اليمن: من حالة ماقبل الدولة إلى مرحلة سلطات الحكم الذاتي ... بقلم : عبدالباسط الحبيشي..

المرصاد - كتابات :

abdullbaset alhobaishi-6-1-2014

لمعرفة الداء ونوع الدواء والطريقة المناسبة للعلاج لإستئصال المرض. وقد يتبع العلاج فترة زمنية تسمى ب(فترة النقاهة) يتم خلالها إستعادة المريض لصحته وعافيته ليعود مجدداً لحياته الطبيعية.

على أساس هذه البديهية، دعونا نفترض هنا ونشخصن اليمن كإنسان مريض، حيث من المعروف أنه قد قضى عقود طويلة من الزمن يعاني من فيروسات طفيلية متوحشة خبيثة نهشت في لحمه ودمه وكيانه وأنهكت صحته بشكل كارثي مما أُضطر لإدخاله إلى غرفة العناية المركزة لإجراء العمليات اللازمة في غرفة إنعاش مؤتمر الحوار الوطني.  ولكن بدلاً من إجراء العمليات الخاصة لإستئصال فيروسات الطابور الخامس الضارة التي يعرفها الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، قرر الأطباء بأن يعلفوا هذه الفيروسات السامة بلقاحات التحصين وحبوب الفايجرا لتزويدها قوة مضاعفة في إنتهاك كيان الشعب اليمني، بينما يستكمل البياطرة إجراء عملية التقطيع لجسم وأضلاع وعظام هذا المريض (اليمن) إلى أجزاء متناثرة  بروشتة فيدرالية خرقاء يحملها نذير شؤم دولي. فهل هذا التقطيع هو علاج يستقيم مع نوع المرض الذي يعتل المريض؟؟ أم أنه يحول المريض إلى أجزاء (تشليح) تباع بالمزاد العلني لكل من هب ودب وكل من هو قادر على الدفع والشراء وإغتصاب الوطن المسلوب أساساً!؟؟؟؟؟؟.
النظام الفيدرالي
لا شك بأن النظام الفيدرالي من الأنظمة المجرّبة  والناجحة على مستوى الوطن العربي والعالم إلا أنه لا يمكن أن يكون نظاماً مناسباً لليمن لا إقتصادياً ولا إجتماعياً ولا سياسياً ولا عسكرياً، حيث لم يسبق وإن تم تحويل (بلد) موحد إلى دولة فيدرالية! هل كانت الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال دولة واحدة ثم تحولت إلى النظام الفيدرالي!!  أم أنه تم تجميع ولاياتها لتشكيل دولة فيدرالية؟.. هل كانت دولة الإمارات العربية المتحدة دولة وطنية واحدة وتحولت بعد ذلك إلى النظام الفيدرالي دون سابق إنذار !!! أم أنها كانت كيانات مفتتة، وتم تأطيرها في دولة فيدرالية؟؟  وبالمقابل .. هل نشأت اسباب الأزمة اليمنية عند إعادة وحدتها في سنة 90؟ أم أن أسباب الأزمة هي قرصنة مجموعة قليلة من المتنفذين يريدون إختزال اليمن لجيوبهم الضيقة؟ فهل من الأجدى أن نقوم بتمزيق اليمن من أجل هذه المجموعة المارقة أم يتم نفي هذه المجموعة من أجل بقاء اليمن .. ياللعار! كيف تحكمون؟
النظام الفيدرالي من إقليمين
لقد تم في الحقيقة قبول فكرة النظام الفيدرالي من إقليمين من قبل بعض القوى السياسية اليمنية على "مضض" شديد وذلك كمدخل إضطراري لحل الأزمة اليمنية سلمياً ومعالجة الأضرار والشروخ والتسلخات التي أدمت نفسية الإنسان اليمني لاسيما الجنوبي من قبل هذه المجموعة الصغيرة المتنفذة من العملاء والمرتزقة التي أدارت الوطن اليمني بالأزمات، فضلاً عن أن النظام الفيدرالي من إقليمين هو أقل وطأة من العودة إلى المربع الأول بنظامي الدولتين عن طريق الإنفصال، وأيضا كحل لإرضاء أبناء الجنوب الذي عانوا الأمرين من إحتلال وفساد وإضطهاد السلطة الشمالية التي عجز أبناء الشمال التخلص منها حتى بعد ثورة 11 فبراير إلى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
النظام الفيدرالي من ستة أقاليم
أما أن تأتي (روشيتة) بنعمر مندوب قوى الشر لتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم فهذا عمل غير منطقي وغير مبرر من كل النواحي؛
من الناحية الجغرافية: اليمن ليست قارة بحجم أستراليا أو الولايات المتحدة أو روسيا أو حتى السعودية (الدولة المصطنعة) إستعمارياً أو غيرها من الدول ذات الحجم الكبير لضرورة تقسيم أعمالها بين عدة سلطات. بل أن اليمن أصغر من ولاية كاليفورنيا في غرب الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال لا الحصر التي يتنوع فيها الطقس بين البارد والحار والمعتدل، وتتنوع فيها التضاريس بين البر والبحر وبين السهل والوادي والجبل، وتتنوع فيها المحاصيل الزراعية صيفاً وشتاءً. على حجمه الصغير، اليمن يشكل مساحة جغرافية متكاملة ومترابطة براً وبحراً، بل أن سرقة وسلخ أضلاعه جيزان وعسير ونجران وظفار وغيرها من الأراضي اليمنية وإحتلالها من قبل السعودية وعُمان أثر سلباً على إكتمال التجانس الجغرافي للطبيعة الخصبة والثرية أرضاً وإنساناً لليمن مما يجدر إستعادتها حتى يعود لليمن ألقه ونقائه ورونقه الجغرافي والطبيعي. . فهل عجز اليمنيون عن حكم بلاد بهذه المساحة الصغيرة حتى يتم تحويلها إلى فسيفسائيات دون مبرر لإرضاء مجموعة من المرتزقة والأرهابيين.
من الناحية الثقافية: تتوحد الثقافة اليمنية المتنوعة بين كافة الطيف اليمني المتنوع لغةً وعقيدةً وعادات وتقاليد وتاريخ وفن ومطبخ بينما تجمع ولاية كاليفونيا مثالاً لا حصراً أنواع الأجناس من البشر من كل أنحاء العالم بمئات بل بالألآف من الثقافات واللغات والديانات والعادات والتقاليد والموسيقى والمطابخ المختلفة. فمنذ متى أصبح الإختلاف والتنوع مدعاة للتألف والوحدة لدى الغير .. وأصبحت علاقات القرباء والوحدة مدعاة للشتات والتمزق لدينا؟
من الناحية الإقتصادية: يتكون اليمن من وحدة إقتصادية متكاملة من النواحي الزراعية والصناعية والثروات الحيوانية والسمكية والتجارية والسياحية  والمواد الخام والمواصلات والنقل والموانئ الجوية والبحرية والقوى البشرية وغيرها من الأمور المتعلقة بالقضية الإقتصادية التي تجعل من الصعوبة على اليمن بمكان أن يفصل وظيفة عن الآخرى أو قطعة أرض عن الأخرى دون الإضرر بالعملية الإقتصادية.
من الناحية السياسية: بدلاً من تقسيم اليمن إلى أقاليم للتخلص من المركزية كما يدّعي البعض يفترض من باب أولى تفعيل تجربة "المجالس المحلية كاملة الصلاحيات" التي لم تتاح لها الفرصة بأن تتطور وتثري تجربتها حتى يتم تقييمها بشكل كامل ودقيق، أو الأخذ تجربة الهيئات التعاونية التي قام بها الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي والتي أثبتت نجاعتها وجدواها ونجاحها المنقطع النظير في ظل دولة لا مركزية واحدة.
من الناحية العسكرية: يراد لليمن الممزق بستة أقاليم أن يكون لكل إقليم جيش مستقل طائفياً ومناطقياً وقيادياً، وهذا مايخالف النظام الفيدرالي نفسه الذي ينبغي أن يكون له جيش موحد تحت إدارة قيادية واحدة من مختلف الأقاليم الفيدرالية. وهذا يعني أننا لسنا بصدد نظام (فيدرالي) بل نظام شبه كونفدرالي لا يربطه إلا وجود رئيس شرفي لكل الأقاليم ولا يمتلك صلاحيات مباشرة على أي إقليم بعينه. هذا فضلاً عن التعليم والصحة والمال والسياسية الخارجية وغيرها التي ستتولى سلطاتها بنظام (الحكم الذاتي) التابعة سيادياً وسياسيا وعسكرياً  لسيطرة الخارج.
من حالة ماقبل الدولة إلى سلطات الحكم الذاتي
لم يحدث أن قامت اليمن بتجربة الدولة المتكاملة سواءً كان ذلك في الشمال أو في الجنوب. حيث لا يمكن لنا أن نتحدث عن دولة في ظل وجود مستمر لمجموعات متنفذة تتمتع بإمتيازات خاصة وتعتبر نفسها فوق النظام والقانون خلال العقود الماضية، أو دولة تستورد قراراتها السياسية والسيادية من خارج حدودها. ولا يمكن أن نعتبرها دولة كاملة الأركان والسيادة بينما يعتمد نظامها على الدعم السياسي والإقتصادي من الخارج. لذا لم يعرف اليمن أو يمارس في تاريخه المعاصر نظام لدولة مركزية أو غير مركزية بإستثناء الفترة القصيرة التي أستعاد اليمن الشمالي سيادته وقراره السياسي بقيادة الرئيس إبراهيم الحمدي الذي تمكن من طرد كل المتنفذين من العاصمة المركزية ووضعهم تحت الإقامة الجبرية في قراهم.
وعلى نفس السياق يسير اليمن حالياً بخطى متسارعة إلى مرحلة (الحكم الذاتي) متعدد السلطات في تخلٍ متعمد لهويته الوطنية وسيادته وقراره السياسي في أحسن الأحوال فضلاً عن فقدانه لكل الضمانات الخاصة بأمنه وإستقراره.
هل تتحمل الوحدة وزر تشظي اليمن؟
لماذا لم يناقش احدهم نفسه عن أسباب خيار النظام الفيدرالي (شبه كونفدرالي) متعدد الأقاليم الفسيفسائية؟. هل ثمة وجود أسباب منطقية لتبنى هذا النظام ؟ أم أنه مقدمة لتقسيم اليمن إلى دويلات متناحرة تقتتل مع بعضها بإشراف دولي؟ هل فشل اليمن بكل شرائحه الإجتماعية ونخبه الثقافية والسياسية أن يحافظ على دولة صغيرة واحدة متماسكة؟ هل أصبح اليمنيون من الضعف والهوان بمكان لدرجة أن يأتي من هو أدنى ليسوقهم كالخرفان والنعاج والأبقار والبغال إلى السلخانة؟ لماذا نترك الطابور الخامس يعبث بنا إلى هذه الدرجة لاسيما وهو طابور معروف ومحدد بالإسم لدى كل أبناء اليمن خاصة وقد كشفته ونبذته وحاربته وجرمته شعوب عربية أخرى غير اليمن وعلى رأسها مصر الكنانة؟  لماذا جعلنا إعادة الوحدة اليمنية شماعة يمارس البعض على حسابها كل أنواع وأشكال الطائفية والمناطقية والإرهابية؟  أسئلة ينبغي على كل يمني ويمنية الإجابة عليها..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

المزيد في هذا القسم:

  • ضمانة حوارية مزورة   كتبوا للمرصاد: ثبت للجميع من خلال الفترة الماضية التي شهدتها مدة الحوار ومراحلة ان هناك اطراف قدمت الى الطاولة بهدف البحث عن كيفية ابقاء الوضع على ما... كتبــوا