موسكو تُطلق يدها في آسيا: الغاز يُرسّخ العلاقات الروسية - الصينية!

المرصاد نت - متابعات

اعتباراً من يوم أمس تاريخ تدشين أنبوب الغاز الروسي - الصيني المشترك «قوة سيبيريا» أصبح البلدان أمام أفق جديد من العلاقات سيحمل كما قال الرئيس الروسي التعاون الاستراتيجي بينهماBoutain2019.12.3 إلى مستوى مختلف تماماً فضلاً عن أن المشروع الضحم سيُحكِم سيطرة روسيا على سوق الغاز العالمية كونه يتزامن مع مشروعين كبيرين آخرين سيجري تدشينهما تباعاً، هما: خطّ «نورد ستريم 2» الروسي - الألماني وخطّ «تورك ستريم» الروسي - التركي.

«الصنبور مفتوح!»؛ بهذه العبارة أذِن رئيس مجموعة «غازبروم» الروسية الحكومية أليكسي ميلر، ببدء ضخّ الغاز الروسي من حقول الغاز في سيبيريا الشرقية إلى الحدود الصينية عبر أنبوب «باور أوف سايبيريا» (قوة سيبيريا). الأنبوب الضخم الذي دُشِّن يوم أمس، يمتدّ على مسافة نحو ثلاثة آلاف كيلومتر بين غابات الصنوبر والأراضي المتجمّدة، ويُفترض أن ينتهي بناء الجزء الصيني منه في حلول عام 2023م ما سيسمح بنقل 38 مليار متر مكعّب من الغاز سنوياً إلى شنغهاي (9.5% من الغاز المستهلك في الصين) لإشباع الحاجة الضخمة إلى الطاقة في الصين أول مستورد للطاقة في العالم.

مشروع أنبوب الغاز هذا يرافقه عقدٌ ضخم لإمدادات الغاز إلى الصين تُقدّر قيمته بأكثر من 400 مليار دولار ومدّته ثلاثون عاماً تم توقيعه عام 2014 بين «غازبروم» الروسية العملاقة والشركة الصينية الوطنية للنفط والغاز بعد عقدٍ من المفاوضات. ويمثّل «قوة سيبيريا» أكبرُ مشاريع «غازبروم» الاستثمارية على الإطلاق بكلفة بلغت نحو 55 مليار دولار، يدَ بوتين الممدودة لآسيا في وقت تشهد فيه العلاقات مع شركائه الغربيين التقليديين توتّرات نسبية على خلفية الأزمة الأوكرانية. على هذه الخلفية لاقى خطّ الأنابيب الذي تمّ بناؤه في ظلّ ظروف مناخية وجيولوجية قاسية انتقادات تَعتبر أن تكلفة بنائه الخيالية تؤشّر إلى أنه قد لا يكون مربحاً وإنما جرى بناؤه لأهداف سياسية ودبلوماسية أكثر منها اقتصادية. غير أن محلّلين في وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيفات الائتمانية قالوا «(إننا) نشهد على نهضة» قطاع الغاز الروسي الذي أصبح «رائداً أكثر وأذكى تجارياً ويتصرّف على أساس استراتيجيي أكثر من أي وقت مضى».

وأشرف الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ خلال اتصال فيديو بينهما على تدشين «تاريخي جداً» لأنبوب «قوة سيبيريا» «لا يقتصر على أسواق الطاقة العالمية» بل سيحمل بحسب بوتين، «التعاون الاستراتيجي الروسي - الصيني إلى مستوى مختلف تماماً» بينما شدّد شي على أن «تنمية العلاقات الصينية الروسية ستكون أولوية السياسة الخارجية لكلّ من البلدين» وأن هذا «المشروع الكبير سيكون شاهداً على العلاقات الاستراتيجية والتعاون» بينهما. خطوةٌ تضع الصين على رأس قائمة المستوردين للبضائع الروسية وتجعلها ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي من روسيا بعد ألمانيا بينما تأتي في وقت تسعى فيه موسكو إلى إطلاق مشروعين جديدين لتصدير الطاقة.

وفيما تُبقي هذه الأخيرة عينها نحو الشرق لا تزال مبيعات الغاز لدول أوروبا وتركيا تؤمّن حتى الآن الجزء الأساسي من أرباح «غازبورم». من هنا فإن عملاق الغاز الحكومي سيُبقي تركيزه منصبّاً على زبائنه الأوروبيين الرئيسين على رغم التوترات التي رافقت ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014م وما تلاها من عقوبات اقتصادية فُرضت عليها على خلفية الخطوة هذه.

وسيُدشَّن في الأسابيع القادمة أنبوبان آخران: خطّ «نورد ستريم 2» الروسي - الألماني وهو ثاني أنبوب غاز عبر بحر البلطيق بهدف الالتفاف على أوكرانيا، حيث يعبر عادةً الغاز الروسي الذي يشتريه الاتحاد الأوروبي. وتنقسم دول الاتحاد الأوروبي حيال ذلك المشروع؛ فبعضها على غرار بولندا ودول البلطيق، يندّد بـ«الخطر» الذي يشكّله الاعتماد الكبير في مجال الطاقة على موسكو، والتخلي عن «الصديق» الأوكراني. لكن في نهاية المطاف، نجحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في فرض المشروع على رغم ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وسيسمح تشغيله بمضاعفة عمليات نقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الشمال لتصل الكمية إلى 110 مليارات متر مكعّب سنوياً. أما في الجنوب فسيلتفّ أنبوب غاز آخر على أوكرانيا اعتباراً من كانون الثاني/ يناير، وهو الأنبوب الروسي - التركي. وفيما يرمز أنبوب «تورك ستريم» إلى التفاهمات المتقدمة بين روسيا وتركيا إلا أنه يشير أيضاً إلى التوترات المتزايدة بين أنقرة وحلفائها في «حلف شمال الأطلسي».

ودشّنت روسيا أول مصدّر للغاز الطبيعي في العالم ومجموعتها العملاقة «غازبروم» في الأسابيع المقبلة، ثلاثة خطوط أنابيب غاز رئيسية تربطها بكل من الصين وألمانيا وتركيا.

المشاريع الثلاثة المنتظرة هي:

1 ــ «باور أوف سيبيريا»
يربط أول أنبوب غاز ضخم دُشّن اليوم الإثنين 2 كانون الأول/ديسمبر حقول الغاز في سيبيريا الشرقية بالحدود الصينية ويمتدّ على مسافة تبلغ أكثر من ألفي كيلومتر بين غابات الصنوبر والأراضي المتجمدة. ويُفترض أن ينتهي بناء الجزء الصيني بين عامي 2022 و2023 ما سيسمح بنقل 38 مليار متر مكعّب من الغاز سنوياً إلى شنغهاي لإشباع الحاجة الضخمة للطاقة في الصين أول مستورد للنفط والغاز في العالم. ويرافق الأنبوب عقد ضخم لإمدادات الغاز إلى الصين تُقدّر قيمته بأكثر من 400 مليار دولار ومدّته ثلاثون عاماً تم توقيعه عام 2014 بعد عقد من المفاوضات.

2 ــ «نورد ستريم 2»
لا تزال أوروبا أولويةً بالنسبة لعملاق الغاز الروسي رغم التوترات في السنوات الأخيرة. ويُفترض أن يزوّد أنبوب مثير للجدل هو «نورد ستريم 2» الذي يصل إلى ألمانيا بالغاز شمال أوروبا وغربها عبر بحر البلطيق من دون المرور بأوكرانيا. وتبلغ قدرته السنوية 55 مليار متر مكعّب من الغاز على غرار أنبوب «نورد ستريم 1». وتندّد بهذا المشروع أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق، وكذلك الولايات المتحدة التي ترى أنه هدية لخصمها الكرملين. ووصلت واشنطن إلى حدّ التهديد بفرض عقوبات على المشروع.

وبلغت كلفة بناء الأنبوب 9.5 مليارات يورو وهو مموّل بنصفه من «غازبروم» والنصف الثاني من الأوروبيين: الشركتان الألمانيتان «وينترشال» و«أونيبر» والشركة الإنكليزية ـــ الهولندية «شيل» والمجموعة الفرنسية «إنجي» والنمساوية «أو أم في». وفي البداية كان يُفترض أن يُدشّن الأنبوب الذي تمّ بناء أكثر من 80% منه، قبل نهاية عام 2019، لكن موافقة الدنمارك على عبور مياهها لم تُسلّم قبل أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. ولم يُعرف الموعد الجديد لبدء تشغليه.

وأعربت شركة «غازبروم» عن أملها في تدشينه قريباً لكن إنهاء بناء الأنبوب سيكون رهن الأحوال الجوية في خضمّ فصل الشتاء في البحر. والوقت يدهم من أجل تشغيله، إذ أن العقد بين روسيا وأوكرانيا لنقل الغاز إلى أوروبا ينتهي في نهاية عام 2019. ولا ترغب دول أوروبا الغربية في أن تشهد مجدداً انقطاع الإمدادات في فصل الشتاء على غرار ما حصل في العقد الأول من الألفية الثالثة جرّاء الخلافات الروسية الأوكرانية.

3 ــ «تركستريم»
في كانون الثاني/ يناير المقبل، يُتوقع أن يدشّن الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان خطّ أنبوب غاز «تركستريم» الذي يلتفّ على أوكرانيا أيضاً ويربط روسيا بجنوب أوروبا وتركيا. وتبلغ قدرته 31.5 مليار متر مكعّب سنوياً وهو يعبر مسافة 930 كيلومتراً من البحر الأسود على غرار سلفه خطّ أنبوب «بلو ستريم». يصل أحد أنبوبي «تركستريم» إلى تركيا أما الآخر فيصل إلى جنوب وجنوب شرق أوروبا.

وتمّ توقيع اتفاق نوايا لبنائه بين «غازبروم» و«بوتاس» عام 2014 قبل أن تتدهور بشكل مفاجئ العلاقات الروسية ـــ التركية بعد تحطّم المقاتلة الروسية التي أسقطتها تركيا في أواخر عام 2015. إلا أن بوتين وإردوغان أبرما العقد في أواخر 2016م ويرمز المشروع اليوم إلى التقارب بين روسيا وتركيا. إذ أن علاقات أنقرة مع الاتحاد الأوروبي و«حلف الأطلسي» معقّدة.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية