصادية مع من اختار أعضاء الحكومة نفسها. فكيف يمكننا التعويل على حسن اختيار اللجنة الاقتصادية من قبل الجهات التي فشلت فشلاً ذريعاً في اختيار أعضاء الحكومة.

أما من حيث لجنتي الشمال والجنوب لحل القضية الجنوبية فإني أعتقد جازماً بأن الجنوبيين أقدر على حلّ قضيتهم بأنفسهم بعد إكمال تهيئة الوضع السياسي في عموم اليمن واستكمال بناء وتماسك الدولة الجديدة وتسليم السلطة للشعب.

* أنتم شاركتم في أحداث 21 سبتمبر2014م تحت أهداف وشعارات محددة، ولكن الوضع ما زال على ما هو عليه إن لم يكن أسوأ من السابق، فما هو السبب برأيك؟

- الوضع الآن أفضل بكثير من السابق؛ فقد تم إبعاد العديد من روؤس الفساد والقضاء على مشاريع التبعية والعمالة، وما تزال الثورة مستمرة ولم تصل بعد إلى استكمال أهدافها.

* هل تسمي أحداث القتل والنهب والاختطاف واقتحام المعسكرات ونهب الأسلحة بأنها ثورة؟

- القتل والنهب والاختطافات وعمليات الاغتيالات ومئات الآلاف من الجنود الوهميين وسرقة المال الخاص والعام كانت سمات واقعية من النظام المشترك السابق الذي كان يمارس كل أنواع الجرائم والانتهاكات اللاإنسانية في حق الشعب اليمني، والأمثلة على ذلك كثيرة كان آخرها اغتيال الدكتور محمد عبدالملك المتوكل. وما يحدث الآن هو تصحيح فعلي وميداني لكل ما كان يحدث من اختلالات في شتى المجالات المختلفة والسلم الاجتماعي.

* وماذا تسمي ما يحدث الآن من حروب ومواجهات ومن عسكرة للجامعات وبناء السجون الخاصة وحوثنة الجيش والأمن والبحث عن قوارير الخمر في جيوب الأجانب ونهب أموال الغير بذريعة أنها أموال فاسدة؟

- لا أدري من أين تستقي معلوماتك المغلوطة وأنت الصحافي القدير والمتمكن، إلا إذا كانت لك مآرب أخرى. وأسئلتك المطروحة تشي لمن يقرأ بأن اليمن كان يعيش في عالم مثالي. الثورة الحالية وإجراءات التصحيح تسير على قدم وساق بواسطة اللجان الشعبية في معظم المؤسسات المدنية والعسكرية بكل نزاهة وشفافية ودون كلفة على الوطن والمجتمع، فضلاً عن العمليات البطولية التي تخوضها هذه اللجان في مكافحة الإرهاب في عموم الجمهورية.

* لكن اللجان الشعبية هي من تمارس كل هذه الاختلالات رغم وجود بعض الإيجابيات؟

- عن أي اختلالات تتحدث؟ وكأنك تقول بأن المؤسسات كانت تقوم بواجبها على ما يرام قبل وجود اللجان الشعبية؟! يا أخي، لم يكن في هذه المؤسسات سوى عمليات القرصنة وسرقة المال العام. وانقطاعات الكهرباء خير دليل على ذلك وما يتبعه من اختلاسات للمال العام لم تعد خافية على أحد.

* الآن لدينا سلطة مليشيات ولدينا قضاء شعبي وهناك تعطيل تام لمؤسسات الدولة التنفيذية والأمنية والقضائية، فهل هذا ما كنتم تسعون له؟

- فعلاً لقد تم تعطيل عمليات وصفقات الفساد وتوقيف الحسابات الخاصة التي كانت تورّد اليها أموال الشعب بصورة غير شرعية، وكذلك المرتبات والأموال التي كانت تصرف بطرق ملتوية لقيادات وعناصر الإرهاب في المؤسسات التي وصلت إليها اللجان الشعبية. يا أخي هل تعلم بأن تسعين في المائة من ميزانية الدولة تنهب لصالح المتنفذين في قصص ومشاريع وهمية ليس لها وجود؟ أي تعطيل تتحدث عنه؟ هل تعتبر أن إنقاذ أموال الشعب من براثن المتنفذين تعطيل؟ لقد تم تعطيل اليمن وشعبه كاملاً لمدة ثلاثة عقود ونيف فضلاً عن إهدار ثلاثة أجيال كاملة خلال هذه العقود.

* يعني اللجان الشعبية وأنصار الله يقومون بتصحيح هذه الأخطاء، بينما لا توجد أي أخطاء بعد 21 سبتمبر؟

- لم أقل ذلك، بالتأكيد هناك أخطاء.

* ما أبرز هذه الأخطاء؟

-أبرز خطأ وليس خطأ بل أقول فشل سياسي ذريع لا يتناسب ولا يواكب الانتصارات الميدانية الهائلة والعظمية على الأرض التي تم تحقيقها، وهو أن أنصار الله لم يستغلوا انتصاراتهم الميدانية والعسكرية وعكسها إلى انتصار سياسي حتى الآن. ورغم أن هذا يعتبر فشل سياسي إلا أنه يكشف للجميع العزوف الحقيقي لأنصار الله عن طلبهم وابتغائهم للسلطة، ولكن هذا لا يعفيهم من تصحيح ذلك في المراحل القادمة.

* ما صحة التحالف بين أنصار الله وأنصار صالح؟

أستطيع أن أجزم بأنه ليس هناك أي تفاهم أو تحالف بين أنصار الله وقوى الشر التي ركبت موجة ثورة فبراير ٢٠١١م وتمكنت من اختطافها وحاولت مرة أخرى أن تركب موجة ثورة ٢١ سبتمبر وفشلت. إنها نفس الوجوه المتكررة من نفس تلك العجينة النتنة التي تعودت على نهب الثورات وتجييرها لصالحها منذ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر. لم يعد هذا ممكناً الآن. محاولات تكريس استمرار النظام الجملوكي لم يعد ممكناً بعد الآن. وأمنيات إقامة المملكة الصالحية انتهت إلى غير رجعة مثلما انتهت أمنية إقامة المملكة الأحمرية التي عفى عنها أنصار الله.

* هل أنتم راضون عن الأوضاع الراهنة؟

- لسنا راضين عن ما تحقق حتى الآن، ما يزال هناك الكثير، ولكن الثورة ما تزال مستمرة.

* كيف تفسر مؤشرات الخلافات داخل قوى 21 سبتمبر ومحاولة قمع الشركاء والحلفاء؟

- لا يوجد لدى أي مكوّن أو حزب سياسي أو مكون اجتماعي في العالم مرونة سياسية وإنسانية كما وجدتها لدى أنصار الله. قد تكون هذه ميزة نوعاً ما من الناحية الإنسانية، ولكنها في نفس الوقت مثلبة كبيرة من الناحية السياسية.

* كيف؟

- أن تكون هناك قوة سياسية وعسكرية كبيرة مثل مكوّن أنصار الله تسمح لأعضاء في أحزاب أو مكونات سياسية أخرى تتبوأ صلاحيات قيادية فيها دون وجود تحالف مع هذه الأحزاب أو هذه المكونات كما هو حادث لدى أنصار الله، فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على طيبة ورحابة صدر قيادات أنصار الله ومدّ ذراعها للجميع دون تفريق، وذلك لما يخدم المصلحة العامة. فعندما تفتح أبوابك للجميع بهذه الطريقة وبدون تحفظ فإنك تعرّض مكونك السياسي الثوري للاختراق، وأيضاً تقديم صورة مخالفة عنك أو لما تريدها أن تكون، بالإضافة إلى أشياء أخرى مهمة سياسياً.

* وما تفسيرك لاستخدام لغة التخوين ضد كل من يخالفها الرأي مثل القاضي أحمد سيف حاشد وبشرى المقطري، وحتى داخل أنصار الله كما حدث مع علي البخيتي ومحمد المقالح وغيرهم كثير، بل وصل الأمر إلى اعتداء جسدي ولفظي كما حدث مؤخراً مع القاضي عبدالوهاب قطران؟

- الخيانة تأتي من عناصر فاعلة داخل أي مكوّن أو متحالفة معه بشكل رسمي أو مؤكد؛ وهنا يمكن إطلاق صفة الخيانة لمثل هؤلاء. أما أن تقول على هذا أو ذاك بأنه خائن وهو لا يحمل العضوية الرسمية لنفس المكون فلا تنطبق عليه هذه الصفة. وهذا ما قصدت بالمثلبة السياسية عندما تفتح أبوابك بحسن نية للجميع دون تحفظ.

أما سؤالك عن الاعتداء الجسدي فليس لي علمٌ بذلك.

* بالنسبة لموقفكم أنتم وأنصار الله تجاه القضية الجنوبية لماذا تراجعتم عن تأييد حق أبناء الجنوب في تقرير مصيرهم؟

- لم تتراجع حركة "خلاص" عن إيمانها بأحقية القضية الجنوبية وأحقية أبناء الجنوب في تقرير مصيرهم بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار والرفاه لكل أبناء اليمن.

* هل تتوقع دخول أنصار الله إلى الجنوب؟

- لو كنت محلّ السيد عبدالملك الحوثي قائد أنصار الله لقمت بإكمال تحرير الأرض وتنظيفها من بقايا طواغيت الفساد وناهبي الأراضي وكفلاء الإرهاب من وكلاء محليين وقراصنة إقليميين وتسليمها لأهلها بعد ذلك. لا يمكن للقوى الدولية بأن تقف ضد تحقيق هذا الهدف، فالحرب على الفساد والإرهاب يعتبر من أولوياتها، ولكن هناك من القوى الإقليمية النافذة تعمل على تشويه الحقائق وتملأ الدنيا صراخاً وعويلاً مفتعلاً وتقوم بشراء الذمم ونشر الإرهاب والأفكار الهدامة الوحشية لما يخدم مصالحها التوسعية وأجنداتها الخاصة في محاولات يائسة لمواصلة الاستئثار بالحكم والسلطة، وهي غير مدركة بأن ذلك الزمن قد ولّى وأن العالم قد انتقل إلى آفاق العلوم الرحبة والتكنولوجيا وثورة المعلومات التي كسرت كل الحواجز والأقفاص المغلقة، وأن محاولاتها في إيقاف عجلة الزمن أو إعادتها إلى الوراء هو نوع من الأعمال الرخيصة والحروب العبثية.

* كيف تقرأ مستقبل البلاد؟ وما أهم السيناريوهات المحتملة من وجهة نظرك؟

- تمر البلاد في الوقت الحاضر بمخاض عسير.. وهذا شيء طبيعي للخروج من النفق المظلم الذي عاشت فيه ردحاً طويلاً من الزمن، ولكنها تسير الآن في الطريق الصحيح. وأنا أشعر بالتفاؤل الكبير في أن تتجاوز بلادنا كل المشاكل والأزمات وتخرج من وضعية الارتهان التي تعاني منه حالياً.

* طيلة السنوات الماضية وأنتم تطالبون بتحرير حديقة 21 مارس فلماذا سكوتكم الآن بعد سقوط الحديقة في قبضة الحوثيين الذين حولوها إلى معتقل لخصومهم ومركز تدريب لأنصارهم؟

- نعم، طالبت حركة خلاص بتحرير حديقة الشعب، وخرجت في مسيرات ومظاهرات لتحرير الحديقة كفعاليات رمزية لتحرير البلاد كلها. وقد تم ذلك بتوفيق الله ونصره ولم يتبقَّ سوى القليل حتى يتحقق النصر الشامل والكامل لليمن بخروج بقية المتنفذين والفلول التي لا زالت متواجدة. أما بالنسبة للحديقة أؤكد أنه سيتم تسليمها عندما يتم تنظيفها بشكل نهائي من بقايا الفرقة المنحلة، وعندما يتم بناء دولة نزيهة خالية من الفساد والمتفيدين الذين يتربصون استغلال بناء الحديقة لتعبئة جيوبهم المتضخمة من أموال وثروات الشعب اليمني.

* وكأنك لا تعلم بأن الحديقة/ الفرقة أصبحت مركز تدريب لأنصار الله، بل ومعتقلاً لخصومهم؟

- هذا كلام غير صحيح. بحسب علمي المؤكد بأن مقر الفرقة المنحلة لا زال مليئاً بالمخلّفات الخطرة، التي يعمل أنصار الله على إزالتها، بالإضافة إلى الأسرار الكثيرة والخطيرة الذي تكتنف هذا المكان، وهي مساحة كبيرة جداً وبحاجة إلى وقت كبير.

المزيد في هذا القسم: