المرصاد نت - متابعات
تسود حالة من الغموض في مدينة عدن حول عمل اللجنة السعودية التي أرسلتها الرياض لمطالبة ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" بالانسحاب من المواقع العسكرية والمؤسسات التي استولى عليها عقب اشتباكات مع قوات الحكومة اليمنية مطلع الشهر الجاري. ويأتي هذا الغموض في ظل نفي المجلس الانتقالي الانسحاب من المواقع العسكرية وسط تهكم إماراتي من التصريحات السعودية بشأن الانسحاب.
وأكدت مصادر محلية في عدن أن قوات ما يعرف بـ"الحزام الأمني" التابعة لـ"المجلس الانتقالي" الموالي لأبوظبي سلمت عدداً من المقرات الحكومية في المدينة للقوات السعودية إلا أنها لا تزال تنتشر بالقرب من هذه المواقع بما يجعلها المسيطر الفعلي لا القوات الحكومية.
وعلقت وزارة الداخلية بحكومة هادي في عدن أمس أعمالها في ديوان الوزارة ومصلحتي الهجرة والجوازات والأحوال المدنية بسبب سيطرة الانفصاليين في قرار يؤكد عدم دقة ما أعلنه التحالف عن بدء قوات "الانتقالي" الانسحاب من عدن. وكان المتحدث باسم التحالف العقيد تركي المالكي أعلن في بيان أمس أن قوات "الانتقالي" بدأت الانسحاب من المؤسسات الحكومية والمواقع العسكرية التي استولت عليها في عدن إلا أن قيادات في المجلس خرجت لتأكيد رفضها الانسحاب.
وقال هاني بن بريك وهو قيادي سلفي ونائب رئيس المجلس الانتقالي إن "الإعلان عن عودة الحياة إلى طبيعتها في عدن في بعض وسائل الإعلام"، إشارة إلى الإعلام السعودي، على صعيد إعادة المعسكرات "كلام عار عن الصحة" وقال بن بريك في نسف واضح لما تقوله السعودية "الحياة عادت إلى طبيعتها في عدن بعودة تلك المعسكرات إلى الشعب وتحريرها من مليشيات الإرهاب المعتدية، وأمر تلك المعسكرات بيد الشعب الجنوبي لا غير".
إلى ذلك أظهر الموالون للإمارات موجة من السخرية تجاه إعلان السعودية عن بدء إجراءات الانسحاب في مؤشر على أن أبوظبي لا تزال ترفض الجهود التي تقودها الرياض. ونفى المحلل العسكري الإماراتي خلفان الكعبي أن يكون الترويج بأن قوات المجلس انسحبت من المعسكرات والمواقع الأمنية صحيحا لافتا إلى أن حزب الإصلاح هو من يقول ذلك على الرغم من أن إعلان الانسحاب ورد في وكالة الأنباء السعودية على لسان المتحدث باسم قوات التحالف السعودي الإماراتي.
وفي السياق شدّد وزير النقل اليمني صالح الجبواني أمس السبت على أنّ عودة الدولة في عدن لن تتم إلا عبر تفكيك ما سماها "مليشيات الإمارات" وتسليح قوات الشرعية بمختلف أنواع الأسلحة، وذلك بالتزامن مع أنباء عن انسحاب "المجلس الانتقالي الجنوبي" من المواقع العسكرية والمؤسسات التي سيطر عليها، مطلع الشهر الجاري في عدن جنوبي اليمن بعد اشتباكات مع قوات الحكومة الشرعية.
وتعليقاً على إعلان التحالف السعودي بدء انسحاب قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" قال الجبواني في تغريدة على "تويتر" إن عودة مبانٍ ودعوة جنود من الحراسة الرئاسية لحمايتها بسلاحهم الشخصي لا تعنيان عودة للدولة كما يبشر البعض في إشارة إلى لجنة التحالف السعودي.
الضغط السعودي على انفصاليي عدن: بدء احتواء الطعنة الإماراتية
بعد مرور ما يزيد عن أسبوع، على الانقلاب الذي شهدته مدينة عدن وأفضى إلى سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم من الإمارات على عدن وفيما كان لا يزال الجدل يدور بشأن دور السعودية وموقفها مما يجري تحرّكت المقاتلات السعودية فجر أمس السبت مهددة القوات الموالية للإمارات بقصفها ما لم تنسحب من المواقع التي سيطرت عليها خلال الانقلاب وترفض إخلاءها. أما الأخيرة فلم تتوان عن تهديد السعودية والتلويح بأنها ستلجأ إلى "إشعال الجنوب"، قبل أن تتوالى معلومات عن بدء انسحاب المليشيات من المقرات التي كانت سيطرت عليها.
وجاءت التطورات المتسارعة لتشير إلى بدء السعودية احتواء التمدد الانفصالي في العاصمة المؤقتة. ويبدو أنّ التحرّك السعودي، الذي ظهر أنه أقرب إلى ردّ على الطعنة التي وجهتها أبوظبي لحليفتها الرياض، أتى مدعوماً من الولايات المتحدة، لا سيما بعد أن أكد مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن "تدعم يمناً موحداً ولا تتغاضى أبداً عمّا فعله المجلس الانتقالي الجنوبي".
وشهدت عدن فجر أمس السبت تحليقاً مكثفاً لمقاتلات حربية أطلقت قنابل ضوئية باتجاه عدد من المواقع الخاضعة للمليشيات في وقتٍ أعلنت فيه التشكيلات الموالية للإمارات أن الطائرات السعودية تطالبها بالانسحاب وتهدد بقصفها. وجاءت الخطوة بعد المسرحية التي نفذتها المليشيات التابعة للانتقالي أول من أمس الجمعة، والتي تضمنت انسحاباً لبعض الوقت من مواقع سيطرت عليها قبل أن تعود إليها مجدداً ما عد استهزاء جديداً بالسعودية التي أرسلت الجمعة لجنة لاستلام المواقع التي سيطر عليها الانفصاليون الموالون للإمارات.
وأكد سكان عدن أن الطائرات الحربية حلقت على ارتفاع منخفض في سماء عدن وأطلقت قنابل ضوئية فوق معسكرات تسيطر عليها قوات ما يُعرف بـ"الحزام الأمني" الموالية للإمارات. ووفقاً لمصادر قريبة من الحكومة، فقد جاء التحليق بعد ساعات من انتهاء مهلة حددتها السعودية لمليشيات "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي للانسحاب من المواقع التي استولت عليها قواته في عدن أخيراً، الأمر الذي حاولت الأخيرة الالتفاف عليه.
ورداً على ما اعتبرها "تهديدات السعودية"، قال اللواء الخامس في قوات الدعم والإسناد والمعروفة بـ"الحزام الأمني" فجر السبت، إن الطائرات السعودية تهدد بقصفه، بعدما طلبت من قوات اللواء الانسحاب من القصر الرئاسي الذي استولت عليه في عدن. وقال اللواء في بيان : "طلبوا منا الانسحاب من القصر ومحيطه فانسحبنا، فكانت نواياهم بأن ترحل كافة قواتنا عن عدن، وهذا لا يمكن أن نرتضيه ما دامت أروحنا في أجسادنا".
وأضاف البيان "للأسف الشديد تعرضنا لتهديدات بالقصف، والآن وفي هذه اللحظات (البيان صدر بحدود الثالثة من فجر أمس) تقوم الطائرات السعودية بإطلاق صواريخ ضوئية على معسكر قواتنا في مقر اللواء الخامس دعم وإسناد في ردفان (بمحافظة لحج) في محاولة منها للكشف وربما القصف والاستهداف". وهددت القوة المدعومة إماراتياً بأن أي استهداف لها سيجعل من الجنوب "كتلة مشتعلة ستحرق ما تبقى من سلام واستقرار في اليمن، والذي لم ولن تسلم منه السعودية".
وتابع البيان: "نودّ أن نوصل رسالتنا إلى كلّ أبناء شعبنا الجنوبي العظيم بأنّ هذه الوسائل لا ولن ترهبنا، بل تزيدنا إصراراً وعزيمةً، فنحن قد عاهدنا الله وعاهدنا شهداءنا بأننا على دربهم لسائرون ولو ننتهي عن آخرنا" مضيفاً: "لن نتراجع ولن نتزحزح ولن تخيفنا طائراتهم، فعزيمتنا كالجبال ولن تنحني وفي حال تعرضنا لأي قصف سيلاقون الردّ من شعب الجنوب وكافة قادته".
لكن هذه التهديدات من قبل اللواء الخامس خالفتها التطورات على الأرض لاحقاً، حيث توالت المعلومات عن بدء انسحاب الانفصاليين من المقرات التي كانوا سيطروا عليها. وفي السياق، قال التحالف السعودي الإماراتي في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس" "إنّ قيادة القوات المشتركة للتحالف تثمن استجابة الحكومة اليمنية الشرعية للدعوة لضبط النفس أثناء الأزمة وتغليبها لمصالح الشعب اليمني ومحافظتها على مكاسب تحالف دعم الشرعية في اليمن لأجل إعادة الدولة ومؤسساتها"، مضيفاً "كما تثّمن استجابة الانتقالي في عدن لدعوة السعودية ودولة الإمارات لوقف إطلاق النار وتغليب الحكمة ومصالح الشعب اليمني، وعدم الإضرار بها أو المساس بالممتلكات العامة والخاصة، وبدأها اليوم (أمس) بسحب قواتها وعناصرها القتالية والعودة إلى مواقعها السابقة قبل الأحداث الأخيرة وتسليم مقرات الحكومة اليمنية وبإشراف من التحالف".
وفيما لم يحدد بيان التحالف المقرات التي انسحب منها الانفصاليون سرت أنباء عن تسليم منطقة المعاشيق كاملة التي تضم مقرّ الرئاسة والحكومة، لقوات اللواء الأول حماية رئاسية بقيادة العميد سند الرهوة الذي كان يمسك المنطقة. كذلك أشارت أنباء إلى تسليم البنك المركزي والمجمع القضائي، وبعض المرافق الحكومية.
وبحسب المعلومات فإن معسكر اللواء الرابع حماية رئاسية الذي كان يقوده اللواء مهران القباطي (تتضارب الأبناء حول مصيره بعد المعارك الأخيرة) تمّ تسليمه للواء الثاني عمالقة. ووفق مصادر من هذا اللواء فإن قوات "الانتقالي" نهبت فيه كل شيء بما في ذلك النوافذ.
وفي سياق متصل نشر الموقع الرسمي لقوات ألوية الدعم والإسناد خبراً عن توجيه قائد التحالف بعدن العميد راشد الغفلي قيادة ألوية "الحزام الأمني" بالاعتذار لأسرة القباطي بعد تعرّض منزلها الواقع في منطقة اللحوم شمالي عدن لـ"اعتداء بعض المحسوبين على الأجهزة الأمنية"، صباح أول من أمس الجمعة.
وبالتزامن مع التحركات السعودية برز أول من أمس موقف أميركي حول التطورات في عدن أخيراً، ما عد بمثابة غطاء من واشنطن للرياض. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية في تصريحات صحافية أول من أمس الجمعة إنّ "الولايات المتحدة تدعم يمناً موحداً، ولا تتغاضى أبداً عما فعله المجلس الانتقالي الجنوبي". ودعا المسؤول الأميركي الأطراف في اليمن "للتوصل إلى اتفاق متفاوض عليه ينهي ما يعتبر إلهاء عن التهديد الاستراتيجي الذي يشكله الحوثيون المدعومون من إيران ضد السعودية".
وأضاف المسؤول الأميركي أنّ "ما جرى في جنوب اليمن إلهاء وأمر غير مساعد وهو إزاحة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً". وشدد على أنّ "السعودية تعمل على وساطة لسحب المجلس الجنوبي وإعادة تشكيل الحكومة"، مؤكداً "أنّ واشنطن تدعم ذلك". وأشار إلى أن "السعوديين يتحدثون مع الإماراتيين الذين يقال إنّ لهم علاقات مع المجلس الجنوبي وسنرى ماذا سيحصل"، في ما بدا أنه تجنب لاتهام أبوظبي على نحو مباشر منعاً لمزيد من التوتر العلني معها سواء من قبل الرياض أو واشنطن.
وقبل هذه التطورات، كان الجدل دائراً بشأن موقف السعودية مما يحصل في عدن، بوصفه "حجر الزاوية" إذ انقسم التقييم بين رأيين. الأول رأى أنّ الرياض شريك أساسي في "المؤامرة" إن لم تكن محركها الأساس، فيما ذهب الآخر إلى أنّ أبوظبي استعجلت بتنفيذ أجندتها وطعنت الرياض من الظهر لتضع الأخيرة في موقف هو الأصعب، منذ بدء تدخلها العسكري في اليمن في العام 2015، خصوصاً بعد أن عمدت قيادات بارزة في المجلس الانفصالي إلى تهديد الرياض وابتزازها علناً بالتزامن مع المضي في خطوات تصعيدية جديدة.
وفي الوقت الذي ركزت فيه وسائل الإعلام السعودية يوم الخميس الماضي على الترويج لبدء "الانتقالي" الانسحاب تجاوباً مع جهود الرياض خرج المجلس ببيان لافت، ومثير للجدل، أقرب لكونه إعلاناً سياسياً ببدء ترتيب سلطات "الانفصال" بما في ذلك إصدار التوجيهات إلى السلطات المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية، على نحوٍ يتجاهل بشكل كلي المزاعم السعودية التي تم الترويج لها وقتها بقبوله الانسحاب من المواقع التي استولى عليها، تمهيداً للحوار مع الحكومة تحت رعايتها في مدينة جدة.
ومن أبرز ما حمله البيان أن مختلف مضامينه التي شددت على ألا تراجع عن هدف "الانفصال" أو "استعادة دولة الجنوب" كما يسميها المجلس جاءت لتنسف كل ما روّج له الجانب السعودي على نحوٍ قاد إلى تقييم من أحد اثنين؛ الأول باعتبار الرياض في صلب ما يصفه يمنيون بـ"المؤامرة" وبأنها تبيع وهماً للمسؤولين الحكوميين والتصريحات في وسائل الإعلام، والآخر أنها في موقفٍ ضعيفٍ يقابله تهور إماراتي لا يأبه للتبعات التي تتحملها السعودية أولاً وأخيراً سواء بوصفها تقود التحالف ووقوع البلاد تحت ما يشبه الوصاية منها أو لمعطيات التاريخ والجغرافيا وما إلى ذلك مما يربط البلدين.
وأتى الرأي السائد لدى عدد غير قليل من اليمنيين، باعتبار الرياض شريكة أو مسؤولة عن مختلف ما جرى في عدن أخيراً انطلاقاً من العديد من الاعتبارات، أولها التاريخ، إذ تمت الوحدة اليمنية في العام 1990، من دون أن تكون موافقة لرغبتها، فضلاً عن أنها شاركت بدعم المحاولة الانفصالية خلال الحرب في العام 1994م إلى جانب أدوار سابقة أدتها الرياض، رسخت اعتقاداً في الأوساط اليمنية بسعيها لإضعاف وتقسيم البلاد.
إلى جانب ذلك، واعتباراً من منتصف العام 2015، تاريخ تسلّم الإمارات لواجهة نفوذ التحالف في مناطق جنوب اليمن وشروعها بممارسات وسياسات تعزز من تقسيم البلاد، وتقديمها الدعم اللامحدود للمطالبين بالانفصال فإنّ كل ذلك حدث تحت سمع وبصر الرياض. إن كانت الأخيرة في سياساتها وخطاباتها الرسمية وعلاقاتها مع الأطراف اليمنية لا تؤكد سوى على دعم الحكومة الشرعية ووحدة "الشعب اليمني" غير أنها في المقابل، لم تتخذ أي خطوة خلال السنوات الماضية تمنع الأمور من الوصول إلى ما وصلت إليه، باستثناء فرض التهدئة عقب محاولة انقلاب "الانتقالي" في يناير/كانون الثاني 2018م في مقابل عدم إظهار ما يتطلبه الموقف في ما يتعلّق بعودة الرئيس عبدربه منصور هادي وأعضاء حكومته إلى مدينة عدن.
ومن مختلف معطيات التاريخ والممارسات خلال السنوات الماضية أتى الموقف السعودي خلال أحداث عدن الأخيرة، قبل خطواتها أمس ليعزز من وضع الرياض في قفص الاتهام. إذ لم يكن هناك أي تحرّك لقواتها أو مسؤوليها يرقى إلى وقف التصعيد ومنع الانفصاليين من إسقاط معسكرات الحماية الرئاسية ومقرات الحكومة بآليات عسكرية إماراتية. وعلى الرغم من امتداد المواجهات لأيام، تُركت خلالها قوات الانفصاليين لتحسم المعركة ميدانياً وتستقدم التعزيزات والدعم المباشر من أبوظبي قبل أن تخرج الرياض بعد ساعات طويلة من إكمال السيطرة، ببيان شديد اللهجة يهدد بـ"استخدام القوة" لفرض وقف إطلاق النار، الذي كان توقف بالأصل، ويطالب بالانسحاب، وهو موقف بدا وقتها محاولةً لإرضاء الجانب الحكومي والتهرب من المسؤولية.
وفي السياق، جاءت دعوة الرياض إلى كل من الحكومة اليمنية والأطراف المسؤولة عن التصعيد في عدن (المجلس الانتقالي) للحوار تحت رعايتها، لتعزز من وضع الرياض في موقع المسؤولية عن انقلاب عدن ضد الشرعية التي تزعم دعمها بحرب مدمرة منذ سنوات بحسب ما رأى كثيرون. إذ بدت دعوة الحوار كما أنها محاولة لشرعنة "الأمر الواقع" وعلى نحوٍ يحاول أن يضفي جانباً من الشرعية لسيطرة الانفصاليين في عدن. ولأن الدعوة بدت أشبه بتكتيك "مفضوح" لاقت تعليقات ساخرة في الأوساط اليمنية سارعت الرياض إلى الاستدراك، بالقول إنّ الحوار يجب أن يسبقه انسحاب "الانتقالي" من المؤسسات والمعسكرات التي استولى عليها.
كل ذلك يمكن أن يضاف إليه عامل محوري أدى إلى اعتبار البعض أن للسعودية دوراً في ما يحدث، ويتعلق بكون ما شهدته عدن ليس مجرد حدث عابر، بل قضية مصيرية لليمن. وبالتالي فإنّ المنطق يجعل السعودية التي تقود الحرب منذ سنوات بمبرر دعم "الشرعية" بمواجهة مشروع إيران في اليمن هي المسؤول عما يدور أو لا يمكن أن يكون قد تم بمعزل عن رغبتها، وخصوصاً أن القادة اليمنيين من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى رئيس الحكومة معين عبد الملك يتواجدون في السعودية وبدوا كما لو أنهم مقيدون عن اتخاذ قرارات قوية من شأنها أن تؤثر في مسار الأحداث جنوباً.
من زاوية أخرى وفي مقابل المعطيات التي عززت لدى الكثيرين الاعتقاد بمسؤولية الرياض عن انقلاب عدن وما لذلك من تبعات في الحاضر والمستقبل، بقي للتقييم الآخر الذي مفاده بأنّ أبوظبي تمارس انقلاباً على الرياض، ما يعززه، بالنظر إلى الموقف الصعب الذي تضع فيه التحولات الرياض أمام مأزق حقيقي، خصوصاً مع التصريحات التي أطلقها قادة "المجلس الانتقالي"، بما فيهم القيادي السلفي هاني بن بريك والذي أعلن أن لا قبول بالدعوة السعودية، ولو استخدمت القوة. ولمّح الأخير إلى أنهم يمكن أن يصمدوا لسنوات على غرار الموقف بالنسبة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، والذين لم ينجح الخيار العسكري بالحسم ضدهم منذ ما يقرب من خمس سنوات.
إلى جانب ذلك وبالنظر إلى جملة من الضغوط التي يواجهها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان داخلياً وخارجياً على إثر الحرب وآثارها الكارثية في اليمن وغير ذلك من الملفات، كلها تضع الجانب السعودي بموقف ضعيف أمام موقف الإمارات التي استدارت أخيراً لمد خطوط علاقاتها مع إيران، وبدت كما أنها تترجم هذا التحول في موقفها بإسقاط "الشرعية" الأمر الذي يعد الحوثيون المستفيد الأول من حصوله. في حينٍ قد لا يمكن تصور حسابات الرياض إزاء بقاء التحالف علناً مع أبوظبي بعد أن كان الإماراتيون العضو الرئيسي في التحالف، إن لم يكونوا هم من يتخذ القرار في الواقع، منذ سنوات.
وتعزّز موقع الرياض كـ"ضحية"، أو طرف غير مشارك على الأقل بانقلاب عدن معطيات أخرى أبرزها أن اليمن ومهما كانت الإمارات هي من يتصدر الواجهة تبقى مسؤولية أي تحول من هذا النوع تقع على عاتق السعودية بشكل مباشر. فالأخيرة ترتبط بأطول شريط حدودي مع اليمن بما يعرضها للمساءلة مستقبلاً ويغرس حالة من العداء في أوساط اليمنيين ضدها تتجاوز أجيال الحاضر إلى المستقبل. كل ذلك، يٌضاف إلى أن السعودية تستمد "مشروعية" تدخلها من شعاراتها وأهدافها المعلنة بدعم "اليمن" وحكومته الشرعية.
ويؤدي الانقلاب ضدّ الحكومة المعترف بها دولياً إلى سحب المشروعية التي يتحدث عنها التحالف الأمر الذي لمّح إليه وزير الخارجية اليمني السابق عبد الملك المخلافي الذي قال إنّ "على التحالف أن يدرك حجم ما حدث في عدن ومخاطره حتى وإن كانت بعض أطرافه مشاركة في ذلك" في إشارة إلى الإمارات. وأضاف أنّ "أوّل ما يجب إدراكه أنّ اليمنيين فقدوا ثقتهم بالتحالف الذي أيدوه وأعطوه مشروعية عززت المشروعية القانونية من السلطة الشرعية والمجتمع الدولي ولا شك أنّه سيكون لذلك عواقب يجب التفكير بها".
في الإطار ذاته فإنّ تصريحات حلفاء الإمارات التي نسفت محاولات "الترقيع" الإعلامي من قبل الرياض خلال الأيام الأخيرة بالحديث عن قبول "الانتقالي" بالانسحاب فضلاً عن الانطباع الذي حول التحالف إلى مادة للسخرية إذ يعلن أنه يحارب في اليمن انقلاباً ضد "الشرعية" ليقتفي أثر الحوثيين أخيراً، بتنفيذ انقلاب على الشرعية في العاصمة الثانية يكاد يكون نسخة مكررة لما شهدته صنعاء قبل سنوات كل ذلك وإن كان لا ينفي بالضرورة تواطؤ السعودية إلا أنه يعزز أنها في موقفٍ لا تحسد عليه على مختلف المستويات.
المزيد في هذا القسم:
- خطوط تركيا الجوية تعتزم رفع عدد رحلاتها الجوية إلى عدن ومخاوف من نقل المقاتلين العائدين من... التركية كشفت مصادر مطلعة بأن الخطوط الجوية التركية تعتزم رفع عدد رحلاتها المباشرة إلى عدن والعكس تحت مسمى التبادل التجاري والتعرف على المواقع السياحية والأثرية ...
- أبراج الإمارات خاوية من الشركات الأجنبية بعد هجمات صنعاء المرصاد-متابعات ساعات عصيبة قضاها رئيس الاحتلال الإسرائيلي، في أبو ظبي، تحت الملاجئ، بعد استهداف قوات صنعاء للعاصمة الإماراتية . وقالت مواقع عبرية، إن رئيس ك...
- أفعى الإمارات في الجنوب.. ماذا بعد سموم الكراهية الأحادية؟ المرصاد نت - متابعات في عدن ثغر اليمن الباسم وعلى امتداد الجغرافيا اليمنية الجنوبية يتزايد عدد الأحداث الجماعية والفردية التي تجسّد ثقافة دخيلة وجديدة لم يألف...
- المشهد اليمني المأزوم بين المعطيات والمستجدات .. والمواقف الإقليمية ! المرصاد نت - متابعات يبقى المشهد اليمني مأزوماً بين المعطيات والمستجدات والمواقف الإقليمية الجديدة التي رسمتها الإمارات بوفودها إلى إيران والذي فسره الكثير بأ...
- مشاورات السويد .. تبادل كشوفات الأسرى والمعتقلين ! المرصاد نت - متابعات بعد أيام من بدء المشاورات التي ترعاها الامم المتحدة بين الوفد الوطني ووفد حكومة هادي في السويد أعلن اليوم الوفدان انهما تبادلا لوائح تحمل...
- مواجهات بين مليشيات العدوان وعناصر القاعدة غرب المكلا وهادي يجري تعديلات حكومية المرصاد نت - متابعات شهدت ضواحي مدينة المكلا الثلاثاء 8 نوفمبر/تشرين ثان 20146 مواجهات عنيفة بين قوة عسكرية تابعه لتحالف العدوان السعودي و عناصر تنظيم القاعدة...
- العدوان يدمر مستشفي الدريهمي العام ومستشفي الأمومة والطفولة المرصاد نت - متابعات استهدفت بوارج وطيران تحالف العدوان السعودي مدينة الدريهمي باكثر من 34 غارة جوية و بحرية مما ادى الي تدمير مستشفى الدريهمي العام ومركز ومس...
- صنعاء غير مطمئنة إلى إعلان غريفيث: غطاء لتصعيد عسكري جديد المرصاد نت - متابعات رغم محاولات تحالف العدوان السعودي الحثيثة نفض يده من مجزرة الحديدة التي أوقعت عشرات الضحايا إلا أن المعطيات اجتمعت على إدانته وكشفت ما كا...
- صنعاء تقاوم وعدن أشد وطأة ..كأسنان المشط في أشداق القاتل الاقتصادي المرصاد نت - متابعات تظهر ارتدادات العدوان الاقتصادي في عموم محافظات الجمهورية وآثاره التي ازدادت سوءاً مع تدهور سعر العملة الوطنية على كل المواطنين سواء في م...
- الدور البريطاني في العدوان على اليمن… من التسليح إلى تجنيد المقاتلين! المرصاد نت - متابعات بعد شبه غياب عن الساحة اليمنية طوال أكثر من أربعة عقود وبالتحديد منذ خروج الاحتلال البريطاني من جنوب اليمن نتيجة لثورة الرابع عشر من تشري...